حقيقة الوضع المالى لرسول الله ﷺ

وصلتنى رسالة من صديق عزيز قالى فيها إنه سمع إن النبى ﷺ كان غنى لدرجة إن مصروفه السنوى يقدر ب 3 مليون دولار بمقاييس زماننا الحالى وده قادنا لسؤال بديهى .. هل النبى ﷺ كان غنى ولا كان فقير خاصة إن الروايات اللى بتدل على فقره أشهر بين عامة الناس ؟

خلينا نبتدى الموضوع من الأول ونمشى خطوة خطوة ..

ـــــ

* هل النبى ﷺ كان فقير ؟

النبى ﷺ من بنى هاشم وهم من أواسط العرب وأفضلهم نسباً .. مش أغنى العرب ومش أفقرهم .. بنى مخزوم مثلاً كانوا أغنى ومنهم الوليد بن المغيرة أغنى أغنياء العرب ..

ـــــ

* هل ده معناه إن النبى كان فقير خاصة إنه إشتغل فى رعى الأغنام فى شبابه ؟

النبى ﷺ مكانش فقير أبداً وده من اليوم الأول لمولده .. والده كان صاحب تجارة وجده عبد المطلب كان سيد مكة ودول كفاية إنهم ينفوا عنه صفة الفقر .. أما مسألة رعى الأغنام فليها علاقة بالنبى ﷺ نفسه لإنه إتعلم رعايتها فى ديار بنى سعد اللى منها مرضعته السيدة حليمة السعدية لإنه عاش أول 5 سنين من عمره هناك وإتعلم منهم رعى الأغنام ولما رجع لمكة وتوفت والدته السيدة آمنة بنت وهب طلب منه جده عبد المطلب ملازمته لتعليمه أمور السياسة فالنبى قاله :

( يا جدى .. إننى تعلمت رعى الغنم فى بادية بنى سعد وأحب أن أرعاها فى مكة )

وده حفيد سيد مكة .. يعنى رعى الغنم كان رغبة شخصية منه وليس بداعى الفقر .. سبب تانى يرجع لحكمة ربانية .. النبى ﷺ قال فى الحديث الشريف :

( ما من نبى إلا وقد رعى الغنم )

فقالوا :

( حتى أنت يا رسول الله ؟ )

قال :

( رعيتها على قراريط لأهل مكة )

فكانت حكمة الله عز وجل إنه يشتغل مهنة الأنبياء قبل ما يعرف بأمر نبوته والقراريط هى أجزاء الدراهم والدنانير وقيل أنها مكانتش أجر وإنما كانت نسبة من الأرباح لأن النبى ﷺ مشتغلش أجير عند حد ..

أما الحكمة من رعاية الغنم نفسها فمعروف بين العرب إن الغنم هى أصعب أنواع الحيوانات فى الرعاية بخلاف الإبل والبقر لأنها ضعيفة وسريعة الحركة ويصعب حمايتها فى الأماكن المفتوحة ومحتاجة لرقابة شديدة ..

النبى ﷺ قال فى الحديث الشريف :

( الفخر والخيلاء فى أهل الخيل والإبل .. والفَدّادين أهل الوبر .. والسكينة فى أهل الغنم )

أما الحافظ ابن حجر العسقلانى فقال :

( لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها فى المرعى ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة )

أما شيخ الإسلام بن تيمية فقال :

( فى ذلك للأنبياء حكمة بالغة .. وتدريج من الله تعالى لهم إلى كرامته .. وتدريب برعايتها لسياسة أممهم من خلقه بما سبق لهم من الكرامة فى الأزل ومتقدم العلم بذلك )

ـــــ

* طب تفسر بإيه الأحاديث الصحيحة اللى ذكرت إن النبى ربط على بطنه حجر من شدة الجوع وإن داره مكانش بيدخلها الأكل لشهرين متتالين وإنه ﷺ توفى ودرعه مرهون عند واحد يهودى ؟

الأحاديث دى مرتبطة بفترة زمنية معينة ولا تعبر عن حالة النبى طول حياته .. يعنى ظروف مؤقتة مش دايمة .. ربطه ﷺ للحجر على بطنه مثلاً كان يوم حفر الخندق فى غزوة الأحزاب والمسلمين وقتها كانوا فى بداية حياتهم فى المدينة وأنفقوا كل مالهم على حماية المدينة وتجهيز الجيش فكان الجميع بيمر بضائقة مالية شديدة ..

