سلسلة الديكتاتورية.. الجزء التاسع

لجزء التاسع :
ـــــــــــــــــــــــ

* فى الستينات من القرن الماضى كانت الإشتراكية تزحف على أمريكا الجنوبية .. معدلات الفقر و الجريمة كانت فى تزايد و كانت الشعوب تحتاج مشروعاً جديداً لعله يكون المخلص لها من تلك الأزمات .. الإشتراكية كانت حلاً مطروحاً شعبياً لكنه كان مرفوضاً سياسياً .. الأنظمة الحاكمة كلها كانت تتبع الولايات المتحدة الأمريكية رائدة الرأسمالية فى العالم و إنتشار الإشتراكية على مرمى حجر منها لم يكن ليرضيها أبداً لذا كانت حريصة كل الحرص على وضع رجال يتسمون بالولاء لها و لسياستها على رأس أنظمة الحكم فى القارة الجنوبية ..

* فى تشيلى و وسط تلك الحالة العامة قام الرئيس #إدواردو_فراى_مونتالفا بتعيين قائد جديد للجيش إسمه #رينيه_شنايدر .. ذلك الرجل سيكون له الفضل فى أول تغيير سياسى حقيقى فى تشيلى .. شنايدر كان يرفض توغل المؤسسة العسكرية فى العمل السياسى و بالتالى أعلن أكثر من مرة حيادية الإنتخابات و أنه لن يسمح لأحد بتغيير نتيجتها الفعلية و هو ما شجع الإشتراكى #سلفادور_أييندى على خوض الإنتخابات للمرة الرابعة بعد خسارتها ثلاث مرات متتالية بسبب تزويرها لصالح مرشحين بعينهم و بالفعل فاز بها أييندى و لكن بعد إغتيال شنايدر صاحب الفضل الأول فى نزاهة الإنتخابات الرئاسية ..

* فى البداية عين أييندى قائداً جديداً للجيش إسمه #كارلوس_براتس إلا أن قادة الجيش تآمروا عليه مع البرلمان بإيعاز من أمريكا لإجباره على الإستقالة و بالفعل الرجل إستقال و رشح #الخوانتا – المجلس العسكرى التشيلى – شخصاً أخر مكانه إسمه #أوجوستو_بينوشيه .. بينوشيه عمل منذ اليوم الأول له على إسقاط الرئيس أييندى و بسبب المشاكل التى خلقها له بينوشيه و رجاله اضطر الرجل فى 10 سبتمر 1973 إلى دعوة الشعب للإستفتاء على إستكماله فترته الرئاسية لكن الولايات المتحدة و بينوشيه رجلها المخلص فى تشيلى لم يكن ليسمحا بهذا .. فى اليوم التالى قامت الطائرات الحربية بقصف القصر الجمهورى و حاصرته الدبابات و لم يمر وقت طويل حتى اقتحمت الجنود القصر و قتلوا أييندى الذى دافع عن شرعيته حتى اللحظة الأخيرة .. نجحت أمريكا فى مبتغاها أخيراً و دخلت تشيلى بذلك الإنقلاب واحداً من أعتى عهود الديكتاتورية عبر تاريخها ..

* تحدث بينوشيه بأسى عن الظروف التى أجبرته على القيام بالحرب على الماركسية و أنه سيحاول إصلاح ما أفسده أييندى و لكن على الشعب الصبر على الإجراءات القاسية التى سيتم إتخاذها .. إجراءات لم يكن أشد المتشائمين توقعها .. ألغيت الصحف .. علق العمل بالدستور .. حُل البرلمان .. حظرت الأحزاب اليسارية و حظر الفكر الماركسى من الأساس .. بعد يوم واحد فقط من الإنقلاب تم القبض على 2131 شخص محسوبين على التيار اليسارى .. أغتيل كارلوس براتس قائد الجيش فى عهد أييندى فى رسالة واضحة لباقى قادة الجيش مفادها إما أن تكون معنا و إما أن تكون فى القبر المجاور لبراتس .. خلال 3 شهور فقط أعتقل 13 ألف شخص بتهم سياسية و نفى أكثر من 20 ألفاً آخرين ..

