الحاجب المنصور .. ماله وما عليه ( جـ 10 )

الحاجب المنصور .. ماله وما عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجزء العاشر :
ـــــــــــــــــــــــ

سنة 381 هجرياً بدأ المنصور يفكر فى الإنقلاب على الخليفة ( هشام بن الحكم ) وبدأ بالفعل فى إتخاذ شوية خطوات فى الإتجاه ده أبرزها إنه تنازل عن منصب الحجابة لإبنه عبد الملك رغم إنه كان لسه شاب عنده 18 سنة .. كمان رقى إبنه عبد الرحمن لمنصب الوزارة بالإضافة لتنازله عن كل ألقابه الرسمية فكان لما بيبعت رسالة لأى حد كان بيكتب إسمه بدون ألقاب .. المنصور أبى عامر وفقه الله .. ولو عبد الملك حاجب وعبد الرحمن وزير يبقى أنا إيه .. مش أقل من خليفة بقى ..

الخطوات دى تم النظر ليها بمنظور مختلف .. وهو إن المنصور قصد بيها تثبيت ملك أبناؤه من بعده لإنه خاف إن رجال الدولة يتآمروا ضدهم بعد وفاته عشان كده حطهم فى المناصب دى فى حياته عشان الأمور تستتب ليهم تماماً ..

بعد 5 سنين وصلت إجراءات الإنقلاب لذروتها .. المنصور رجع فى رأيه بعدم حمله للألقاب .. مش بس كده .. ده بالغ كمان فى تعظيمه لنفسه فادى لنفسه لقب ( الملك الكريم ) وده لقب الخليفة نفسه مكانش بيتنادى بيه .. عامة المنصور فى الوقت ده أعلن للمقربين منه رغبته فى الإستئثار بمنصب الخليفة وتأسيس دولة جديدة بإسمه فى الأندلس ولكن الوزير إبن حزم عارضه فى الفكرة وخوفه من غضب المنتمين للدولة الأموية وبالتالي ممكن تدخل الدولة فى حرب أهلية هى فى غنى عنها .. قاله كمان إن خطوة زى دى ملهاش جدوى لإن كل السلطات بالفعل فى إيده وإيد أولاده من بعده وبالفعل استجاب المنصور لرأيه وعدل عن الفكرة ..

ـــــ

نرجع بقى لمسيرة غزوات المنصور .. ( قشتالة – Castilla ) كان بيحكمها زى ما قلنا ( جارسيا فيرنانديث – García Fernandez ) والراجل ده لما عرف إن عبد الله إبن المنصور بيخطط للإنقلاب على أبوه بعتله رساله عرض فيها حمايته ومساعدته وشجعه على الإستمرار فى مخططه ولكن الأخبار وصلت للمنصور زى ما عرفنا وقدر إنه يبطل المؤامرة دى فى مهدها ..

بعد ما الأمور إستقرت قرر المنصور إنه يرد القلم لجارسيا فيرنانديث عن طريق تشجيع إبنه ( سانشو – Sancho García ) لإعلان الحرب عليه .. وبالفعل أعلن سانشو الحرب على أبوه ودخلت مملكة قشتالة فى حرب أهلية طاحنة .. المنصور طبعاً إستغل الوضع ده وهاجم قشتالة ونجح فى هزيمة جارسيا وإستولى على مدينة ( شنت إشتيبن – San Esteban de Gormaz ) ورجع بعدها على قرطبة بعد ما أنهك جيوش جارسيا وكبدها خساير كبيرة .. مين اللى إستفاد من الخساير دى ؟ .. سانشو طبعاً .. فى بدايات سنة 385 هجرياً وبعد كام معركة قدر سانشو إنه ينتصر على أبوه ويأسره بعد ما جرحه جروح مميته .. بعد كام يوم بيموت جارسياً فى السجن متأثراً بجراحه وبيئول حكم المملكة لسانشو المنتصر ..

نتايج المعارك دى كلها صبت فى مصلحة المنصور لإن سانشو أقر بتبعيته لدولة الأندلس وأقر كمان بدفع الجزية .. الدور على مين دلوقت ..
 
الدور على مملكة ( ليون – León )

ـــــ

لو تفتكروا فى الجزء اللى فات قلنا إن فى إطار خطة المنصور للإنتقام من المتآمرين ضده كان عزل حاكم طليطلة .. الحاكم ده كان إسمه ( عبد الله بن عبد العزيز المروانى ) .. الراجل ده قدر إنه يهرب قبل ما المنصور ينتقم منه ولجأ لملك ليون ( بيرمودو الثانى – Bermudo II de León ) عشان يحميه ..

بعد ما انتهى المنصور من مملكة قشتالة حرك جيوشه تجاه مملكة ليون عشان يعاقب ( بيرمودو ) على حمايته للوزير الهارب .. فى الوقت ده أوضاع ليون كانت مضطرية جداً لإن أمراء وأشراف الدولة إستولوا على أراضى كتير وكونوا مراكز قوى ضد ( بيرمودو ) .. عشان كده ومع أول فرصة هرب بيرمودو من ليون ولجأ لمدينة ( أستُرقة – Astorga ) وأعلن إنها عاصمة جديدة لمملكته ..

