لجزء الحادى عشر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* سالونيك .. اليونان .. عام 1880 ..
رُزق #على_رضا_أفندى حارس الجمرك بطفل من زوجته #السيدة_زبيدة .. على رضا سيطلق على ذلك الطفل إسم مصطفى .. ربما يكون الإسم قد أوحى لك بشيىء ما .. لا أعرف و لكننا نتحدث هنا عن #مصطفى_كمال_أتاتورك ..
* فى الخفاء كان تحاك المكائد ضد الخلافة العثمانية .. رجل أوروبا المريض يبدو أنه ينازع الموت منذ عشرات السنين .. الآن حان وقت الإجهاز عليه .. اليهود و الماسونيين و حلفاؤهم الأوروبيون استطاعوا تمويل بعض الأحزاب السرية للقيام بثورة تهدف إلى عودة البرلمان و الذى تم تعليقه من قبل السلطان منذ 30 عاماً .. بعودة البرلمان تم سحب جزء كبير من السلطة من يد السلطان و بالتالى أصبح مصير الخلافة فى أيديهم .. دبروا إضطرابات داخلية أطلق عليها تاريخياً أحداث 31 مارس بهدف إسقاط السلطان #عبد_الحميد_الثانى .. دبروا له الأحداث ثم اتهموه بها و لكى يقنعوا الشعب بمؤامرتهم ادعوا على الرجل أنه حرض المسلمين على قتال بعضهم و أنه أحرق المصاحف .. استخدموا اللغة التى يفهمها الشارع على الرغم من أنهم علمانيو التوجه .. صدقهم جزء من الشعب و عليه تم عزل السلطان من منصبه و بالتبعية أصبحت السلطة فى أيديهم .. جدير بالذكر أن أتاتورك كان واحداً من أبرز هؤلاء المتآمرين على السلطنة ..
* اختلف الناس بين أصل أتاتورك فمنهم من رأى أنه من أصول تركية و منهم من زعم أنه من أصول يهودية إسبانية حيث يعود أصل أجداده إلى #يهود_الدونمة الذين ادّعوا دخول الإسلام وقت سيطرة المسلمين على مقاليد الأمور هناك .. فى النهاية أتاتورك عاش كمواطن عثمانى ثم انتمى للقومية التركية بغض النظر عن أصوله الحقيقية .. تخرج أتاتورك من الكلية العسكرية برتبة نقيب ثم عين ضابطاً فى الجيش الثالث فى سالونيك ثم عين قائداً للفرقة التاسعة عشر أثناء الحرب العالمية الأولى ثم رقى إلى رتبة عقيد ثم إلى رتبة عميد بعد إنتصاره على قوات الحلفاء مرتين أبرزهم كانت #معركة_جاليبولى ..
* بتولى أتاتورك مقاليد الأمور فى تركيا بدأت معه مرحلة تغريب لتركيا بشكل كامل فتحديداً منذ معاهدة لوزان 1923 و بعد الشروط التى أقرتها إما علانية و إما فى الخفاء تحول أتاتورك من ذلك الزعيم الذى كان ينادى بالجهاد وقت الحرب العالمية الأولى إلى ذلك الطاغية الذى يأتمر بأمر الغرب و يسير على نهجهم .. نفذ أتاتورك رغبات السادة الأوروبيون بشكل أذهل حتى الأوروبيون أنفسهم فبسبب سياساته إنقطعت صلة تركيا بالإسلام تقريباً ..
* ألغى الخلافة الإسلامية .. نفى الخليفة إلى سالونيك و وضعه تحت الإقامة الجبرية و صادر أمواله .. سجن كل من نادى بالخلافة أو إنتمى لها .. سن دستور علمانى بشكل كامل لم ينص فيه بأن الإسلام هو دين الدولة .. غير نص القسم الذى يقسمه المسئولون الجدد فأصبحوا يقسمون بشرفهم بدلاً من أن يقسموا بالله .. ألغى وزارة الأوقاف و أسند دورها إلى وزارة المعارف .. خفض عدد الواعظين المسئولون من الدولة إلى ثلاثمائة واعظ فقط مع إجباره لهم على الحديث عن إنجازاته الزراعية و الإقتصادية فى خطب الجمعة .. أهمل التعليم الدينى و أغلق كلية الشريعة فى جامعة إسطنبول .. ألغى المحاكم الشرعية و استبدلها بالقوانين الوضعية التى استوردها من سويسرا و إيطاليا و ألمانيا .. حول مسجد #آيا_صوفيا إلى متحف و حول مسجد #محمد_الفاتح إلى مخزن .. حدد عدد المساجد و لم يسمح بتصاريح لإنشاء مساجد جديدة إلا فى أضيق الحدود .. ألغى حجاب المرأة و أقر المساواة بين الرجل و المرأة فى كل شيىء فألغى قوامة الرجل و ساواهم فى المواريث .. منع الآذان باللغة العربية و أعلن أكثر من مرة أن الروح الإسلامية تعيق التقدم .. استبدل الأحرف العربية بالأحرف اللاتينية و أمر بكتابة المصحف باللغة التركية .. ألغى التقويم الهجرى و استبدله بالتقويم الميلادى .. غير العطلة الرسمية للدولة إلى الأحد بدلاً من الجمعة .. أيد وجود دولة لليهود على أرض فلسطين بالرغم من الرفض الشعبى لذلك .. أنشأ المدارس المختلطة بين الذكور و الإناث .. ألغى إرتداء الطربوش و أمر بإرتداء القبعات مثل الأوروبيين ..