أما عدم دخول الطعام لداره لمدة شهرين فده حصل فى بداية الدعوة بالمدينة وكان أغلب المهاجرين فقراء تركوا أموالهم وممتلكاتهم فى مكة والنبى ﷺ من طبعه الزهد والكرم فكان بيتكفل بالإنفاق على فقراء المهاجرين فى الوقت ده لحد ما ربنا فتحها على المسلمين فى المدينة وإتحسنت أحوالهم ..

أما وفاته ودرعه مرهونة عند واحد يهودى فالقصة حصلت بعد ما النبى ﷺ جهز جيش أسامة بن زيد لملاقاة الروم ووضع كل ما يملك فى تجهيز الجيش ومتبقاش معاه شيء وفى أحد الليالى جاله ضيف فاستقبله ﷺ وأراد إكرامه فبعت درعه لليهودى يرهنه مقابل 30 صاع من الشعير ..

أما لو فى حد تسائل ليه النبى رهن الدرع عند يهودى بدل ما يرهنه عند أحد أصحابه فلازم نفهم إن كل تصرف بيتصرفه النبى ﷺ يعتبر تشريع بيمشى عليه كل المسلمين من بعده ورهن الدرع عند اليهودى فيه تأكيد على جواز التعامل المالى مع أصحاب الشرائع الأخرى حتى لو كانت فى أدوات الحرب وفى وقت الحرب ..

ممكن كمان نفهم إن الصحابة شاركوا بجُل أموالهم فى تجهيز الجيش والنبى ﷺ بالتأكيد عارف كده فجايز محبش إنه يضغط على أى منهم وربما الصحابى يديله اللى عاوزه وأكثر دون مقابل فيبقى النبى ﷺ أحرجه وضغط عليه مادياً دون قصد عشان كده حب إن المعاملة تكون مادية خالصة دون أن شوائب ..

ـــــ

* طب بما إن النبى ﷺ مكانش فقير ممكن تقولى إيه هى مصادر دخله ؟

بخلاف ميراثه من والده ووالدته فهو شخصياً كون ثروة لنفسه من رعاية الأغنام ومن التجارة مع عمه أبو طالب اللى خرج فى أول رحلة تجارية معاه وعمره 12 سنة .. سفره وقيادته لقوافل التجارة بين مكة والشام ونبوغه وأمانته كان حديث الناس لحد ما وصل إلى السيدة خديجة عن طريق غلامها ميسرة فأرسلت للنبى ﷺ وطلبت منه الخروج على تجارتها مقابل أجر فرفض لإنه مبيشتغلش أجير وعرض عليها الشراكة فوافقت .. الشراكة بينهم إستمرت 7 سنين ودى فترة كافية جداً لتكوين ثروة طائلة لإن السيدة خديجة كانت من أثرى نساء العرب .. بعد ال 7 سنين طلبت السيدة خديجة الزواج من النبى ﷺ وصداقها كان 12.5 أوقية فضة وقيل عشرين إبل .. ورغم ثروتها إلا إن النبى كان هو المسئول عن الإنفاق حتى قبل البعثة لإن بعد البعثة القرءان حسم المسألة وربط قوامة الرجل بالإنفاق :

( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )

بعد البعثة زاد على ما سبق مقرراته المادية طبقاً لنص القرءان :

( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ )

فالنبى كان له خمس الغنائم وبالمناسبة كان بينفقها كلها فى التصدق على المحتاجين وعلى تجهيز الجيوش وعلى تأمين الدولة الإسلامية اللى كانت بتتوسع فى عهده بالتدريج .. يعنى بإختصار نقدر نحصر مصادر دخل النبى ﷺ فى الآتى :

– ميراثه من والده ووالدته
– ميراثه من السيدة خديجة
– دخله من التجارة على مدار عمره
– مقرراته المالية الشرعية

ـــــ

* طيب هل فى مظاهر فى حياة النبى ﷺ تؤيد إنه كان صاحب ثروة ؟

– طبعاً فى كتير .. أولها كلام الله عز وجل فى القرءان :

( وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ )

يعنى الله سبحانه وتعالى تكفل بإغناء النبى ﷺ عن الحاجة لمخلوقاته فكان ﷺ يعطى عطاء من لا يخشى الفقر .. أساساً النبى ﷺ كان متزوج 11 زوجة توفى منهم 2 فى حياته وبقى 9 زوجات .. يعنى كان بينفق على 9 بيوت وكان معروف عنه إنه بيجنب مصروف ال 9 بيوت فى أول السنة .. إزاى شخص فقير يقدر ينفق على 9 بيوت ناهيك عن تجنيب مصروفهم السنوى مرة واحدة ؟!

