الجزء الأخير :
ــــــــــــــــــــــ
* عام 1992 إنهارت جمهورية يوغوسلافيا ذات الطابع الإشتراكى و بإنهيارها تم تقسيمها إلى عدة دول مثل البوسنة و الهرسك و كرواتيا و سلوفينيا و الدولة محل حديثنا اليوم .. #صربيا .. الإنفصال لم يكن بهذه السهولة و اليسر فحرباً أهلية دموية حدثت فى تلك الفترة على يد طاغية صربيا #رادوفان_كاراديتش الذى خاض تلك الحرب ضد المسلمين الكروات و البوسنيين من أجل السيطرة على أكبر مساحة من الأرض مع إقرار وضع سياسى جديد يقضى بهيمنته و دولته على تلك المنطقة لاحقاً .. كاراديتش كان جزاراً بالمعنى الحرفى للكلمة ..
* صربيا كانت الأعلى تسليحاً و الأجهز من كل جيرانها بحكم أنها كانت قلب الجمهورية اليوغوسلافية و أصل الشعوب السلافية بالمنطقة و بصفته قائداً لجيش الصرب فقد أعطى أوامر صريحة و واضحة و مباشرة لجنوده بقتل و إغتصاب و تهجير كل من يقف أمام طموحاته فى المنطقة و هو ما كان حيث تمت فى فترة حكمه أبشع عمليات الإغتصاب بالإضافة لقتل و ترويع المدنيين العزل بشكل يمكن وصفه بالممنهج و المحسوب لإحداث أكبر أثر نفسى ممكن فى قلوب الشعب البوسنى ..
* دموية كاراديتش كانت موجهة بشكل أساسى ضد المسلمين سواء كانوا بوسنيين أو كروات و الأرقام تعد مرعبة مقارنة بفترة حكمه القصيرة و التى بلغت 3 سنوات فقط ففى منطقة #سربرنيتشا كان يوجد قوة دولية هولندية لتأمين المنطقة فاستغل البوسنيين الفارين من الهجمات الصربية وجودهم و احتموا فيهم لكن بشكل أو بأخر تخلت عنهم القوة الدولية و تركوهم لقمة سائغة لكاراديتش و جنوده الذى أسرهم جميعاً ثم فصل الرجال و الأطفال عن عائلاتهم و أعدم منهم ما يزيد عن 8000 فرد فى واحدة من أفظع مذابح العصر الحديث ..
* بخلاف مذبحة سربرنيتشا قام كاراديتش بإعتقال آلافاً آخرين فى مرافق إحتجاز لا يتوفر فيها الحد الأدنى من الحاجات الأساسية بغية إنهاء حياتهم .. جمع أكثر من 1000 شخص فى مستودع فى قرية #كرافيكاالبوسنية ثم قتلهم .. جمع أكثر من 1000 آخرين قرب مدرسة فى منطقة #أوراهوفاش و أعدمهم جميعاً .. قتل 144 شخص فى قرية #بلجانى و اعتقل آلافاً فى سجون #فوتشا و فى مخيم إعتقال #كيراتيرم و معسكر#سوشيتسا .. دمر الممتلكات الخاصة و العامة للبوسنيين .. متاحف .. مساجد .. مستشفيات .. قصف حتى الأسواق مثل حادثة قصف سوق ماركال عام 1994 .. كاراديتش لم يترك شبراً فى البوسنة إلا و بث فيه الذعر ..
* تم إتهامه من قبل المحكمة الدولية بجرائم حرب فهرب و توارى عن الأنظار لمده 13 عاماً أطلق فيها لحيته و غير من هيئته و عاش فى صربيا مدعياً أنه رجلاً غير صربى يعمل بمهنة الطب البديل إلى أن ألقى القبض عليه عام 2008 و هو يحمل أوراق ثبوتية مزورة بإسم #دراجان_بابيتش .. خضع كاراديتش للمحاكمة على يد قاضى صربى و مثل أمام محكمة العدل الدولية فى لاهاى عام 2012 إلى أن حكم عليه فى مارس 2016 بالسجن 40 عاماً لإدانته بإرتكاب جرائم إبادة جماعية بالإضافة لقائمة من 13 إتهام آخر و لا يزال يقضى فترة محاكمته إلى الآن رغم وصول عمره إلى 72 عاماً ..
