لجزء الخامس :
ـــــــــــــــــــــــــ
* العراق .. دولة احتكت بالأكراد مثلها مثل جيرانها تركيا و إيران و سوريا بحكم التواجد التاريخى لهم على حدود تلك الدول .. الوضع مختلف نسبياً فى العراق لأن الأكراد هناك نجحوا فى إنتزاع بعض حقوقهم مقارنة بنظرائهم فى البلاد المجاورة .. لم يكن ذلك بلا مقابل بالطبع فالمعاناة و التضحية بالدماء مفردات لازمت الأكراد طوال تاريخهم الحديث .. لنبدأ من البداية ..
ـــــــــــــــــــ
مرحلة محمود الحفيد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كما أسلفنا فى الأجزاء السابقة فقد بدأ كل شيىء مع إنهيار الدولة العثمانية حينها أصبح العراق تحت الإنتداب البريطانى و بالطبع لم تكن حدودها بالكامل قد تم رسمها و هو ما جعل هناك تنافس بين تركيا من ناحية و بين العراق من ناحية أخرى لإجتذاب الأكراد للإنضمام إلى إليهم .. كان ذلك ليجدى نفعاً لولا أن زعيم الأكراد وقتها #محمود_الحفيد كان له تطلعات قومية خاصة بالكورد .. كان يريد دولة مستقلة بهم بعيداً عن العراق و عن تركيا .. حينها قرر الإتصال بالإنجليز و وعدهم بالتعاون معهم ليسيطروا على الحامية التركية فى السليمانية .. بالتأكيد لن يكون ذلك دون مقابل .. أراد حكماً ذاتياً و حكومة كردية خالصة برئاسته على أن تكون تحت ظل الإنتداب البريطانى ..
* دخل الإنجليز بالفعل إلى السليمانية و تم تعيين محمود الحفيد على رأس الحكومة مع تعيين نائباً بريطانياً له .. الوضع يبدو جيداً و يسير ضمن بنود #معاهدة_سيفر التى أعطت للأكراد حق تقرير المصير إلا أن بريطانيا تنكرت لبنود المعاهدة و هو ما يعنى خضوع الأكراد لسيد جديد بريطانى بدلاً من السيد العثمانى القديم .. أعلن الحفيد الثورة على النظام البريطانى و إستولى على السليمانية عام 1919 و أسس دولة كردية و أعلن نفسه ملكاً عليها .. لن يمر وقت طويل حتى يحشد البريطانيين له و يقبضوا عليه و ينفوه إلى الهند لمدة 3 سنوات ..
* بنفى الحفيد إزداد التوتر فى المدنية و إرتفعت حدة المقاومة الكردية ما اضطر الإنجليز إلى إعادة الحفيد مرة أخرى و هو ما مكنه من إعادة تنظيم صفوفه ليطرد الإنجليز مرة أخرى عام 1923 و لكن للمرة الثانية يحشد له الإنجليز و يستعيدوا السليمانية و يضموها إلى حدود المملكة العراقية .. هذا لم يكن كل شيىء فبعد أعوام قليلة و تحديداً عام 1930 سيوقع نورى السعيد رئيس وزراء العراق إتفاقية مع بريطانيا إحتوت على بنود رأى فيها عموم العراقيين خضوعاً و تكبيلاً لإرادة العراق .. بالطبع ندد العراقيين كثيراً بالمعاهدة إلا أن محمود الحفيد ملك الأكراد كانت أحلامه القومية ما تزال تداعب خياله فحشد أتباعه و طرد الإنجليز للمرة الثالثة و قدم طلباً رسمياً تلك المرة إلى المندوب السامى البريطانى يطالبه فيه بإنشاء دولة كردية فى كردستان العراق إلا أنها لم تجد صدى عند الإنجليز فحشدوا ضده للمرة الثالثة حتى استسلم لهم و تم نفيه لأكثر من مكان حتى سمح له بالعودة للعيش فى بغداد بعد مصادرة أملاكه فى السليمانية ..
ـــــــــــــــــــــ
مرحلة مصطفى برزانى :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* فى أواخر حراك محمود الحفيد كان هناك حراكاً أخر فى #منطقة_بارزان فى أربيل كان يقوده #أحمد_بارزانى الأخ الأكبر للزعيم الكردى #مصطفى_بارزانى حيث رفع طلباً إلى عصبة الأمم عام 1931 يطلب فيه منح الأكراد حكماً ذاتياً على مناطقهم إلا أن الجيش العراقى مدعوماً بسلاح الجو البريطانى قاما بشن هجوماً كاسحاً على بارزان فى يناير 1932 أجبر الأكراد على التراجع و تم نفى أحمد برزانى إلى السليمانية ثم إلى جنوب العراق .. ذلك لم ينهى إنتفاضة الأكراد التى إستكملها مصطفى برزانى بعد نفى أخيه ..
