تشيلى .. معاناة من أجل النمو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الثانى :
ـــــــــــــــــــــ
* فى أواخر عهد الرئيس التشيلى #سلفادور_أييندى و بينما كانت الأوضاع تتوتر أكثر فأكثر كانت الأحزاب المعارضة و على رأسها الحزب الديموقراطى المسيحى ترتب أوراقها للإنقضاض على السلطة .. كانوا يعلمون أن أيام أييندى معدودة .. و بعد الإنقلاب عليه لم يعترضوا .. إعتبروا الإنقلاب عملية جراحية ضرورية للتخلص من خصم سياسى و مهمة لإعادة ترتيب الأوراق .. بدأوا فى تجهيز أنفسهم و مرشحهم لإستلام السلطة من #بينوشيه و مجلسه العسكرى فى أقرب وقت .. أخطأ هؤلاء القوم فى التقدير بالتأكيد ..
* العملية الجراحية شملت أيضاً إغتيال #كارلوس_براتس قائد الجيش السابق الذى أنقذ أييندى من أخر إنقلاب عليه .. تم إغتياله هو و زوجته .. خلال 3 شهور فقط أُعتقل 13000 سجين سياسى .. أكثر من 20 ألف معارض تم نفيه خارج البلاد .. إجراءات مشددة لقمع الحريات .. كل هذا تغاضت عنه الأحزاب اليمينية أملاً فى الفوز بالسلطة .. طوال عاماً و ربع حاولت تلك الأحزاب إستمالة #الخوانتا أو المجلس العسكرى التشيلى و رئيسه #أوجوستو_بينوشيه و تملقهم بغية تسليمهم السلطة .. ما حدث لاحقاً خيب ظنهم بلا شك ..
* فى 17 ديسمبر 1974 إختار الخوانتا بينوشيه ليكون رئيساً لجمهورية تشيلى ضارباً بعرض الحائط كل نداءات الأحزاب التى عارضت أييندى .. رقى بينوشيه نفسه بنفسه إلى رتبة #كابتن_جنرال .. لقباً كان يستعمله الغزاة الأسبان وقت إحتلالهم لتشيلى .. حُكمت تشيلى بالحديد و النار .. خلال 3 سنوات إرتفع عدد المعتقلين إلى 100 ألف معتقل .. تحولت المبانى إلى معسكرات إعتقال .. إنقسم الشعب و تحول نصفه إلى مخبرين يبلغون عن النصف الأخر .. مات حوالى 3200 معتقل جراء التعذيب .. أشيع أن جثثهم ألقيت وسط المحيط لعدم العثور عليها .. تم تسجيل أكثر من 28000 حالة تعذيب خلال فترة حكم بينوشيه .. وصل الأمر ذروته عندما تم تجميع عدداً من المعتقلين قيل أنه تراوح بين 5500 إلى 10000 معتقل فى الإستاد الوطنى و تم إطلاق النار عليهم بشكل جماعى .. وصلت الهيستيريا إلى ذروتها هنا و لكن لم يكتفى بينوشيه بذلك .. بينوشيه كان عضواً رئيسياً فى #عملية_كوندور و هو برنامج أمريكى تم تطبيقه فى بعض دول أمريكا اللاتينية لتصفية الحكومات الإشتراكية التى كانت على رأس تلك الدول .. قُتل بسبب ذلك البرنامج حوالى 60 ألف معارض للسياسات الرأسمالية الأمريكية فى أمريكا اللاتينية .. السفير التشيلى السابق فى الولايات المتحدة الأمريكية #أورلاندو_يتلييه كان من أبرز ضحاياه ..
* لم يكتفى بينوشيه بإغلاق الأفق السياسى فقط بل بدأ التجهيز لمرحلة ما بعد فترة رئاسته الأولى .. هو يعلم أن الشعب لن ينتخبه إذا كانت هناك إنتخابات تعددية .. لكنه مدعوم من الولايات المتحدة و من بعدها الخوانتا و الآلة العسكرية .. إذاً فلتذهب الديموقراطية إلى الجحيم .. تم تعديل الدستور بإلغاء تعددية الإنتخابات و تبديلها إلى الإستفتاء على مرشح وحيد سواء بنعم أو لا .. فى حالتنا هنا كان المرشح هو بينوشيه بالطبع .. لم يكتفى بذلك و تم الإحتياط لكل شيىء حتى أصعب الأمور حدوثاً .. فى التعديل الأخير للدستور تم إقرار مادة تنص بأنه فى حالة خسارته للإستفتاء فإنه يعود لمنصبه السابق كوزير للدفاع و رئيساً للخوانتا بالإضافة لمنحه عضوية دائمة فى مجلس الشيوخ بما لها من حصانة .. تم الإستفتاء على مشروع الدستور عام 1980 و تمت الموافقة عليه بعد تزويره بالطبع .. هنا تحول #إدواردو_فراى_مونتالفا الرئيس السابق لأييندى و الذى كان أحد أكبر المؤيدين للإنقلاب عليه و تصفيته إلى أكبر الرافضين لوجود بينوشيه .. قاد ضده مظاهرات رفضاً لتعديل الدستور .. أُغتيل #مونتالفا لاحقاً بغاز الخردل .. تم حل المشكلة .. بينوشيه لم يترك أى فرصة لأى معارضة محتملة .. العالم كله كان ينظر إليه كديكتاتور دموى مدعوم من الولايات المتحدة إلا المستفيدين من وجوده و بعض مؤيديه .. تشيلى وصلت للحضيض سياسياً بلا أدنى شك .. ماذا عن الإقتصاد إذاً ؟
