دولة المرابطين ( جـ 1 )

دولة المرابطين :
ـــــــــــــــــــــــــ
الجزء الأول :
ـــــــــــــــــــ

الخلافة العباسية مرت بفترة طويلة من التراجع و الإنهيار .. إتقسمت أقاليمها لدول و الدول دى إتقسمت لدويلات و الدويلات إتقسمت لمقاطعات و أصبحت القوة فى إيد القادة العسكريين و الخليفة لا حول له و لا قوة و تحولت سلطته لسلطة روحية أكتر منها تنفيذية و إقتصر دوره على إصدار مراسيم تولية الولاة و الحكام .. و الولاة و الحكام دول مكانش الخليفة بيختارهم بمزاجه .. لأ طبعاً .. ده الحكم وقتها كان للى يقدر .. الإخوات و أبناء العمومة بيتقاتلوا و اللى يكسب منهم يحكم الإقليم و يبعت برسالة للخليفة يقوله أنا اللى كسبت لو سمحت إصدرلى مرسوم بتوليتى رسمياً و الخليفة طبعاً ميقدرش يرفض .. وسط الهوجة دى اللى إستمرت لأكتر من 300 سنة ظهرت دولتين قدروا إنهم يجمعوا شتات محيطهم و يقمعوا الفتن و يقيموا الدين و يوحدوا الصفوف و يهاجموا الصليبيين الأوروبيين و يستعيدوا منهم الأراضى اللى إستولوا عليها فى زمن إنحطاط الخلافة العباسية و تراجعها .. الدولة السلجوقية فى الشرق و دولة المرابطين فى الغرب .. النهاردة كلامنا هيكون عن دولة المرابطين ..

ـــــ

المرابطين قبل ما تكون دولة كانت حركة روحية دينية هدفت بالأساس لإقامة الدين الإسلامى على المذهب السنى فى وقت كان فيه المغرب العربى بيموج بالفتن .. المنطقة الواقعة بين غرب دولة الجزائر حالياً مروراً بدولة المغرب بالكامل وصولاً لدولة موريتانيا كانت بتموج بفتن عظيمة و بُعد تام عن الدين و حتى اللى كان ملتزم بالدين الإسلامى كان بيطبقه بطريقة خاطئة و إنتشرت البدع و الخرافات و ده اللى خلى قادة الحركة يتبنوا فكرة إحياء الدين فى نفوس سكان المنطقة دى و توحيد صفوفهم ..

بدأت الحركة سنة 1032 ميلادية على يد قائد إسمه أبو عبد الله محمد بن تيفاوت لكنه مات بسرعة بعد 3 سنين و إنتقلت القيادة بعده لقائد إسمه يحيى بن إبراهيم اللى قابل أحد الفقهاء إسمه الإمام أبو عمران الفاسى و ده قابله فى القيروان فى دولة تونس حالياً و شرحله الحالة اللى وصلت ليها الناس فى أقصى المغرب الإسلامى .. الإمام أبو عمران كان مقتنع إن تغيير الوضع فى المغرب مش هيكون غير بمشروع جهادى إصلاحى و لكن مشروع زى ده محتاج ظهير شعبى قوى و عشان كده إختار إن الدعوة تبتدى بين القبائل الفرعية لقبيلة صنهاجة أكبر قبائل المغرب الإسلامى .. حاول الإمام أبو عمران يبعت فقهاء و مشايخ من أتباعه مع يحيى بن إبراهيم إلا إنهم رفضوا بسبب خشونة طباع بدو الصحراء فاضطر إنه يبعت لأحد المشايخ اللى كانوا عايشين على أطراف دولة المغرب حالياً و كان فقيه إسمه وجاج بن زلّو اللمطى اللى قبل بالمهمة و إقتنع بهدف الحركة و قرر إنه يشارك فيها ..