* مصطفى برزانى إستحق الإحترام من الأكراد نظراً لأنه طور المقاومة الكردية وقتها من مرحلة الطلبات إلى مرحلة المواجهة المسلحة فى حدود الإمكانيات المتاحة فاستطاع الهروب من منفاه فى السليمانية و العودة إلى برزان و قام بحشد الرجال و استطاع تسليح حوالى 300 رجل كردى قاموا بالإغارة و الإستيلاء على حوالى 17 مخفراً للشرطة و سيطروا على مساحة كبيرة من الأرض فى أكتوبر 1943 .. عندها توقف البرزانى رافعاً سلسلة من المطالب إلى حكومة العراق بقيادة نورى السعيد :
– إنشاء ولاية كردية تضم كركوك و أربيل و السليمانية و زاخو و دهوك و العمادية و سنجار و خانقين و مندلى
– إعتبار اللغة الكردية لغة رسمية فى تلك الولاية
– تعيين نائب وزير كردى فى جميع الوزارات العراقية
* نظراً لأن المساحة التى سيطر عليها الأكراد كانت كبيرة و نظراً للزخم الثورى الذى نتج عن تلك الإنتفاضة فقد قبلت بغداد التفاوض معه على تلك البنود و كان نورى السعيد قد أظهر تجاوباً معها و كان ينوى تنفيذها على مراحل إلا أن بعض الأطراف رأت مبالغة فى طلبات الكورد و أن مساحة الأرض التى طالبوا بها تعتبر كبيرة و يصعب الموافقة عليها .. تلك الأطراف بدأت بنشر الشائعات حول نورى السعيد الذى كان قد بدأ يميل إلى مبدأ التعايش السلمى مع الأكراد .. إدعوا عليه أنه من أصول كردية و أنه متزوج سراً من كردية إلى أخر تلك الأمور ما أجبره على الإستقالة و هو ما عاد بالمفاوضات إلى نقطة البداية و هذا يعنى شيئاً واحداً .. ألا و هو إستمرار القتال ..
* فى أغسطس 1945 حشد الجيش العراقى و القوة الجوية البريطانية قواتهم و هجموا على معاقل الأكراد فى برزان ما أجبر مصطفى على الإنسحاب إلى إيران مع 1000 من مقاتليه مساهماً فى تأسيس أول جمهورية كردية فى إيران #جمهورية_مهاباد التى إنهارت بعد حوالى عشرة شهور من إنشاءها .. ذلك كان خيبة أمل كبيرة للأكراد و معها هدأت جذوة المقاومة فى نفوس الأكراد لفترة من الزمن ..
ــــــــــــــــ
مرحلة الإنقسام :
ــــــــــــــــــــــــــــ
* فى عام 1958 و إثر الإنقلاب على العائلة المالكة العراقية و إعدام #الملك_فيصل_الثانى و رئيس الوزراء #نورى_السعيد و إمتلاك #عبد_الكريم_قاسم زمام الأمور قام بدعوة مصطفى البرزانى للتفاوض حول إعطاء الأكراد بعض الحقوق إلا أنهم لم يتفقوا لإرتفاع سقف مطالب البارزانى .. صدام جعل عبد الكريم قاسم يشن هجوماً على معاقل الأكراد فى برزان مرة أخرى عام 1961 .. بعد سنتان من تلك الواقعة سيتم الإطاحة بعبد الكريم قاسم من قبل البعثيين و سيتم تعيين #عبد_السلام_عارف بدلاً منه .. رجلاً جديداً فى السلطة شجع إثنين من رجال الأكراد على السفر للتفاوض معه .. #إبراهيم_أحمد و #جلال_طالبانى ..
* ذلك التفاوض كان أول إختلاف فعلى بين الأكراد إذ كانت جبهة مصطفى البرزانى ترفض التفاوض مع من أخلفوا وعودهم أكثر من مرة أما جبهة الطالبانى فقد رأت أن التفاوض أسلم خاصة مع عدم وجود الدعم الكافى لإستمرار القتال .. وصل الشقاق بين الجبهتين إلى حد الدعوة لتجريد مصطفى البرزانى من صلاحياته كرئيس #للحزب_الديموقراطى_الكردستانى حتى وصل الخلاف منتهاه فانشق جلال الطالبانى و مؤيديه مشكلين المكتب السياسى #لحزب_الإتحاد_الوطنى_الكردستانى عام 1966 .. لم يقف الإنقسام عند ذلك الحد بل إن المنشقين شكلوا حلفاً مع الحكومة العراقية و شاركوا فعلياً فى حملة عسكرية ضد البرزانى و رجاله ..
* فى خضم تلك الأحداث كان الرئيس العراقى عبد السلام عارف يتودد للإتحاد السوفييتى ليزيد من قوة تسليح الجيش العراقى و هو ما أثار مخاوف إيران التى كانت قد إرتمت فى أحضان بريطانيا و الولايات المتحدة .. لو مالت كفة القوة العسكرية لصالح العراق لصارت إيران فى خطر داهم و كان على الشاه إيجاد حل و يكون حلاً سريعاً .. لم يكن هناك أسرع و أسهل من الأكراد .. قوة جاهزة و موجودة فى الداخل العراقى و ينقصها فقط التسليح .. مصطفى البرزانى أمن ذلك التسليح من الدعم الإيرانى ..