* #حجر_الأساس البرنامج الإقتصادى الذى أعده #فتيان_شيكاجو تحت رعاية #ميلتون_فريدمان كان فى يد بينوشيه و رجاله بعد أيام من الإنقلاب على أييندى .. تم تنفيذ كل ما ذُكر فيه حرفياً .. تم إعادة الشركات التى تم تأميمها فى عهد أييندى إلى ملاكها الأصليين ( أمريكيين بالطبع ) .. تم خصخصة البنوك و الشركات الصناعية .. تم بيع تشيلى كلها تقريباً .. و مع تطبيق البرنامج الرأسمالى فقدت العملة الوطنية قيمتها بشكل كبير و سريع .. زادت الديون الخارجية حتى وصلت إلى 18 مليار دولار .. إرتفع معدل البطالة من 4.3 % عام 1973 إلى 22 % عام 1985 .. إرتفع معدل التضخم حتى وصل إلى 370 % .. تم إلغاء الحد الأدنى للأجور .. إنخفضت القيمة الحقيقية للأجور بنسبة 400 % .. عاشت الأسر المتوسطة على الخبز و الشعير و كانت تنفق عليه ما يزيد عن 70 % من الدخل بسبب إرتفاع الأسعار .. تم إلغاء كافة الحقوق التى كان يتمتع بها العمال .. تم تعطيل النقابات العمالية و تحجيم طلباتها بالقوة .. بحلول عام 1981 تشيلى كانت أفلست فعلياً و وصل معدل نموها إلى ( – 10.80 % )
* على الرغم من هبوط مستوى معيشة الشعب التشيلى كان فريدمان يقول إن الإقتصاد يسير فى الطريق الصحيح و أن ذلك ثمناً لابد من دفعه حتى تستطيع تشيلى أن تقف على قدميها .. الحق يقال كان هناك نمواً بالفعل فالأرقام كانت تقول إن معدلات النمو متوسطة و مستقرة ( متوسطها كان 2.4 % ) و لكن كان يشعر بها أصحاب رؤوس الأموال فكان أغلب الأرباح تدخل خزائنهم و لا يشعر بها الطبقة الفقيرة .. ما كان يحدث فعلاً أن معدلات النمو كانت تترجم لأرباح للشركات الأمريكية .. أورث بينوشيه تشيلى نظاماً رأسمالياً يظهر رقمياً مقبول و لكن فعلياً كان الشعب يئن بسببه تحت وطأة الديون و الفقر .. زاد من غطرسة بينوشيه الآلة الإعلامية الأمريكية التى مجدت فى سياساته بل وصل بها الجحود إلى تسمية تجربته الإقتصادية بال #المعجزة_الإقتصادية_التشيلية ..
* إستمر حال تشيلى كما هو حتى بدأت الإنتقادات الدولية تزيد حدتها و بدأت الإتهامات تطال بينوشيه و نظامه بجرائم ضد الإنسانية .. معها بدأ صوت الإنتقادات المحلية يرتفع تدريجياً .. بداية من 1983 بدأت الحركات العمالية و أحزاب المعارضة فى التقارب معاً و تنظيم الإضرابات السلمية و العصيانات المدنية .. بعدها حاولت جبهة معارضة تدعى #جبهة_مانويل_رودريجيز إغتيال بينوشيه لكنها فشلت .. تم توظيف عملية الإغتيال لتصفية الخصوم السياسيين و تم إعدام 3 منهم على يد الشرطة العسكرية ما جعل قائدهم #الجنرال_سيزار_مندوزا يقدم إستقالته إعتراضاً على قتلهم دون موافقته .. بدأت بوادر التصدع تظهر فى جسد الخوانتا .. بينوشيه مع الوقت يصير عبئاً ..
* حاول بينوشيه تثبيت سلطته عبر الإستفتاء على إستمراره لفترة رئاسية جديدة لكن قوى المعارضة أقامت دعاوى ضد وقائع التزوير فى الإستفتاء و على غير المتوقع ربحت القضية و تم إعادة الإستفتاء تحت مظلة القضاء .. بدأت المعارضة فى زيادة حدة نبرتها و بدأت فى توجيه أسئلة مباشرة لبينوشيه عن مصير المختفين قسرياً و عن حالات التعذيب .. كيف سُمح بحدوث كل هذا .. لا أحد يعلم يقيناً لكن يبدو أن تزايد الخلافات فى الخوانتا كان له عامل .. يبدو أن بينوشيه إقترب من الرحيل ..
