الجزء العاشر :
ــــــــــــــــــــــ
* قد تظن أن أوروبا قارة لا يسكنها الطغاة .. حتماً خيالك قد لا يستوعب فكرة وجود مستبدين أو طغاة بين هؤلاء البشر و هم الذين يدعون المدنية و احترام حقوق الآخر ليل نهار .. أؤكد لك يا عزيزى أنك مخطىء .. مخطىء بشدة ..
ـــــــــــ
* فى البداية سأحكى لكم عن طاغية مختلف قليلاً عما قرأتموه من قبل .. ديكتاتوراً لم يقتل شعبه و إنما قتل شعباً أخر و حين أقول شعباً أخر فأنا أعنى المعنى الحرفى للكلمة .. هذا الطاغية كان سيتسبب فى فناء شعب الكونغو الديموقراطية بالكامل .. موعدنا الآن مع #ليوبولد_الثانى ملك بلجيكا الذى استعمر جمهورية الكونغو الديموقراطية فى أواخر العقد السابع من القرن التاسع عشر ..
* فى عام 1879 استعان ليوبولد الثانى ملك بلجيكا بالمستكشف البريطانى #هنرى_مورتون_ستانلى ليساعده فى إيجاد مستعمرة تخصه وحده و تكون ملكية خاصة به دون أن تمتلك بلجيكا فيها شبراً واحداً .. مورتون كان قد استكشف جزءاً كبيراً من إفريقيا و منذ أن تم توليته أمر المهمة اختار على الفور الكونغو الديموقراطية كونها دولة حجمها كبير للغاية و تملك الكثير من الموارد الطبيعية مثل العاج و المطاط .. الأمر لم يكن غزواً بالمعنى المعروف و إن كان السلاح قد إستخدم فى البداية لتعريف القبائل الإفريقية بما يواجهونه هنا .. مستعمر أوروبى أبيض يحمل سلاحاً حديثاً و يستطيع أن يستخدمه متى أراد يريد أن يستولى على أرضنا مقابل هدايا قيمة و مقابل تحالفات عسكرية .. أمر ليوبولد قادة القبائل أن يوقعوا على أوراقاً قال لهم أنها معاهدات لحمايتهم و وثائق للتنازل عن بعض الأراضى لإقامة بعض المشاريع عليها ..
* طبقاً لموازين القوى وقتها لم يجد القادة مفراً من التوقيع و هم بالطبع لا يعرفون القراءة و لا الكتابة .. فى الحقيقة لم تكن الهدايا قيمة و لم تكن هناك تحالفات عسكرية و إنما كانت تنازلاً واضحاً و صريحاً عن أراضى الكونغو بالكامل مقابل قطعة قماش شهرياً مع إعطاء من يوقع قطعة قماش أخرى كهدية و فى المقابل يتملك ليوبولد الثانى أراضى الكونغو بالكامل و يتحكم فى مواردها مع حقه فى إجبار قادة القبائل على تجميع العمالة اللازمة لجمع تلك الموارد .. بتلك الخدعة استطاع ليوبولد أن يستحوذ على مستعمرة هى أكبر بحوالى 77 مرة من وطنه الأم بلجيكا .. حان الوقت لتنفيذ الإتفاق أيها الأفارقة .. إجمعوا لى كل ما تطوله أياديكم من العاج و الموارد الأخرى ..
* بدأ كابوس الكونغوليون الحقيقى عام 1884 عندما تولى الضابط البلجيكى #ليون_روم أمر المستعمرة .. روم كان دموياً و قاسياً بإقتدار أوحى للملك بتركه يفعل ما يحلو له بهؤلاء العبيد مقابل زيادة شحنات العاج المرسلة إليه فى بلجيكا و بالطبع أعجب الملك بالفكرة و أعطاه كافة الصلاحيات .. لسوء حظ الكونغوليون بدأت السيارات فى الإنتشار فى أوروبا و بدأت الحاجة تزيد إلى المطاط المستخدم فى صناعتها و هو ما وضعهم فى مواجهة مباشرة مع الضابط روم .. أيها العبيد .. عليكم مضاعفة حصة كل فرد منكم من المطاط .. لا تعودوا من الغابات إلا و معكم الكمية المطلوبة و من لا يعود منكم فأزواجكم و أبناءكم رهائن عندى .. من لا يعود منكم سنقتل أهله بالكامل ..
