البرازيل .. مزيجاً من الإشتراكية و الرأسمالية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الثانى :
ـــــــــــــــــــــ
المعجزة الإقتصادية فى فترة لولا دا سيلفا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تولى لولا دا سيلفا الرئاسة فى أول يناير عام 2003 حاملاً إرثاً ثقيلاً ممن سبقوه .. تراجع فى كل مناحى الحياة تقريباً سواء إقتصادياً أو إجتماعياً أو حتى نفسياً .. الشعب البرازيلى لم يكن يحلم بغد أفضل .. بالكاد كان يحلم بغد يجد فيه قوت يومه ..
– على المستوى الإقتصادى ورث #لولا إنخفاض قيمة الريال أمام الدولار فخطة #كاردوسو و إن جاءت بنتائج جيدة إلا أن دعم الريال أمام الدولار أضر بميزانية الدولة و كان يجب تحرير سعره حتى و إن كان تحريراً مداراً و هو ما جعل سعره يتذبذب حتى هبطت قيمته فى النهاية .. ورث أيضاً مشكلة التضخم التى عادت لتطل برأسها و إن كان بشكل أقل كثيراً مما مضى .. إرثه الأعظم كان الديون الخارجية و الداخلية التى كانت تأتى على الأخضر و اليابس ..
– على المستوى الإجتماعى ورث الرجل مشاكل سوء توزيع الكهرباء و النقص الحاد فى مصادر الطاقة و مشكلة التسرب من التعليم و تردى أحوال العملية التعليمية بشكل عام و مشكلة إنتشار الجريمة و التجارة غير المشروعة و البطالة و الجوع و الفقر و المرض و التفاوت الرهيب بين طبقات الشعب ..
من كان يظن أن شعباً يعانى من كل تلك المشاكل سيقف على قدميه يوماً ما ..
لأكون دقيقاً .. من كان يعتقد أنه سيقف على قدميه فى أقل من ثمان سنوات ..
ـــــ
* بدأ لولا فترته الرئاسية فى جو عام من الترقب و الحذر فرجال الأعمال خشيوا من خلفيته اليسارية و الفقراء خشيوا من استمراره فى السياسات الرأسمالية لمن سبقوه .. فى الواقع بدأ لولا السنة الأولى من حكمه مطبقاً سياسات رأسمالية و لكن بشكل حذر سائراً على خطى سلفه كاردوسو إلا أن بعد مرور أول عام من فترته الرئاسية و عدم حدوث أى تطور ملحوظ رأى لولا أنه يجب مواجهة الشعب بالحقيقة حتى و إن كانت قاسية .. خرج على الشعب مفصحاً لهم عما يدور فى رأسه و عن الحالة الحقيقية للإقتصاد البرازيلى و أوضح لهم أن السياسات الرأسمالية بمفردها لن تستطيع إنتشال البلاد من عثرتها .. لن ينفع الدولة أن ترتمى فى أحضان رجال الأعمال دون سواهم و لن يستطيع العامل البرازيلى أن يؤدى و هو خائف دائماً على مستقبله الوظيفى .. و فى المقابل أوضح أن السياسات الإشتراكية بمفردها لن تكون بديلاً مناسباً أيضاً لبلده .. ثم وعدهم بإقرار سياسات إشتراكية و لكن بروح رأسمالية تراعى كافة فئات الشعب فلا تضر بمصالح رجال الأعمال و فى نفس الوقت تمس إحتياجات شعبه معترفاً بوجوب شعور الشعب بتغير إيجابى فى نمط حياته و إلا فلن يقتنع أحد بجدوى الإصلاحات الجارية ..
