أزمة الرهن العقارى الأمريكية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بداية من القرن الحالى بدأ معدل التبادل التجارى العالمى فى الإزدهار و بدأت ثروات المستثمرين حول العالم فى التضاعف .. نسب الفايدة الأمريكية وقتها كانت ممتازة .. 6.25 % تقريباً و بالتالى فالمستثمرين دول كانوا بيلاقوا إستثمار ممتاز بعائد كويس جداً فكانوا بيشتروا أذون خزانة أمريكية و هما حاطين فى بطنهم بطيخة صيفى .. التغير بدأ يحصل مع تخفيض أمريكا لمعدل الفايدة تدريجياً لحد ما وصلت ل 1.5 % سنة 2004 و معاها ابتدى أصحاب رؤوس الأموال يدوروا على مجال جديد بعائد أعلى ..
من أول الألفية و البنوك بدأت فى الإهتمام بالمجال العقارى و بدأت فى إعطاء قروض تمويل عقارى لعملائها و تقسيط ثمنها على فترات طويلة جداً تراوحت من 20 إلى 30 سنة .. ده كان مفيد جداً للأسر المتوسطة فى أمريكا و جذب كتير من رؤوس أموال الطبقة دى .. اللى حصل بعدها إن الفايدة نزلت زى ما قلنا و بالتالى أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة بدأوا يوجهوها لمجالات إستثمارية تانية عائدها أعلى من أذون الخزانة الأمريكية .. واحد من المجالات دى كان المجال العقارى .. طب فين المشكلة ؟ ..
الموضوع ده له آلية لازم تتشرح عشان الناس تبقى فاهمة اللى حصل بالظبط و تعرف الأزمة بدأت إمتى تحديداً ..
ـــــ
العملية المالية اللى بيتم إدارة العالم مالياً عن طريقها بتتم فى ( وول ستريت – Wall Street ) فى نيويورك .. مجموعة كبيرة جداً من البنوك و المؤسسات المالية و شركات الوساطة و شركات التأمين موجودة هناك بيقوموا بدور الوسيط بين المستثمرين و المقترضين فى جميع أنحاء العالم ..
مع تخفيض الفايدة من بنك الإحتياطى الفيدرالى الأمريكى البنوك لقيتها فرصة عشان يتوسعوا فى الإقتراض هما كمان طالما الفايدة قليلة فاستلفوا مبالغ كبيرة جداً من الفيدرالى الأمريكى .. لو أضفنا على المبالغ دى المليارات اللى مع المستثمرين اللى قلنا عليهم فى الأول يبقى النتيجة سيولة ضخمة جداً بفوايد قليلة جداً تم توجيهها ل ( وول ستريت ) متوقعين من وراها أرباح عالية جداً ..
( وول ستريت ) لقت إنها فرصة كويسة لضخ السيولة دى فى القطاع العقارى ..
ـــــ
1 – كل شيء بدأ مع الفايدة القليلة .. فايدة قليلة يعنى رواج .. دى قروض تعتبر رخيصة جداً .. تخيل نفسك بتاخد قرض من البنك بفايدة 1.5 % .. فى مصر حالياً الناس بتقترض بفوايد تصل ل 17 % .. الموضوع بدأ مع رغبة الأسر فى شراء منازل مستفيدين من سعر الفايدة القليلة .. اتصلوا بالسمسار .. السمسار بيربطهم مع شركات التسليف ( أمريكا عندها مؤسسات نقدية نشاطها الرئيسى هو التسليف كأنها بنك بالظبط ) .. الشركة بتاخد الضمانات الكافية على الأسرة عشان تضمن سدادها للقرض و أهم ضمان فى إيديها بيبقى رهن المنزل نفسه .. لو الأسرة دى اتعثرت فى السداد بتئول ملكية البيت لشركة التسليف .. العملية طبعاً كانت مربحة و كله كسب من وراها ..
