ثُمامة بن أُثال .. أول مُلبى فى الإسلام

العاشر من محرم .. السنة السادسة للهجرة ..

رسول الله ﷺ يرسل ( محمد بن مسلمة ) على رأس فصيل عسكرى لتأديب القبائل النجدية من بنى بكر بن كِلاب الذين شاركوا فى غزوة الأحزاب .. ينجح الفصيل فى مهمته ومن ثم يعاود طريقه إلى المدينة المنورة ..

بعد بضعة أيام ..

( ثُمامة بن أُثال ) واحد من سادة بنى حنيفة المتمركزين فى منطقة اليمامة يخرج إلى مكة ينتوى العمرة .. بعد قرابة عشرة أيام يقطع الفصيل الإسلامى طريقه ويقوم بأسره قبل أن يعود به – دون أن يعرف هويته – إلى المدينة المنورة حتى يقضى فيه النبى ﷺ ..

ـــــ

( ثُمامة بن أُثال ) هو أحد سادة بنو حنيفة وكلمته نافذة فيهم ومثله مثل سادة المشركين فى تلك السنوات كان يتابع أمر الدعوة الوليدة فى غرب جزيرة العرب التى يتزعمها ( محمد بن عبد الله ) وكيف أن تلك الدعوة أتت فهدمت كثير من الثوابت التى سارت عليها قبائل العرب لقرون .. كيف يتساوى السادة بالعبيد ؟ .. كيف ينهار النظام الإجتماعى التى إعتمدوه طوال عمرهم ؟ .. كيف تؤثر تلك الدعوة فى نفوس أدمنت الطبقية بهذا الشكل ؟

لابد من إيقاف محمد بأى شكل حتى لو كانت الطريقة الوحيدة لذلك هى قتله ..

وأنا ( ثُمامة ) كفيل بهذا ..

ـــــ

رغبة ( ثمامة ) فى قتل النبى ﷺ قابلتها رغبة من باقى سادة اليمامة بضرورة إثناؤه عن تخطيطه حتى لا تقوم ضدهم حرب هم فى غنى عنها .. حديث ( ثمامة ) عن النبى ﷺ وصل لأسماعه فدعا الله عز وجل أن يُمكنه منه فاستجاب الله لنبيه ﷺ واستطاع ( محمد بن مسلمة ) أن يأسره فى طريق عودته إلى المدينة كما أسلفنا ..

فى المسجد النبوى تم ربط ( ثُمامة بن أُثال ) فى أحد أعمدته ثم ذهب الصحابة رضوان الله عليهم إلى النبى ﷺ ليخبروه بأمر ذلك الأسير فذهب إليه رسول الله ﷺ واطلع عليه من بعيد فلما رآه قال لمن حوله :

( أتدرون من أخذتم .. هذا ثمامة بن أثال الحنفى .. أحسنوا إساره )

ثم عاد النبى ﷺ إلى أهله وأخبرهم أن يجمعوا ما عندهم من طعام وأن يحلبوا ناقته ثم يبعثون بهذا كله إلى ( ثمامة ) فى المسجد ..

ـــــ

ظل ( ثمامة ) فى المسجد ثلاثة أيام .. فى اليوم الأول أتاه رسول الله ﷺ وقال له :

( أسلم يا ثمامة )

فقال له ثمامة :

( إيه يا محمد .. إن تقتل تقتل ذا دم وإن ترد الفداء فسل ما شئت )

وكان يقصد أنه لن يسلم وأن النبى ﷺ إن قتله فهو ذا دم أى ذو حسب ونسب وشرف وهو سيد قومه وبالتأكيد لن يتركوا دمه يذهب هدراً .. أما لو أراد النبى ﷺ الفداء فله ما سئل فتركه رسول الله ﷺ وعاد إليه فى اليوم التالى وقال له :

( ما عندك يا ثمامة ؟ )

فقال :

( عندى خير يا محمد .. إن تقتلنى تقتل ذا دم .. وإن تنعم تنعم على شاكر .. وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت )

