تشيلى .. معاناة من أجل النمو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الأول :
ـــــــــــــــــــ
* بعتذر عن إتخاذ المقال للقالب التاريخى أكثر من الإقتصادى نظراً لثراء الموضوع و عدم قدرتى على تجاهل الأحداث ..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* فى 31 يوليو 1912 بدأ كل شيىء .. فى هذا اليوم ولد الإقتصادى #ميلتون_فريدمان الأستاذ بجامعة شيكاجو و المعروف عالمياً أنه رائد و زعيم الإقتصاد الحر .. هذا الرجل تسبب بسياسته الإقتصادية فى إفقار شعوب كثيرة من دول العالم الثالث بل و الأدهى مقتل عشرات الألوف بخلاف مئات ألوف البشر الذين تأذوا جراء أفكاره .. كيف حدث هذا ؟ لنعود لبداية القصة إذاً ..
* درس هذا الرجل الإقتصاد و برع فيه بشده .. فى البداية عمل فى جامعة #كولومبيا و بدأت الخطوط العريضة لنظريته فى الظهور .. #السوق_الحر .. رأى الرجل أن الحل لتنمية النشاط الإقتصادى هو ترك الفرصة كاملة للسوق لتوفيق أوضاعه بدون أى تدخل من الدولة و رفع يدها بالكامل عن تعديل أى آثار قد تنتج جراء هذه السياسة ..
* نظرية مثل تلك كان من الضرورى أن تجد من يستفيد منها .. برنامجه وجد كل الدعم المادى من كبريات الشركات و الرأسماليين الأمريكيين خصوصاً بعد قبوله عرضاً من جامعة شيكاجو لتدريس نظريته هناك .. زادت شهرة برنامجه و تخرج على يد فريدمان جيل كامل من الشباب تم تسميتهم لاحقاً ب #فتيان_شيكاجو تشبعوا بالكامل من أفكار الرجل الرأسمالية ..
* نظرية مثل تلك بالتأكيد تعجب الرأسماليين و يسعون بشتى الطرق لتطبيقها فى العالم كله خاصة بالعالم الثالث الذى يملك ثروات طبيعية هائلة بالإضافة لمعاناتهم من التأخر الحضارى الذى يسمح لهولاء الرأسماليين بتحقيق أكبر إستفادة ممكنة من التعامل معهم .. لكن كيف سيتم ذلك ؟ كيف نقنع تلك الشعوب الجائعة بالفعل بأننا سوف نستولى على ثرواتهم الطبيعية و فى المقابل سينالوا هم الفتات ؟ هل سيقتنعوا بشعارات مثل حرية السوق .. أو أن الخير قادم و لكن مطلوب الصبر .. أو أن السوق الحرة تضمن لكم الثروات فى المستقبل ؟ على الأغلب لن يقتنعوا .. لهذا وُجد مبدأ أساسى فى تلك النظرية و هو #عقيدة_الصدمة ..
* فريدمان سمى لاحقاً ب #طبيب_الصدم_الإقتصادى بسبب ذلك المبدأ .. كان يرى أنه لكى تمرر سياسات السوق الحر يجب أن تستغل أى كارثة طبيعية أو بيئية أو حتى الإضطرابات السياسية ما يجعل الشعوب فى حالة صدمة و يجبرها على قبول الإجراءات الإقتصادية الصارمة التى لا تستطيع إقرارها فى الظروف الطبيعية .. كل هذا جيد لكن أين تشيلى من كل هذا ؟
* أمريكا الجنوبية كلها كانت تعتبر #الحديقة_الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية و لم تكن لتقبل بإنتشار الإشتراكية على مرمى حجر منها .. تشيلى فى أقصى الجنوب نعم و لكن لو نجحت الإشتراكية لصار الأمر عدوى و لتأثرت به كل دول أمريكا اللاتينية ما يجعل الإمبريالية الأمريكية فى خطر و تنهار إمبراطوريتها الإقتصادية خارج حدودها ..