المنصور ميهمهوش كل اللى حصل ده .. أنا خرجت عشان أرجع الوزير اللى تآمر عليا وهفضل وراك لحد ما ترجعه .. ليون أو أسترقة مش هتفرق .. بعد يومين الجيوش كانت على أبواب أسترقة .. عندها إضطر ( بيرمودو ) للهروب للمرة الثانية وبعت رسالة للمنصور بيطلب فيها العفو وبيتعهد بإرسال الوزير ( عبد الله المروانى ) بالإضافة لتعهده بدفع الجزية لدولة الأندلس ..

وافق المنصور على طلبه لكن بعد عقاب صغير .. عدى المنصور على مدينة ( سمورة – Zamora ) وإستولى عليها والمرة دى كان إستيلاء كامل لإنه خرج أهلها من المسيحيين وسكن مكانهم سكان جدد مسلمين .. أما عن ( عبد الله المروانى ) فرجع طبعاً على قرطبة وإتحبس وفضل فى السجن لحد ما مات بعد رفض المنصور العفو عنه ..

ــــــ

بعدها مباشرة وتحديداً سنة 386 هجرياً حصلت أحداث المغرب اللى سردناها فى الجزء السابع من السلسلة .. السيدة ( صبح ) والدة الخليفة هشام قامت بأخر محاولاتها للإنقلاب على المنصور فبعتت فلوس لحاكم المغرب ( زيرى بن عطية ) عشان يجهز جيش ضد المنصور وبالفعل جهز ( زيرى ) الجيش ولكن المنصور وإبنه عبد الملك قدروا ينتصروا عليه بعد أكثر من معركة ورجع المغرب تانى تحت سلطان المنصور ومات ( زيرى ) سنة 387 هجرياً وماتت ( صبح ) سنة 390 هجرياً بعد فقدانها الأمل فى إسترداد ملك إبنها ..

ـــــ

بعد إستتباب الأمور للمنصور مبقاش فاضل فى الأندلس حتة مدخلهاش .. حارب كل ملوك الشمال وإنتصر عليهم .. دخل برشلونة ونافارا وقشتالة وليون .. مفضلش بس غير مكان وحيد موصلهوش قبل كده .. لو عاوزين نبقى أدق فمحدش وصله من ملوك الأندلس قبل كده .. ( جليقية – Galicia )

جليقية مكان موجود فى أقصى الشمال الغربى للأندلس .. مكان كله جبال وهضاب وبيتسم بالوعورة الشديدة وده اللى خلى كل الجيوش الإسلامية تفكر أكتر من مرة فى مسألة خوض معارك هناك لإن جايز التكاليف تكون عالية جداً .. لكن المنصور كان تفكيره مختلف .. كان عالى الهمة جداً .. بيحب الجهاد والفتوحات وبيحب إن إسمه يتذكر كقائد فاتح ملوش مثيل .. جهز جيوشه وأعلن للجميع إنه خارج لفتح جليقية ومش هيرجع إلا بعد دخول مدينتها المقدسة ( شنت ياقب – Santiago de Compostela )

ـــــ

( شنت ياقب ) أو ( سانت يعقوب ) كانت أكثر مدن إسبانيا قدسية .. قدسيتها بالنسبة لمسيحيى إسبانيا تشبه قدسية الكعبة المشرفة بالنسبة للمسلمين .. مدينة حصينة فيها قبر القديس يعقوب أحد حواريى السيد المسيح حسب إعتقادهم ..

المنصور إستهدف المدينة دى لأكتر من سبب .. سبب ذاتى لإن ده فيه تمجيد لشخصه لإن زى ما قلنا محدش فتحها قبله .. وسبب عسكرى لإنها كانت تعتبر ملاذ آمن للملوك المهزومين قصاده فكان مع كل هزيمة بيلجأوا ليها لحصانتها فحب إنه يوصلهم رسالة إن مفيش مكان يستعصى عليه الوصول ليه .. وأخيراً سبب دينى وهو فتح أقدس الأماكن المسيحية فى البلاد على إيده وإن كان ده أضعف الأسباب لإن المنصور عادة مكانش بيسيب أى حاميات عسكرية فى المدن اللى بيفتحها عشان تفضل تحت سيطرته ..

خرج المنصور من قرطبة يوم 23 جمادى الآخر سنة 387 هجرياً وخرج معاه فى نفس الوقت الأسطول الأندلسى من مرساه فى مدينة ( قصر أبى دانس –  Alcácer do Sal) غرب البرتغال حالياً .. إتحرك الأسطول بمحازاة الشاطئ فى الوقت اللى الجيش البرى كان بيستولى على المدن واحدة ورا التانية .. ( قورية – Coria ) و ( قُلمرية – Coimbra ) و ( بازو – Viseu ) .. طوفان المنصور خلى بعض الأمراء والكونتات يخرجوا ويعلنوا الطاعة للمنصور عشان يأمنوا على ممتلكاتهم وأراضيهم فقبل منهم المنصور وخلاهم يتحركوا معاه فى غزوته ..