* زادت فترات العمل و سقط الآلاف من الإعياء و مات آلافاً آخرين من شدة تعذيبهم بالسياط و بدأت الحصيلة تقل مع الوقت فابتكر روم فكرة دموية جديدة تتلخص فى قطع أيادى من لا يأتى بالكمية المطلوبة منه .. أصبح من العادى أن ترى آلافاً من الأفارقة مقطوعى الأيدى يسيرون بين الناس .. أقيمت المشانق فى كل مكان و إبرازاً لوحشية الرجل أمر بقطع رقاب المتمردين على قرارات الملك و قام بتعليق رؤوسهم على أبواب مقر قيادته حتى إنه ربط جماجمهم على أعمدة سريره الشخصى .. لم يُنجى الكونغوليين من مصيرهم المحتوم سوى إكتشاف الصحفى البريطانى #إدموند_دين_موريل الذى كان يعمل فى خط شحن ليفربول و الذى كانت تُشحن عن طريقه ثروات الكونغو إلى بلجيكا ..
* موريل إكتشف أسلحة مخبأة بين البضائع الواردة و العائدة إلى الكونغو فقام بنشر تحقيق صحفى عن شكوكه فى أعمال وحشية يقوم بها الملك ليوبولد فى الكونغو و على الفور تردد صدى ذلك التحقيق فى بريطانيا فقامت الحكومة بأمر قنصلها فى الكونغو #السير_روجير_كاسمينت بالتأكد من تلك الشكوك و ما إكتشفه الرجل كان مريعاً بالفعل .. جثث بالآلاف ملقاه فوق بعضها مثل الجبال تركت لتتعفن فى العراء .. عشرات آلاف الأطراف المبتورة ملقاة فى كل مكان .. علم بأمر الجماجم و علم بأمر المشانق .. علم الرجل بالحقيقة كاملة فأرسلها للحكومة فى لندن فلم تجرؤ الحكومة البريطانية على نشر التقرير كما أرسله السير كاسمينت و قامت بالتعديل فيه .. من ناحية أخرى طلبت بريطانيا من الحكومة البلجيكية تعديل الوضع فأضطرت الأخيرة عام 1906 للضغط على الملك للتنازل عن ملكيته للكونغو لصالح مملكة بلجيكا .. رفض فى البداية و لكن بعد عامين من المفاوضات وافق على التنازل قبل أن يموت بعدها بعام واحد تاركاً خلفه ملايين من القتلى فى الكونغو قدروا بنصف الشعب الكونغولى تقريباً ..
ــــــــــ
* إسبانيا عام 1936 ..
وقف الجنرال #خوسيه_سان_خورخو معلناً تمرد بعض وحدات الجيش الإسبانى ضد الرئيس اليسارى #مانويل_أثانيا و حكومته .. ذلك الإعلان سيجر إسبانيا لمستنقع الحرب الأهلية لمدة ثلاث سنوات لاحقة مخلفة وراءها حوالى نصف مليون قتيل و حرق مدن رئيسية فى البلاد مثل مدريد و برشلونة .. بعد فترة قصيرة سيحاول #سان_خورخو العودة من منفاه فى البرتغال إلى إسبانيا لقيادة الحراك بنفسه إلا أنه سيتوفى فى حادثة تحطم طائرته و هو ما سيمنح الفرصة لواحد من أكثر حكام أوروبا فاشية لقيادة التمرد و قيادة إسبانيا كلها لمدة 36 عاماً متتالية .. #فرانسيسكو_فرانكو ..
* فرانكو يعتبر ديكتاتور تقليدى أى أنه لم يكن يبدع فى طرق القتل أو التعذيب .. كان هناك قتل و تعذيب بالطبع لكنه كان يتم بشكل نمطى .. إطلاق النار فى الجبهة أو التعذيب بالجلد فى السجون إلى أخر تلك الأمور العادية و هذا بخلاف أن الرجل سار على منهج الديكتاتورية الذى يسير عليه أى ديكتاتور يحترم نفسه :
– لقب نفسه بأبو الإسبان و أيضاً ب #إل_كوريللو أو الزعيم
– إعتقل كل المؤيدين للجمهوريين أو حتى المتعاطفين معهم
– طبق الأحكام العرفية أغلب فترات حكمه
– انتشرت ظاهرة المحاكم العسكرية طوال فترة حكمه
– أعدم فى عهده أكثر من 200 ألف مدنى على رأسهم الشاعر #فيديريكو_جارسيا_لوركا
– نفى فى عهده أكثر من مليون إسبانى كلهم من المثقفين و الأدباء و الفنانين
– قام بتعيين كل أعضاء البرلمان الإسبانى ليضمن ولائهم له
– رغم إعلانه الحياد فى الحرب العالمية إلا أنه دعم هتلر و موسولينى فى الخفاء
* فرانكو مثله مثل أى ديكتاتور كان لا يطيق المثقفين بحكم أنهم يقوموا بتوعية الشعب و بالتالى قد يثور الناس ضده و تنفضح ديكتاتوريته أمامهم .. كان يظن أنه مرسل من الرب لحماية إسبانيا من أعدائها و كان مريضاً بداء الإرتياب فكل من يؤيده هو صديقه و هو مواطن صالح من وجهة نظره و كل من يعارضه فهو عدو له و عدو للدولة و خائن للوطن حتى لو كان أنقى الناس .. أحاط نفسه بجيش من الحرس و قام بنشر الجواسيس فى كل ربوع إسبانيا لينقلوا له نبض الشارع و بالرغم من هذا كان فرانكو منعزلاً تماماً عن آلام شعبه الذى كان يئن من الأزمات الإقتصادية و التى حاول فرانكو القضاء عليها بعدما تقرب إلى الولايات المتحدة لإقناعها ببناء قواعد عسكرية لها فى إسبانيا مقابل معونات إقتصادية ..
