البرازيل نهضة سريعة وحاضر مخيف

– إزاى تحولت دولة فقيرة معدمة مثقلة بالديون مثل البرازيل إلى دولة مانحة و مقرضة للبنك الدولى حالياً بأكثر من 23 مليار دولار و الأهم هو كيف تم هذا فى فترة لا تتجاوز ال 10 سنوات ؟!

– البرازيل هى المثال الحى الأوضح فى الكرة الأرضية لإثباث أن الحاكم هو الترس الأساسى و الأول فى أى عملية تنمية إقتصادية .

#لويس_إيناسيو_لولا_دا_سيلفا و اللى تولى المسئولية عام 2002 بعد ما فشل 3 مرات فى إنتخابات سابقة و هو اللى ولد فى أسرة فقيرة مكونة من 9 أفراد و بسبب الفقر الشديد لأسرته ساب التعليم و هو عنده 10 سنين و إشتغل ماسح أحذية و فى محطة بنزين و بائع خضروات و ميكانيكى و أخيراً تخصص فى التعدين و إنضم بعدها لنقابة العمال و بسبب ظروفه المادية السيئة و ظروف العمل الأسوأ تشكلت شخصيته الثورية للدفاع عن حقوق الفقراء و العمال ضد هيمنة السلطة و أصحاب رؤوس الأموال على فرص الفقراء فى أن يحيوا حياة كريمة .

– بالرجوع لتاريخها فإن البرازيل عانت من ويلات إنقلاب عسكرى على النظام الملكى فى أواخر القرن التاسع عشر و استمر الأمر بين شد و جذب حتى 1964 حين تم الإنقلاب العسكرى الدموى على الرئيس اليسارى #جواو_جولار و توالى عليها حكومات عسكرية تهاوى معها الإقتصاد البرازيلى للحضيض و كانت من أبرز علامات تلك المرحلة عدم مراعاة البعد الإجتماعى و نزول شريحة كبيرة جداً من الشعب تحت خط الفقر و التوسع الشديد فى الإقتراض من الخارج لتنفيذ مشاريع تنموية و تراكم الديون سواء الديون الخارجية أو الدين العام مع تبنى سياسات رأسمالية فى حين أن الواقع على الأرض لا يحتمل تطبيق تلك السياسات حتى وصل الأمر إلى حدوث شبه حرب أهلية بالبلاد .

– مع بداية حكم الرئيس #فيرناندو_إنريك_كاردوسو فى 1995 كان حجم الديون الخارجية وصل 150 مليار دولار فأطلق فكرة #خطة_الريال اللى كانت تهدف لإطلاق عملة جديدة للبرازيل و تم تسميتها بالريال و قيمتها الإسمية تساوى 1 دولار مع بعض الإصلاحات الإقتصادية اللى حجمت التضخم شوية لكنها ما قللتش معدلات الفقر بالصورة المتوقعة لإن الهدف منها كان الإنفتاح على السوق العالمى و لما إتحط المنتج البرازيلى وقتها فى منافسة مع المنتج الأجنبى فالأجنبى طبعاً إنتصر مما أصاب المنتجين المحليين بخسائر كبيرة أدت لضعف التصدير و زيادة معدلات الفقر و مع النتائج السيئة اللى أثارها بدأت تظهر على الإقتصاد إضطر الرئيس كاردوسو للجوء لصندوق النقد الدولى مرة أخرى اللى أقر شروط مجحفة كالمعتاد على أى دولة تستدين منه و منها مثلاً :

– خفض الإنفاق على البنية التحتية
– خفض الإنفاق على النواحى الإجتماعية زى الصحة و المواصلات
– خفض قيمة العملة بحد أدنى 8 %

ده و إن قلل الفجوة رقمياً على الورق و لكن على أرض الواقع زود معدلات الفقر لنسب تاريخية و زود الدين الخارجى لقرابة ال 250 مليار دولار لإن رقمياً كانت البرازيل تخفف من الإنفاق فبالتالى يصبح جانب المصروفات فى الميزانيات الحكومية أقل من السنوات السابقة و لكن على أرض الواقع فالإهمال و التردى طال كل مناحى الحياة فى البرازيل و ده حط أعباء إضافية على كاهل الشعب البرازيلى هم و أبناءهم و أحفادهم فى حالة عدم الإصلاح .