ــــــــــــ
* لم يكن إستقلال بيلاروسيا عن الإتحاد السوفييتى يعنى بالضرورة إنتهاء الشيوعية فى البلد الصغير ففى عام 1994 و بعد ثلاث سنوات فقط من إستقلالها انتخب #ألكسندر_لوكاتشينكو كرئيس للدولة و منذ ذلك الوقت و الرجل فى منصبه بعد أن تم إنتخابه لخمس مرات متتالية و هو بهذا حاز على لقب#أخر_ديكتاتور_فى_أوروبا و إن كان هذا اللقب متعارف عليه فى الأوساط السياسية فالرجل حصل على جائزة أخرى تدعو إلى الضحك حين حصل على #جائزة_نوبل_للجهلاء عام 2013 بعدما حظر التصفيق للعامة و قاسمه فى تلك الجائزة جهاز شرطته السرية الذى قام بإعتقال بطريقاً بتهمة التصفيق ..
* 23 عاماً حكم فيها الرجل بيلاروسيا بقبضة من حديد .. هو حامى إستقرار البلاد و المعارضة عدوة للشعب أما الشعب نفسه فهو لا يعرف مصلحته .. وجوده على رأس السلطة يعتبر ضمانة لإستقرار الدولة إقتصادياً و إجتماعياً .. فتحت السجون و المعتقلات لإستقبال المعارضين .. تم التحكم فى الإعلام بنسبة 100 % فلا يتم نشر حرفاً فى أى وسيلة إعلامية إلا بعد مرورها على إدارات خاصة فى الشرطة و المخابرات البيلاروسية .. أنشأ جهازاً للشرطة السرية أطلق عليه إسم KGB تيمناً بنظيره فى الإتحاد السوفييتى .. سحق كل أشكال المعارضة السياسية فلم يعد هناك سياسياً واحداً يجرؤ على إنتقاد قرار من لوكاتشينكو .. لجأ المعارضون إلى الإنترنت بعد إغلاق وسائل الإعتراض السياسية أمامهم فقام لوكاتشينكو بحظر مواقع التواصل الإجتماعى و المدونات و المواقع المعارضة مع تهديد المعارضين بإستمرار حتى المقيمين منهم خارج بيلاروسيا ..
* لم يبقى للوكاتشينكو أى حلفاء فى العالم سوى روسيا التى تمده بالغاز بنصف أسعاره العالمية خاصة مع وجود عقوبات إقتصادية مفروضة عليه و فى المقابل فإن إنتاج المصانع البيلاروسية يتوجه بشكل شبه كامل إلى روسيا فى محاولة لإثبات فاعلية النظام الإشتراكى الذى تسير عليه بيلاروسيا و بالطبع فمستوى معيشة المواطنين يتدنى كل عام عن الأخر إلا أن ضمان المواطنين لوظائفهم فى الشركات المؤممة من قبل الدولة يجعلهم مستفيدين بشكل أو بأخر من إستمرار ذلك النظام ..
ـــــــــــــــ
* دولة أوروبية أخرى لا تتخطى مساحتها 29 ألف كيلو متر تولى رئاستها نوعاً أخر من الطغاة .. نوعاً أدخل دولته فى دائرة من الفقر المستمر بسبب سيطرة شبح الغزو على تفكيره .. أتحدث هنا عن #ألبانيا و حاكمها #إنفر_هاليل_هوكسا أو كما تنطق بالعربية #أنور_خليل_خوجة ..
* أنور خوجة حاكم شيوعى حكم ألبانيا منذ عام 1945 حتى 1955 و لكنه استمر كحاكم فعلى حتى وفاته عام 1985 بصفته سكرتير الحزب الشيوعى الألبانى .. الرجل على مستوى الإنجازات تعد له لمسات جيدة لا تخطئها عين و إن كان يعود الفضل فى ذلك التطور النسبى إلى مساعدة الإتحاد السوفييتى له بشتى الوسائل .. خوجة استلم ألبانيا و شعبها جاهل تقريباً فحوالى 95 % من الشعب كان أمياً عام 1937 فساهم فى تخفيض الأمية إلى 30 % فقط عام 1950 و رفع مستوى الدخل و طور نظام التأمين الصحى و أنشأ جامعة تيرانا أول جامعة فى ألبانيا .. بإختصار الرجل له بصمات إيجابية بالفعل و لكن فى المقابل كان يتملكه هوس غزو ألبانيا فى أى وقت و تسبب ذلك فى إستنزاف موارد الدولة بإستمرار لأن خوجة قرر و بشكل منفرد أن يبنى مئات آلاف الأقبية و الملاجىء تحت الأرض تحسباً للغزو فى أى لحظة .. حوالى مليون قبو و ملجأ تم بنائهم فى فترة حكم الرجل ..
* فكرته بالمناسبة كانت نبيلة لأنه فى النهاية كان يرغب فى حماية مواطنيه فى حالة نشوب حرب و لكن بصورة أو بأخرى تسببت سياسته فى إستنزاف سيولة الدولة بإستمرار و على الرغم من التطوير الذى طال بعض القطاعات الإجتماعية إلا أنه فى النهاية إستمرت ملامح الفقر ظاهرة بوضوح على الشعب الألبانى .. مليون ملجأ جعلت ألبانيا تشبه الحقول التى تظهر منها رؤوس الأقبية كالأزهار فهناك 24 قبو لكل كيلو متر مربع و هو ما يعادل ملجئاً لكل 4 مواطنين ما جعلها تستحق لقب #مسقط_رأس_الملاجىء ..
