إندونسيا .. نهضة من رحم الثورة ..

إندونسيا .. نهضة من رحم الثورة ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ماذا سيحدث من وجهة نظرك ؟

* سيسقط سوهارتو .. يقيناً أقول لك .. هذا الطاغية لن يصمد أمام ثورة الشعب عليه ..

( أخر نقاش دار بين إثنين من طلبة جامعة #تريزاكتى قبل مشاركتهم فى إحتجاجات 12 مايو 1998 .. خلال دقائق سيقتل الإثنان برصاص قوات الشرطة )

ـــــــــــــــــــــــــــ

* ما قبل الثورة :
ـــــــــــــــــــــــــــ

* #إندونيسيا و التى تعنى جزر الهند دولة تملك الكثير من الموارد الطبيعية التى كان يستولى عليها المحتل الهولندى دون أن يبقى للشعب شيئاً ما جعل الإقتصاد يتمحور حول الزراعة و تصدير النفط و الذى كانت عائداته لا تضخ بالشكل الأمثل فى أوردة الإقتصاد .. بعد إستقلالها حاول الرئيس #أحمد_سوكارنو النهوض بالإقتصاد و لكن حالها كحال كل الدول المستعمرة كان القيام بنهضة سريعة فيها شبه مستحيل فلم يك هناك إنجاز يذكر حتى تدهورت الأمور الإقتصادية ما أتاح الفرصة للجنرال #محمد_سوهارتو للإنقلاب عليه و وضعه تحت الإقامة الجبرية .. ظن الشعب أنها بداية جديدة ..

* سوهارتو كان فى بدايه عهده نموذج ممتاز فى الإدارة فمعه تحولت إندونيسيا تدريجياً من كونها دولة زراعية إلى دولة صناعية بالتوازى مع طبيعتها الزراعية فالرجل غير فعلاً من وجه الدولة و اهتم بالبنية الإجتماعية و أصلح كثيراً فى نظام التعليم و التأمين الصحى و قبل كل هذا كان رجلاً عسكرياً له إنجازات فى مقاومة المحتل الهولندى .. يبدو أن تطلعات الشعب لم تذهب سدى .. هذا رجل من الواضح أنه يعرف ما يفعله ..

* السلطة المطلقة مفسدة مطلقة .. سوهارتو و على الرغم من نجاحه إقتصادياً إلا أنه كان ديكتاتور لم يقبل أى نوع من المعارضة .. إنتقم من المعارضين .. سجن الشيوعيين .. التيار الإسلامى .. الليبراليين .. شيطن كل منافسيه .. منع إنشاء الأحزاب و أبقى على حزبين صوريين لا يستطيعوا مخالفة أوامره .. إستخدم الجيش فى تحقيق مطامعه الشخصية و تثبيت أركان حكمه .. سيطر على مفاصل الدولة بالكامل و وضع رجاله و عائلته فى مواقع المسئولية دون غيرهم .. سوهارتو فعلاً كان يعرف ما يفعله ..

* تدريجياً تحول سوهارتو إلى زعيم عصابة و أصبح هو و أبناءه و عائلته و رجاله يملكون أكثر من 1200 شركة ليس هذا فحسب فبخلاف فسادهم فقد أهملوا متابعة أوضاع الدولة حتى صار الفساد منهجاً تسير عليه الدولة و أصبح الجميع يسرق .. وسط كل تلك الفوضى وقع كثيراً من الشعب فى براثن الفقر بالتدريج .. كبر سوهارتو فى العمر و ضعفت رقابته على مجريات الأمور بالتدريج و صارت أمور الدولة بين أبناءه و كبار رجالاته .. ابنه صار اخطبوطاً يملك بنوكاً و توكيلات سيارات و ابنته صارت وزيرة للشئون الإجتماعية .. كل هذا زاد من نقمة الفقراء على سوهارتو .. الرجل صار كمن يحفر قبره بيديه ..