ماذا فعلت البرازيل للخروج من تلك الأزمة ؟

– فى أول سنة من حكم الرئيس لولا إعتمد نفس سياسات التقشف اللى كانت البلاد ماشية عليها و طلب من الطبقة الفقيرة الصبر عليه لمدة عام واحد و فى السنة دى تم تقليل عجز الموازنة و ارتفع التصنيف الإئتمانى للدولة مما أدى لزيادة الثقة فى الإقتصاد و مستقبله ..

– زادت التدفقات الإستثمارية على البرازيل و معاها رجع 2 مليون مهاجر برازيلى من العمالة الماهرة إلى وطنه و هاجر 1.5 مليون أجنبى من العمالة الماهرة أيضاً إلى البرازيل للإقامة فيها مما أثرى سوق العمل بشكل كبير .

– تقليل أسعار الفائدة و ده شجع جزء كبير من الشعب على الإقتراض و إقامة مشاريعهم الخاصة و ده أثرى الإقتصاد بشكل مهول لإن معروف إن المشروعات الصغيرة و المتوسطة هى القاعدة المتينة اللى تقدر تشيل أى إقتصاد قوى و ده اللى طبقته قبلهم ألمانيا الغربية فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية .

– التسهيلات الإئتمانية و الضريبية للمشروعات الإستثمارية الجديدة مما أدى للتوسع فى كافة المجالات الحيوية فى البرازيل سواء الزراعية أو الصناعية خصوصاً مع ما تمتلكه البرازيل من موارد غاية فى الثراء .

– الإهتمام بالقطاع النفطى و مشتقاته و مجالات مهمة كانت مهملة زى السياحة لأنها تمتلك شواطىء من أجمل شواطىء العالم و مع قليل من الدعاية و إقامة المهرجان السنوى الكبير فى ريو دى جانيرو أصبحت البرازيل قبلة للسائحين خصوصاً من الأمريكيتين .

– مع كل الخطوات السابقة كان يسير بالتوازى معها الإهتمام بالبنية التحتية و إقامة الطرق و الإهتمام بزيادة مصادر الطاقة مثل إنتاج الكهرباء من الشلالات بالإضافة إلى التوسع خارجياً و المشاركة فى إنشاء مجموعة البريكس اللى بتضم بجوار البرازيل روسيا و الصين و الهند و جنوب إفريقيا .

– كل النقط السابقة ما كان لها أن تنجح وحدها دون العامل الأهم .. العنصر البشرى .. و هنا يبرز الدور الإصلاحى لبرنامج الرئيس #لولا لإنه إهتم بسياسة الإعانة المعروفة بإسم #بولسا_فاميليا أو #حقيبة_الأسرة و اللى كان بدأها الرئيس السابق له #كاردوزو مع التوسع فيها و ده كان طبعاً له شروط على المستفيدين من برنامج الإعانة و ده للقضاء على كل منابع إستنزاف الإقتصاد على سبيل المثال الأطفال مع الفقر المنتشر مكانوش بيقدروا يكملوا تعليمهم و بالتالى مبيلاقوش وظائف محترمة فبالتالى ينحرفوا و ينضموا للعصابات اللى بتتاجر فى المخدرات و السلاح و بتحارب أى نشاط إصلاحى للحكومة لإن ده معناه إيقاف أنشطتهم فسياسة الإعانة ربطت صرف المستحقات بإلتزام الأسر بتعليم أطفالها فى المدارس و أخذ اللقاحات المضادة للأمراض بحد أقصى 3 أطفال لكل أسرة فبالتالى تحولت الأسر نفسها للحد من الإنجاب المفرط و أصبحت توجه أطفالها للمدارس بعد ظهور منفعة مادية و تدريجياً جفت منابع تدعيم العصابات الإجرامية .

– أدرك الرئيس لولا أنه لا نجاح لأى برنامج إقتصادى دون العدالة الإجتماعية فرفع الحد الأدنى للأجور و رصد زيادة سنوية للشرائح الأقل بنسبة أعلى من الشرائح العليا و ده أدى لتقليل الفجوة تدريجياً بين شرائح المجتمع .

