قال رسول الله ﷺ :
( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى .. إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت )
وقد روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال :
( من قل حياؤه قل ورعه .. ومن قل ورعه مات قلبه )
وقال الحسن بن على رضى الله عنه :
( أربع من كن فيه كان كاملاً ومن تعلق بواحدة منهن كان من صالحى قومه .. دين يرشده .. وعقل يسدده .. وحسب يصونه .. وحياء يقوده )
وقال حذيفة بن اليمان رضى الله عنه :
( لا خير فيمن لا يستحى من الناس )
وإذا ما أتينا على ذكر الحياء فلابد لنا من أن نذكره كواحدة من صفات وشمائل النبى ﷺ
ـــــ
النبى ﷺ كان أشد الناس حياءاً حتى أن أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه قال فيه :
( كان النبى ﷺ أشد حياءً من العذراء فى خِدرها .. فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه فى وجهه )
فكان حياؤه أشد حتى من حياء الفتاة البكر المحتجبة فى غرفتها لا تراها العيون .. والحياء كما هو معروف شعبة من شعب الإيمان بل إن النبى ﷺ وصفه بأنه خلق الإسلام فقال :
( إن لكل دين خلقاً .. وخلق الإسلام الحياء )
ـــــ
والروايات عن حياء النبى ﷺ كثيرة منها ما حدث يوم زواجه من أم المؤمنين زينب بنت جحش حيث تناول الصحابة رضوان الله عليهم طعامهم ثم بدأوا بالتفرق تدريجياً حتى لم يتبق منهم إلا ثلاثة ظلوا جالسين داخل منزل النبى يتحدثون وكلما خرج وجدهم لا يزالون جالسين مستأنسين بالحديث فيعود أدراجه حياءاً من أن يطلب منهم الخروج وتكرر الأمر فى أكثر من موقف وفى كل مرة يضطر النبى ﷺ أن يصمت من شدة حياؤه حتى تولى الله عز وجل الرد عنه فأنزل قرءاناً من سورة الأحزاب فيه :
( فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ )
ـــــ
أيضاً من المواقف التى توضح حياء النبى ﷺ ما حدث عندما إجتمع مع بعض صحابته على مأدبة غذاء وكان الطعام لحم جزور أى لحم إبل وبينما هم يأكلون إذا ظهرت رائحة تدل على أن أحد الجالسين قد أحدث وبالتالى إنتقض وضوءه .. بعدها بقليل حانت صلاة العصر وكل صحابته ﷺ متوضئين فإذا ما قاموا للصلاة فلن يبقى سوى الرجل الذى أحدث وهو ما سيشعره بالحرج بالتأكيد فما كان من النبى ﷺ إلا أن قال لمن حضر الغذاء :
( من أكل لحم جزور فليتوضأ )
فردوا جميعاً :
( كلنا أكلنا )
فقال :
( كلكم توضئوا )
وهذا من عظيم كماله وحياءه حيث ستر حال هذا الذى أحدث ولم يرد أن يشعره بالحرج أمام باقى الصحابة ..
ـــــ
ومن المواقف التى تدل على حسن إختياره ﷺ لألفاظه ما حدث مع أسامة بن زيد رضى الله عنه حيث أهداه النبى ﷺ ثوباً يشبه العباءة فلما رأه يوماً لا يلبسها سأله عنها فقال له أسامة :
( يا رسول الله .. كسوتها امرأتى )
فقال له رسول الله ﷺ :
( مُرها فلتجعل تحتها غلالة ” لباس داخلى رقيق ” .. إنى أخاف أن تصف حجم عظامها )
إختار لفظ عظامها رغم أن العظام ليست هى ما يظهر من الملابس وبهذا فهو نصح أسامة رضى الله عنه وفى نفس الوقت استحيا أن ينطق لفظاً ربما يؤذيه دون قصد وهذا من كمال أدبه وحياؤه ﷺ
ـــــ
وربما يظن البعض أن ذلك الحياء يدل على ضعف أو قصور فى التواصل قد يمنع النبى ﷺ من الحديث فى بعض الأمور التى تخص أمته وهو عكس الحقيقة تماماً .. فحياء النبى خلق كريم لم يمنعه أبداً عن مواجهة الكافرين فى شركهم بكل حزم وقوة ولم يمنعه أيضاً من بيان أحكام الدين للمسلمين حين تقتضى الضرورة ذلك خاصة إذا ما تعلق الأمر بالنساء وليس أدل على ذلك من موقفه مع أم سليم الأنصارية رضى الله عنها حين سألته :
( يا رسول الله .. إن الله لا يستحيى من الحق .. فهل على المرأة غسل إذا احتلمت ؟ )
فقال رسول الله بكل وضوح :
( نعم .. إذا رأت الماء )
موقف أخر حدث عندما أتته امرأة تسأله عن غسلها من المحيض فقال لها :
( خذى فِرصَة – أى قطعة قطن – من مِسك فتطهرى بها )
فقالت المرأة :
( كيف أتطهر ؟ )
فقال :
( تطهرى بها )
فقالت :
( كيف ؟ )
فقال ﷺ وقد ستر وجهه من الحياء :
( سبحان الله .. تطهرى بها )
وكانت السيدة عائشة حاضرة للموقف فقامت وأخذت المرأة جانباً وقالت لها :
( تتبعى بها أثر الدم )
ومن هذين الموقفين يتضح لنا أن رسول الله ﷺ واضح تمام الوضوح فى مسألة تفقيه المسلمين بأمور دينهم ولكن فى نفس الوقت يمنعه حياؤه من الإستفاضة فى الإيضاح خاصة عندما يكون الأمر جلياً لا يحتاج إلى شرح كما حدث فى الموقف الثانى ..
ـــــ
كان رسول الله ﷺ حيياً لا يُسأل شيئاً إلا أعطاه .. وقد عرف عنه أنه لم يرد سائلاً أبداً ولم يُخيب ظن من طلبه وقصده فى أمر .. عرف عنه أيضاً أنه كان يستحيى من مواجهة الناس بأخطائهم وإذا ما فعل أحدهم نقيصة أمامه عرف الصحابة ذلك من وجهه الكريم دون أن يتحدث .. وإذا وقع أحدهم فى خطأ غير مقصود كان ﷺ يرسل إليه أحد أصحابه لتوجيهه كيلا يشعر بالحرج أمامه إذا ما نصحه مباشرة .. وكان من شدة حياؤه ﷺ أنه إذا بلغه عن شخص ما أمر غير جيد أو رأى منه ما يضايقه فلا يوجه إليه كلامه مباشرة وإنما يجعل نصيحته فى العموم حتى لا يجرح مشاعره أمام الأخرين فكان يقول :
( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا )
فجعل من جميل حلمه وحياؤه النصيحة لعامة الناس دون أن يذكر صاحب الخطأ .. وإذا كان ﷺ حيياً مع الناس فأولى به أن يكون حيياً مع الله سبحانه وتعالى ودليل ذلك ما قاله لنبى الله موسى عليه السلام فى رحلة الإسراء والمعراج حين طلب منه سؤال المولى عز وجل فى تخفيف فرض الصلاة فقال ﷺ :
( استحييت من ربى )
فاللهم صلى على محمد وعلى آل محمد عدد ما كان وعدد ما يكون وعدد الحركات والسكون
ـــــ