* أبرز الملاجىء على الإطلاق شيده خوجه لنفسه و لكبار مسئولى البلاد داخل جبل قرب العاصمة #تيرانا و احتوى هذا الملجأ و الذى كان مصمماً لمواجهة حرب نووية على 106 حجرة مقسمين على 5 طوابق بالإضافة إلى نفق طوله 3 كيلومترات و مركز للإتصالات و مخازن للذخيرة و المواد الغذائية و المياه و قاعات للإجتماعات و صالة للحفلات الموسيقية بمساحة إجمالية 2685 متر مربع .. الرجل بالفعل كان يجهز نفسه لحرب نووية ضد بلاده ..
ــــــــــــــــــ
* يتشابه الطغاه فى بعض الأمور مثل إعتقادهم أنهم دائماً على حق و من دونهم على باطل .. يتشابهون أيضاً فى خشيتهم على فقدان سلطانهم فللسلطة شهوة لا يستطيع أى حاكم مهما علا شأنه أن يحتمل خسارتها و هو ما يجبر أى حاكم ظالم على إستخدام القوة المفرطة إذا استدعى الأمر للحفاظ على سلطانه و حياته أيضاً كونها ترتبط بشكل وثيق بوجوده فى السلطة .. الدول المتحضرة توصلت إلى حل معروف منذ فجر التاريخ لعلاج تلك المشاكل .. العدل .. العدل فقط هو الطريق الوحيد لإنشاء دولة حديثة متطورة .. نظام حكم عادل قائم على الديموقراطية و إحترام رأى الأغلبية مع وجود قوانين تطبق على الكبير قبل الصغير .. معادلة ممتازة مجربة و نتائجها مؤكده و لكنها بالتأكيد غير مرغوبة من أى حاكم ديكتاتور ..
* لكل ديكتاتور حاشية و مستفيدين و هم الذين يقاتلون حتى النهاية من أجل إستمرار الطاغية فى منصبه كونهم أكثر المستفيدين من بقائه و تلك الحاشية فى العادة تتكون من ما يطلق عليهم نخبة المجتمع .. سياسيين .. أدباء .. إعلاميين .. فنانين .. و قبل كل هؤلاء أجهزة حفظ الأمن مثل جهاز الشرطة أو ما شابه فهم بشكل أو بأخر حائط الصد الأخير الذى يحتمى به الطاغية حال قرر الشعب الثورة عليه ..
* إذاً فالقصة هنا متكررة و معروفة و لا تخرج عن سياقها إلا فيما ندر ..
– إصنع عدواً تلصق به كل الفشل الذى تتسبب فيه ..
– ساوم الناس على أمنهم و هددهم إما أنت أو الفوضى ..
– قرب إليك جزء من الشعب و اعتبرهم مواطنين شرفاء و من دونهم فهم الخونة ..
– اعتقل أو اقتل كل من تسول له نفسه الإعتراض عليك ..
– اطلق يد شرطتك لتعد على الناس أنفاسها و تلقى بمن يتذمر منهم فى السجون ..
– اطلق مشروعات عملاقة لا يحتاجها الناس و لا تفيد الغالبية العظمى من الشعب فى شيىء ..
– اقترض ثم اقترض ثم اقترض حتى تضاعف ديونك لتجمل صورتك أمام شعبك ..
– إذا ما نفذت كل ما سبق فهنيئاً لك .. أنت تسير بخطى ثابتة فى طريق الديكتاتورية ..
* فى النهاية تلك السلسلة تم التركيز فيها على سلوكيات الطغاة و العوامل النفسية التى تجعلهم يصدرون قرارات قد تبدو لأى شخص عاقل أنها غريبة .. أيضاً تم التركيز على طبيعة الدول الديكتاتورية من حيث ردود فعل الشعوب من ناحية و من حيث تعامل النخب المحيطة بذلك الديكتاتور من ناحية أخرى ..
* الديكتاتورية تتشابه إجمالاً بين البشر و لا يرتبط الأمر بسمات معينة ففى تلك السلسلة حاولت إبراز نقطة مهمة و هى أن الطغيان و الإستبداد موجودان منذ وجود البشر على الأرض و لا يرتبطان بمكان أو زمان أو حتى دين ..
أتمنى أن أكون وفقت فى طريقة العرض و عذراً على عدم ذكر مصادر لتلك السلسلة نظراً لكثرتها و قد تحتاج إلى مقال خاص بها ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