فى 8 يونيو 1949 صدرت رواية ( 1984 ) للكاتب البريطانى ( إريك آرثر بلير – Eric Arthur Blair ) أو كما هو معروف لنا بإسم ( جورج أورويل – George Orwell )
رواية 1984 واحدة من أشهر الروايات السياسية عبر التاريخ وهى بتنتمى لأدب المدينة الفاسدة أو ( الدستوبيا – Dystopia ) .. الدستوبيا عالم بيحكمه الشر المطلق وبينتشر فيه القمع والفقر والمرض بشكل أساسى .. على العكس منه أدب المدينة الفاضلة ( يوتوبيا – Utopia ) وده عالم بيحكمه الخير المطلق وبتنتشر فيه قيم العدالة والتسامح والفضائل بشتى أنواعها .. كلا العالمين خياليين طبعاً ولكن الإتنين بيتقاطعوا فى جزئية واحدة بس ألا وهى الإنسانية .. الدستوبيا مجتمع يتجرد فيه الإنسان من الإنسانية بشكل تام واليوتوبيا مجتمع قائم بشكل أساسى على الفضائل الإنسانية .. ومن النقطة دى بتتشعب باقى الأخلاق البشرية سواء سلباً أو إيجاباً ..
ــــــ
إمبارح حالفنى الحظ إنى أشوف فيلم 1984 وهو فيلم مقتبس من الرواية وتم إنتاجه سنة 1984 من بطولة الممثل الإنجليزى ( جون هارت – John Hurt ) اللى تألق فى الفيلم العظيم ( V for Vendetta )
الفيلم هو عرض للرواية بشكل سينمائى – وإن كان أقل جودة منها – نجح فيه المخرج فى عرض الصورة السوداوية للحياة فى دستوبيا أورويل واستغل كل الإمكانيات البصرية المتاحة فى الزمن ده لعرض حجم المعاناة اللى بيعيشها الشعب ..
ــــــ
الرواية بتحكى عن عالم جديد بعد الحرب العالمية الثانية تقتسمه ثلاث دول عظمى هى :
* أوشيانيا ( خليفة الولايات المتحدة وبريطانيا وبتحكم غرب العالم وشمال إفريقيا )
* أوراسيا ( ودى خليفة الإتحاد السوفييتى وبتحكم روسيا وشرق أوروبا )
* إيستاسيا ( ودى بتضم دول شرق وجنوب شرق آسيا والهند )
فى الرواية إنجلترا بتتحول لمقاطعة إسمها ” إير سترايب 1 ” وهى جزء من إمبراطورية أوشيانيا اللى بيحكمها حزب واحد هو حزب الإشتراكية الإنجليزية أو ( الإنجراكية – ENGSOC ) .. وده مجتمع طبقى بإمتياز تم تقسيم الشعب فيه ل 3 طبقات :
* الحزب الداخلى : الحاكم أو الأخ الأكبر كما يسمى فى الرواية بالإضافة لحاشيته والمنتفعين منه ودول بيمثلوا الأقلية من الشعب
* الحزب الخارجى : الموظفين الإداريين التابعين لوزارات الحزب .. مؤيدين طبعاً ولكنهم لا يحصلوا على أى إمتيازات تذكر مقارنة بطبقة الحزب الداخلى ودول بيمثلوا جزء يتجاوز بقليل 10 % من الشعب
* الطبقة الكادحة : العمال والبروليتاريا ودول بيمثلوا الأغلبية الساحقة من الشعب ودول بيعيشوا ظروف معيشية خانقة ولا يتوفر لهم الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة
ـــــ
الرواية بتوصف الوضع وبتقول إن الدولة بتحكم رقابتها بشكل قوى من خلال الشاشات المنتشرة فى كل مكان وصورة الأخ الأكبر المتوزعة فى كل الطرقات وفى المصالح الحكومية وحتى فى المنازل وتحتها جملة ( الأخ الأكبر يراقبك ) دلالة على السيطرة التامة للحزب ورجاله ودى جايز نقطة تفوق الفيلم الأهم لتوفر العنصر البصرى فيه ..
