الجــزء العشــرون :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* أن تهاجم جيشاً تعداده ستة أضعاف جيشك فى أرضاً مفتوحة لهو درب من دروب الجنون .. المسلمين وصلوا إلى أرض المعركة أولاً و كان بإستطاعة خالد أن يختار المكان الذى عسكر فيه الروم و يحمى نفسه بالمنحدر جنوباً و بنهر اليرموك غرباً .. تلك مزايا لم تكن لتغيب عن خالد .. إذاً لماذا لم يفعل ذلك ؟
* خالد اختار خطة دفاعية لبداية المعركة .. عدداً مثل هذا لا يمكن الهجوم عليه فى سهل مثل اليرموك .. فى مكانه الحالى و فى حالة الهزيمة يستطيع المسلمون التراجع دون أن يعيقهم شيىء و إن انسحبوا بإنتظام قد يستطيعون النجاة بأنفسهم .. أما لو كان المكان مغلق من خلفهم فإنه بهذا قد يؤدى لإبادتهم فى حالة الهزيمة ..
* أمراً أخر فى غاية الأهمية .. خالد – رضى الله عنه – كان يعمل للعوامل النفسية ألف حساب .. كان يضع خطته طبقاً لما يراه مناسباً لحالة عدوه النفسية .. إن صمدنا أمامهم فى الأيام الأولى للمعركة فإن ذلك سينال من عزيمتهم و يدب فى نفوسهم روح اليأس .. عندها نستطيع أن نحول دفة الأمور لصالحنا .. أما لو هاجمناهم من البداية و هم متحفزون ضدنا و أعدادهم تفوق أعدادنا لكان فى ذلك هلاك الجيش .. كل ما كان ينتظره خالد هو إشارة لإنخفاض روحهم المعنوية .. هذا لم يتأخر كثيراً ..
* أربعة أيام مرت دون تحقيق أى نصر .. مات #ديرجان .. خسائر الروم تعد أضعاف أضعاف خسائر المسلمين .. وضع مثل هذا كان كفيلاً بحدوث هزة نفسية تحتاج إلى إعادة ترتيب للأوراق .. هذا الأمر يحتاج وقتاً .. #ماهان أدرك هذا و كان واجباً عليه أن يجد حلاً .. أرسل رسولاً إلى خالد فى اليوم الخامس يعرض عليه هدنة لمدة ثلاثة أيام بلا قتال .. هذا بالضبط ما كان ينتظره خالد .. خالد رفض الهدنة بالتأكيد .. زيادة على ذلك و إمعاناً فى ترك أكبر أثر نفسى فى صفوف الروم قال للرسول مقولة تاريخية مشهورة :
( يا هذا .. أخبر ماهان أننا فى عجلة لإنهاء عملنا هنا )
تلك الجملة كانت كفيلة بزعزعة البقية الباقية من ثقة الروم بأنفسهم .. خالد لن يتركنا نعيد ترتيب أوراقنا .. جاءت الفرصة لخالد ليغير تكتيكه الدفاعى الذى اتبعه خلال الأيام الخمس الأولى .. الآن جاء دورنا فى الهجوم ..
* فى اليوم السادس للمعركة أعاد خالد ترتيب جيشه حيث جمع كل فرق الخيالة فى الجيش فى فرقة واحدة فأصبحت قوتها تعادل فرق الروم المقسمة بين جيوشهم الأربعة مع الفارق أن الخيول العربية أقوى من نظيرتها الرومية .. و إذا ما أضفنا الهزيمة النفسية التى بدأت آثارها تدب فى نفوس الروم فستتخيل بسهولة أن تكتيك خالد الجديد سيؤتى ثماره بلا شك ..
* أمر خالد ميمنة المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ببدء الهجوم ثم قام بمناورته التى سيكون لها الفضل فى النصر لاحقاً .. التف هو و خيالة المسلمين خلف ميسرة الروم بقيادة #قناطير و اشتبكوا مع خيالة الروم .. الخيالة كانت تؤمن الحماية لفرق المشاة الرومية فى المقدمة و بإشتباك خالد معهم فهو بذلك عزلهم عن باقى الجيش و منعهم من تقديم أى مساندة تذكر .. خيول المسلمين أقوى و أسرع و جنود المسلمين أخف تسليحاً و بالتالى قدرتهم على المناورة أكبر .. لم يمر وقت طويل حتى تراجع فرسان الروم جنوباً و انضموا إلى جيش ماهان .. بهذا التراجع لم يجد مشاة جيش قناطير فى الميسرة مفراً من التراجع هم أيضاً للإنضمام إلى جيش الأرمن .. تراجع لم يكن محسوب و كان مصحوباً بذعر و خوف مما سبب خللاً فى صفوف جيش ماهان .. جبهة الروم اليسرى أصبحت محاصرة .. #شرحبيل_بن_حسنة يضغط من الشرق .. #عمرو_بن_العاص يضغط من الشمال .. و #خالد_بن_الوليد و فرسان المسلمين يشتبكون مع فرق خيالة الروم غرباً و يعزلونها عن تقديم أى مساندة للمشاة .. بدأت الدائرة تضيق أكثر و أكثر على الروم ..
