الحاجب المنصور .. ماله وما عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء التاسع :
ـــــــــــــــــــــــ
سنة 378 هجرياً الوضع فى مملكة ليون بدأ يستتب ل ( بيرمودو الثانى – Bermudo II of León ) بفضل حامية المنصور اللى كانت معسكرة هناك .. القلق الوحيد اللى كان بيحصل هو الإشتباكات المستمرة بين السكان المحليين والجنود المسلمين اللى فى الحامية .. يخرج جنود المسلمين عشان يشتروا مستلزماتهم من السوق فيحتك بيهم بعض الشباب فيدافع الجنود عن نفسهم فتحصل إصابات .. الإصابات تزيد فالشغب يزيد فيقع ضحايا .. وهكذا ..
( بيرمودو ) كان بيدور على أى فرصة يطرد بيها الحامية الأندلسية من مملكته .. وجودها يعنى تبعيته رسمياً لدولة الأندلس وده معناه إجباره على دفع الجزية .. حالة الكراهية المتزايدة بين الشعب والحامية الإسلامية شجع ( بيرمودو ) على تكوين جيش كبير من الجنود القدام والمتطوعين من الشعب وهجم بيه على الحامية وبالفعل نجح إنه يخرجهم بره حدود مملكته ..
وصلت الأخبار للمنصور فقرر إنه يرد على طول .. جهز جيشه وطلع على مدينة ( قُلُمرية – Coimbra ) فى البرتغال حالياً واستولى عليها بعد ما خربها تماماً وقبل ما يكمل على ليون وصلته أخبار إن ملك نافارا ( سانشو جارسيث – Sancho Garcés Abarca II ) إقتحم أراضى الدولة الأندلسية فاضطر المنصور إنه يتحرك عشان يوقفه وبالفعل هزمه وأجبره على التراجع لمدينة ( بنبلونة – Pamplona ) عاصمة نافارا وعندها قرر إنه يرجع ل ( سرقسطة – Zaragoza ) عشان يقابل إبنه عبد الملك اللى كان لسه راجع من المغرب بعد ما سيطر عليه تماماً ..
ـــــ
بعد كام شهر بيخرج المنصور مرة تانية تجاه مملكة ليون فعدى ( نهر دويرة – Río Duero ) ودخل أراضى ليون فاتحرك بيرمودو بجيشه وإتحصن فى قلاع مدينة ( سمورة – Zamora ) وافتكر إن المنصور هيهاجمها الأول لإنها فى الطريق لليون لكن المنصور سابها وإتوجه لليون على طول وهناك دارت معركة قوية جداً بينه وبين جيش المملكة بسبب مناعة أسوار المملكة ولكن فى النهاية قدر المنصور إنه يقتحمها وعمل فيها اللى عمله فى كل المدن اللى غزاها .. قتل كتير من أهلها وخرب بيوتها وهدم كتير من حصونها وبعدها سابها ورجع على سمورة بعد ما خرب القرى والأديرة اللى فى طريقه ليها .. أول ما وصل سمورة ضرب عليها الحصار لحد ما الأمور إتصعبت على أهلها وحس ( بيرمودو الثانى ) إنه لو إتمسك هيتقتل فاضطر إنه يهرب منها وعندها قرر أهل المدينة تسليمها للمنصور فاستولى على الغنائم وأجبر الأمراء على إعلان الطاعة ليه وبعدها ساب المدينة ورجع على قرطبة ..
الحقيقة غزوات المنصور بخلاف إنها كانت بتنتهى بالنصر إلا إنها كانت بتتسم بالتخريب والدموية الشديدة وكأنه كان بيوصل رسالة رعب لأى ملك من ملوك الشمال إن اللى هيفكر يقتحم حدودى أو حتى يخلف عهده معايا مش هيشوف منى أقل من كده .. مفيش رواية واحدة إختلفت على حجم الدمار اللى كان بيخلفه المنصور فى المدن اللى غزاها ..
ـــــ
سرقسطة رغم إنها كانت جزء من الدولة الأندلسية ورغم إعتراف حكامها من ( بنى تجيب ) بحكومة قرطبة إلا إنهم على مدار تاريخهم كانوا حاسين ببعض التميز والإستقلال النسبى .. التميز ده أحياناً كان بيحسسهم بالخوف من الخليفة الأموى ليستولى على ملكهم عشان كده تحالفوا أكتر من مرة مع جيرانهم من الممالك المسيحية بغرض الإستقلال ولكن مع الوقت فهموا إن التحالفات دى مش بتجيب نتيجة لإن دولة الأندلس وقتها كانت قوية فعلاً ..
