الفلبين .. إستفاقة تأخرت كثيراً ( جـ 2 )

الفلبين .. إستفاقة تأخرت كثيراً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجزء الثانى :
ـــــــــــــــــــــ

* أيقن #فيرديناند_ماركوس أنه لن يستطيع حكم الفلبين مرة أخرى إن لم يكن بسبب الدستور الذى يفرض عليه فترتين رئاسيتين فقط لا غير فسيكون بسبب رفض الناس له .. كان يدرك أنه أصبح غير مرغوب فيه .. هنا يأتى التسلسل المنطقى لأى ديكتاتور يحترم نفسه .. الإنقلاب على الثوابت الديموقراطية التى كان يهدرها ليل نهار قبل ذلك.. كل ما هناك أنه قد حان الوقت لتدميرها تماماً ..

ـــــ

* فى البداية قام بتغيير قيادات الجيش و وضع مكانهم رجاله المخلصين من مسقط رأسه فى ولاية #ألوكانو .. أصدر كتاباً يبشر بطريقة إدارة الدولة فى المستقبل .. الوطن عبارة عن حاكم ملهم و حكومة تنفذ طموحات ذلك الحاكم و شعباً مطيعاً يصبر على برامج الرئيس الإصلاحية و لا يعترض حتى تأتى بنتائج إيجابية .. كتاباً كاملاً يتمحور حول تلك النقاط .. جنون العظمة كان قد إستبد بالرجل لأقصى درجة .. ماركوس لن يكتفى بهذا .. تلك كانت البداية فقط ..

ـــــ

* زادت عمليات الخطف .. تفجيرات لمبانى غير مأهولة بالعاصمة مانيلا .. سلسلة من الحوادث الإرهابية التى تم إلصاقها بخصوم النظام السياسيين و على رأسهم الزعيم المعارض #بنينو_أكينو .. وصل الأمر ذروته عندما تم تدبير هجوم صورى على سيارة وزير الدفاع فى ديسمبر 1972 .. كانت تلك الحادثة هى التى قرر ماركوس إتخاذها كذريعة لما يخطط له .. طبق الأحكام العسكرية .. كل من يعترض يعتقل أو يقتل .. صار توجيه السلاح لصدور الفلبينيين أمراً عادياً .. ماركوس أدخل الفلبين النفق المظلم .. مدعوماً بأمريكا و بقوات الجيش و الشرطة صار الأمر كنزهة بالنسبة لهم ..

ـــــ

* اتهم ماركوس الشيوعيين فى الشمال و المسلمون فى الجنوب أنهم يريدون زعزعة الإستقرار الوطنى .. إتهمهم بمحاولة تقسيم البلاد و أنهم يحملون السلاح ضد الجيش و يجب إتخاذ إجراءات تحمى الوطن .. إجراءات رأى فيها ضمانة للحفاظ على الأمن العام .. إجراءات تمثلت فى الآتى :

– تعطيل الدستور ..
– حل المحكمة العليا ..
– إغلاق عديد المؤسسات الصحفية و الإعلامية ..
– آلاف من الأبرياء من عامة الشعب ألقى بهم فى السجون ..
– سياسيين معارضين لماركوس و نظام حكمه إما مسجونيين أو منفيين ..
– صحفيين .. قيادات عمالية و فلاحية .. طلاب .. تم التنكيل بهم جميعاً ..
– تضييق شامل على النشاط العمالى و الطلابى ..
– حظر السفر لكل المعارضين و محظوظ من إستطاع الهرب منهم ..

ـــــ

* بعد تلك الإجراءات جاء دور الإعلام لتهيئة الرأى العام لقبولها و تصوير أن هؤلاء المحبوسين ليسوا أبرياء و أنهم خطراً على المجتمع و أمنه الداخلى .. و تم التبشير بأن غداً أفضل ينتظر الفلبين و أن نتاج أفكار الزعيم الملهم التى سردها فى كتابه قد آن آوان تنفيذها .. برنامج إقتصادى إصلاحى على وشك التطبيق سيقود الفلبين للعبور للمستقبل و يجب على الشعب المطيع مساندته و أن ذلك البرنامج تم دراسته دراسة واعية و أنه سينطلق بالفلبين إلى أفاق إقتصادية لم تلامسها مسبقاً ..

