الليرة التركية .. تراجع إقتصادى أم مؤامرة ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الثانى :
ــــــــــــــــــــــ
* عواقب إنهيار سعر الليرة التركية :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – إرتفاع فاتورة الديون :
* إجمالى ديون تركيا الخارجية 453.2 مليار دولار بتمثل 53.3 % من إجمالى الناتج المحلى و دى نسبة تعتبر آمنة لإن حد الأمان فى الديون الخارجية هو 60 % .. بالرغم من ده إلا إن الدين اللى يخص الحكومة التركية 67 مليار دولار بس و الباقى يخص القطاع الخاص بالإضافة لتخفيض الدين بعوائد خارجية .. أبسطهالكم ..
العبرة فى الديون الخارجية مش بحجم الدين الخارجى و إنما بصافى الدين الخارجى ..
بمعنى :
لو أنا كحكومة إستلفت من حكومة أجنبية 100 دولار و لكن إستخدمت 40 دولار من الدين فى إقراض حكومة أجنبية تانية فبالتالى كده يبقى أنا مديون فعلياً ب 60 دولار بس مش بال 100 كلهم لإن فى جزء بستثمره و بيجيبلى عائد أعلى من اللى استلفت بيه .. تعالوا نحسبها على الحالة التركية :
– تركيا مديونة خارجياً ب 453.2 مليار دولار لكن صافى دينها الخارجى هو 291.2 مليار دولار بس
– صافى الدين الخارجى ده يخص القطاع الخاص التركى منه 224 مليار دولار
– الباقى هو 67 مليار دولار و ده هو حجم الدين اللى على الحكومة
( تقدروا تطلعوا على شرح للنقطة دى فى الدليل الإرشادى لصندوق النقد الدولى #إحصاءات_الدين_الخارجى صـ 65 – المصدر فى أول تعليق )
ـــــ
* طب هل ده معناه إن الحكومة كده متخافش من حجم الدين ده ؟
لأ طبعاً تخاف لإن و إن كان الدين اللى عليها كقطاع عام قليل إلا إنها تظل مسئولة عن ديون القطاع الخاص بشكل أو بأخر .. المسئولين الأتراك صرحوا أكتر من مرة على مدار سنوات إن الحكومة ملتزمة بمساعدة شركاتها فى حالة تعثرها عن سداد ديونها فى أى مرحلة و ده مش عشان سواد عيونهم طبعاً و لكن للحفاظ على الصورة الجيدة للإقتصاد التركى و إظهاره بمظهر جيد بإستمرارية مؤسسات القطاع الخاص فى العمل و عدم إعلانها الإفلاس .. أمريكا بالمناسبة اضطرت من فترة إنها تدعم جنرال موتورز عملاق صناعة السيارات لنفس السبب
ـــــ
* طب إيه علاقة إنخفاض الليرة بموضوع الديون ؟
كل ما الليرة تنخفض كل ما هيكون سداد الديون أصعب على المؤسسات الخاصة لإن الدين مقوم بالدولار و ده هيحط الحكومة تحت ضغط مساعدة المؤسسات دى زى ما وعدوا كتير قبل كده و ده طبيعى ممكن يستنزف جزء من الإحتياطى النقدى الأجنبى و هيقلل من مساحة حرية التصرف بالنسبة للحكومة
ـــــ
* برجوعنا لنقطة رفع سعر الفايدة و اللى بيرفضها إردوجان تماماً فالبنك المركزى التركى اضطر إنه يزود سعر الفائدة بنسبة 3 % مرة واحدة و بكده زادت الفايدة من 13.5 % إلى 16.5 % و ده لمحاولة السيطرة على إنهيار السعر .. ده جاب نتيجة معقولة بالمناسبة لإن سعر الدولار نزل فى خلال أيام من 4.90 ليرة ل 4.65 ليرة وقت كتابة المقال .. طبعاً رفع الفايدة و إن كان هيسيطر شوية على السعر و لكن فى المقابل هيرفع بند خدمة الديون لإن كل دولار هتقترضه الحكومة هتضطر ترجعه بفايدة عالية جداً و طبعاً ده بيضغط أكتر على الليرة و إحنا هنا مش بنتكلم عن الدين الخارجى بس ده احنا كمان بنتكلم عن الدين الداخلى و اللى أنا مجبتش سيرته لإن سداده بيعتمد على طبع الفلوس اللى فى النهاية بتزود التضخم و تقلل سعر الليرة أكتر