– ثانى الأدلة هو اللى حصل لما انقطع الوحى عن النبى ﷺ وبدأ المشركين يتكلموا عن هجران ربنا ليه فحزن ﷺ وحكى للسيدة خديجة اللى حصل فقالتله :

( كلا .. والله ما يخزيك الله أبداً .. إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكَلَّ وتَكسب المعدوم وتَقرى الضيف وتعين على نوائب الحق )

فالإحسان إلى الأقارب بترجم بالمساعدة المادية والخدمة والزيارة .. أما حمل الكَلّ فقد روى أن الرجل كان يقابل النبى ﷺ يطلب منه المساعدة لكبر سنه فكان يشترى له الإبل أو الخيل التى تعينه على آداء عمله .. أما إكساب المعدوم فمعناه الإنفاق على الفقير المعدم الذى لا يجد قوت يومه وكان ﷺ يربط المساعدة بشراء غنماً أو إبلاً بغرض التكاثر فيخرج الفقير المعدم بالتدريج من فقره .. أما إقراء الضيف فكان معروف إن الغرباء وعابرى السبيل طعامهم وضيافتهم فى بيت محمد وخديجة .. أما الإعانة على نوائب الحق فهى المساعدة فى الحوادث والمصائب وقد روى أن مكة تعرضت لسيل تضرر منه 24 بيت من بيوت الفقراء فاشترى لهم النبى ﷺ منازل بديلة على نفقته الخاصة ..

يبقى إزاى واحد فقير يقدر يتكفل بده كله ؟

– ثالث المظاهر هو شراءه لأرض المسجد النبوى وإقامة منزله فيه وهو أمر لا يقدر عليه إلا من يملك المال

– رابع المظاهر هى إهتمامه بنفسه وبيان أثر نعمة الله عليه من ملبس وتعطر وممتلكات زى ناقته وفرسه وبغلته وده كان لا يتوفر للفقراء بطبيعة الحال

– خامس المظاهر هو كرمه وعطاؤه وقد روى أنس بن مالك أن رجلاً سأل النبى ﷺ غنماً تملأ ما بين جبلين فأعطاه ما أراد فأتى قومه فقال :

( أى قوم .. أسلموا .. فوالله إن محمداً ليعطى عطاء ما يخاف الفقر )

وده على سبيل المثال لا الحصر ..

ــــ

بإختصار ..

النبى ﷺ بشر ومر عليه اللى بيمر على سائر البشر من ظروف .. أحياناً بتبقى الظروف كويسة وأحياناً بتبقى صعبة .. النبى ﷺ كان كريم جداً وكان دايماً ينفق ولا يُبقى لنفسه أو لأهله إلا أقل القليل .. حتى ما يملكه من أغنام كان يحب إنهم ميزيدوش عن 100 رأس لأنه شاف فى الرقم ده الكفاية وزيادة فكان بيأمر بذبح ما زاد عنها والتصدق بها ..

الظروف المادية الصعبة اللى عاشها النبى ﷺ كانت مرتبطة بحوادث مؤقتة زى ما قلنا إنما مكانتش دى حياته فى الإجمال .. النبى ﷺ كان ميسور الحال ومكانش بيحتاج لحد وده وعد إلهى ليه .. مجرد وصم النبى بالفقر يعد من سوء الأدب تجاهه ﷺ فالنبى كان أغنى الناس بالله وقد كفاه الله أمر دنياه حتى أنه توفى تاركاً تجارة وأموال وبساتين فى المدينة وفَدَك ..

أما عن سبب مروره أحياناً بضائقة مالية فده لظروف إستثنائية لا تمثل طبيعة حياته ﷺ .. الإمام النووى بيقول :

( وقوله : ينفق على أهله نفقة سنة أى يعزل لهم نفقة سنة .. ولكنه كان ينفقه قبل انقضاء السنة فى وجوه الخير فلا تتم عليه السنة ولهذا توفى ﷺ ودرعه مرهونة على شعير استدانه لأهله .. ولم يشبع ثلاثة أيام تباعاً وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بكثرة جوعه ﷺ وجوع عياله )

ــــ