فتركه رسول الله ﷺ وعاد إليه فى اليوم الثالث وقال له :

( ما عندك يا ثمامة ؟ )

فقال :

( عندى ما قلت لك )

فقال رسول الله ﷺ :

( أطلقوا ثمامة )

ورسول الله إنما أراد من ذلك أن يستميله للإسلام فهو لم يكن يريد الإنتقام منه قدر ما أراد له النجاة .. أطاع الصحابة أمر رسول الله ﷺ وفكوا وثاقه فخرج من المسجد وسار حتى أقرب نبع مياه من المسجد وهناك اغتسل ثم عاد إلى المسجد مرة أخرى وقال للنبى ﷺ :

( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله .. يا محمد .. والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلى من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلى .. والله ما كان من دين أبغض إلى من دينك فأصبح دينك أحب دين إلى .. والله ما كان من بلد أبغض إلى من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إلى )

وعالب الظن أن ( ثمامة ) فعل ذلك حتى لا يقال أنه أسلم خوفاً على حياته أو ربما أعاد التفكير بعد إطلاق سراحه خاصة أنه عايش الصحابة رضوان الله عليهم فى المسجد النبوى طيلة ثلاثة أيام وربما وقع الإسلام فى نفسه جراء معايشته لهم .. على أى حال إستكمل ثمامة حديثه مع النبى ﷺ فقال له :

( إن خيلك أخذتنى وأنا أريد العمرة .. فماذا ترى ؟ )

فبشره رسول الله ﷺ بالخير وقال له أن يتمم عمرته ولكن على شريعة الله ورسوله وعلمه طريقة إقامة المناسك فخرج من فوره إلى مكة وهناك دخل البيت الحرام ملبياً بكلمات لم يعتادها المشركون ..

( لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. إن الحمد والنعمة لك والملك .. لا شريك لك )

فكان أول مسلم يدخل الحرم ملبياً وكلما رفع صوته كلما ثارت غضبة المشركين وهو لا يبالى بهم حتى قام إليه بعضهم وأخذوه ليضربوا عنقه فلحق بهم واحد منهم وقال :

( دعوه .. فإنكم تحتاجون إلى اليمامة لطعامكم )

ثم التفت إليه وقال :

( أصبوت يا ثمامة ؟ .. خرجت من دينك )

فقال :

( لا .. ولكنى اتبعت خير الدين .. دين محمد .. ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبى ﷺ )

ـــــ

اليمامة تقع فى النصف الشرقى لجزيرة العرب وهى تعتبر ريفها وسلة غذاءها واشتهرت دائماً بخصوبة أراضيها وكونها المصدر الأساسى للقمح لغالبية قبائل العرب وبإسلام ثمامة أصبحت قريش فى أزمة بالغة بسبب عداوتها مع النبى ﷺ لأن ثمامة ربط بين توريد القمح إليهم وموافقته ﷺ على ذلك ..

فى البداية حاولت قريش إيجاد حلول ولكن الأمر كان مستحيلاً خاصة فى بلاد صحراوية مثل تلك وهو ما جعلها تستسلم بعد فترة فاضطر سادتها أن يكتبوا رسالة إلى النبى ﷺ قالوا فيها :

( إن عهدنا بك أنك تأمر بصلة الرحم وتحض عليها .. وإن ثمامة قد قطع عنا ميرتنا – أى المؤونة – وأضر بنا .. فإن رأيت أن تكتب إليه أن يخلى بيننا وبين ميرتنا فافعل )

فكتب إليه رسول الله ﷺ :

( أن خل بين قومى وميرتهم )

ـــــ

عاش ( ثمامة بن أُثال ) فى اليمامة محافظاً على دينه وداعياً إلى الله حتى توفى رسول الله ﷺ وعندها ارتدت جزيرة العرب كلها تقريباً ولم يبق على الإسلام سوى مكة والمدينة والطائف وظهر فى اليمامة ( مسيلمة بن حبيب الكذاب ) مدعياً أنه نبى من الله يوحى إليه فعارضه ثمامة أيما معارضه ووقف بين الناس داعياً إياهم للحفاظ على دينهم وعدم الإرتداد مع من ارتدوا قائلاً لهم :