ـــــــــــ
2 – إرتفاع فاتورة الطاقة :
زى ما قلنا قبل كده تركيا بتستورد 90 % من إحتياجاتها النفطية و ده بيمثل عبء كبير عليها و أى إنخفاض فى سعر الليرة هيقابله على طول إرتفاع فى فاتورة الإستيراد دى لإنها بالدولار .. رفع التكلفة لازم يقابله إيراد أكبر و إلا هييجى وقت على تركيا هتبقى مضطرة تخفض من مستوى معيشتها أو تستدين عشان تعوض الفرق فى ميزان مدفوعاتها
ـــــــــــ
3 – زيادة العجز فى الميزان التجارى :
إنخفاض سعر الليرة يعنى إرتفاع فى فاتورة الإستيراد .. لازم تركيا تزود معدل تصديرها و تقلل إستيرادها و إلا العجز هيزيد .. زيادة العجز معناها خروج عملة صعبة أكتر من دخولها و بالتالى إنخفاض سعر الليرة
ـــــــــــ
4 – زيادة التضخم و بالتالى إرتفاع الأسعار
ليرة رخيصة يعنى إرتفاع فى فاتورة الإستيراد و إرتفاع فى فاتورة الطاقة يعنى زيادة فى تكاليف التشغيل يعنى زيادة فى سعر المنتج النهائى يعنى أسعار أغلى يعنى تضخم أعلى و قدرة شرائية أقل و ده بيؤدى فى النهاية للدخول فى مرحلة ركود
ـــــــــــ
5 – إنخفاض رصيد الإحتياطى الأجنبى :
ليرة رخيصة مع معدل إستيراد عالى زى تركيا معناه إن الإحتياطى الأجنبى هيقل مع الوقت لو مفيش مصادر دخل جديدة لإن الحكومة هتضطر تصرف من اللى فى جيبها لمحاولة سد الفارق
ـــــــــــ
6 – إنخفاض معدل الإستثمار الأجنبى المباشر :
عدم إستقرار الليرة و إهتزاز سعرها بالشكل ده هيخلى أى مستثمر يفكر أكتر من مرة قبل ما ييجى لإن ده هيهدده بخسارة جزء من أرباحه اللى هيحققها فى السوق التركى ..
مثال للتوضيح :
ــــــــــــــــــــــــ
– مستثمر دخل السوق التركى بمليون دولار و حولهم بسعر 3 ليرة للدولار يعنى أصبح يملك 3 مليون ليرة
( 1 مليون دولار * 3 ليرة = 3 مليون ليرة )
– اشتغل لمدة سنتين و قدر إنه يكسب 100 % كده ثروته أصبحت 6 مليون ليرة
– إكتشف إن الليرة إنهارت و بقى الدولار ب 6 ليرة مش 3 وقت دخوله للسوق
– فكر يخرج من السوق لقى إنه لو حول ثروته لدولار مرة تانية فهى برضه هتساوى مليون دولار اللى هو نفس المبلغ اللى دخل بيه من سنتين
( 6 مليون ليرة / 6 ليرة = 1 مليون دولار )
ـــــــــــ
7 – زيادة معدل الإستثمار الأجنبى الغير مباشر :
زى ما قرار زيادة الفايدة بيهدد الإستثمار المباشر ( مشروعات فعلية ) إلا إنه بينعش الإستثمار الغير مباشر ( الأموال الساخنة )
الأموال الساخنة لو فى الحدود الآمنة مش هتسبب مشكلة كبيرة إلا إن إستمرار أزمة الإقتصاد لفترة طويلة بتخليه يعتمد بشكل أساسى على التدفقات النقدية دى على الرغم من عدم ثباتها و إحتمالية خروجها من السوق بأرباح مضاعفة فى أحيان كتير .. ده و إن كان هيوفر سيولة بشكل سريع للدولة إلا إنها تعتبر فى الأول و الأخر ديون و هيدفع عليها فوائد كبيرة و ده رافضه إردوجان بشدة و بيحاول بشتى الطرق إنه يمنعه ..