الرواية والفيلم بينقلولك حجم التغييب اللى الشعب عايش فيه بسبب الرقابة الإعلامية والسيطرة على كل ما يعرض للناس .. يعنى مثلاً طول الفيلم بتسمع فى الخلفية بيانات حكومية بتتكلم عن نجاحات إقتصادية مذهلة وزيادة فى إنتاج كل شيء مع وفرة سلعية عظيمة فى حين إنه فى نفس الوقت بيتم قطع الكهرباء يومياً على الناس بهدف تخفيض الإستهلاك .. وفى أحد المشاهد بتلاقى شخصية بتحاول تستلف موس حلاقة من بطل الفيلم إلا إنه بيعتذرله وبيقوله إنه بقاله 6 أسابيع بيحلق بنفس الموس لإنه مش لاقيه .. وحتى لما لاقاه بعد كده كان موس مصدى وكان أغلى كتير عن سعره الطبيعى ..
التغييب ده خلى الشعب حاسس إنه عايش كويس رغم إنه بيعيش كارثة حرفياً لدرجة إن الموظفين من طبقة الحزب الخارجى إحتفلت لإنهم زودولهم حصة الشيكولاتة من 20 إلى 25 جرام فى الأسبوع رغم إن تصريحات الأخ الأكبر قالت قبل كده إنهم هيبقوا 30 جرام .. طيب عارفين إيه اللى حصل لتصريح الأخ الأكبر ده ؟ .. إتمحى من الوجود .. إتحرق فيما يعرف بمقابر الذاكرة وده مكان بيتمحى فيه كل ما يخالف سياسة الحزب .. يعنى كل خبر لا يعظم شأن الأخ الأكبر يتم محوه وكل ما توقعه الأخ الأكبر ولم يتحقق يجب تعديله ليتوافق مع الواقع الجديد ..
طب ده بيتم عن طريق إيه ؟
الحزب بيسيطر على الدولة عن طريق 4 وزارات أساسية وإستكمالاً لسياسة التغييب فالوزارات دى بتقوم بأعمال عكس مسماها تماماً ودى من سمات عبقرية جورج أورويل .. يعنى الوزارة المسئولة عن الدعاية وتزييف الأخبار إسمها وزارة الحقيقة .. والوزارة المسئولة عن غسل أدمغة المواطنين وإجبارهم على الإنصياع لإرادة الحزب ولو بالقوة إسمها وزارة الحب .. والوزارة المسئولة عن الحرب والدفاع إسمها وزارة السلام .. والوزارة المسئولة عن البيانات الإقتصادية رغم كذبها إسمها وزارة الثروة والوفرة ..
ـــــ
بعض مظاهر السيطرة اللى ابتكرها الحزب تعتبر مظاهر مرعبة لو فكرنا فيها بهدوء .. أولها وأهمها من وجهة نظرى هى ( شرطة الفكر )
شرطة الفكر مش هو الجهاز المسئول عن مراقبتك وبس .. لأ .. ده مسئول عن مراقبة أفكارك .. يعنى إنت مش بس ممنوع عنك أى وسيلة تواصل خارجية أو القراءة أو الكتابة .. ده انت ممنوع عليك تفكر خارج الإطار المرسوم ليك من الأساس .. لدرجة إن الحزب عمل قاموس للغة جديدة مشتقة من الإنجليزية إسمها ” New Speak ” وحذف منها كل المصطلحات اللى ممكن تتفهم بمعنى مختلف عن اللى عاوزه الحزب .. لو تم إكتشاف إنك بتكتب حرف واحد خارج عن القاموس ده فانت بالتأكيد مهدد بالسجن وربما الإعدام بتهمة الخيانة ..