ـــــ

وجاج إتحرك مع يحيى بن إبراهيم و نزلوا فى مدينة إسمها ( أكلو ) و هناك أسس مركز دينى و تربوى و جهادى أهل البلد كانوا بيسموه ( رباط ) – و ده سبب تسمية الدولة بالمناسبة – و بدأ فى تعليم الناس أصول الدين و لكن لوحده مكانش هيقدر ينشر الفكرة بالسرعة الكافية خاصة إن الهدف الأساسى هو الوصول للبدو اللى عايشين فى الصحراء .. عشان كده أرسل واحد من أتباعه إسمه عبد الله بن ياسين مع القائد يحيى بن إبراهيم عشان يأسسوا رباط تانى هناك و بالفعل بدأوا فى تعليم الناس هناك و لكن واجهوا صعوبات شديدة و السكان البدو إختلفوا معاهم و طردوهم و كادت دولة المرابطين تتفكك من قبل حتى ما تنشأ رسمياً ..
الشيخ عبد الله بن ياسين وقتها أصابه الإحباط و حاول إنه يرجع تانى لمدينة ( أكلو ) و ينضم لشيخه ( وجاج ) إلا إن القلة اللى فضلت معاه أقنعته بالإنزواء بعيد عن البدو و إنشاء رباط جديد و بالفعل إقتنع بكلامهم و راحوا أسسوا رباطهم بالقرب من نهر السنغال على حدود مملكة عظيمة وقتها إسمها مملكة غانا .. كانوا 9 أفراد بس وقتها يا جماعة .. 9 أفراد صادقين قدروا إنهم يأسسوا دولة هيكون ليها صولات هحكيلكم عليها بعدين .. المهم إن بعد توفيق ربنا العدد إزداد و ال 9 دول زادوا لحد ما بقوا 1000 و بدأ القادة يبعتوا أعضاء الحركة لقبائلهم لنشر الفكرة و محاولة إقناعهم بالإنضمام ليهم .. بالطبع إنضم لهم عدد مش بطال و لكن الأغلبية رفضت الفكرة و ده خلى يحيى بن إبراهيم بصفته قائد عسكرى أكثر منه فقهى يجهز العدد المتاح تحت إيده و يخرج بيهم لقتال القبائل الرافضة الإنضمام ليهم و بالفعل نجحوا فى هزيمة عدد من القبائل المحيطة بيهم رغم إن عددهم مكانش كبير و كانت إحتمالية إنتصارهم صعبة جداً ..

ـــــ

إنتصاراتهم دى أقنعت قبائل كتير بالإنضمام ليهم و بدأ يبقى للحركة شكل لأول مرة و إزدهروا تجارياً و بقى فى مصادر للدخل بخلاف المصادر الطبيعية من الغنائم .. تقوية المركز المالى للحركة ساعدها فى تأسيس هيكل إدارى كامل و لأول مرة أصبحت الحركة تسمى نفسها بإسم دولة المرابطين .. آلاف من سكان القبائل إنضموا للدولة الوليدة و معاها بدأ طموحهم يزيد لحد ما قرروا فى سنة 1056 إنهم يهاجموا مملكة غانا عشان يستعيدوا منها مدينة إسمها ( أودجاست ) و دى كانت مركز لدولة إسلامية إستولت عليها مملكة غانا فى وقت سابق و بالفعل إستطاعوا السيطرة على المدينة و مكتفوش بكده و لكن ضموا ليها أراضى واسعة تحت سيطرة المملكة ..

قبل الوقت ده كان القائد يحيى بن إبراهيم مات و تولى مكانه قائد جديد إسمه يحيى بن عمر اللمتونى اللى بعتله القائد الدينى للدولة عبد الله بن ياسين رسالة يطلب منه مساعدته لقتال قبائل الشمال اللى تفشت بينها الفتن و على رأسها برغواطة و غمارة و مغراوة بخلاف بعض الطوائف الشيعية فوافق على طول و اتحرك جزء من الجيش تجاه الشمال و الجزء الباقى إستكمل فتوحاته فى الجنوب و توغل فى مناطق مملكة غانا زى ما قلنا .. و عشان الصورة تبقى أوضح لازم تعرفوا إن الموضوع مكانش مجرد فتن بسيطة سهل التغلب عليها بدون قتال .. برغواطة مثلاً ظهر فيها واحد بيدعى النبوة و ألف قرءان و إخترع طريقة جديدة للوضوء و أباح الزواج بأكثر من أربعة .. غمارة هى كمان ظهر فيها واحد بيدعى النبوة و ألف قرءان هو كمان و لغى الحج و الوضوء .. إحنا بنتكلم عن شريعة و عبادات جديدة خالص .. ناس غيرت ثوابت الدين تماماً و كان قتالهم واجب ..

ـــــ

وسط الحروب دى و تحديداً سنة 1056 إتوفى القائد يحيى بن عمر و تم تعيين أخوه أبو بكر بن عمر مكانه .. أبو بكر بن عمر اللى هيكون السبب الأساسى فى ظهور قائد من أشهر قادة المسلمين عبر تاريخهم .. واحد من القادة اللى ربنا سبحانه و تعالى جعلهم سبب فى تثبيت دعائم الإسلام فى المغرب العربى و الأندلس .. القائد اللى هيدور حواليه الكلام فى الجزء الجاى ..
أمير المسلمين أبو يعقوب يوسف بن تاشفين ..

ـــــ