مثال للتوضيح :
ـــــــــــــــــــــــ
– مستثمر دخل السوق بمليون دولار حولها بسعر 4 ليرة فأصبح معاه 4 مليون ليرة ربط نصهم كوديعة بسعر فايدة 15 % مثلاً و إشترى بالنص التانى أوراق مالية و قرر يبيعها بعد سنة
– بعد سنة تركيا قدرت إنها تحسن وضعها و سعر الدولار أصبح 3 ليرة
– قرر المستثمر إنه يخرج بفلوسه فخد فلوس الودائع 2 مليون ليرة + 300 ألف ليرة ( فوائد ) و باع أوراقه المالية بربح و لنفترض إنه 300 ألف ليرة برضه
– إجمالى ثروة المستثمر بعد سنين 4 مليون ( رأس مال ) + 600 ألف ( أرباح )
– حول المستثمر فلوسه لدولار تانى = 4.6 مليون / 3 ليرة = 1.53 مليون دولار
– المستثمر هنا كسب 533 ألف ليرة فى سنة يعنى 53.3 % مش 15 % بس اللى هو سعر الفايدة المعلن
ـــــــــــ
* رأى شخصى :
ـــــــــــــــــــــــــــ
* طبقاً للوقائع اللى قدامنا فالأزمة أقرب لأخطاء سياسية و إقتصادية من النظام التركى أكتر منه كونه مؤامرة .. مسلسل إنخفاض سعر الليرة على مدار 10 سنوات كاملة ده أكيد كان لازم ينور لمبة الخطر عند صانع القرار و على حسب ما قرأنا فرئيس البنك المركزى حذر إردوجان أكتر من مرة و قاله لازم نرفع الفايدة و لو كإجراء إحترازى لفترة و بعدين نقللها تانى إلا إن إردوجان رفض الفكرة من الأساس و بيحاربها فعلياً من 4 سنين ..
ـــــ
* بالمناسبة كلام إردوجان صح و فيه وجهة نظر .. أنا واحد من الناس اللى بيرفضوا رفع سعر الفايدة بشكل قاطع بس لو أنا هعمل كده فلازم أقيس وضعى كويس قبل ما أخد قرار خطير زى قرار التخفيض .. بمعنى :
– إنت دولة بتعتمد على القطاع الخاص بشكل كبير و القطاع الخاص ده إنت شايفه مورط نفسه و مورطك معاه فى ديون كتير يبقى على الأقل أعمل إجتماع مع رجال الأعمال و المستثمرين و نتفق على آلية نخفض بيها نسبة الديون فى المستقبل .. ليه تقعد معاهم .. لإنك إقتصاد ناشىء أى خطوة غلط منهم ممكن تأثر عليك جداً
– إنت دولة بتستورد 90 % من طاقتك .. يعنى إنت عايش تحت رحمة غيرك يبقى على الأقل يا تنمى مصادر طاقتك ( سدود – طاقة رياح – إستثمار فى الطاقة الشمسية فى دول أخرى ) يا إما تقلل إستيرادك لأقل حد ممكن و تزود إيراداتك و تنمى إحتياطاتك بحيث متمثلش فاتورة الطاقة العبء ده على ميزان مدفوعاتك
– يبقى قبل ما أطلع تصريح بإنى عاوز أخفض الفايدة أقيس وضعى الإقتصادى صح و أحسب النتايج اللى هتحصل بعد كده و لو مكانتش فى صالحى يبقى أسكت خالص و أحاول أطبق ده فى السر بشكل تدريجى مش أروح أقول للعالم كله إنى هقلل الفايدة فالناس تتأكد إنها هتخسر لو إستمرت فى الإحتفاظ بمدخراتها بالليرة فتجرى تبيعها فتنهار قيمتها
– الخطأ هنا من إردوجان نفسه بلا شك لإنه أولاً كان فى السلطة طول ال 10 سنين اللى فاتت و ثانياً لإنه تسبب فى تصريحاته الخاطئة فى زيادة الخوف الشعبى من إنهيار العملة
ـــــــــــ
* يعنى كده أكيد مفيش مؤامرة ؟
– و الله كل شيء وارد و لكن لو عاوزين نكون منصفين أكتر فلازم تبقى الصيغة كده :