* نتحدث هنا عن ديكتاتور اتسم أداؤه بكثير من التضييق داخلياً و القطيعة مع الإسلام و المسلمين خارجياً و الدموية فى علاقته بالأقليات و على رأسهم الأكراد الذى قام بمجازر دموية فى حقهم بدءاً من إنتفاضة #الشيخ_سعيد_بيران مروراً بإنتفاضة #إحسان_نورى_باشا و أخيراً #مجزرة_ديرسيم التى راح ضحيتها أكثر من سبعين ألف كردى و ذلك بخلاف آلافاً أخرى من باقى الأقليات مثل الأرمن و العرب و الشركس و الأشوريون ..
* استمر أتاتورك فى سياسته حتى جاء وقت الحساب .. تأخرت صحته بداية من عام 1937 متأثراً بمرض تليف الكبد غالباً بسبب إفراطه الشديد فى شرب الخمور و بدأت أعراض المرض تزداد يوماً بعد الآخر .. أنسجة كبده السليمة كانت تستبدل بأنسجة ليفية تالفة فتمنع الكبد من أداء دوره فى تصفية السموم من جسمه .. بدأ يشعر بالتعب و الوهن بشكل مستمر .. فقد شهيته و فقد كثيراً من وزنه .. ظهرت كتل دموية فى بطنه مصحوبة بإنتفاخ بسبب تجمع السوائل فى منطقة البطن .. بدأ ينزف دماً بشكل متكرر و بدأ يعانى من كدمات تظهر على جلده بسبب حدوث نزيف تحت الجلد .. تغير لون جلده و عينه إلى اللون الأصفر و روى أن رائحة فمه كانت كريهة بشكل لا يوصف .. أصيب بحكة مستمرة فى الجلد لتراكم السموم التى لم يستطيع كبده إزالتها .. تجمعت السوائل فى قدميه حتى أصبح يجد صعوبة فى المشى .. حاول أتاتورك علاج نفسه بأحدث الأدوية و استعان بأفضل الأطباء فى تركيا و أوروبا إلا أن حالته كانت تسوء بإستمرار حتى توفى فى نوفمبر 1938 مسدلاً الستار على واحدة من أصعب فترات حكم الأتراك ..
ـــــــــــــ
* ميدان الجمهورية .. بوخارست .. 1989 ..
الحشود الغاضبة تقتحم القصر الجمهورى مستوليه على كل ما يطاله أيديها .. قبلها بدقائق كان الديكتاتور #نيكولاى_تشاوشيسكو يهرب من القصر برفقة زوجته مستقلين مروحية كانت تنتظرهم فوق سطح المبنى ..
* بدأ تشاوشيسكو حكمه رافعاً شعارات القومية و الإشتراكية و إستقلال الرأى عن موسكو و هو ما جعله بطلاً فى عيون شعبه .. بطولة ما لبثت إلا أن تحولت إلى إستبداد و طغيان .. إختار #الكوندوكاتور أو الزعيم أن يقترض ليمول مشاريعه العملاقة و ما هى إلا فترة حتى وقعت رومانيا فى براثن الديون التى لا تستطيع سدادها .. إضطرابات مجتمعية دعته لمضاعفة أعداد جهاز الشرطة السرية #السيكيوريتات لإسكات تلك الألسنة المغرضة التى تحاول النيل من إنجازاته فهو مصدر الضوء .. القائد العظيم و الملهم .. المنار المضىء للإنسانية .. العبقرى الذى يعرف كل شيىء .. دانوب الفكر .. لا تتعجب فالسيكيوريتات كانت تعتقل كل من يظهر قليل من الإستهانة بتلك الألقاب التى أطلقها الديكتاتور على نفسه ..