* إختار الخوانتا بينوشيه رئيساً للدولة فرقى نفسه بنفسه إلى رتبة كابتن جنرال و خلال 3 سنوات فقط من توليه الحكم تحولت المبانى إلى معسكرات إعتقال .. إرتفع عدد المعتقلين إلى أكثر من 100 ألف معتقل مات منهم حوالى 3200 جراء التعذيب و لم يعثر على رفاتهم حتى الآن .. رصدت 28000 حالة تعذيب فى عهده .. وصلت الهيستيريا ذروتها حين تم تجميع حوالى 10000 معتقل فى الإستاد الوطنى و تم فتح النار عليهم مرة واحدة .. أخيراً قام بتعديل الدستور و ألغى تعددية الإنتخابات و بدلها بالإستفتاء على الرئيس .. أقر مادة فى الدستور تسمح له فى حالة خسارته للإستفتاء بالرجوع إلى منصبه كوزير للدفاع و قائداً للجيش و وضع مادة تمنحه عضوية دائمة فى مجلس الشيوخ بما لها من إمتيازات و حصانة ثم قدم مشروع الدستور للإستفتاء و تمت الموافقة عليه بعد تزوير إرادة الشعب بالطبع ..

* على المستوى الإقتصادى قام بينوشيه بإرجاع الشركات التى كان قد أممها أييندى إلى ملاكها الأصليين و للمصادفة البحتة كانوا أمريكيين .. باع البنوك و الشركات الصناعية الناجحة لشركات أجنبية و للمصادفة أيضاً كان أغلبها أمريكية .. فقدت العملة الوطنية قيمتها بالتدريج .. ارتفعت الديون الخارجية .. إرتفع معدل البطالة من 4.3 % إلى 22 % .. إرتفع معدل التضخم حتى وصل إلى 370 % بعد أن كان 100 % فى نهاية عهد أييندى .. ألغى الحد الأدنى للأجور .. ألغيت حقوق العمال .. عطلت النقابات العمالية .. عام 1981 أفلست تشيلى فعلياً و وصل معدل نموها إلى ( – 10.8 % )

* فى نهاية الثمانينيات كانت الأوضاع وصلت إلى الحضيض تماماً و هو ما أجبر الخوانتا على التدخل فى نتيجة الإستفتاء و بالفعل خرجت الأرقام تشير إلى رفض 55 % من الشعب لبينوشيه و بالفعل ترك السلطة فى مارس 1990 و احتفظ بمنصبة كوزير للدفاع و عضوية مجلس الشيوخ .. سافر لندن فى زيارة عادية إلا أنه فوجىء بإعتقاله هناك و بعدها بدأ البحث فى جرائمه السابقة و تم إكتشاف حسابات بنكية باسمه فى الولايات المتحدة بها ملايين الدولارات .. ظل هارباً خارج البلاد يعانى من الوحدة و الأمراض المزمنة حتى توفى فى 10 ديسمبر 2006 .. كان يملك من المال ما يغنيه عن السؤال بالطبع إلا أنه فى نظر العالم كان ديكتاتوراً قاتلاً بخلاف أنه كان لصاً .. نهاية مخزية لرجل باع شعبه مقابل حفنة من الدولارات ..

ـــــــــــــــ

* #ليديا_جيلار_تيخادا أول رئيسة تم إنتخابها ديموقراطياً فى بوليفيا .. استمرت فى الحكم لمدة 8 شهور فقط قبل أن ينقلب عليها واحد من أسوأ حكام بوليفيا .. حديثنا الآن عن #لويس_جارسيا_ميزا_تيخادا

* حكم تيخادا بوليفيا لمدة 13 شهر فقط خلال عامى 80 : 81 إلا أنه فى تلك الفترة القصيرة قام بتغيير عقيدة الجيش البوليفى تماماً فأمر بتوجيه سلاحه إلى المدنيين المعارضين السياسيين فقتل منهم أكثر من ألف مواطن .. بخلاف ذلك قامت حكومته بالإتجار علناً فى المخدرات و تسهيل تهريب شحنات كبيرة منها .. أما على الجانب السياسى فتشابه عهده مع كثير من المستبدين حيث قام بنفى المعارضين و سجن الباقيين منهم و اضطهد النقابات العمالية بالإضافة لحل الأحزاب السياسية و وضع كل السلطات فى يده هو فقط .. أما على المستوى الدولى فقد فتح حدود بلاده لتكون مرتعاً للضباط النازيين الفارين من ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ..

* كان من الممكن أن يفلت تيخادا بأفعاله إلا أن صحوة شعبية أجبرت النظام البوليفى على فتح تحقيق معه ثم محاكمته و إدانته على جرائمه خلال فترة رئاسته القصيرة إلا أن كل هذا تم فى إطار صفقة بينه و بين النظام الحاكم .. تيخادا كان يملك أسراراً كثيرة و لو أدين فى إطار طبيعى لقام بالوشاية بمن عاونوه فى جرائمه .. سيدى الرئيس تيخادا .. عليك القبول بحكم المحكمة مقابل أن تعامل فى السجن كما الملوك .. زنزانة واسعة .. تلفزيون .. جهاز لشواء اللحم .. قاعة ألعاب رياضية .. هاتف .. حمام بخار .. تم تنفيذ كل هذا بالفعل إلا أنه مع الوقت خسر تيخادا كل تلك الإمتيازات نتيجة للإحتجاجات الشعبية المتزايدة ضد ما أثير عن تلك الصفقة .. سيدى الرئيس تيخادا .. يؤسفنى أن أخبرك أنك قد خدعت من قبل أصدقاء الأمس ..