* كان يمكن إستمرار الوضع خاصة مع قبضة رجاله الحديدية و لكن حدث ما لم يخطر على بال أحد ..#الأزمة_المالية_الآسيوية 1997 .. أزمة أثرت بشده على السوق الإندونيسى المتهالك أساساً فبدأت الأمور تتدهور بوتيرة أسرع و كان لابد على سوهارتو من إيجاد حل و يكون سريعاً .. لأن إستمرار الوضع لم يكن له سوى معنى واحد .. سقوط سوهارتو ..

* لم يجد سوهارتو مفراً من اللجوء لصندوق النقد الدولى .. الديون الخارجية وقتها كانت قد وصلت إلى مقاييس تاريخية بالفعل و لكن كرسى الحكم كان فى خطر و كان لابد من إتخاذ قرار سريع .. النتيجة كانت 43 مليار دولار كمساعدات مالية لإنتشال الإقتصاد من محنته .. ديون خرافية وصلت إلى 138 مليار دولار حعلت من إرادة إندونيسيا مكبلة و رقبتها تحت رحمة شروط صندوق النقد الدولى .. تعويم العملة تعويماً كاملاً .. إلغاء الدعم .. تخفيض النفقات .. و باقى الشروط المتعارف عليها .. خلال 5 أشهر من تحرير سعر صرف الروبية إنهارت قيمتها من 2700 روبية إلى 16000 روبية للدولار .. كان هذا فى يناير 1998 .. بعد 4 شهور تم رفع سعر الوقود بنسبة 71 % .. هنا كانت وصلت نسب التضخم إلى 60 % و وقع أكثر من ربع الشعب تحت خط الفقر .. رغم كل ما كان يحدث إلا أن صندوق النقد كانت تصريحاته عكس الواقع تماماً .. كانت تصريحاته تتمحور حول جملة واحدة :

(أن قرار التعويم جاء فى وقته المناسب و أن ذلك سوف يسمح للإقتصاد الإندونيسى بالإستمرار فى أدائه المثير للإعجاب فى السنوات الأخيرة )

* فى 4 مايو 1998 لم يحتمل الشعب أكثر .. قامت مظاهرات فى #سومطرة و #ميدان إعتراضاً على رفع سعر الوقود فوقع 6 قتلى فى صفوف المتظاهرين .. تحمست طلبة الجامعات فقاموا بتنظيم مظاهرات إحتجاجية يوم 12 مايو .. وقعت إشتباكات مع الشرطة و وقع 6 قتلى آخرين فى صفوف الطلبة .. انضم للطلبة نقابات عمالية و موظفى القطاع العام و أصحاب المهن و الحرف .. حدث إضراب شامل و تحولت المطالب من نداءات لإصلاحات إقتصادية إلى رحيل سوهارتو و عائلته و تقليص دور الجيش فى الحياة الإقتصادية .. ملايين فى الشوارع يسبقهم هتاف واحد .. يسقط ملك اللصوص .. بعد إرتفاع حصيلة القتلى إلى أكثر من 1200 قتيل و مع ضغوط من برلمانيين و قادة فى الجيش لم يجد سوهارتو مفراً من الإستقالة و تسليم سلطاته إلى #بحر_الدين_يوسف_حبيبى نائبه و صديقه لإدارة شئون البلاد .. نجحت الثورة فى أولى خطواتها .. فهل تنجح فى الباقى ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ما بعد الثورة :
ـــــــــــــــــــــــــ

* عملية التحول الديموقراطى فى إندونسيا لم تكن بتلك السهولة فهذا شعب تم تقييده و إغلاق الأفق السياسى أمامه على مدار 32 سنة و حين يتمكن أخيراً من الديموقراطية لابد و أن تقع بعض التجاوزات .. حالة سيولةسياسية غير طبيعية .. تم السماح بإنشاء الأحزاب .. تم إغلاق وزارة الإعلام .. حرية بلا سقف .. إختلفت التوجهات السياسية فاختلف الفرقاء و صاروا أنداداً ..

