سنغافورة .. دولة من لا شيء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الثانى :
ـــــــــــــــــــــ
* النهضة فى سنغافورة مرت بأصعب مراحلها فى السنين الأولى لها .. جزيرة مليئة بالمستنقعات أغلب تربتها لا يصلح للزراعة .. مساحة صغيرة للغاية تمثل عائقاً لأى إستثمار .. مع تلك الظروف اضطرت سنغافورة أن تعيش سنواتها الأولى على المساعدات الدولية .. ( لى كوان يو ) سافر إلى أغلب دول العالم يطلب من حكامها أن يساعدوا شعبه إما بالمساعدات المالية و العينية و إما بالإستثمار فى الدولة و كانت له زيارة شهيرة إلى مصر حيث رفض وقتها الرئيس جمال عبد الناصر مساعدته و قد يكون للظروف الإقليمية التى كانت تعيشها مصر وقتها دوراً فى هذا الرفض ..
ـــــ
* لم تكن مصر هى الدولة الوحيدة التى رفضت مساعدة سنغافورة وقتها بل رفض العديد من الدول ذلك .. لنكن صرحاء .. إحتمالية نجاح سنغافورة وقتها تكاد تصل إلى صفر فى المئة .. فقط ذكاء ( لى كوان يو ) و مثابرته و وعوده المتتالية للدول الداعمة بأن إستثمارهم فى سنغافورة سيعود عليهم بالنفع لاحقاً هو ما أقنع بعض الدول على رأسها اليابان فى أن تكون من أوائل المستثمرين فيها .. و ما أن وضعت اليابان أقدامها فى سنغافورة حتى ساهمت فى إنتقال تكنولوجيا التصنيع إلى ذلك الشعب الفقير و هو ما استفادت منه سنغافورة أيما إستغلال و دارت عجلة الإنتاج تدريجياً ..
ـــــ
التطوير فى مجال التعليم :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تم إتخاذ بعض الإجراءات التى ساهمت فى رفع كفاءة قطاع التعليم :
– تم الإعتماد على المنشآت التعليمية التى أنشأها الإستعمار مثل جامعة سنغافورة و مؤسسة رافلز
– تم الإعتماد على المناهج التعليمية البريطانية مع بعض التغيير الطفيف
– بعد فترة تم استقدام خبراء أجانب للمساهمة فى تطوير العملية التعليمية
– تم رفع مرتبات المعلمين و طُلب منهم التفرغ فقط لتربية أجيال قادرة على رفع راية سنغافورة
– تم إعداد نظام عادل فى مسألة الترقى لا يعتمد على الأقدمية و إنما يعتمد على الكفاءة دون النظر لمدة خدمة المدرس
– تم توجيه الجزء الأكبر من ميزانية الدولة لإنشاء المدارس بكافة المراحل التعليمية مع تشجيع الأطفال على الإنتظام فى الدراسة
– تم إرسال بعثات تعليمية للدراسة بالخارج مع إختيار الأكفأ منهم لتولى المناصب القيادية لاحقاً
– أخيراً و إعترافاً من الشعب ببصمة ( لى كوان يو ) على العملية التعليمية تم تشييع جنازته من جامعة سنغافورة الوطنية عام 2015
ـــــ
التطوير فى المجال الصناعى :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* التطوير فى المجال الصناعى سار على عدة مراحل بالطبع :
– اهتمت سنغافورة فى البداية بأربع مجالات صناعية و ركزت جهودها للتميز فيهم و هم صناعة السفن و هندسة المعادن و الكيماويات و الأدوات الكهربائية
– تبعتها بالإهتمام بمجالات أخرى مثل الحديد و الصلب و النقل البحرى و الجوى و قطاع البترول و الصناعات البتروكيماوية و أيضاً المجالات الخدمية مثل البنوك و التأمين
– تم إستقدام أفضل الخبراء و أفضل خريجى الجامعات العلمية فى العالم و تم توظيفهم بمرتبات خيالية مقابل أن يؤسسوا سنغافورة متفوقة صناعياً
– تم تدريب العمالة و تطوير أدائهم مع إرسال البعثات العمالية إلى الخارج حتى إمتلكت سنغافورة جيشاً من العمالة الماهرة صاروا بالتبعية مدربين للجيل التالى من العمالة التى لم تتدرب بالخارج
– تم الوصول لإتفاقات مرضية مع النقابات العمالية بإرساء قواعد العدالة الإجتماعية حتى لا يتم تنظيم إضرابات من شأنها تعطيل النمو الإقتصادى و عندها صارت النقابات أكبر داعم للنهضة بعد أن كانت من أكبر المعطلين لها
– تم إنشاء المناطق الصناعية المهيئة و تم مد الطرق لتسهيل الوصول إليها و الخروج منها
– أحد أهم قرارات ( لى كوان يو ) كان إنشاء هيئة التنمية الإقتصادية و التى ساهمت فى تسهيل إجراءات تأسيس الشركات و استصدار رخصتها من مكان واحد و فى سرعة فائقة
– تم الإهتمام بميناء سنغافورة كأحد أهم المزايا التنافسية للدولة حتى أصبح أحد أكثر موانىء العالم إزدحاماً و يساهم فى التبادل التجارى بين أكثر من 140 دولة مع وجود منطقة لوجيستية به لتزويد السفن بالوقود و القيام بأعمال الصيانة ما أهله ليكون أهم ميناء فى منطقة جنوب شرق آسيا بالكامل
ـــــ
التطوير فى النشاط السياحى :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* فى بداية النهضة كان النشاط السياحى أول إختيارات ( لى كوان يو ) لأنه كان الأقل تكلفة و الأكثر إستيعاباً للعمالة المتعطلة عن العمل فاعتبرها قاطرة التنمية فى البلاد و تم إنشاء هيئة تنشيط السياحة بالإضافة لعمل الدعاية اللازمة لها عالمياً مع توفير كافة سبل الراحة للسائحين مع توعية الشعب السنغافورى بأهمية التعامل الجيد مع السائحين كونهم مصدر مهم للدخل فى الدولة و كيف أن ذلك يعكس مدى تحضر الشعب و بالتدريج تم استيعاب أعداداً كبيرة من المتعطلين عن العمل و قلت نسب البطالة و صارت السياحة أحد أبرز مصادر الدخل فى الدولة .. حالياً تحتل السياحة المركز الثالث للعملة الأجنبية فى البلاد مع وصول عدد السياح إلى قرابة الستة ملايين سائح و هو عدد أكبر من عدد سكان سنغافورة نفسها ..