ـــــ
2 – ربح زى ده جذب البنوك الإستثمارية و خلى عندها رغبة فى إنها تاخد حتة من التورتة .. البنوك اتواصلت مع شركات التسليف و طلبت منها إنها تشترى منها الرهون العقارية اللى بتملكها و بكده تئول الأرباح المتوقعة فى المستقبل لصالح البنوك مش شركات التسليف .. الشركات وافقت على إعتبار إنها عملية مربحة .. هكسب دلوقت و إن كان مكسب أقل و لكن ده هيتيحلى إنى أعيد العملية تانى من الأول و أكسب أكتر ..
ـــــ
3 – البنوك إتعاملت بنفس منطق شركات التسليف .. لو بعت المنتج اللى تحت إيدى دلوقت فأنا هكسب بنسبة أقل و لكن هكون جمعت سيولة تخلينى أعيد العملية من الأول و أكسب أكتر .. البنوك عملت حاجة إسمها ( Collateralized Debt Obligation ) أو ( CDO ) أو بالعربى ( إلتزام الدين المكفول ) .. نظام إستثمارى بيتيح للبنك بيع ما يملكه من سندات الرهن العقارى لمستثمرين تانيين بعد تقسيمها لشرائح حسب مخاطرتها و كل مخاطرة و ليها ربح .. البنوك باعت .. كسبت .. و المستثمرين كسبوا .. و الناس كلها مبسوطة .. ده خلى المستثمرين يطلبوا سندات رهن عقارى تانى .. طالما عجلة الأرباح ماشية يبقى ليه منستثمرش أكتر و نكسب أكتر ..
ـــــ
كل اللى فات ده قام على إفتراضين مهمين :
* إن المقترضين هيستمروا فى الدفع
* إن أسعار العقارات هتفضل فى إزدياد
الحقيقة المستثمرين معذورين .. من سنة 1929 وقت حدوث الكساد الكبير فى أمريكا و العقارات سعرها بيزيد .. 80 سنة تقريباً و العقارات أسعارها بترتفع .. إيه اللى هيخليها تقل دلوقت ؟ .. إحتمالية حدوث ده كانت تقريباً منعدمة .. على الجانب الآخر فأصحاب المنازل بيسددوا ديونهم و مفيش حد فيهم بيتعثر و ده معناه أرباح مبتنتهيش .. أومال المشكلة حصلت إمتى ؟
حصلت مع زيادة الطلب على ال ( CDO’s ) اللى إتكلمنا عليها الفقرة اللى فاتت ..
ـــــ
4 – بعد إتصالات بين البنوك و شركات التسليف و السماسرة اكتشف الجميع إن المؤهلين للإقتراض قلوا و مفيش حد تانى عاوز يشترى .. قوم يعملوا إيه ؟ .. قرروا إنهم يتغاضوا عن كتير من شروط الحصول على قرض إعتماداً على إن قيمة الأصل فى زيادة مستمرة و إن اللى مش هيدفع هنبيع بيته لحد تانى بسعر أعلى و نبقى برضه كسبانين .. ربح مضمون 100 % .. قرروا يلغوا دفعة الحجز .. و مبقاش فى إثبات دخل .. و لا حتى شرط حسن السير و السلوك .. كان عادى جداً إنك تلاقى ناس أعلنت إفلاسها قبل كده واخدة قرض عقارى .. تخيل نفسك فى مصر هنا رايح تشترى عربية بالتقسيط فتلاقى البنك بيقولك مفيش مقدم و مفيش داعى لإثبات الدخل و بفايدة 1.5 % سنوياً .. كل الضمان اللى البنك أخده إن العقار أو السيارة تئول ملكيتهم ليه فى حالة تعثرك فى السداد .. إنت متخيل ؟
فى الفترة من 2003 ل 2006 زادت القروض العقارية الممنوحة للعملاء من 30 مليار دولار ل 225 مليار دولار .. القروض تضاعفت 7.5 مرة خلال 3 سنين بس .. فى نهاية الأزمة كان إجمالى القروض اللى تم ضخها كان وصل ل 700 مليار دولار .. كل التضاعف ده راح لفئة من الناس قدرتها على السداد أقل .. محدش حط إحتمال إن دفعات السداد ممكن تقف .. تناسوا تماماً إن الفايدة الأمريكية رجعت فى ال 3 سنين دول لمستوياتها السابقة تقريباً .. 4.5 % كان معدل الفايدة فى 2007 .. ده أدى لتقليل الطلب على سندات الرهن العقارى من المستثمرين و أدى كمان لإحجام الناس من شراء عقارات جديدة حتى لو بدون ضمانات ..
