دولة المرابطين :
ـــــــــــــــــــــــــ
الجزء السابع :
ـــــــــــــــــــــــــ
فى دولة المرابطين الوضع كان مغاير تماماً للى بيحصل فى الأندلس .. دولة قوية حدودها ممتدة من المغرب شمالاً لحد السنغال و مالى جنوباً و كل يوم فتوحاتها بتزيد و مساحتها بتوسع .. شعب الدولة دى كان مقسوم فئتين .. علماء و جنود .. المرابطين يفتحوا المدن .. يبنوا المساجد .. يعلموا الدين .. تدريجياً أهل البلد إما بيبقوا فقهاء على قدر عالى من العلم و التدين أو بيتحولوا لجنود مهرة يساعدوا الدولة فى زيادة مساحتها .. حب جارف للجهاد .. نفوس تشربت بحب الدين و بالتالى بقى عندها رغبة عارمة فى نشره و توصيله لغيرهم .. العوامل دى هى اللى أجبرت ملوك الطوائف على الإستغاثة بيوسف بن تاشفين ..
فى المقابل ألفونسو السادس مكانش ساكت .. عبور يوسف بن تاشفين للأندلس معناه إن هيبقى فى خطورة كبيرة على مملكته اللى بقاله سنين بيحاول يوسع حدودها و عشان كده قرر إنه يستخدم الحيلة و يبعت رسالة ليوسف بن تاشفين يحاول فيها نقل المعركة لأرض المسلمين فى المغرب بدل ما المرابطين ييجوا الأندلس فقاله فى رسالته :
( من امير الملتين أذفونش بن شانجة الى الأمير يوسف بن تاشفين .. أما بعد .. فلا خفاء على ذى عينين أنك أمير المسلمين بل الملة المسلمة كما انا أمير الملة النصرانية .. و لم يخف عليك ما عليه رؤساؤكم بالآندلس من التخاذل و التواكل و الإهمال للرعية و الإخلاد الى الراحة .. و أنا أسومهم الخسف فأخرب الديار و أهتك الأستار و أقتل الشبان و أأسر الولدان و لا عذر لك فى التخلف عن نصرهم إن أمكنتك فرصة هذا .. و أنتم تعتقدون ان الله تبارك و تعالى فرض على كل واحد منكم قتال عشرة منا و أن قتلاكم فى الجنة و قتلانا فى النار و نحن نعتقد أن الله أظفرنا بكم و أعاننا عليكم و لا تقدرون دفاعاً و لا تستطيعون امتناعاً .. و بلغنا عنك أنك فى الإحتفال على نية الإقبال فلا ادرى أكان الجُبن يبطئ بك ام التكذيب بما أنزل اليك .. فإن كنت لا تستطيع الجواز فابعث إلى ما عندك من المراكب لأجوز إليك و انا اقاتلك فى أحب البقاع إليك فإن غلبتنى فتلك غنيمة جلبت إليك و نعمة مثلت بين يديك و إن غلبتك كانت لى اليد العليا و استكملت الإمارة و الله يتم الإرادة )
رسالة طويلة عريضة كلها تكبر و غرور كان هيرد عليها يوسف بن تاشفين بنفس القدر من الحدة و بالفعل أمر الكاتب بتاعه إنه يكتبهاله و لكنه بعد ما قرأها غير رأيه و قرر إنه يبعتله رسالة قصيرة جداً كتب فيها :
( قرأت كتابك .. و الجواب ما تراه لا ما تسمعه إن شاء الله )
ـــــ
بعد أيام أمر يوسف بن تاشفين فرقة من الفرسان مكونة من 500 فارس بإنها تعدى البحر تجاه الجزيرة الخضراء و دى إمارة صغيرة كده فى أقصى الجنوب الأندلسى إشترط على المعتمد بن عباد إنه يتنازل له عنها فتبقى تحت تصرفه عشان تكون نقطة إتصال مباشر بين المغرب و الأندلس .. بعدها بأيام كان باقى الجيش جاهز عشان يروح الأندلس .. تعداد الجيش مختلف فيه طبعاً و ده معتاد فى الروايات التاريخية عموماً .. الأرقام عادة بتخضع إما للمبالغة و إما للتقليل و لكن أقرب الأرقام منطقية هى حوالى 40 ألف مقاتل ما بين مرابطين و أندلسيين .. أول ما وصل إبن تاشفين سأل على الأوضاع العسكرية و أماكن تمركز قوات ألفونسو السادس ففوجىء إن المعتمد بن عباد بيعرض عليه الذهاب لإشبيلية عشان يرتاح من تعب السفر فرد عليه يوسف بن تاشفين و قاله :
( إنما جئت ناوياً جهاد العدو فحيثما كان العدو وجهت نحوه )
إحنا بنتكلم عن بيئتين مختلفتين خالص يا جماعة .. ناس إتربت من صغرها على الحياة فى الجبال .. إتربت على الزهد و كراهية الدنيا و حب الجهاد و ناس تانية عاشت جيل بعد جيل فى رخاء لحد ما استساغوا خنوعهم و ذلهم و نسيوا يعنى إيه جهاد أصلاً .. معلش سامحونى أنا بأكد على النقطة دى أكتر من مرة عشان متستغربوش من اللى هكتبه فى الأجزاء اللى جاية إن شاء الله ..