ـــــ
التطوير فى مجال الإستثمار :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– بدأ ( لى كوان يو ) محادثات شاقة و طويلة مع الدول الأجنبية لإقناعهم بجدوى الإستثمار فى سنغافورة ليستفيدوا بسوق جديد و منفذ مهم على جنوب شرق آسيا و أيضاً بعمالة رخيصة الثمن و مهارتها تزداد يوماً بعد يوم
– تم إعادة هيكلة السوق المصرفية بالكامل مع إنشاء سوق مالى جديد قائم على الشفافية مع قصر إعطاء التراخيص للمؤسسات المالية المشهود لها بالنزاهة دون غيرها لبناء سمعة مالية قوية للإقتصاد السنغافورى
– إجراء مثل ما سبق جعل سنغافورة تحتل المركز الاول فى ترتيب أفضل الدول لممارسة الأعمال الإقتصادية لأكثر من عشرة أعوام متتالية مع وجودها فى المركز الثامن فى تقرير منظمة الشفافية و مكافحة الفساد
– تم الإهتمام بأدق التفاصيل حتى أنهم اهتموا بتجديد و تجميل و تشجير خطوط سير وفود الدول من المطار إلى أماكن إقامتهم لإعطائهم إنطباع أن سنغافورة تتحرك للأمام و أن بنيتها التحتية جاهزة لإستقبال إستثماراتهم
ـــــ
هل يمكن تطبيق ما سبق فى مصر ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* بلا شك فالإختلافات بين حالتى مصر و سنغافورة كبير فنحن أقرب للتضاد هنا من التشابه فمصر دولة ذات تاريخ كبير و عريق فى حين أن سنغافورة الحديثة عمرها حوالى 53 عاماً فقط أما على المستوى الإقتصادى فسنغافورة استطاعت تحقيق نهضة كبيرة فى حين أننا نعانى من أزمات إقتصادية من عشرات السنين إرتفعت وتيرتها فى السنين الأخيرة و لكن بالرغم من هذا فلازال هناك أمل فى الإستفادة من النهضة السنغافورية لإعادة ترتيب أوراقنا فى مصر :
– يمكننا الإستفادة من مبدأ المصالحة الذى تم تنفيذه هناك لإعادة رأب الصدع الإجتماعى
– يمكننا الإستفادة من نموذج تطبيق العدالة الإجتماعية بتوفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة بتطبيق الحد الأدنى للأجور مع ربط الأجور بالإنتاج و جودته
– يمكننا الإستفادة من تجربة محاربة الفساد عن طريق تشكيل هيئات قضائية تساهم فى تقليل فترات التقاضى مع تغليظ العقوبات بالشكل الذى يمنع أى فاسد من مجرد التفكير فيه
– يمكننا الإستفادة من الطفرة التعليمية بتحديث المناهج و الإستفادة من خبرات الغير مع توجيه نسبة عالية من إنفاقنا لإنشاء مدارس جديدة و تأمين مستقبل المعلمين
– يمكننا الإستفادة من الطفرة السياحية عن طريق الدعاية الجيدة لما نمتلكه من آثار مع توعية الشعب عن طريق الحملات الدعائية بأهمية التعامل الجيد مع السائحين
– يمكننا الإستفادة من نهضتهم الصناعية عن طريق تهيئة البنية التحتية لإستقبال الإستثمارات مثل إنشاء المناطق الصناعية الجديدة مع صياغة قانون إستثمار جديد نتلافى به كافة العيوب التى كانت موجودة سابقاً
أخيراً
ــــــــ
* سنغافورة الدولة الصغيرة ذات ال 719.1 كيلو متر و التى يمكنك أن تقطعها من أدناها إلى أقصاها فى أقل من ساعة بالقطار و التى كانت عبارة عن جزيرة مليئة بالمستنقعات لا تصلح لأى نوع من أنواع الإستثمار استطاعت و بشكل إعجازى فى وضع نفسها بين أفضل إقتصاديات آسيا و واحدة من أهم المراكز المالية و الصناعية فى العالم ..
ــــــ
* سنغافورة بمعجزتها يمكنها أن تخبرنا أنه لا يأس مع الحياة و لا حياة مع اليأس و لكن بشكل فعلى لا كلاماً إنشائياً يكاد لا يتجاوز الحلوق .. استطاعت و بمجهود أبناءها من رفع مستوى معيشتهم و رفع متوسط دخل الفرد من 400 دولار سنوياً عام 1959 إلى أكثر من 80000 دولار فى يومنا الحاضر .. آن لنا أن نؤمن بأنفسنا و أننا قادرون بما نمتلكه من مقومات أن نسبقها و نسبق غيرها بشرط الجدية فى محاربة الفساد و إخلاص النية فيما نقوم به لصالح دولتنا و شعبنا ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