هحط فلوسى فى مجال خطير ليه طالما فى مجال أأمن بيدينى ربح مضمون ..
و هشترى بيت بفوايد عالية ليه طالما أنا مش هقدر أسدد بعد كده ..
ـــــ
5 – العملية تمت كالمعتاد و شركات التسليف باعت للبنوك و البنوك باعت للمستثمرين حسب شرائح المخاطر و كله كان مبسوط لحد ما دخلنا فى سنة 2007 و عندها بدأت وتيرة السداد تقل .. الأسر اللى خدت قروض بلا ضمانات مقدرتش تسدد أقساطها فاضطرت البنوك إنها تصادر بيوتهم .. على أخر السنة كان فى 2.2 مليون بيت اتصادروا و كلهم معروضين للبيع .. السعر تدريجياً قل و ده سبب أزمة إضافية لإن أسعار البيوت نزلت تقريباً للربع .. كل اللى كان واخد بيت بالتقسيط قرر إنه ميسددش .. إيه اللى يخليه يسدد أقساط ب 500 ألف دولار مثلاً فى حين إنه يقدر يشترى البيت كاش ب 100 ألف دولار بس .. فجأة لقى المستثمرين فى العقارات نفسهم فى ورطة .. فلوسهم بتتبخر و أصبحت البنوك مسئولة عن سداد فلوس الشريحة قليلة المخاطر .. البنوك كانت مأمنة على الشرائح دى و بالتالى راحت لشركات التأمين تطالبهم بسدادها فشركات التأمين مقدرتش توفى بكل المطالبات اللى عليها .. دايرة مقفولة خدت فى وشها الجميع .. بنوك .. شركات تسليف .. شركات تأمين .. و مستثمرين .. كله خسر ..
ـــــ
الموضوع موقفش عند العقارات بس .. الخوف خلى الناس تسحب فلوسها من البنوك فالبنوك فلست .. الناس خافت تصرف أى فلوس فى أى حاجة فالركود ضرب البلد و شركات كتير فلست .. أسعار الأسهم انهارات لكل الشركات تقريباً و المؤسسات الكبيرة قدرت تصمد و تشترى منافسينها فى السوق ..
فى بداية 2008 ظهرت الأزمة بكل وضوح و انفجرت الفقاعة فعلياً و بدأت أمريكا إجراءات فورية لحماية مؤسساتها من الإنهيار .. لحقت بعضهم و ملحقتش الباقيين لإن الأزمة كانت أكبر من الإحتواء .. قررت تخفيض الفايدة تدريجياً لحد ما وصلوها ل 2 % فى أول 2009 .. أكبر عشر بنوك عالمية إتفقوا يعملوا صندوق سيولة براس مال 70 مليار دولار عشان يلحقوا المؤسسات المتعثرة .. كل ده ساهم فى تقليل آثار الأزمة لكن محلهاش ..
ـــــ
بنك ( ليمان برازرز ) رابع أكبر بنك إستثمارى فى أمريكا أعلن إفلاسه .. أسهمه خسرت 90 % من قيمتها .. أصوله اللى كانت قيمتها 691 مليار دولار بقت متساويش تقريباً .. بنك ( واشنطن موتشول ) أعلن إفلاسه هو كمان .. أصول بقيمة 328 مليار دولار بقت فى مهب الريح .. بنك ( بير ستيرنز ) كان قرب يعلن إفلاسه هو كمان لكن اشتراه عملاق البنوك الأمريكية ( جيه بى مورجان ) .. الحكومة الأمريكية تدخلت وقتها و اشترت أسهم كثير من الشركات و المؤسسات العملاقة عشان تساعدها فى عبور الأزمة .. اشتروا 80 % من أسهم أكبر مجموعة تأمين فى العالم ( AIG ) مقابل 85 مليار دولار .. اشتروا 60 % من أسهم ( جنرال موتورز ) عملاق صناعة السيارات مقابل 30 مليار دولار و 19 مليار تانية لتغطية الخسائر .. الحكومة ساعدت المجموعة المالية ( CIT ) بمبلغ مماثل تقريباً .. قرروا يشتروا ديون اتنين من أكبر مؤسسات التسليف فى أمريكا هما ( فريدى ماك ) و ( فانى ماى ) فى حدود 200 مليار دولار .. ساعدوا ( سيتى جروب ) و ( جولد مان ساكس ) و ( مورجان ستانلى ) و ( بانك أوف أميركا ) و دى مؤسسات مالية لها ثقلها العالمى ..