ـــــ
قبل المعركة بدأت المراسلات بين الجيشين .. إبن تاشفين بعت لألفونسو عشان يديله الخيارات الإسلامية الثلاثة المعتادة .. إما الإسلام .. و إما الجزية .. و إما الحرب .. طبعاً ألفونسو إختار الحرب .. بعدها بدأت خبرة إبن تاشفين الإدارية تظهر .. الحرب النفسية بقى .. رسالة كده عالسريع لألفونسو قاله فيها :
( بلغنا يا أذفنش أنك دعوت إلى الاجتماع بنا و تمنيت أن تكون لك سفن تعبر بها إلينا فعبرنا إليك و قد جمع الله تعالى فى هذه الساحة بيننا و بينك و سترى عاقبة دعائك و ما دعاء الكافرين إلا فى ضلال )
بعد دراسة سريعة لأرض الأندلس إختار يوسف بن تاشفين مكان المعركة عند سهل إسمه سهل الزلاقة فى غرب الأندلس ضمن حدود مملكة بطليوس و إبتدى يحط خطة الحرب .. الخطة بإختصار كانت شبيهة جداً بخطة سيدنا خالد بن الوليد فى معركة الوَلَجة .. تقسيم الجيش لثلاث أقسام .. قسم على رأسه المعتمد بن عباد و معاه حوالى 10000 مقاتل من الأندلسيين .. و قسم تانى أغلبه من الفرسان تحت قيادة واحد من أبرز قادة المرابطين إسمه داوود بن عائشة .. و القسم الثالث تحت قيادة يوسف بن تاشفين نفسه ..
ـــــ
يوم المعركة تم تحديده بعد مراسلات برضه و إنتهى الإتفاق لتحديده يوم الإثنين 15 رجب سنة 479 هجرياً – 1086 ميلادياً و رغم إلتزام المسلمين بالمعاد إلا إن ألفونسو قرر يستخدم الخدعة و جهز جيشه للهجوم يوم الجمعة 12 رجب .. الموضوع تم إكتشافه عن طريق عيون جيش المرابطين اللى نشرهم يوسف بن تاشفين لمراقبة جيش ألفونسو .. سمعوا صوت التجهيزات فقربوا أكثر و قدروا يسمعوا ألفونسو و هو بيخاطب جنوده و بيقولهم :
( إن إبن عباد هو مُسعر هذه الحروب .. و هؤلاء الصحراويون و إن كانوا أهل حفاظ و ذو بصائر فى الحرب فهم غير عارفين بهذه البلاد .. و إنما قادهم إبن عباد فاقصدوه و اهجموا عليه و اصبروا .. فإن إنكشف لكم هان عليكم أمر الصحراويين من بعده .. و لا أرى إبن عباد يصبر لكم إن صدقتموه الحملة )
على طول وصلت الأخبار لإبن تاشفين و بدأ جيش المسلمين فى التحضير حسب الخطة الموضوعة .. جيش ألفونسو كان بيتراوح حسب أغلب التقديرات من 70000 إلى 80000 مقاتل كانوا متوجهين بالأساس لجيش المعتمد بن عباد و لكنهم قابلوا فى طريقهم جيش المرابطين بقيادة داوود بن عائشة .. معركة شرسة طبعاً و لكن قوات ألفونسو قدرت إنها تجبرهم على التراجع و خسر المرابطين فى المعركة الأولى دى عدد كبير من الضحايا .. المجموعة اللى هربت إنضمت لجنود المعتمد بن عباد و استعدوا عشان المواجهة التانية و للأمانة الأندلسيين قدروا يصمدوا و قاتلوا قتال شرس و رغم كل ده إلا إن التراجع كان دايماً فى صفوف المسلمين و المعركة كان واضح إنها فى طريقها للحسم و إن الموضوع مجرد وقت مش أكتر ..