* فى الستينات تشيلى كانت تحت حكم يمينى وسطى مرضى عنه من الجيش و لكن كانت لها بعض السياسات شبه الإشتراكية .. إهتموا بالصحة .. التعليم .. الصناعة .. التجارة .. صارت أقرب لديموقراطية إشتراكية .. ناقوس الخطر بدأ يدق أجراسه فى واشنطن .. دولة لاتينية قد تنجح .. لابد من إيقاف هذا .. الحل ببساطة كان برنامج منح أمريكية لدراسة الإقتصاد فى جامعة شيكاجو على يد #فريدمان و أعوانه .. إستفاد من هذا البرنامج طلبة من سائر أمريكا الجنوبية .. جيل جديد من الحاصلين على شهادة الدكتوراه يعودون لإدارة شئون بلادهم الإقتصادية .. تشيلى لم تكن إستثناءاً .. و مثلما سمى الجيل الأول لميلتون فريدمان بفتيان شيكاجو سمى ذلك الجيل ب #فتيان_سانتياجو نسبة إلى العاصمة التشيلية ..
* النزعة الإشتراكية كانت بدأت فى إجتذاب كثير من الشعوب اللاتينية وقتها نتيجة لتفاوت حجم الثروة و معدلات الفقر المتزايدة .. تلك كانت فرصة الإشتراكى المتطرف #سلفادور_أييندى بعد خسارته ل 3 إنتخابات رئاسية سابقة .. لم يكن سينجح أييندى أو غيره على كل حال طالما أن الجيش لا يرغب به إلا أن خطأً صغيراً حدث .. الرئيس السابق لأييندى #إدواردو_فراى_مونتالفا كان قد عين قائداً جديداً للجيش إسمه #رينيه_شنايدر .. قرارات شنايدر ستغير الكثير فى تاريخ البلد اللاتينى ..
* شنايدر كان ضد توغل المؤسسة العسكرية فى السياسة و رفض التدخل فى نتائج الإنتخابات الرئاسية التى أقيمت و لأول مرة بنزاهة .. إنقسم الشعب بين 3 مرشحين إثنين منهم محسوبين على النظام القديم و الجيش و ثالثهم كان سلفادور أييندى ذو التوجهات اليسارية الصريحة .. مالت الكفة نحو أييندى بنسبة ضئيلة .. فاز بنسبة 36.3 % فى الوقت الذى حصد فيه منافسوه 34.9 % و 27.9 % .. و فى محاولة لتعطيل فوز أييندى أعلن المؤتمر الوطنى ( مجلس الشعب ) أن النتيجة لم تعلن رسمياً و أن الإنتخابات لازالت مستمرة .. حاول قادة الجيش عرقلة فوز أييندى .. شنايدر كان يعارض هذا التوجه بشدة .. تم التدبير لإغتياله .. محاولتين فاشلتين .. لا بأس .. سننهى الأمر فى المحاولة الثالثة .. فى 22 أكتوبر 1970 تم إغتياله بالفعل .. ألقيت تهمة إغتياله على أنصار أييندى .. إعتقد قادة الجيش و داعمهم الأكبر ال CIA أن الأمر انتهى .. خاب ظنهم لأن الشعب كان أكثر وعياً مما يظنون و نزلت المظاهرات تمسكاً بفوز أييندى فى الإنتخابات .. تحت الضغط الشعبى تم إعلان فوزه رسمياً .. تشيلى إشتراكية رغم أنف الولايات المتحدة ..
* تلك النتيجة لم تثنى الولايات المتحدة عن مخططها .. يجب التخلص من سلفادور أييندى بأى شكل .. يجب أن تعود تشيلى لأحضان الرأسمالية مرة أخرى .. حاول أييندى تنفيذ سياساته الإشتراكية من تأميم صناعة التعدين و على رأسها صناعة النحاس .. البنوك .. الشركات الأجنبية العاملة فى تشيلى .. إقرار قانون لتأميم الأراضى الزراعية و توزيعها على الفلاحين .. سياسة لم تنجح ليس بسبب ضعف الإستثمار الأجنبى فقط و لكن لأن الأطراف المناوئين له تحالفوا ضده .. قادة الجيش و رجال الأعمال الإقطاعيين و قبلهم الإدارة الأمريكية برئاسة #ريتشارد_نيكسون ..
