سلسلة نيلسون مانديلا.. الجزء الاول

الجزء الأول :
ـــــــــــــــــــــ

#أبارتهايد – #Apartheid

بدأ كل شيىء مع ظهور تلك الكلمة .. بدأ معها عهداً جديداً من الظلم و القمع و الإقصاء و القتل فى أحيان كثيرة ..

* أبارتهايد كلمة تعنى ( الفصل ) ترمز بالأساس لحكومة الفصل العنصرى التى حكمت جنوب إفريقيا بداية من عام 1948 حتى عام 1994 لكن بداية ظهورها كان عام 1917 فى خطاب ل #جان_كريستيان_سماتس الذى سيصبح رئيساً لوزراء جنوب إفريقيا عام 1919 ..

* الإقصاء لم يبدأ مع وصول #الحزب_الوطنى ذو التوجه اليمينى إلى السلطة عام 1948 فقط و لكن بدأ قبلها بكثير منذ وصول المستعمرين الأوروبيين لإفريقيا .. نعم كانت الأبارتهايد هى السياسة الرسمية المعلنة بدءاً من 1948 و لكن الآثار العملية لتلك السياسة مثل الإستعباد و محو الهوية و ضياع الحقوق و تقييد الحركة عانى منها سكان جنوب إفريقيا قبلها بعقود ..

* فى زمن أبكر من هذا كان هناك ملكاً يدعى نجوبونكو و شهرته كانت #ماديبا .. كان حاكماً لشعب #تيمبو فى إقليم #ترانسكاى فى مقاطعة #كيب_تاون ..

– نجوبونكو كان له إبن يدعى مانديلا ..

– مانديلا كان له إبن إسمه جادلا هنرى مفاكانيسوا ..

– جادلا كان زعيماً قبلياً و كان متزوج من 4 زوجات و له 13 ولداً و بنتاً ..

– الزوجة الثالثة لجادلا كانت تدعى نوسيكينى فانى ..

– نوسيكينى رزقت بولد من زوجها جادلا .. أسموه روليهلاهلا ..

– ذلك الطفل هو بطل قصتنا .. #نيلسون_روليهلاهلا_مانديلا ..

* فى 18 يوليو 1918 و فى قرية #كونو ولد ( روليهلاهلا ) إسمه يعنى نازع أغصان الأشجار و فى اللغة المحلية معناه المشاكس .. عاش بطلنا فى بيت والدته هو و إثنين من إخوته مدللاً بالطبع بحكم أصوله الملكية و كعادة الأطفال حينها لم يجد نشاطاً غير رعى الماشية و التسكع على التلال المحيطة بأكواخ قبيلته مع باقى صبيان القبيلة ..

* بعد فترة قصيرة إعتنقت والدته المسيحية و هو ما أقنعها بإلحاق ولدها فى إحدى المدارس المسيحية الميثودية ( الميثودية هى طائفة مسيحية بروتستانتية كانت موجهة بشكل كبير للفلاحين و العبيد ) .. بدأ ذلك الطفل رحلة التعليم فى السابعة من عمره و هو أحب التعليم بشكل أو بأخر .. كان أول طفل فى عائلته يدخل المدرسة بخلاف أن والداه كانا أميين .. كان هذا حافزاً بالنسبة له لكى يكمل تعليمه .. إستمراره فى التعليم يعنى تميزه بين أفراد عائلته و لم لا لعله يكون شخصاً مهماً يوماً ما .. لم يتخيل الصبى الصغير كم كان قريباً من الحقيقة وقتها ..

* بعد أيام من بدأ الدراسة جاءت إليه مدرسته و أخبرته أن إسمه الجديد هو #نيلسون .. لم يكن يعلم الهدف من وراء الإسم و لكنها كانت طقوس طبيعية فى المدارس بحكم إختيار البعثات التبشيرية للتلاميذ السود أسماء أبطال بريطانيين لزيادة إنتمائهم لها .. بعد عامين عاد والده للعيش معهم و لكنه توفى بعد فترة قصيرة قيل أنه بسبب مرض فى الرئة .. ذاق مانديلا مرارة اليُتم فى سن صغيرة .. لم يكن يعلم أن اليُتم مجرد خطوة فى طريق حياته الملىء بالأزمات و الصعاب ..