ـــــ

* مقابل السكوت على ما سبق كان باهظاً .. ماركوس أغرق الفلبين فى الديون جراء سياسة التوسع فى الإقتراض من صندوق النقد الدولى و كافة المؤسسات النقدية العالمية .. هو إستفاد بالتمويل لتثبيت أركان حكمه المتهالك و هم استفادوا بالفوائد العالية التى أخذوها من جيوب الشعب الفلبينى الفقير .. المعادلة كانت واضحة و رابحة من وجهة نظر الطرفين .. نحن سنتركك تقتل و تعتقل شعبك و تظل زعيماً عليه و فى المقابل نستفيد نحن من فوائد الديون ..

ـــــ

* سياسة الترقيع التى إنتهجها ماركوس أطالت عمر نظامه بلا شك لكنها كانت تصيب الإقتصاد الفلبينى بالتراجع الدائم .. فى عام 1979 حدثت إنتكاسة إقتصادية شديدة بسبب سحب صندوق النقد دعمه للفلبين و تقليل الكميات المسموح بإقتراضها من باقى المؤسسات النقدية .. ركود شديد أضر بكل من يتعامل فى السوق الفلبينى بداية من رجال الأعمال وصولاً إلى تجار التجزئة .. صار السخط العام على سياسة ماركوس هو السمة السائدة .. ما أجبر التجار على إتخاذ موقف معارض لسياسات ماركوس .. لم يعد الزعيم ملهماً كما كان خاصة بعدما وصل الأمر للضرر المالى ..

ـــــ

* بخلاف التجار كانت الكنيسة الكاثوليكية أحد قنوات المعارضة الهامة خاصة و أنها كانت الجهة الوحيدة التى حافظت على إستقلاليتها عن النظام .. كم الدماء التى سفكها هذا النظام أجبرها مع الوقت على إتخاذ ذلك الموقف المعارض .. كانت كالبيت الذى ضم كافة أطياف المعارضة و وحدت جهودها و إن كانت دائماً تدعو لعدم حمل السلاح ضد ماركوس أو نظامه ..

ـــــ

* بحلول عام 1980 كانت الضغوط تزداد على ماركوس .. حالة إقتصادية سيئة .. و بنينو أكينو فى سجنه يتعرض لمرض بالقلب و يكتسب تعاطفاً متزايداً فى الشارع .. وجد أن أسلم طريقة هى نفيه خارج البلاد و تحديداً فى الولايات المتحدة الأمريكية بناءاً على طلب الرئيس #جيمى_كارتر .. بعد 3 سنوات فقط يقرر أكينو العودة لمساعدة الأحزاب المعارضة فى الإنتخابات التشريعية المزمع إقامتها عام 1984 .. رأى ماركوس فى ذلك تهديداً له و كان لابد من تهديد مقابل .. زوجته إيميلدا تطير إلى الولايات المتحدة لملاقاة أكينو حاملة رسالة مفادها :

( لا تعود إلى الفلبين .. لدينا رجال موالون لنا و لا نستطيع التحكم فى تصرفاتهم )

* تهديد صريح جعل الرجل أكثر تشدداً فى الذهاب إلى الفلبين .. كان يعتقد أنهم قد يرفضوا خروجه من الطائرة و سيأمرونها بالعودة من حيث جاءت .. حينها سيكون قد أثبت للعالم كله ضعف هذا النظام المتهالك أو قد يسمحوا له بالخروج و بالتالى يكون حقق ما أراد .. لم يجل بخاطره أى شيىء أخر رغم كل التحذيرات التى أتته من موالون له بضرورة عدم الرجوع ..

ـــــ

* فى الأسبوع الأخير من أغسطس 1983 هبطت الطائرة فى مانيلا إلا أن الجيش كان قد سيطر على المطار تماماً و فى الوقت الذى إنتظر فيه الصحفيين هبوط أكينو من الباب الرئيسى للطائرة إذا ببعض جنود الجيش قد دخلوا الطائرة و أجبروا #أكينو على الهبوط من الباب الخلفى و قبل هبوطه فعلياً كانت رصاصة تستقر فى مؤخرة رأسه و بجواره جثته كان هناك جثة لرجل أخر تم إتهامه لاحقاً بقتل المعارض البارز .. بعد فترة سيتأكد للجميع أن ماركوس و زوجته هما المدبرين الحقيقيين لإغتيال أكينو ..