* سارت الخطة على عدة محاور .. تم خنق الإقتصاد التشيلى عن طريق العقوبات الأمريكية .. تم الضغط على المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولى لعدم إقراض تشيلى .. تم الإتفاق مع قادة الجيش للقيام بإنقلاب عسكرى ضد أييندى و تم دعمهم بالمال .. تم تشكيل جبهة إنقاذ للوطن من فتيان سانتياجو الذين أعدوا برنامجاً إقتصادياً مكون من 500 صفحة أطلقوا عليه #حجر_الأساس .. تم تدبير أكثر من 600 عمل إرهابى خلال 3 سنوات لتعطيل الحياة فى تشيلى .. تم تفجير محطات الكهرباء .. القطارات .. أنابيب نقل النفط .. تم تسخير الصحف و محطات الإذاعة للهجوم عليه و تقزيمه فى عيون الشعب .. تم تمويل الإضرابات العمالية و تزكية روح الثورة ضد النظام .. بإختصار تم تحويل حياة الرجل إلى جحيم .. أدى ذلك لرفع نسبة التضخم من 29 % إلى 160 % خلال عامين فقط .. صُدرت الأزمات لنظام أييندى الذى حاول قدر إستطاعته رفع مستوى معيشة الطبقة الفقيرة .. تلك الطبقة التى على كثرتها لكنها لا تملك شيئاً تدافع به عن الرجل .. كان ميزان القوى يميل بشدة إلى المعسكر المناوىء له ..
* فى 29 يونيو 1973 نجح الجنرال #كارلوس_براتس قائد الجيش وقتها فى إفشال محاولة الإنقلاب على أييندى .. بعد أقل من شهرين و ضمن خطة الضغط على الرئيس صوت البرلمان على سحب الثقة منه و طالب جنرالات الجيش بالإستقالة فانسحب #براتس بالفعل .. نجحت الضغوط الموجهة لإستقالة براتس الحليف الأخير لأييندى .. صار الرجل وحده فى مواجهة كل مناوئيه و بالأخص ضد قائد الجيش الجديد #أوجستو_بينوشيه .. لم يكن يعلم أن أيامه صارت معدودة ..
* فى 10 سبتمبر 1973 و تحت الضغط الشعبى دعا أييندى الشعب للإستفتاء على إستكماله لفترته الرئاسية .. قرار جاء متأخراً لأن الأمر قد صدر من نيكسون لبينوشيه بوجوب التخلص من أييندى .. فى اليوم التالى و فى السادسة و النصف صباحاً فوجىء الشعب بالدبابات تسير فى شوارع سانتياجو و تسيطر على مبنى البرلمان و مبنى الإذاعة و باقى المرافق الحيوية فى الدولة .. تم حصار القصر الجمهورى .. تم تخيير أييندى بين الإستسلام أو الهروب لكنه رفض .. ألقى خطاباً عبر إذاعة سرية قبل دقائق من وفاته و حمل سلاحه الذى أهداه إياه #فيديل_كاسترو و انتظر إقتحام قوات الجيش للقصر .. تم قصف القصر بالمدفعية و الطيران على الرغم من أن كل من كان مع أييندى 40 فرداً فقط .. إقتحمت القوات القصر و اشتبكوا معه .. تم إعلان أن أييندى انتحر و لكن الحقيقة أنه دافع عن حقه للنهاية و قتل على يد أعوان #بينوشيه .. نجح المخطط الأمريكى و دخلت تشيلى واحداً من أعتى عهود الديكتاتورية ..
* ظهر بينوشيه على التلفاز متحدثاً بأسى عن أن الظروف إضطرته للقيام بتلك #الحرب ( لاحظ أنه اعتبرها حرباً و ليس إنقلاباً ) ضد الماركسية الفاسدة و أنه سيحاول جاهداً لإصلاح ما أفسده الديكتاتور أييندى .. ألغى الصحف و علق العمل بالدستور .. حل البرلمان .. حظر الأحزاب اليسارية بالإضافة لحظر الفكر الماركسى .. بنهاية ذلك اليوم كان قد ألقى القبض على 2131 شخصاً محسوبين على التيار اليسارى ..
* كان لابد من إيجاد عدو ليقتنع الناس بجدوى الخطوة .. كانت الماركسية هى كبش الفداء .. صار أييندى ديكتاتوراً يخطط لإدخال البلاد فى دوامة الديكتاتورية .. اتهموه بشتى أنواع التهم و بالطبع لم يكن هناك صوتاً واحداً معارضاً ليكذب إدعاءاتهم .. دخلت تشيلى النفق المظلم و لن تخرج منه إلا بعد 17 عاماً تقريباً ..
– ماذا فعل بينوشيه بتشيلى و شعبها ؟
– متى ستضعف قبضته على البلاد ؟
– كيف تأثر الإقتصاد فى عهده ؟
– ما هى نتائج العلاج بالصدمة ؟
– و ما هو دور ميلتون فريدمان ؟
تلك قصة أخرى ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