فى زمن المنصور كان على حكم سرقسطة واحد إسمه ( عبد الرحمن بن مطرف التجيبى ) .. وزى غيره من حكام سرقسطة كان دايماً خايف على نفسه وعلى ملكه خاصة بعد اللى شافه من المنصور واللى عمله مع أقرب الناس ليه .. فى نفس الوقت مكانش قادر يتحالف مع أى مملكة مسيحية لإن المنصور هزمهم كلهم فالحل من وجهة نظره كان مراقبة الوضع لحد ما أى فرصة تظهر قدامه عشان يتخلص من سيطرة المنصور عليه .. الحقيقة الفرصة مش هتتأخر كتير وهتيجى على إيد واحد من أقرب الناس للمنصور ..
( عبد الله بن المنصور بن أبى عامر )
ـــــ
عبد الله كان متضايق من أبوه جداً لإنه كان بيقدم أخوه عبد الملك عليه وبيحطه دايماً فى قيادة الجيوش ومناصب القيادة وبيجهزه عشان يكون خليفته .. فى أحد زياراته لسرقسطة إتقابل عبد الله مع ( عبد الرحمن بن مطرف ) وبحكم إنه كان شاب متحمس وسنه صغير بدأ يتكلم عن ضيقه من تصرفات والده فاستغل عبد الرحمن ضعف خبرته وصورله إنه فعلاً أحق من أخوه بإهتمام وعطف والده وخلال ساعات كان الإتنين متفقين على الإنقلاب على المنصور وتقسيم الأندلس بينهم .. عبد الله على قرطبة وجنوب الأندلس وعبد الرحمن على مدن الثغور والجزء الشمالى ..
طبعاً أخبار زى دى وصلت للمنصور والحقيقة اللى لازم نقولها هنا إن المنصور كان عنده جهاز مخابراتى من الطراز الرفيع .. مفيش حركة كانت بتحصل فى الدولة إلا وكانت بتوصله فى أسرع وقت ممكن .. لما عرف باللى حصل قرر إنه يستخدم الحيلة لإستدعاء إبنه من سرقسطة وده عشان ميشكش فيه .. فى الخطوة الأولى بعت رسالة لإبنه كلها ود ومحبة وقاله إنه عاوز يشوفه فى أقرب فرصة .. فى الخطوة الثانية عزل حاكم طليطلة من منصبه بعد ما عرف إنه مشترك معاهم فى المؤامرة ولكن سابه فى منصب الوزارة عشان يظهر للجميع إن الإقالة مش بسبب الخيانة ولكنه تغيير إدارى معتاد .. فى الخطوة الثالثة دعى جيوش الثغور للتجمع للإعداد لغزوة على مملكة قشتالة وطبعاً عبد الرحمن كان على رأس جيش سرقسطة وبالفعل إتقابلوا كلهم فى مدينة ( وادى الحجارة – Guadalajara ) وهناك بدأ المنصور خطوته الأخيرة فى الإنتقام ..
ـــــ
إتفق المنصور مع عدد من أتباعه فى جيش سرقسطه إنهم يشتكوا من ( عبد الرحمن بن مطرف ) بحجة إنه بيأخر عليهم مرتباتهم فأقاله المنصور من منصبه وعشان يضمن عدم إنقلاب أمراء سرقسطة من بنى تجيب ضده عين مكانه إبن أخوه ( عبد الرحمن بن يحيى ) .. طبعاً مكتفاش المنصور بكده ولكن بعد أسبوع تقريباً قام بترحيل عبد الرحمن لقرطبة وهناك حاكمه وأمر بإعدامه ..
بعد إعدام ( عبد الرحمن بن مطرف ) إتأكد عبد الله من غدر أبوه فاستغل إنشغال أبوه بحصار مدينة ( شنت إشتيبن – San Esteban de Gormaz ) وهرب من المعسكر ولجأ ل ( جارسيا فيرنانديث – Garcia Fernandez ) ملك قشتالة اللى وعده بالحماية .. أول ما عرف المنصور باللى حصل بعت رسالة قوية لجارسيا طالبه فيها برد إبنه وهدده بالحرب وإنه مش هيرجع عنه إلا بعد إسترداد إبنه فرفض ( جارسيا فيرنانديث ) تسليم عبد الله وتوعد المنصور بالهزيمة ..