* من فرط إنعزاله عن شعبه روى عنه و هو على فراش موته أنه سمع ضوضاء بالخارج فسأل عن ماهيتها فأخبرته زوجته أن إسبانيا كلها خرجت لوداعه فتعجب قائلاً :
( و لكن إلى أين سيسافر الشعب الإسبانى )
روى عنه أيضاً أنه قبل وفاته مباشرة جاءه قس من الكنيسة طالباً منه أن يعفو عن خصومه قبل تركه للحياه فطلب أن يقترب منه ثم همس فى أذنه قائلاً :
( صدقنى لا أحتاج إلى ذلك .. فقد نلت منهم جميعاً )
ـــــــــــ
* فى ألمانيا الشرقية كان هناك ديكتاتوراً يدعى #إريش_هونيكر حول دولته إلى سجن كبير بفضل الصبغة الشيوعية التى إكتسبها من سيطرة الإتحاد السوفييتى على القسم الشرقى من ألمانيا .. جواسيس فى كل مكان .. جهاز الشرطة السرية حول حياة الشعب إلى جحيم .. كل من يطالب بالديموقراطية مكانه المعتقل .. الليبرالية جريمة تصل عقوبتها إلى القتل و أى مظهر رأسمالى من شأنه أن يزج بصاحبه فى غياهب السجون لعقود .. كل ما كان مطلوباً منك أن تعمل و تعمل ثم تعمل لصالح الدولة دون أن يكون لك أى حقوق سوى أجرك الضئيل و إن إعترضت على نوعية العمل أو عدد ساعاته فأنت بالطبع تعرف مصيرك ..
* سيطر #حزب_الوحدة_الإشتراكية و رئيسه إيريش هونيكر على كل شيىء فى الدولة .. حول الإعلام ليكون بوق دعاية خاص به و بالتوجه الإشتراكى حتى مع التأخر الإقتصادى الذى نجم من تلك السياسات فصارت حياة الشعب جحيماً و أصبحوا متأخرين كثيراً عن أقرانهم فى ألمانيا الغربية من حيث التعليم و الخدمات الصحية و فرص العمل و جودة الحياة عموماً ما اضطر مئات الألمان الشرقيين إلى القفز من على سور برلين كل شهر محاولين الهرب تجاه الجارة الغربية معرضين أنفسهم للقتل من حراس السور و لكن القتل كان أهون عليهم من حياه أشبه بالموت و من خداع إعلامى يحدثهم كل يوم عن مدى الرفاهية فى ألمانيا الشرقية مقارنة بألمانيا الغربية ..
* لم يكتفى هونيكر بما فات لكنه سلط آلته الإعلامية لإيهام الشعب أن التأخر الإقتصادى الذى يشعر به المواطنون بسبب أن الألمان فى القسم الغربى إستطاعوا و بشكل ما إستحداث طريقه لتوجيه غازات بطونهم إلى القسم الشرقى مما يؤثر على إنتاجيتهم .. كان الإستخفاف بعقول الألمان الشرقيين أسلوب حياة عند هونيكر .. أيضاً قام بإستحداث أغرب بنك فى التاريخ حين قام بإصدار أوامره بإنشاء بنك يضم روائح المواطنين ليسهل تعقبهم فى حالة إقدام أحدهم على إرتكاب جريمة ما و هو ما دعى رجال المخابرات و الشرطة السرية إلى تجميع أعقاب السجائر و مفاتيح الابواب و الأكواب و قطع الملابس الداخلية فى أماكن تحرسها الكلاب البوليسية لكى تستدعى رائحة المواطنين عند الحاجة إليها ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