* بعد وفاة والده قامت والدته بتسليمه إلى الزعيم #يونجينتابا_دالينديبو الوصى على عرش شعب التيمبو لتربيته و الإعتناء به .. حقيقة صار نيلسون الصغير واحداً من الأسرة و أحسن يونجينتابا تربيته و صار أخاً لأبنه #جاستس الذى سيكون أقرب أصدقائه لاحقاً .. مانديلا وجد الحنان و الإهتمام و الرعاية الكاملة فى بيت زعيم العشيرة ما وضح أثره على دراسته فدرس التاريخ و الجغرافيا و اللغة الإنجليزية .. تعرف أكثر على التاريخ الإفريقى و بدأ عقله يعى تدريجياً أن جنسه هم أصحاب الأرض الفعليين و أن الرجل الأبيض ما هو إلا دخيل على تلك الأرض .. نعم لا يزال يحترمهم و يرى أنهم جنس راقى و متطور بالفعل .. لم يكن يحمل لهم أى ضغينة .. لكن و لأول مرة بدأ يرى الفروق بين تلك الأعراق .. كانت تلك بذرة شخصيته و قد وجدت تربتها الخصبة فى روحه ..

* بدءاً من سن الثامنة عشر و إستمراراً لسياسة الرعاية التى أولاها له يونجينتابا إلتحق مانديلا و معه جاستس ب #معهد_كلاركبرى .. كان يعتبر أكبر مدرسة للأفارقة السود فى تيمبو .. بعد عامين من الدراسة إلتحق بكلية مسيحية أخرى فى #هيلدتاون .. درس هناك التاريخ الأوروبى .. بدأت ملامح شخصية مانديلا فى الظهور حين رفض هيمنة المناهج الغربية بهذا الشكل .. إهتم أكثر بالتاريخ الإفريقى على الرغم من هيمنة التاريخ الأوروبى على المناهج .. رأى مانديلا أن إمتداده إفريقى و يبدو أن دمائه الملكية سيطرت عليه ذلك الوقت ..

* الآن عمر بطل قصتنا حوالى 20 عاماً .. الآن بدأ طموحه يتزايد .. الآن يرغب بالعمل فى وزارة الشئون المحلية .. لهذا أراد دراسة القانون و السياسة .. ظهر جلياً دعم يونجينتابا له و لجاستس حين ألحقهما بجامعة #فورت_هير حيث إنتظما للحصول على ليسانس الفنون و فيها درسا الإنجليزية و الإدارة المحلية و علوم الإنسان بخلاف السياسة و القانون طموح مانديلا الأول .. هناك تعرف لأول مرة على رفيق كفاحه #أوليفر_تامبو الذى إنضم برفقته لحزب المؤتمر الوطنى الإفريقى لاحقاً ..

* مرحلة إتسمت بالنشاط الشديد لمانديلا .. إهتم بالرياضة .. أخذ دروساً فى الرقص .. إنتظم فى فريق المسرح و تميز فى تمثيل مسرحية عن إبراهام لينكولن .. إنضم لجمعية الطلبة المسيحيين .. ناصر جهود الحرب بعد إندلاع الحرب العالمية الثانية .. و على الرغم من نشاطه و نبوغه التعليمى إلا أن ملامح شخصيته قد تشكلت بالفعل فى تلك المرحلة .. شاب أسود يرفض الظلم فى وطن يتعامل بعنصرية شديدة ضد السود .. هذا قاده لأول إضراب فى حياته حين شجع عليه هو و صديقه أوليفر تامبو إعتراضاً على نوعية الطعام المقدم لهم .. كلفه هذا الفصل من كليته .. خرج من الكلية و عاد إلى قبيلته دون الحصول على شهادة .. خيبة أمل بالتأكيد لكنها لم تثنى مانديلا عن الطريق الذى أراده لنفسه .. مانديلا وضع قدمه على أول طريق رفض الظلم و العنصرية ..