ـــــ
التطور فى مجال مكافحة الفقر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– تم تطبيق قانون الحد الأقصى و الأدنى للأجور
– تم ربط الأجور بمعدل التضخم مع تعديل الأجور سنوياً أو على فترات أقل
– إدراج العاملين بالقطاع الخاص و العام و حتى المزارعين فى المناطق الريفية تحت مظلة الضمان الإجتماعى
– تم تقديم مساعدات إجتماعية للفقراء الذين تقل دخولهم عن الحد الأدنى للأجور بمعدل 25 % فى برنامج أطلق عليه #بولسا_فاميليا أو #حقيبة_الأسرة و تم إدراج المعاقين و ذوى الإحتياجات الخاصة و الأسر كبيرة الحجم فى ذلك البرنامج و لكن بشرط غاية فى الروعة ألا و هو إنتظام الأطفال بالمدارس .. لم يكتفى لولا بهذا الشرط و إنما ربط دفع المساعدات بنتائج الأطفال الدراسية .. بهذا ضمن مساندة الأسرة للطفل خلال مراحله الدراسية
ـــــ
التطور فى مجال الإستثمار :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– فى البداية أقر تطبيق برنامج التقشف الذى كان سارياً منذ أيام كاردوسو و طلب من الشعب الوقوف بجانبه و الصبر عليه .. برنامج التقشف تسبب فى رفع التصنيف الإئتمانى للبرازيل لأن ما يهم مراكز التصنيف بالأساس هو قدرة الدولة على سداد ديونها و برنامج التقشف ضمن لهم هذا .. بسبب إرتفاع التقييم استقبلت البرازيل حوالى 200 مليار دولار إستثمارات أجنبية مباشرة فى 6 سنوات تقريباً
– الإستثمارات المباشرة زادت من نسبة فرص العمل فقلت البطالة
– تم تخفيض نسبة الفائدة على الإقراض لتصل إلى 8.75 % بدلاً من 13.25 % و هو ما ساهم فى تشجيع الناس على الإستثمار و بالتالى فرص عمل أكثر
– إزدهار الإستثمار فى البرازيل سواء محلياً أو أجنبياً جعل السوق البرازيلى وجهة للعمالة الماهرة فهاجر إليها 1.5 مليون نسمة بالإضافة إلى عودة 2 مليون برازيلى مهاجر فى الخارج ما أثرى إنتاجية السوق بشكل كبير
– تم منح تسهيلات إئتمانية و ضريبية للمشروعات الإستثمارية الجديدة مع تسهيلات إضافية فى حالة إستخدام مواد خام محلية
ـــــ
التطور فى مجال الصناعة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخذت البرازيل تطوير المجال الصناعى على مراحل :
– فى البداية و بسبب عدم إمتلاكها لتكنولوجيا التصنيع ركزت جهودها على استخراج المواد الخام و تصديرها بسبب توفر تلك المواد بأراضيها فدعمت الشركات العاملة فى هذه المجال فاحتلت مراكز متقدمة فى إنتاج الفولاذ و الألومنيوم بخلاف تميزها فى إنتاج الذهب و الألماس و الجرافيت و البوكسيت و النحاس و النيكل و الرصاص و قائمة طويلة من المعادن
– فى المرحلة التالية بدأت فى دعم مشروعات الصناعات الثقيلة و الصناعات التحويلية كالحديد و الصلب و المنسوجات و الجلود و السيارات و أعطت دعماً كبيراً للإستثمار الأجنبى فى ذلك مجال صناعة السيارات تحديداً
– فى المرحلة الأخيرة دخلت مجالات جديدة مثل مجال التقنية و صناعة السفن و الطائرات و صناعة الأسلحة
ـــــ
التطور فى مجال الزراعة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– لم يتدخل لولا كثيراً فى الزراعة كونها لا تمثل مشكلة من الأساس بل إنها أحد عوامل تفوق الإقتصاد البرازيلى فكان دعم المزارعين بالخبرات المطلوبة أو بتخفيض أسعار الأسمدة أو التقاوى عناصر تنشيطية لقطاع يعمل بكفاءة نظراً للعوامل الجغرافية للبرازيل فالمساحة الصالحة للزراعة فى البرازيل تجاوز ال 50 مليون هكتار و بسبب هذه المساحة صارت البرازيل المنتج الأول فى البن و الكاكاو و الثالثة فى الذرة و الخامسة قى القطن و السابعة فى الحبوب بصفة عامة و الثامنة فى الأرز و هى ثانى أكبر مصدر عالمى للحوم و هذا بخلاف احتلالها مراكز متقدمة فى تصدير الخضروات و الأسماك و الحوامض
ـــــ