ـــــ

* إغتيال الرجل أشعل الغضب فى نفوس المواطنين .. نظموا مسيرة طولها 75 ميل من بيت أكينو إلى المطار .. لجأت قوات الجيش لإستخدام مزيد من العنف .. قُتل حوالى 11 متظاهراً و كلما زاد العنف زادت المشاركة الفعالة من أطياف الشعب .. تدخل الكنيسة جعل السلمية هى سمة المظاهرات .. نظمت المعارضة نفسها و دعت لأكثر من إضراب فى كل المجالات تقريباً أقواها كان إضراب فبراير 1985 الذى شارك فيه 140 ألف عامل .. ما أجبر ماركوس على الرضوخ لطلبات المعارضة بإجراء إنتخابات رئاسية فى 1986 ..

ـــــ

* ماركوس .. الديكتاتور معتل الصحة و الذى كان مجبراً على تغيير كلية صناعية كل شهرين و يعانى من قصور فى الكبد و صعوبة فى المشى و على الرغم من كل ما يعانيه من آلام إلا أنه لم يكن ليتخلى عن الحكم بسهولة .. أعد العدة لتزوير الإنتخابات و إنتزاعها من السيدة #كورازون_أكينو أرملة زعيم المعارضة المقتول بنينو أكينو .. ماركوس كان معه رجاله من الفسدة فى الجهات المنظمة للإنتخابات .. فى المقابل كورازون كان معها #Namfrel و هى حركة مدنية مستقلة إستطاعت حشد نصف مليون متطوع لمراقبة الإنتخابات .. وقتها وصل التحدى لماركوس و نظامه إلى أعلى درجاته ..

ـــــ

* مع بداية فرز اللجان و إختلاف نتائج Namfrel عن النتائج الرسمية المعلنة توافد مئات الآلاف من المحتجين إلى الشوارع .. نزلت السيدة كورازون إلى الشارع و أعلنت فى حشد كبير من المتظاهرين فوزها فى الإنتخابات و أنها الرئيسة الشرعية للبلاد و أعلنت عن إطلاق برنامج #إنتصار_الشعب المؤلف من سبع مراحل من العصيان المدنى كخطوة تصعيدية تنفذ بالتدريج حتى يتنحى ماركوس تماماً عن كل سلطاته التى إكتسبها بالتزوير ..

ـــــ

* قبل تنفيذ برنامج السيدة أكينو فوجىء ماركوس بتمرد عسكرى خطط له وزير الدفاع #خوان_إنريلى و نائب رئيس الأركان #فيديل_راموس .. مخطط التمرد تم فضحه قبل تنفيذه الفعلى فجمع #إنريلى حوالى 400 جندى و تحصنوا فى أحد المعسكرات و أعلن #راموس عن أدلة تثبت تزوير الإنتخابات و أن السيدة أكينو هى الرئيسة الفعلية للفلبين .. أعلنت الكنيسة تأييدها للإنشقاق .. توافد عشرات الآلاف للمعسكر و قدموا الطعام و الشراب للمنشقين و أنشئوا دروعاً بشرية للحول دون وصول دبابات ماركوس إليهم ..

ـــــ

* مع الوقت رفضت باقى قوات الجيش الهجوم على الشعب أو المنشقين و إزدادت أعداد المشاركين فى التظاهر و انضمت لهم الرئيسة كورازون أكينو .. فى ال 25 من فبراير كان ماركوس مستمر فى مخططه مردداً للقسم الجمهورى فى القصر الرئاسى .. ما تسبب بإنشقاق كثير من المسئولين عن نظامه الذى بدا للجميع أنه ينهار .. مع ذلك الإنهيار فوجىء ماركوس بإتصال هاتفى من الرئيس الأمريكى #رونالد_ريجان يتحدث فيه بعبارات مختصرة و حاسمة :

( سيدى الرئيس ماركوس .. إن الموقف يوشك أن يفلت من أيدينا و لم أعد أستطيع حمايتك .. نحن نرحب بك فى الولايات المتحدة الأمريكية أنت و الأسرة و من شئت من مساعديك )

كلمات جاءت لتجعل الرجل يقف أمام حقيقة الوضع .. لم يعد أحد يرغب بوجودك حتى أقرب حلفاؤك و أقواهم ..

ـــــ

– ماذا فعلت كورازون بالفلبين ؟

– ماذا ينتظر الفلبين بعد سقوط ديكتاتورها ؟

– و بالأخص .. ماذا تغير فى وجه إقتصادها ؟

– الحقيقة تغير الكثير و لكن ..

– تلك قصة أخرى ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