* خسر بينوشيه الإستفتاء و رفضه 55 % من الشعب و بالتالى وجب عليه ترك السلطة و بالفعل تركها فى 11 مارس 1990 .. طبقاً للدستور فهو احتفظ بسلطته كقائد للجيش و كعضو فى مجلس الشيوخ التشيلى و ما يتبعها من حصانة ضد المحاكمة .. سقطت تلك الحصانة بإعتقاله فى لندن و بعدها بدأ البحث فى جرائمه السابقة و ظهرت معها حسابات فى أمريكا بها ملايين الدولارات بإسمه .. ظل هارباً خارج البلاد يعانى من الوحدة و من الأمراض المزمنة حتى وافته المنية فى 10 ديسمبر 2006 ..
* بدءاً من التسعينات تبنت تشيلى برنامجاً طموحاً قائم بالأساس على تفكيك بنية الفساد الذى تراجعت معه نسب النمو و معدلات الإنتاج على مدار ال 17 عاماً الماضية .. تشيلى فى أول 10 سنوات بعد إنهيار حكم بينوشيه حققت معدلات نمو خرافية بلغت فى المتوسط 6 % سنوياً .. معدل النمو المرتفع كانت له أسباب منها على سبيل المثال :
– تحديث نظام التقاعد الخاص بخصم 10 % من مرتبات العاملين و هو ما ساهم فى تشجيع الإدخار و بالتالى زادت السيولة فى خزينة الدولة و تم إستغلالها بصورة ممتازة .
– تخفيض ضرائب أرباح المشاريع إلى 10 % فقط بعد أن كانت 50 % مع تخفيض ضرائب الدخل إلى 40 % بعد أن كانت 58 % .
– نسف البيروقراطية تماماً ما أسهم فى تسهيل مهمة المستثمرين و صارت الشركات تبدأ عملها خلال 7 أيام على الأكثر .
– الإحتفاظ بحق الدولة فى السيطرة على صناعة النحاس كمنتج أول للدولة ( تشيلى تملك ثلث إحتياطى العالم من النحاس ) و البترول بعد إكتشافه مؤخراً و بيع الشركات التى كانت تمثل عبئاً على ميزانية الدولة مع وضع شروط على المستثمرين بعدم إغفال حقوق العمال و أسس العدالة الإجتماعية .
– تطوير قوانين الإستثمار و وضع معايير عادلة تطبق على المستثمر الأجنبى و المحلى على حد سواء و الإحتكام للمحاكم الدولية فى حالة وجود أى نزاعات و هو ما ضمن للمستثمرين حقوقهم حتى فى حالة الخلافات .
ما سبق أدى إلى :
– زيادة الحصيلة الضريبية نتيجة إنخفاض معدل التهرب و أيضاً لتسجيل كثير من الشركات التى كانت تعمل فى السوق غير الرسمية أو ما يعرف بإقتصاد الظل حت صارت تشيلى صاحبة أصغر إقتصاد ظل فى أمريكا اللاتينية كلها .
– معدلات الفقر تراجعت من 45 % فترة حكم الديكتاتور بينوشيه إلى 14.4% حالياً و فى تناقص مستمر .
– متوسط معدل النمو سابقاً كان 2.4 % و أصبح 5.6 % حالياً .
– تراجعت نسبة البطالة من 22 % إلى 6.4 % حالياً .
– تشيلى أصبحت ثانى أكثر وجهة لاتينية للإستثمار الأجنبى بعد البرازيل و بالتالى زادت معدلات التصدير ما مثل فائضاً فى الميزان التجارى للدولة بعد أن كان العجز هو سمته المعروفة عنه .
– صارت تشيلى أغنى دول أمريكا الجنوبية و انضمت إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المعروفة بإسم نادى الأغنياء .
* تشيلى بعد أن كانت دولة فقيرة معدلات نموها سلبية فى ظل حكم ديكتاتورى استطاعت بعدد سكان يقارب ال 18 مليون نسمة حالياً أن تضع قدماً على أول طريق النهوض .. بالتأكيد لازال المشوار طويلاً و بالتأكيد لازال أمامهم كثيراً لرأب الصدع الإجتماعى لأن ما فعله بينوشيه بسياسته الإقصائية جعل النسيج الإجتماعى فى أوهن حالاته و لا زالت تعانى تشيلى من تبعات تلك الحقبة حتى الآن و لكن معدلات النمو المرتفعة و إزدهار حالة السوق رغم التباطؤ الأخير تجعل الشعب يحاول نسيان ما سبق مع أمل فى مستقبل أكثر إزدهاراً ..
* الإقتصاد التشيلى فى أرقام :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* معدل النمو : 2.3 %
* الناتج المحلى الإجمالى : 240.80 مليار دولار .
* الدين العام : 15.10 %من إجمالى الناتج المحلى .
* الإستثمار الأجنبى المباشر 20.18 مليار دولار .
* إجمالى الصادرات : 77.3 مليار دولار .
* إجمالى الواردات 69.1 مليار دولار .
* فائض الميزان التجارى : 8.2 مليار دولار .
* التضخم : 4.3 %
* التعليم : 96.6 %
* البطالة : 6.4 % من إجمالى القوى العاملة .
* معدل الفقر : 14.4 % من عدد السكان .
* عدد السكان : 18 مليون نسمة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