( أخطاء إقتصادية و سياسية تم إستغلالها من أعداء النظام للإيقاع به )
و للأمانة مفيش أدلة يقينية على المؤامرة إنما فى بعض القرائن لو جاز التعبير .. بمعنى :
– تخفيض التصنيف الإئتمانى للإقتصاد التركى و إصدار بيانات تؤكد على هشاشة الإقتصاد التركى من كل مؤسسات التقييم الدولية شيء يعتبر غريب خاصة إذا ما قارناها بأرقام الإقتصاد التركى اللى تعتبر ممتازة أو جيدة على أقل تقدير
– توقيت إصدار التقارير دى و تكرارها قبل الإنتخابات بشهرين على الأكثر شيء برضه مش طبيعى
– تحويل أرصدة دولارية بشكل مكثف خلال الفترة الى فاتت و رغم إن ده تصرف طبيعى بسبب حالة الخوف لكن كون الأمر يصل لتوصيات كثير من رجال الأعمال بالإنسحاب من السوق التركى علانية ده برضه حاجة غريبة شوية
– إرتفاع الطلب على الدولار بشكل كبير و مكثف وصل إلى حد المضاربة عليه و شراؤه بإستمرار مهما علا ثمنه .. على حسب تصريحات المسئولين الاتراك إن طبقاً لحالة الإقتصاد التركى فالدولار لا يتخطى سعره 3.85 ليرة و أى سعر أكبر من ده يعد مضاربة
– إتهام وزير الخارجية التركى #مولود_جاويش_أوغلو للسعودية بشكل صريح فى المشاركة فى الضغط على الليرة التركية قبل الإنتخابات و للإمارات بشكل ضمنى بعد شراءها ل #دينيز_بانك المملوك ل #سبير_بانك الروسى فى صفقة قدرت ب 3.2 مليار دولار قبل شهر من الإنتخابات التركية
– دى بعض الإدعاءات التركية على وجود مؤامرة على النظام الحالى لإضعاف موقفه فى الإنتخابات الرئاسية اللى جاية .. و للأمانة لو هقول رأيى بصراحة فأنا مش لاقى دليل واحد قطعى يخلينا نقول إنها مؤامرة بخلاف نقطة توقيت إثارة الأزمة قبل الإنتخابات و حتى ده مش دليل قطعى من وجهة نظرى و حتى لو هى مؤامرة فده شيء يعتبر طبيعى فى السياسة .. غالبية الدول بيبقى ليها أعداء زى ما ليها أصدقاء و طبيعى إن أصدقاءك يساندوك زى ما طبيعى برضه إن أعداءك يحاولوا إسقاطك .. الموضوع هنا مخرجش بره نطاق المنطقى .. من البداية كان لازم إنت كنظام تتوقع حاجة زى كده و متديش الفرصة لغيرك إن يستغل أخطاءك خاصة لو كانت مستمرة من سنين
ـــــــــــ
* أخيراً .. إيه المتوقع الفترة الجاية ؟
– سياسياً معرفش إيه اللى هيحصل و هل إردوجان هينجح فى الإنتخابات و لا لأ و إن كانت فرصته كبيرة رغم كل اللى بيحصل ده ..
– إقتصادياً بقى بتوقع إن معدل الفايدة هيرتفع تانى رغم تصريحات إردوجان بمحاربة التوجه ده .. الموجه أعلى من قدرته على مواجهتها و أظن إنه هيتراجع مجبراً و يبتدى يعدل أوضاع الإقتصاد من أول و جديد و ده ثمن طبيعى جداً إن تركيا تدفعه بعد تقصيرها على مدار سنين فى مواجهة الإنخفاض المتكرر لعملتها ..
– لو إردوجان معملش كده فوارد كده يستمر الإنخفاض و الدولار يوصل ل 7 ليرة و يمكن أكتر .. أعتقد الإقتصاد التركى هيتوجه للسياسة الإنكماشية لفترة مش هتقل عن سنة على أقل تقدير لمحاولة تعديل الأوضاع و الله أعلم ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