* فى دولة مثل إندونيسيا بها تنوع عرقى و لغوى و دينى يكاد يكون الأغرب فى العالم كان طبيعياً أن تحدث أحداث عنف عقائدية فحالة السيولة التى حدثت فى الشارع السياسى جعلت الكل يظن أنه على حق و الباقى مخطىء .. حوالى 55 % من السكان من الجاوايين .. يليهم المادوريين ب 7.5 % يليهم الملاويين ب 7 % يليهم الصينيين ب 5.5 % و عرقيات أخرى متنوعة 25 % كل هؤلاء يتكلمون 668 لغة مختلفة مع إتفاق الجميع على لغة #البهاسا كلغة أولى للبلاد .. 88 % من الشعب مسلمين و 6 % بروتستانت و 3 % كاثوليك و 2 % هندوس و 1 % بوذيون و 1 % آديان أخرى .. و رغم كل هذا التنوع إلا أنه تم السيطرة على تلك الأحداث و تم تغيير الدستور ليشمل كل فئات المجتمع و صارت إندونيسيا على أول طريق التقدم ..

* منذ 1998 و حتى الآن حدثت 4 إستحقاقات إنتخابية كلها تمت فى مواعيدها القانونية .. حالة الإستقرار السياسى و المناخ الديموقراطى السليم كان من الطبيعى أن يكون له مردود إيجابى خاصة مع دولة مثل إندونيسيا تملك من الموارد الطبيعية الكثير .. من هذه المقومات :

– الغابات تمثل حوالى 60 % من الدولة ما يجعلها من أكبر مصدرى الأخشاب فى العالم ..

– تنتج خُمس الإنتاج العالمى من القصدير و البوكسيت ..

– رصيدها من النيكل و النحاس و الذهب و المنجنيز كبير جداً ..

– تملك أكبر مصاهر الألومنيوم فى جنوب شرق آسيا ..

– من أكبر مصدرى الفحم الحجرى ..

– تملك بيئة سياحية من الطراز الأول ..

– تملك طاقة بشرية كبيرة جداً فتعداد سكانها الآن وصل إلى 258 مليون نسمة القوى العاملة فيهم 130 مليون نسمة ينقسمون إلى 40 مليون يعملون بالزراعة و 25 مليون فى التجارة و الخدمات و 18 مليون فى وظائف حكومية و 15 مليون فى الصناعة و الباقى حرف يدوية ..

– تملك قوى عاملة ( ماهرة ) تصل إلى 55 مليون نسمة و يتوقع لها الوصول إلى 113 مليون فى 2030 ..

– ثُلث صادراتها من النفط و المعادن و ثُلثين من الصادرات الصناعية ..

– أغلب الإنتاج الزراعى يوجه للداخل و الفائض يصدر و إستيرادها الزراعى قليل نسبياً ..

* إمكانيات عظيمة أهلتها لزيادة تبادلها التجارى مع شركائها الرئيسيين الولايات المتحدة و الإتحاد الأوروبى و الصين و ماليزيا و استراليا و اليابان ما ضاعف من ربحيتها و قدراتها التنافسية داخل تلك الأسواق بالإضافة لتخفيض قيودها على سوقها الداخلى الذى كانت تتحكم فيه الحكومة بشكل كبير فسمحت للمستثمرين الأجانب بزيادة إستثماراتهم و سهلت مهمتهم و فتحت لهم مجالات كانت مغلقة أمامهم مثل المطاعم و الزراعة و المنشآت الصحية و دور السينما و هو ما أدى إلى تحسن حالة أغلب الشعب الإندونيسى و نقصت معدلات الفقر بشدة و زاد حج الطبقى المتوسطة بالدولة ففى 2012 أظهرت الإحصائيات الأرقام التالية :

– حجم الطبقة الفقيرة كان 30 مليون نسمة و الطبقة المتوسطة كان 41.6 مليون نسمة و الطبقة الغنية كانت 23.2 مليون و طبقة فاحشى الثراء كانت 6.6 مليون ..