على طول جهز المنصور جيش وطلع بيه على قشتالة وإستولى فى طريقه على مدن ( وخشمة – Osma ) و ( القبة – Alcubilla del Marqués ) وده أجبر ( جارسيا فيرنانديث ) على الإعتذار للمنصور وقاله إنه هيبعتله عبد الله بشرط التراجع عن غزو قشتالة .. بعد أيام وصل عبد الله مع وفد من أشراف قشتالة فاستقبله من طرف المنصور واحد إسمه ( سعد الخادم ) اللى بلغ عبد الله إن عليه الإستعداد للموت ..
إستجاب عبد الله لقرار إعدامه والروايات بتقول إنه كان ثابت وهادى جداً ومأظهرش أى نوع من أنواع الخوف أو المقاومة وده أثار إعجاب كل اللى حضروا عملية الإعدام .. فى نهاية يوم 14 جمادى الآخر سنة 380 هجرياً تم إعدام عبد الله عن عمر 23 سنة بس ودفنوا جسده فى مكانه وأرسلوا رأسه للمنصور اللى على طول بعتها للخليفة هشام مع كتاب فتح المدن اللى ذكرناها فوق .. رسالة كانت قوية جداً للخليفة ولأى حد يفكر يعارض المنصور .. أنا أمرت بقتل إبنى .. لو حد فيكم فكر فى معارضتى فأكيد مش هيبقى أغلى عندى من إبنى ..
ـــــ
الحقيقة إن عبد الله مكانش غالى عند المنصور ولا حاجة لإنه كان شاكك فى نسبه ليه من الأساس بس طبعاً حب يستغل نقطة قتله ليه لإلقاء الرعب فى نفوس كل اللى حواليه .. الشعور اللى وصل للناس وقتها كان مزيج بين الخوف والدهشة .. إزاى فى بنى أدم يقتل إبنه ويكون بالثبات الإنفعالى ده ؟ .. الدهشة دى خلت واحد من وزراء المنصور يسأله فى أحد الغزوات ويقوله :
( أيد الله المنصور .. لقد صرت من قتله فى غاية يُعدم الصبر فى مثلها .. فما سبب ذلك ؟ )
فرد المنصور وقاله :
( لا أعلم له سبباً .. إلا أنى لما عرضت أمه علقت بها وتمكن من قلبى حبها تمكناً لم أقدر أن أسلو عنه .. فابتعتها متجاوز النهاية فى ثمنها وجعلتها عند قريبة لى وكنت كل يوم أخطر عليها أتعرف استبراءها .. فلما أحست بحبى لها وكلفى بها توخت رضائى وذكرت لى أنها قد استبرأت وهى كاذبة فى ذلك تُريد بذلك موافقة مسارى واستعجال مرادى .. فدخلت بها وهى لم تستبرأ فكنت شاكاً فيه )
ومش الموقف ده بس اللى بيثبت كراهية المنصور لإبنه عبد الله .. فى يوم من الأيام كان عند المنصور واحد من أعيان البربر إسمه ( زطرزون بن نزار البرزالى ) فسأله وقاله :
( يا مولاى .. لم قتلت عبد الله إبنك ؟ )
فرد المنصور وقال :
( لا يسوءك ذلك .. فلو لم أفعل لقتلنى .. ما كان من ولدى وبهذا اتهمت أمه وكانت أمه سوء .. وقد قالوا إن الأرحام الردية تفسد الذرية )
فرد زطرزون بعفوية :
( كذا يا مولاى .. فحرام أمه وجُرم أبيه )
فاتحرج المنصور من رده وقال :
( شقينا بهذا الملعون فى حياته وبعد موته )
ـــــ
المنصور لسه هيكمل غزواته .. ليون هتكون محطته الجاية .. بعدها أهم غزواته على الإطلاق واللى عن طريقها هيوصل لأقصى شمال إسبانيا .. المكان اللى عمر ما جيش للمسلمين قدر يوصله قبل كده .. ( جليقية – Galicia ) فى الإنتظار ..
ـــــ
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى :
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور :https://itunes.apple.com/app/id1432249734