* الآن كل طرف اختار حليفه و الطرفان يظنان أنهم يخدمان القضية الكردية فى حين أنهم كانوا يتم إستخدامهم كقطع الشطرنج .. على كل حال فى تلك الفترة مالت الكفة تجاه قوات مصطفى البرزانى لإعتبارات عدة :
– دعم إيران كان دعماً جيداً للغاية
– إلتزام الولايات المتحدة بدعم نظام الشاه فى إيران
– ضعف الميزانية العراقية التى تكبدت 30 % من حجمها كخسائر للحرب عام 1969 فقط
إستمرار الوضع بتلك الطريقة كان يعنى إنهيار النظام فى العراق و هو ما يعنى تعاظم الدور الإيرانى فى المنطقة و لما لا فقد يمتد نفوذها إلى بغداد نفسها .. كل هذا ساهم فى تسريع المفاوضات مع مصطفى البرزانى ..
ـــــــــــــــــــ
مرحلة الحكم الذاتى :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فى مارس 1970 وقعت الحكومة العراقية مع الأكراد إتفاقية الحكم الذاتى و تم الإعتراف فيها صراحة بالحقوق القومية الكردية كاستعمال اللغة الكردية فى المؤسسات التعليمية مع الوعد بمشاركة فعالة للأكراد فى الحكومة العراقية .. كان هذا نصراً كبيراً لأكراد العراق سعوا لتحقيقه على مدار عقود .. قد تظنوا أن الأمور إستتبت الآن للأكراد و لكن كما هى العادة بقيت قضية عالقة لم تحل بين العراقيين و الأكراد .. #مدينة_كركوك .. مدينة غنية بالنفط يرى الأكراد أنها من حقهم تاريخياً لكثافتهم السكانية فيها .. بالطبع مدينة مثل تلك لا يمكن التنازل عنها بسهولة فقامت الحكومة العراقية بتسويف الأمر حتى عام 1977 للقيام بإحصائية عددية لمعرفة العدد الحقيقى للأكراد فى المدينة .. لن يقام الإحصاء أبداً لأن العلاقات ستسوء بين البرزانى و بين الحكومة فى بغداد عام 1974 ..
* بعد أن ساءات العلاقة بين الطرفان بدأت الحكومة فى إتخاذ تدابير من شأنها تغيير التركيبة السكانية فى كركوك :
– نقل مئات العائلات العربية إلى كركوك مع تهجير العائلات الكردية منها
– تغيير التقسيم الجغرافى للمدينة ليشمل قطاعات من أحياء عربية مجاورة
– أطلقت إسم محافظة التأميم على المدينة بغية تغيير إسمها الكردى
على الرغم من تلك التدابير إلا أن الظروف الخارجية كانت مستمرة فى خدمة الأكراد فلازالت إيران تدعمهم و لا زالت الولايات المتحدة فى ظهر إيران حتى إن إسرائيل قدمت لهم الدعم بغية إشغال العراق عن ما يحدث فى الجبهة السورية .. كلها ضغوط كانت تجبر العراق على التنازل .. فإما أن تتنازل لصالح الأكراد مجدداً و إما أن تتنازل لصالح من يدعمهم .. تلك المرة إختارت العراق التنازل لصالح من يدعمهم ..
* كانت هناك مشكلة حدودية مستمرة بين العراق و إيران حيث كانت تعتبر العراق #شط_العرب بالكامل مياه عراقية فى حين كانت تعتبر إيران أن الحدود الرسمية هى #نقطة_خط_القعر و هى النقطة التى يكون فيها الشط بأشد حالات إنحداره .. بمعنى أخر إيران كانت ترى لها حقاً فى تلك المياه .. أمام الضغط الكردى و القوة العسكرية التى تكلف الميزانية العراقية الكثير رضخت العراق أمام الضغوط الإيرانية و قبلت بتوقيع #إتفاقية_الجزائر و القبول بالمطالب الإيرانية مقابل سحب دعمهم بالكامل عن الأكراد و هو ما حدث بالفعل .. مرة أخرى يجد الأكراد أنفسهم دون حليف حقيقى فى مواجهة السلطات المركزية .. خطأ تاريخى يتكرر بإستمرار فى كل البلاد التى تواجد بها الأكراد .. الكورد لا ينجحون أبداً فى إقناع أى قوة عظمى بالإستمرار فى دعم مطالبهم .. إنهارت المقاومة الكردية سريعاً و إنتهى أمر مصطفى بارزانى فى الولايات المتحدة الأمريكية حتى وفاته عام 1979 ..
– فى الجزء القادم إن شاء الله سيتم سرد علاقة الأكراد بنظام صدام حسين و سرد تفاصيل #عمليات_الأنفال و #مجزرة_حلبجة بالإضافة لتفنيد الوضع الإقتصادى لإقليم كردستان العراق ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