– البرازيل و إن كانت مصنفة كدولة زراعية بالأساس إلا إن قطاع الصناعة فيها يمثل جزء كبير جداً من إقتصادها و صادراتها الصناعية توازى 50 % من الناتج الإجمالى ..

فعلى المستوى الزراعى البرازيل هى المنتج الأول فى البن و الكاكاو و الثالثة فى الذرة و الخامسة فى القطن و السابعة فى الحبوب بصفة عامة و الثامنة فى الأرز و تعتبر ثانى أكبر مصدر للحوم فى العالم .

و على المستوى الصناعى فهى تحتل أحد المراكز العشرة الأولى دائماً فى تصدير الفولاذ و الحديد و الألومنيوم و البوكسيت و التكنولوجيا و الإتصالات بالإضافة للإكتشافات البتروليه العملاقة و الغاز الطبيعى .

– رغم كل ما ذكر فى المقال إلا إن مؤخراً الإقتصاد البرازيلى تعرض لإنتكاسة تمثل فى فضيحة شركة بتروبراس و هى شركة النفط الوطنية الأكبر فى أمريكا الجنوبية و دخول معظم مسئوليها الكبار السجن فى قضايا إختلاسات على مدار أكثر من 10 سنوات و بالتحقيقات إنضم لمسئولين بتروبراس مجموعة من البرلمانيين و رؤساء البنوك و إقتصاديين حتى وصل الأمر بالمدعى العام إدراج إسم الرئيس لولا و الرئيسة الحالية #ديلما_روسيف فى القضية بإعتبارهم مشاركين فيما حدث مما أفقد الإقتصاد جزء من ثقته بنفسه و ثقة الإستثمار الأجنبى فيه و إذا أضفنا فضيحة بتروبراس إلى جانب الكثير من القرارات الخطأ للرئيسة روسيف مثل التوسع فى زيادة الأجور و الإعانات الإجتماعية و الإعفاء الضريبى لقطاعات كبيرة من الدولة مما أدى لتراجع الحصيلة الضريبية و معدلات النمو بصورة ملحوظة أخر سنتين و تراجع الإقتصاد البرازيلى من المركز السادس عالمياً 2012 إلى التاسع فى 2015 .

– الإقتصاد فى أزمة حالياً بالتأكيد و ساهم فى زيادة الأزمة الركود و الكساد العالمى و ضعف الشركاء التجاريين الأهم بالنسبة للبرازيل .. الصين و روسيا .. فمعدل النمو إنخفض فى 2015 بنسبة – 3.8 % و فى 2016 وصل ل – 4.04 % و متوقع له فى 2017 أن يصل إلى – 2 % و لكنه على المدى القصير متوقع له الصعود ففى 2018 متوقع له التعافى و الوصول إلى 0.81 % و برغم كل هذا فالأقتصاد لازال قوياً و واعداً بما تملكه البرازيل من موارد طبيعية و مساحة جغرافية هى الخامسة عالمياً و عدد سكان مهول يتجاوز 206 مليون نسمة أغلبه من الشباب بنسبة 61 % فإن البرازيل لديها ما يمكنها من تجاوز الأزمة و الوصول لبر الآمان فى وقت ليس ببعيد .

أرقام عن الإقتصاد البرازيلى :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الناتج المحلى الإجمالى : 1.8 ترليون دولار
* نصيب الفرد من الناتج الإجمالى : 11790 دولار

* نمو الناتج المحلى : – 4.04 %
* الصادرات 234 مليار دولار
* الواردات 257.4 مليار دولار
* الدين العام : 66.23 % من إجمالى الناتج المحلى
* معدل التضخم : 10 %
* القوى العاملة : 127 مليون مواطن
* نسبة البطالة : 6.8 %
* الشركاء التجاريين الأساسيين : روسيا – الصين – الهند

* إحتياطى النقد الأجنبى : 363 مليار دولار

* إحتياطى الذهب : 76 طن
* معدل الفقر : 7.4 % من الشعب تحت خط الفقر
* التعليم : 91.5 %

مراجع :
ــــــــــــ