ـــــ

رحلة المنصور إستمرت فى أراضى البرتغال لحد ما وصل ل ( نهر دويرة – Río Duero ) وهناك إتقابل مع الأسطول الأندلسى فكان بمثابة جسر عبر من عليه جيش المنصور البرى وده قصر كتير من زمن الغزوة .. بعدها إستمرت مسيرة الجيش لحد ما قابلوا فى طريقهم جبل كبير مكانش فيه غير بعض الشعاب الضيقة المليانة بالصخور فأمر جنوده إنهم يستخدموا الحديد فى توسيع الشعاب دى عشان الجيش يعبر منها .. تخيلوا همة الراجل ده ..

بعدها عدى المنصور نهر ( منيو – Rio Miño ) وهناك إستولوا على كل القرى والحصون اللى فى طريقهم وكان أشهرهم حصن ( شنت بلايُه – San Pelayo ) .. فى الوقت ده كتير من الأهالى خاصة أصحاب الثروة هربوا بثرواتهم تجاه الجزر المحاذية لشواطىء البرتغال عشان يهربوا من المنصور .. لما عرف المنصور باللى حصل أمر بالذهاب ليهم وهناك إستولت الجنود على أموال الهاربين فى الوقت اللى كان هو بيستولى على الحصون وبيدمر الأديرة وأى مظهر من مظاهر المقاومة ليه ..

ـــــ

إستمرت المسيرة لحد ما وصلت لشبه جزيرة ( مُراسيه – O Morrazo ) وبعدها عبروا ( نهر أيله – Río Ulla ) ودخلوا مدينة ( أيلة ) ونهبوها وفضلوا مكملين لحد ما وصل المنصور ل ( شنت ياقب ) يوم 2 شعبان سنة 387 هجرياً بعد 39 يوم من خروجه من قرطبة .. لما دخل المنصور المدينة لقاها فاضية تقريباً وأغلب أهلها سابوها بعد ما عرفوا إن المنصور فى طريقه ليهم ..

دخول المنصور للمدينة مختلفش عن كل المدن اللى قبلها .. هد أسوارها وهدم حصونها وكنيستها الشهيرة وإستولى على كل النفائس والغنائم اللى توفرت قدامه لدرجة إنه أجبر الأسرى النصارى على حمل أبواب المدينة وأجراس الكنيسة على أكتافهم لحد ما وصلوها لقرطبة وهناك إستخدم الأبواب فى أعمال التوسعة لجامع قرطبة وإستخدم الأجراس كزينة للمسجد ..

فى المقابل فالمنصور مجاش جنب قبر القديس يعقوب بل إنه أمر بالحفاظ عليه وعدم مساسه وهنا فى موقف ذكرته المراجع إن المنصور ملقاش فى الكنيسة كلها إلا راهب كبير فى السن قاعد جنب القبر فلما سألوه عن سبب قعاده جنب القبر جاوبهم بإنه يؤانس يعقوب فسابه المنصور ومعملوش حاجة ..

ـــــ

المنصور مكتفاش بدخول المدينة الأكبر فى جليقية ولكنه إستمر فى البحث عن بيرمودو اللى كان عمال يهرب من مدينة للتانية .. فراح لمدينة ( قرجيطة – A Coruña ) وبعدين رجع تانى للجنوب لحد ما وصل لأراضى النبلاء والكونتات الموالين ليه فساب أراضيهم ومخدهاش وكمل لحد مدينة ( لميقة – Lamego ) وهناك وزع الهدايا على الجيش سواء جنود المسلمين أو النبلاء النصارى الموالين ليه وبعدها رجع على قرطبة ..

إجتياح المنصور لشنت ياقب كان له أكبر الأثر فى نفوس ممالك الشمال .. هزة نفسية ومعنوية محصلتش نهائياً قبل كده .. قشتالة وليون أكبر مملكتين فى الشمال بقوا مجرد توابع للأندلس وبيدفعولها الجزية .. نافارا وبرشلونة إتهزموا أكتر من مرة وميقدروش يواجهوا المنصور فى ظل الظروف دى .. وضع كان مزرى جداً بالنسبة لهم وده اللى أكد لبيرمودو إن محدش هيقدر يساعده فى ظل الظروف دى فأضطر إنه يبعت وفد للمنصور برئاسة إبنه عشان يطلب منه العفو فوافق المنصور على طلبه ورجعله إبنه مرة تانية بكتاب الصلح .. بعد حوالى سنة بيموت ( بيرمودو الثانى ) بعد ما إتذكر فى التاريخ المسيحى إنه أكثر الملوك المسيحيين هزيمة أمام المنصور ..

ـــــ

المنصور فى الوقت ده كان عمره وصل للستين ..

أعراض المجهود والقتال المستمر بدأت تظهر عليه ..

رحلة المنصور قاربت على الإنتهاء ..

ـــــ

لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى‎ :

https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost

لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور‎ :

https://itunes.apple.com/app/id1432249734