التطور فى مجال السياحة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– أيضاً تلك النقطة لم يتدخل فيها الرئيس لولا كثيراً فالطبيعة الساحرة و السواحل الممتدة عبر آلاف الأميال تكفلت بوضع البرازيل فى مصاف الدول السياحية المتميزة فعام 2011 على سبيل المثال وصل عدد السياح إلى 5.4 مليون سائح أنفقوا 6.8 مليار دولار بنسبة 3.2 % من إجمالى الناتج الإجمالى و فى عام 2014 عام استضافاتهم للمونديال ارتفعت النسبة إلى أكثر من 10 ملايين سائح أنفقوا قرابة ال 12 مليار دولار و فى الأعوام التالية نمت السياحة بنسبة 6 % سنوياً و هو ما يمثل ضعف معدل الزيادة العالمى مستفيدة من إقامة مهرجان السامبا و الذى يقام سنوياً فى ريو دى جانيرو و هو ما ساهم فى زيادة شريحة العاملين فى المجال السياحى ليصلوا إلى أكثر من 3 ملايين عامل
ـــــ
كيفية إستفادة مصر من تجربة البرازيل :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– يجب توفر إرادة سياسية قوية مع وضوح فى التعامل مع الشعب
– التعامل مع التقشف على أنه دواء مر يجب تجرعه حتى يتم الشفاء لإقتصادنا بشرط الإفصاح بشكل دورى عن خطوات الإصلاح
– بالتوازى مع نقطة الإفصاح يجب أن يتوافق ما يقال فى البيانات الرسمية مع ما يشعر به المواطن على الأرض و إلا لن يقتنع أحد بجدوى التقشف من الأساس
– تهيئة جو عام من الديموقراطية و الذى يضع فى ذهن الشعب أنه صاحب القرار و بالتالى يجب عليه تحمل نتائج إختياراته
– تحقيق التوازن النسبى بين مصالح الأغنياء و الفقراء عن طريق تقديم التسهيلات المناسبة لرجال الأعمال و تطبيق برامج الرعاية الإجتماعية على المستحقين
– رفع الحد الأدنى للأجور مع تحديد حد أقصى لها لتقليل الفجوة بين الطبقات و هو ما يرفع شريحة الطبقى الوسطى مما يرفع من معدل الإستهلاك الذى يصب فى النهاية فى صالح الإقتصاد القومى
– تطبيق ضرائب تصاعدية فتأخذ من الفئة الغنية لتصب فى النهاية فى مصلحة الفئات الأفقر
– توجيه الدعم لمستحقيه فى صورة نقدية أو عينية مع ربط المساعدات بحافز معين و ليكن التعليم مثل حالة البرازيل
– ربط الإنفاق و الإيراد الحكومى بنسبة التضخم مما يحمى الطبقات الفقيرة بالأساس من غول إرتفاع الأسعار
– دعم النشاطات الإقتصادية التى تمثل مركز ثقل لنا مثل الزراعة أو إنتاج الطاقة النظيفة أو السياحة و إتخاذهم كقاطرة للنمو
– تخفيض نسبة الفائدة لتشجيع الإستثمار مع تقديم إغراءات كافية للمستثمرين الأجانب لضخ إستثمارات أجنبية مباشرة فى السوق المصرى
– مخاطبة الشعب باعتباره شريكاً فى عملية النجاح و أن النجاح يتطلب تضافر جهود الجميع سواء قيادة سياسية أو تلاحم شعبى و أن بدون ذلك التلاحم فإن البرنامج الإصلاحى لن يؤتى ثماره بالشكل المطلوب
ـــــ
أخيراً :
ــــــــــ
* البرازيل الوطن شاسع المساحة كثيف السكان و الذى عانى من ويلات الإنقلابات العسكرية و التأخر لسنوات ليست بالقصيرة و الذى يتكون من عرقيات مختلفة فهناك البيض و الزنوج و الملونين و المهاجرين العرب و السكان الأصليون إستطاعت و بتجربة ديموقراطية ناجحة استمرت منذ عام 1985 و حتى يومنا الحالى أن تحقق معجزة إقتصادية يشهد لها الجميع على الرغم من التباطوء الإقتصادى فى السنوات الأخيرة و نزولها للمركز التاسع عالمياً بناتج محلى إجمالى 1.77 تريليون دولار بعد أن كانت فى المركز السادس ..
ـــــ
* البرازيل التى كانت مدينة بمئات المليارات من الدولارات حتى سنوات قليلة مضت و كان صندوق النقد الدولى يراجع نفسه ألف مرة قبل أن يتوسع أكثر فى إقراضها الآن هى دائنة للصندوق بحوالى 14 مليار دولار و أصبحت بالتبعية من الدول المانحة بعد أن كانت تستجدى المساعدات من الدول المتقدمة ..
* البرازيل و بالرغم من كل العوامل التى واجهتها و التى تحبط أى إرادة سياسية أو شعبية فى النمو و التقدم إلا أنها نجحت فى وضع أقدامها بين الكبار و آن لنا أن نتعلم من تجربتها و نطبقها بما يتناسب مع ظروفنا و مقوماتنا ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