هنا اضطر المعتمد بن عباد للإستغاثة بالقسم التالت اللى تحت قيادة يوسف بن تاشفين و أطلعه على حقيقة الوضع و إنهم متراجعين و لازم يلحقهم حالاً و إلا الجيش هينهزم .. جدير بالذكر إن فى المرحلة دى كتير من جيوش ممالك الطوائف هرب و ساب أرض المعركة و يحسب لإبن عباد و جنوده صمودهم بجوار المتبقين من المرابطين .. وصلت الرسالة ليوسف اللى كان مستخبى هو و قواته ورا أحد الجبال المطلة على سهل الزلاقة .. قسم فرقته لقسمين .. قسم يدعم المعتمد بن عباد و قسم تانى تحت قيادته هيتحرك و يلتف على جيش ألفونسو و هيهجموا عليه من ورا .. مش محتاج أوصفلك اللى حصل لإن المجموعة اللى كانت مع يوسف بن تاشفين كان فيها أقوى و أمهر فرسان جيش المرابطين .. بعيد عنكم قطعوهم .. عنصر المفاجأة و مهارة فرسان المرابطين و الإرتباك و الخلل اللى حصل فى جيش ألفونسو خلوا النتايج كارثية لدرجة إن واحد من الفرسان دول قدر إنه يوصل لألفونسو و طعنه بخنجر فى فخذه و الإصابة كانت عميقة فعلاً لدرجة إن ألفونسو عاش بقية عمره بيعرج بسببها .. خلال وقت قصير جداً كان جيش ألفونسو ما بين قتيل أو جريح أو هارب ..
طبعاً الخساير محدش يقدر يحددها على وجه الدقة لإننا زى ما قلنا الأرقام فى الزمن ده بتبقى غير دقيقة .. يعنى تخيل إن فى روايات بتقول إن كل اللى نجى من جيش ألفونسو 500 فارس بس .. طبعاً ده رقم مش مقبول عقلاً لإن صعب جداً إنك تقتل حوالى 80 ألف مقاتل خلال كام ساعة و كمان ميهربش منهم حد .. أوقع الأرقام بتقول إن القتلى فى جيش ألفونسو تخطوا ال 25 ألف قتيل و الباقى هرب و بيدعم الرواية دى اللى هيحصل بعد كده من تحصن ألفونسو و عدد كبير من جنوده فى ( حصن لييط ) و الإغارة منه على القرى المحيطة بيه و لو كان جيش ألفونسو أبيد زى ما الرواية دى بتقول مكانش قدر إنه يستولى على الحصن أو على القرى اللى حواليه ..
ـــــ
الخلاصة إن معركة الزلاقة كانت نقطة فاصلة فى تاريخ الأندلس و لولا نجدة يوسف بن تاشفين لملوك الطوائف لكان الإسلام إندثر من الأندلس و لكان أبيد المسلمين هناك على إيد ألفونسو و جيوشه .. قائد بطل زى يوسف بن تاشفين عمره وصل ل 80 سنة و كان بيقود بنفسه الجيش و بيحارب فى الصفوف الأولى ربنا جعله سبب فى إستمرار الإسلام فى الأندلس لمدة 400 سنة بعد معركة الزلاقة .. 400 سنة فى ميزان البطل ده .. كل ذكر و كل صلاة و صيام و كل عبادة فى بلاد الأندلس هتكون فى ميزانه إن شاء الله ..
القصة منتهتش ..
ملوك الطوائف مش هيتعلموا حاجة من اللى حصل ..
عندها هيكون ليوسف بن تاشفين تصرف تانى معاهم ..
ـــــ
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى : https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور : https://itunes.apple.com/app/id1432249734
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