( إياكم وأمراً مظلماً لا نور فيه .. وإنه لشقاء كتبه الله عز وجل على من أخذ به منكم وبلاء على من لم يأخذ به منكم يا بنى حنيفة )

فى تلك الفترة اقتربت فرقة إسلامية أخرجها الخليفة ( أبو بكر الصديق ) من المدينة المنورة بقيادة ( العلاء بن الحضرمى ) لقتال المرتدين فى بلاد البحرين وقد انحاز لتلك الجماعة كثير من المسلمين على طول الطريق فاستغل ( ثمامة ) اقترابهم من اليمامة وعزم على الإنضمام لهم وقال لأصحابه من المسلمين :

( إنى والله ما أرى أن أقيم مع هؤلاء مع ما قد أحدثوا .. وإن الله تعالى لضاربهم ببلية لا يقومون بها ولا يقعدون .. وما نرى أن نتخلف عن هؤلاء وهم مسلمون وقد عرفنا الذى يريدون .. وقد مروا قريباً ولا أرى إلا الخروج إليهم .. فمن أراد الخروج منكم فليخرج )

ثم وقف بين قومه ونصحهم النصيحة الأخيرة لعلهم يستمعون إليه فقال :

( اسمعوا منى وأطيعوا أمرى ترشدوا .. إنه لم يجتمع نبيان بأمر واحد .. إن محمداً ﷺ لا نبى بعده ولا نبى مرسلاً معه .. ثمَّ قرأ } حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ إلَيْهِ الْـمَصِيرُ{  هذا كلام الله عز وجل .. أين هذا من : يا ضفدع نِقى كما تنقين أعلاك فى الماء وأسفلك فى الطين لا الشرب تمنعين ولا الماء تكدرين )

وكان هذا من ترهات وسجع مسيلمة الكذاب الذى ادعى أنه قرءاناً يوحى إليه من السماء .. أما عن خطاب ثمامة ففى نهايته استفاق عدد غير قليل من أهل اليمامة بسببه – قيل أنهم ثلاثة آلاف – وانحازوا إلى جيش ( خالد بن الوليد ) الذى كان قد اقترب بدوره من اليمامة فكان رضى الله عنه سبباً فى تقوية جيش المسلمين وإضعاف عزيمة مسيلمة وجنده ..

ـــــ

أما عن وفاة ( ثمامة بن أثال ) فقد روى أنه لما انضم إلى جيش ( العلاء بن الحضرمى ) ذهبوا إلى بلاد البحرين لقتال بنو قيس بن ثعلبة وزعيمهم ( الحُطَم بن ضَبيعة ) ومن اجتمع له من قبائل المرتدين وبالفعل أمكنهم الله منه وقُتل ( الحطم ) فى تلك المعركة ..

فى اليوم التالى جلس ( العلاء ) لتوزيع غنائم المعركة فكان من نصيب ( ثمامة بن أثال ) خميصة ذات أعلام – ثوب – كانت للحطم وكان دائماً ما يباهى بها وفى أثناء عودة ثمامة إلى اليمامة مرة أخرى رآه رجال من بنو قيس بن ثعلبة فاتهموه بقتل الحُطَم فحاول ثمامة التملص منهم فأخبرهم أنه اشتراها من مغانم المعركة إلا أنهم لم يصدقوه وقتلوه فداءاً لزعيمهم ..

رحم الله ( ثمامة بن أُثال الحنفى ) وغفر له وجمعنا به وبرسول الله ﷺ فى جنات النعيم ..

ـــــ

مصادر :
ــــــــــــ

* أسد الغابة فى معرفة الصحابة لابن الأثير ص 158 – 159
* الكامل في التاريخ لابن الأثير – ذكر أحداث سنة إحدى عشرة – ذكر ردة أهل البحرين

ـــــ