* مع حلول موعد سداد القروض التى أخذها تشاوشيسكو ضاقت الحلقة عليه أكثر و أكثر خاصة بعد أن فقد حليفه فى الشرق و لم يستطع كسب ثقة الغرب .. هو لن يسمح بأن يحمله أحد مسئولية الإنهيار الإقتصادى .. على الشعب الآن أن يدفع ثمن خطأ لم يرتكبه .. أيها الشعب الرومانى العظيم .. 10 مليارات ديون .. كل ما علينا هو التقشف .. سنصدر كل محصولنا الزراعى تقريباً و لن يبقى لكم إلا الفتات و لكن لا تقلقوا فالزعيم كما تعلمون عبقرى يعرف كل شيىء و سيجد طريقاً ليخرجنا بها من تلك الأزمة .. لم يجد الرومان ما يأكلونه .. إستعاضت محلات بيع الأطعمة عن الأطعمة بصورها خشية سرقتها .. إرتفعت أسعار السلع بشكل غير مسبوق و صار الجوع ظاهراً فى كل مكان حتى إن الخبز تم صرفه بنظام الحصص .. نصف رغيف للفرد يومياً .. خطة التقشف إشتملت على كل شيىء فى الدولة .. كان يتم قطع الكهرباء أغلب ساعات اليوم خاصة فى الليل .. لم يعد هناك غاز للتدفئة .. تجمدت أنابيب الغاز و إنفجرت فى المنازل .. تجمدت أنابيب المياه .. لم يعد هناك صابون أو ورق للحمام .. حتى التلفزيون الرسمى تم دمج كل قنواته فى قناة واحدة تُبَث لمدة ساعتين فقط فى اليوم .. إقترب الرومانيين كثيراً من المجاعة و قدرت أعداد الوفيات بسبب الجوع و البرد ب 15000 نسمة سنوياً ..
* و رغم كل ما سبق كان يستطيع الشعب أن يصبر لولا أنه رأى أحد أضخم مشاريع الزعيم يتم إنشاؤه على قدم و ساق .. #قصر_الشعب .. ثانى أكبر مبنى إدارى فى العالم بعد #البنتاجون .. أغلى مبنى إدارى فى العالم حيث تكلف بناءه 2 مليار جنيه إسترلينى .. استخدم فى بناءه مليون طن من الرخام .. تم بناءه على مساحة 45000 متر مربع بإرتفاع 100 متر .. احتوى على 1000 غرفة و قام ببناءه 15000 عامل .. لكى يقوم الطاغية ببناء هذا القصر قام بإزالة خُمس مساحة العاصمة بوخارست و تم تهجير أعداداً مهولة من الرومانيين و تسكينهم فى شققاً صغيرة غير مجهزة حتى إنه لم يكن بها حمامات و كانت الحمامات موجودة على مسافة 100 متر خلف المبانى .. بسبب ذلك القصر عانى الرومانيين الفقر و الحاجة و التهجير و سوء المعاملة أكثر من أى وقت مضى .. 2 مليار جنيه إسترلينى فى وقت تأكل فيه الأطفال نصف رغيف خبز يومياً .. كان هذا مدعاة للثورة بلا أدنى شك ..
* أضرب عمال المصانع فى مدينة #تيميشوارا .. ذهبت الشرطة لإجبارهم على إنهاء الإضراب فلم تستطع لأن العمال هددوا بتفجير مصنع للكيماويات .. و على الرغم من تعتيم الإعلام بعد 6 أيام فقط كانت الحشود المجتمعة فى ميدان الجمهورية تقاطع دانوب الفكر هاتفة ..
( تيميشوارا .. يسقط الخونة )
هرب الطاغية مع زوجته فى مروحية كانت تنتظره فوق سطح المبنى إلا أن قائد الطائرة تعلل بنفاذ الوقود و تركهم على جانب أحد الطرق .. قبض عليهم بعض الثوار بمعاونة بعض ضباط الجيش .. بعد أربعة أيام فقط حوكم تشاوشيسكو و زوجته محاكمة صورية استغرقت ساعتين فقط حكم عليهما فى نهايتها بالإعدام رمياً بالرصاص .. تم إعدامهما يوم 25 ديسمبر عام 1989 و دفنا بمقبرة متواضعة فى #مدافن_جينتشيا فى العاصمة بوخارست ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