– يتوقع فى 2020 أن تزيد الأرقام إلى 68.2 مليون – 49.3 مليون – 16.5 مليون بالترتيب مع نقص فى حجم الطبقة الفقيرة ..

– زيادة الدخول بتلك الطريقة جعلت هناك نوعاً من التوازن بين الإستثمار و الإستهلاك فى السوق الإندونيسى ما قلل مخاطر تباطوء الطلب فى الأسواق الرئيسية لإندونيسيا فإن نقصت الصادرات عوضها الإستهلاك المتزايد للشعب و على سبيل المثال إرتفع الطلب على الخدمات المالية و سلع الرفاهية و الرعاية الصحية ما أثرى بشدة قطاع الخدمات فى الدولة و تحول إقتصاد الدولة من زراعى إلى صناعى ثم إلى صناعى خدمى ..

* و على الرغم من ذلك فإن إندونيسيا لا يزال أمامها الكثير من المعوقات إن كانت تريد الإنطلاق لأفاق جديدة فبخلاف محاربة الفساد فهى تفتقر إلى الإهتمام بالبنية التحتية فالطرق المرصوفة و السريعة قليلة نسبياً ما يرفع تكلفة نقل البضائع لديها مقارنة بدول الجوار و هو ما يجعل أسعارها أقل تنافسية من ماليزيا مثلاً التى تمثل تكلفة النقل فيها عُشر نظيرتها فى إندونيسيا .. لأجل هذا أقرت الدولة فى 2015 مبلغ 20 مليار دولار إستثمارات جديدة فى مجال البنية التحتية .. و إن إستطاعت أن تتغلب على تلك المشكلات فيتوقع لها أن تكون سابع أقوى إقتصاد فى العالم بحلول عام 2030 كما توقع معهد ماكينزى فى الوقت التى تحتل فيه المركز 16 عالمياً الآن ..

* طول المقال منعنى من التطرق لأوجه تنموية أخرى فى مجالات التعليم و الصحة و الخدمات الإجتماعية و لكن يكفينى القول بأن إندونيسيا تلك الدولة ذات ال 1.904 مليون كم مربع و التى تضم 17508 جزيرة و بعدد سكان يقترب من 258 مليون نسمة و بذلك التنوع العرقى و العقائدى و المذهبى و اللغوى الفريد من نوعه إستطاعت و خلال 18 عاماً فقط أن تتجاوز خلافاتها و أن تصبح ثالث أكبر ديموقراطية فى العالم و أن تضع دستوراً محترماً يشمل كل طوائف الشعب ..

* دولة إستطاعت أن تتطور و تغزو أسواق العالم و تحتل مركزاً متقدماً فى قائمة أقوى إقتصاديات العالم .. شعب فريد من نوعه يستحق التقدير و قيادة سياسية حكيمة تستحق التهنئة على ما وصلوا إليه و إن كانوا قد وصلوا إليه بعد عناء .. نعم التجربة لم تكن مثالية و نعم لازال بها بعض العيوب و لكنهم يسيرون فى الطريق الصحيح بلا شك .. طالما أن السلطة عادت إلى الشعب فتأكدوا أنهم يسيرون فى الطريق الصحيح ..

* الإقتصاد الإندونيسيى فى أرقام :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الناتج المحلى الإجمالى : 940.95 مليار دولار

* إجمالى الديون : 319 مليار دولار

* نمو الناتج المحلى : 4.8 %

* الصادرات : 197 مليار دولار

* الواردات : 178 مليار دولار

* فائض الميزان التجارى : 19 مليار دولار

* نصيب الفرد من الناتج الإجمالى : 3346.5 دولار

* نصيب الفرد من الديون : 1236.43 دولار

* إحتياطى النقد الأجنبى : 112.36 مليار دولار

* معدل التضخم : 6.4 %

* التعليم : 95.4 %

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