ــــــــــــــ

* فى الباراجواى إستمر حكم الطاغية #ألفريدو_ستويسنر_ماتياودا لمدة 35 عاماً إثر إنقلاب عسكرى دعمته الولايات المتحدة ضد الرئيس #توماس_روميرو_بيريرا .. 35 عاماً أصيبت فيها باراجواى بالترهل الإدارى و الفساد حتى اعترفت مؤسسة الرئاسة بنفسها بذلك لكن هذا كان أبسط مساوىء عهد سترويسنر ..

* اتسم عهده بالوحشية المفرطة و اعتبرت باراجواى فى عهده صاحبة أسوأ آداء فى مجال حقوق الإنسان فى أمريكا الجنوبية .. قتل فى عهده حوالى 4000 شخص جراء التعذيب المفرط .. أعتقل عشرات الآلاف .. اختفى قسرياً آلافاً أخرى لم تستطع أى جهة تحديد أعدادهم .. كانت شرطته السرية تجبر المعتقلين على الإستحمام بالبراز البشرى .. كان يأمر بإستخدام الكهرباء فى تعذيب المعتقلين .. أحد المعتقلين كان الأمين العام للحزب الشيوعى فأمر شرطته بتقطيع أوصاله حياً عن طريق المناشير .. إمعاناً فى الذل كان يأمر بتسجيل صراخ المعتقلين على شرائط ثم يرسلها إلى ذويهم ليعلم الجميع مدى سيطرته على مقاليد الأمور ..

* بعد أن أقسم اليمين لفترته الرئاسية الثامنة كرئيس بستة شهور فقط أطيح به بعد إنقلاب دموى قاده الجنرال #أندريه_رودريجز .. بعد الإنقلاب هرب سترويسنر إلى البرازيل و عاش فيها حوالى 17 عاماً قبل أن يتوفى بالسكتة الدماغية عن عمر يناهز 93 عاماً ..

ـــــــــــــ

* فى بنما وصل #مانويل_نورييجا إلى السلطة عام 1983 بعد تفجير طائرة الرئيس #عمر_توريخوس .. عرف عن نورييجا أنه كان أحد أكثر عملاء الولايات المتحدة طاعة فى أمريكا اللاتينية حيث أنه بدأ عمالته لها منذ سن صغير .. كان يتدرب فى أحد القواعد العسكرية فى بيرو و بالصدفة البحتة كانت تلك القاعدة من تختار منها الولايات المتحدة عملاؤها .. عرضوا عليه الأمر فوافق على الفور .. علم أن تعاونه مع الأمريكيين سيؤهله يوماً ما لحكم بلاده بنما ..

* حارب الشيوعيين فى كوبا و نيكاراجوا بناءاً على طلب الأمريكيين .. ساعد فى تهريب المخدرات إلى الدول المحيطة به و عاث فى بنما فساداً إلا أنه و بسبب طموحه المبالغ فيه و حبه للمال على ما يبدو قام بتهريب كميات كبيرة من المخدرات إلى الولايات المتحدة نفسها فقامت بالتضحية به و الإنقلاب عليه .. بعد سبع سنوات كاملة من الديكتاتورية المطلقة فى بنما تذكرت الولايات المتحدة أن نورييجا طاغية مستبد يجب الوقوف أمامه .. كلف الرئيس الأمريكى جورج بوش الأب قواته المسلحة بحماية المواطنين الآمنين فى بنما و تقديم الجنرال نورييجا إلى العدالة فى الولايات المتحدة ..

* أطاحت الولايات المتحدة بعميلها السابق بعد غزوها لبنما و سجنته فى ميامى عام 1992 بتهمة تهريب المخدرات .. حكم عليه بالسجن 40 عاماً قضى منهم 17 عاماً فقط ثم سُجن سنتين فى فرنسا بتهمة غسيل الأموال ثم تم تسليمه إلى بنما لقضاء فترة سجن عن جرائم إرتكبها أثناء حكمه و مات داخل زنزانته فى مايو 2017 عن عمر ناهز 83 عاماً .. نهاية مآساوية لكنها تليق بعميل خائن لوطنه مثل نورييجا ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