* عاد مانديلا إلى قبيلته مرة أخرى ففوجىء بأن الزعيم #يونجينتابا قد رتب له زواج من إحدى فتيات القبيلة .. ليس هو وحده و لكن لجاستس أيضاً .. هذا أربك مانديلا كثيراً و جعله يشعر بالفزع .. هو غير مهيأ لهذا الآن .. عمره وصل إلى 22 عاماً و لكن كان طموحه التعليمى أكبر من رغبته فى الزواج و كأفريقى متعلم إحتك بفتيات أخريات خارج نطاق القبيلة هذا جعله رافض لفكرة الزواج التقليدى بصورته النمطية تلك .. هذا جعله يفر من القبيلة هو وجاستس فى أقرب فرصة .. وجدوا أنفسهم هاربين إلى أكبر مدن جنوب إفريقيا و عاصمتها .. #جوهانسبيرج ..

* توجب على بطلنا العمل لكسب لقمة عيشه لكنه لم يكن تحصل على شهادته الجامعية بعد بالإضافة لكونه أسود و هذا حصره فى وظائف أدنى من مهاراته العقلية و الدراسية .. أضطر للعمل كحارس ليلى فى أحد المناجم .. لم يستمر كثيراً لأن رئيسه فى العمل عرف أنه هارب من قبيلته و تم طرده من العمل .. الصدفة لعبت دورها هنا فى التعرف إلى #والتر_سيسولو القيادى و الناشط فى #حزب_المؤتمر_الوطنى_الإفريقى .. هذا الرجل أمن له وظيفة كاتب تحت التدريب فى مكتب محاماة يملكه محام يهودى إسمه #لازار_سيديلسكى ..

* بدأ مانديلا فى دراسة الحقوق مرة أخرى للحصول على الليسانس بجوار عمله تحت التدريب فى مكتب لازار .. بدأ إلمامه السياسى و القانونى يزيد خصوصاً مع إحتكاكه بناشطين أخرين فى حزب المؤتمر الوطنى و أيضاً الحزب الشيوعى .. أعجب بالتأكيد بالحزب الشيوعى و الجو المفعم بالإشتراكية .. هنا الإفريقى مساو تماماً للبيض و الهنود و اليهود .. الكل فى الحزب الشيوعى واحد و لكنه رغم هذا لم ينضم لهم .. أولاً لأنه مسيحى و الحزب الشيوعى لا دينى و هذا يتعارض مع معتقده بشدة و ثانياً لأن الحزب الشيوعى يركز على القضايا الإقتصادية و الطبقية أكثر من قضية مانديلا الأولى .. العنصرية .. لذا و مع الوقت رأى نفسه أكثر فى حزب المؤتمر الإفريقى الذى كان يعنى بقضايا السود و حقوقهم المسلوبة منهم .. إنضم للحزب رسمياً عام 1942 و تأثر كثيراً بسيسولو و زاد مع إنضمامه للحزب نشاطه السياسى بشكل كبير .. مانديلا تيقن أخيراً أن قدره هو العمل السياسى و القانونى خصوصاً بعد حصوله على درجة الليسانس فى القانون عام 1943 ..

– الآن يستطيع ممارسة المحاماه بشكل منفرد ..

– الآن يستطيع تحدى السلطة الغاشمة بسلاح العلم و سلاح وظيفته ..

– الآن بدأ يحلم بغد أفضل قائم على أسس الحرية و المساواة بين كل أطياف الشعب ..

– كان مانديلا حالماً و جريئاً .. لم يكن يعلم ما يخبئه له القدر ..

– و لكن تلك قصة أخرى ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