ـــــ
الأثر مكانش خاص بأمريكا بس و لكن بحكم التشابك اللى بين بنوك أمريكا و باقى بنوك العالم فالكارثة امتدت لأوروبا فانهارت البنوك هناك و كان أكثرهم تأثراً هو بنك ( UBS ) السويسرى اللى أعلن عن شطب 40 مليار دولار من أصوله .. البنك ده مصنف كأكبر بنك فى العالم فى إدارة الثروات على فكرة .. بريطانيا كانت ثانى المتأثرين و اضطرت الحكومة لتأميم بنك ( نورثرن روك ) و أفلست بنوك تانية زى بنك ( إتش بى أو إس ) و اللى استحوذ عليه ( لويد بانك ) .. ألمانيا و أسبانيا مكانوش بعيد و خسرت بنوكهم مليارات الدولارات برضه .. شركة ( فورتيس ) متعددة الجنسيات انهار سهمها و أعلنت حكومات بلجيكا و هولندا و لوكسمبوج خطة مساعدات ليها ب 11.5 مليار دولار .. اليابان و الصين هما كمان إتأثروا بشدة و خسروا مليارات الدولارات فى الأزمة دى ..
ـــــ
كل اللى فات كوم و التباطؤ اللى نتج عنها كوم تانى .. أثار الكارثة دى مشملتش الفلوس و بس .. دى خدت فى وشها عشرات الملايين من العمالة المطرودة حول العالم .. أمريكا بس خسرت 9 مليون وظيفة .. الإقتصاد العالمى خسر 45 % من قيمته السوقية .. القطاع العقارى خسر 11 تريليون دولار .. صناديق التحوط و صناديق التقاعد اللى قرروا إنهم يشتروات سندات الرهن كنوع من أنواع الإستثمار خسروا من 10 : 15 تريليون دولار .. معدلات فقر قياسية و ملايين من المشردين و الجوعى حول العالم .. كل ده اتسبب فى ضعف قدرة شرائية أدت لركود إقتصادى أثر و يمكن لازال بيأثر على مبيعات كثير من الشركات لحد يومنا الحالى ..
ـــــ
أخيراً ..
أنا نظرتى يمكن تشاؤمية شوية و شايف إن الإقتصاد العالمى هيمر بأزمة شبيهة باللى حصل فى 2008 أثارها هتكون أشد و أقوى بكتير .. يمكن مش بسبب الرهن العقارى المرة دى و لكن بسبب إرتفاع حجم الديون العالمية .. رفع معدلات الفائدة عالمياً و زيادة الديون لمستويات قياسية بيهددوا الإقتصاد العالمى بشكل كبير .. دايرة الديون اللى عمالة توسع دى لازم يجيلها يوم و تنكسر .. هييجى يوم و فى حد مش هيقدر على الدفع .. دولة ما على الكوكب ده هتقول مش قادرة .. عندها هتتشجع دول تانية و تقول إنها مش قادرة هى كمان .. عندها هتحصل الأزمة و الدول الدائنة إقتصادها هيتهز و مش هتقدر تسدد ديونها الداخلية .. عندها هيكون الإختبار الأهم للرأسمالية المتوحشة اللى العالم عايش فيها دلوقت .. هل هتقدر تتجاوزه و لا هتتحقق نبوءة كارل ماركس اللى قال فيها :
( يوماً ما ستأكل الرأسمالية نفسها )
ـــــ
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى :
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور :
https://itunes.apple.com/app/id1432249734
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