شرطة الفكر كمان كانت بتشجع الشعب إنه يبلغ عن بعضه حتى لو كان الشخص المشتبه بيه ده أقرب حد ليك .. فى الفيلم مثلاً تم التبليغ عن شخص عن طريق بنته والمرعب إن الراجل كان سعيد جداً إنهم قبضوا عليه قبل ما الموضوع يتطور ويبقى خاين رسمى للبلاد وفوق ده كان فخور جداً ببنته اللى بلغت عنه .. العجيب بقى إن الراجل ده إتعدم ولما جه وقت إعدامه هو نفسه مكانش فاهم هو تهمته إيه .. كل اللى كان عارفه إنه عمل حاجة ضد مصلحة الحزب وده لوحده كافى لإعدامه ..
ـــــ
المظهر التانى هو ( فعاليات الكراهية )
بكل بساطة بيتم تجميع عدد كبير من المؤيدين ويعرضوا عليهم فيديوهات لأبرز معارضى الحزب – فى الرواية إسمه إيمانويل جولدستين – ويسيبوهم يشتموه بأفظع الألفاظ ويصرخوا فيه ويتهموه بالخيانة والعمالة .. الراجل ده وأى حد شبهه الحزب بيصنفه كإرهابى مخرب عاوز يهدم الدولة ويضيع على الشعب الإنجازات اللى بيعيشوها وبيحققوها كل يوم .. رغم إن جولدستين كان بيحاول فعلاً يزود وعى الناس ويفتح عنيهم على الواقع اللى هما بالفعل عايشينه .. يعنى مش بيألف أو بيخترع مواقف من عنده ..
ـــــ
المظهر الثالث هو ( عمليات الإعدام العلنية )
ببساطة برضه بيتم تجميع الخونة والعملاء وكارهى الدولة وبيتم تعليقهم على المشانق وبث المشاهد دى على الشاشات المنتشرة فى كل مكان وطبعاً بيشهد عملية الإعدام عدد كبير من المؤيدين .. المشكلة هنا مش فى عملية الإعدام نفسها قد ما إن المتهمين دول كانوا مؤيدين فى يوم من الأيام ولكن غضب عليهم الأخ الأكبر أو تم الشك فيهم أو إتهامهم بتهمة غير متكاملة الأركان وبالتالى اعدموا زى الحالة اللى ذكرتها فوق ..
ـــــ
الرواية تعتبر من أفضل الأعمال السياسية المبطنة فى التاريخ وعشان كده تم منع طباعتها ونشرها فى دول كتير من العالم لإن أنظمة الحكم فيها بتعتبرها رواية هدامة لكن فى نفس الوقت ده مينفيش عنها صفة العبقرية وإستقراء المستقبل ..
أخيراً ..
هتلاقوا فى الرواية حوارات فلسفية مهمة بتفهمك سيكولوجية الحكم الفردى المتمثل فى فرد أو حزب .. هتوضحلك المنهجية اللى بيتحرك على أساسها الحاكم المتسلط وإيه هو حجم الولاء اللى بيطلبه من محكوميه .. هتبينلك حجم المعاناة والشك اللى بيعيشه المحكوم المغلوب على أمره .. هتعيشك أجواء كابوسية – عززها الفيلم – بتحسسك بالإختناق من مجرد فكرة المراقبة اللصيقة ليك وإن مستقبلك ممكن يضيع فى لحظة رغم إنك معملتش أى حاجة .. هتحس بحجم الخوف والصراع اللى بيعيشه البطل لما بيحاول يشغل مخه ويقارن بين المعروض عليه فى الشاشات واللى هو عايشه فعلياً ..
أدعوكم طبعاً لقراءة الرواية ومشاهدة الفيلم وإن كان الفيلم غير مناسب للمشاهدة العائلية ودى آفة الأفلام الأجنبية بصفة عامة مع الأسف .. وممكن تضيفوا ليها روايات تانية البعض شايفها أفضل حتى من 1984 زى :
* عالم رائع جديد – ألدوس هكسلى
* خريف البطريرك – جابرييل جارسيا ماركيز
* مزرعة الحيوان – جورج أورويل
ـــــ