* من المفترض أن الصورة الآن أصبحت أوضح أمامك .. ميسرة المسلمين بقيادة #يزيد_بن_أبى_سفيان و #أبو_عبيدة_بن_الجراح تشتبك مع ميمنة الروم لمنعهم عن تقديم أى مساعدة .. ميمنة المسلمين بالإضافة لفرقة خالد ضغطوا على ميسرة الروم و حاصروا جيشا ماهان و قناطير .. إستبسال خالد و فرقته و شجاعتهم أجبروا فرسان الروم على الفرار حفاظاً على حياتهم فتوجهوا شمالاً تاركين جنود المشاة المحاصرين دون حماية .. جيش الأرمن كان أقوى الجيوش و مقاتليه كانوا الأمهر بين كل جيوش الروم و مقاومتهم كانت عنيفة بالفعل لكن مع عدم توفر أى حماية لهم و تطويقهم من كل الجهات لم يجدوا مفراً من التراجع إلى الجنوب فانضموا إلى جيش يمين الوسط الذى كان تحت قيادة ديرجان قبل مقتله .. هنا دبت الفوضى الكاملة فى جيش الروم ..
* بهزيمة الأرمن و تراجع ماهان إلى الخلف تكدسوا جميعهم حتى أصبحوا يجدون صعوبة فى استخدام أسلحتهم فبدأوا بالفرار فى كل الإتجاهات .. بعضهم توجه غرباً ناحية #وادى_الرقاد .. كثير منهم وقع فى المنحدر الذى كان بمثابة عامل أمان لهم من الإلتفاف عليهم .. بعضهم لم يجد مفراً و قتل .. بعضهم أُسِر .. و بعضهم هرب شمالاً ناحية دمشق .. هل إنتهى الأمر هكذا ؟ .. خالد ما كان يترك فرصة مثل تلك ..
* تخيل مئات من جنود الروم الفارين غرباً ناحية وادى الرقاد يريدون عبور نهر اليرموك و إذا بهم يجدون خمسمائة فارس مسلم فى وجوههم يسدون عليهم الطريق .. #ضرار_بن_الأزور كان هناك .. لم يكن هناك بالصدفة بالطبع .. إنما كان جزءاً من خطة خالد لغلق الطريق أمام جنود الروم الفارين من ذلك الإتجاه .. أما من هرب ناحية دمشق فذهب خالد بنفسه ورائهم .. لم يظهر خالد تلك الليلة فى معسكر المسلمين .. عاد فى اليوم التالى و قد أباد معظم الهاربين قبل أن يتحصنوا داخل أسوار دمشق .. لو تحصنوا بالداخل لطالت فترة المعركة و هو لم يكن ليترك لهم تلك الفرصة .. وصلت الأخبار إلى هرقل فى أنطاكية فجمع ما يستطيع من ثروات واستعد للإبحار مغادراً إلى القسطنطينية و قيل أنه قبل مغادرته نظر إلى الأرض و قال :
( الوداع .. وداعاً أخيراً يا سوريا .. يا محافظتى الجميلة .. أنت درة العدو الكافر الآن .. فلتنعمى بالسلام يا سوريا .. أى أرض جميلة ستكونين لهم )
* مات من الروم الكثير فى #معركة_اليرموك .. ماهان .. ديرجان .. #ثيودور_تريثوريوس .. بخلاف عشرات الآلاف من القتلى و الأسرى .. فى المقابل استشهد من المسلمين أربعة آلاف مقاتل و هذا عدداً كبيراً لم يعتاده المسلمون من قبل .. المعركة كانت عظيمة بحق و لا تكفى تلك المساحة لسرد بطولات و تضحيات المسلمين فيها .. يكفى أن تعرف أن اليوم الرابع فى المعركة سمى #يوم_خسارة_العيون .. كثير من جيش المسلمين فقدوا عيونهم بسبب سهام الروم على رأسهم #أبو_سفيان زعيم بنو أمية الذى كان قد فقد عيناً فى حنين ثم فقد الأخرى فى اليرموك ..
* بعد اليرموك استمر المسير لفتح القدس فحاصرها المسلمون أربعة أشهر حتى فتحوها و جاء الخليفة #عمر_بن_الخطاب بنفسه ليتسلم مفاتيحها و توقيع إتفاقية تسليمها .. إتفاقية كان من الشاهدين عليها خالد بن الوليد .. بعدها جاء الدور على شمال سورية .. #دمشق و #حمص تم فتحهم دون مقاومة .. #قنسرين فتحها خالد بمقدمة جيش المسلمين فقط .. أما #أنطاكية فقد تم فتحها بعد معركة عظيمة لأنها كانت أخر المعاقل الكبيرة للإمبراطورية فى الشام فوجد المسلمون فيها مقاومة عظيمة إلا أنها فتحت فى النهاية بالصلح بعد حصارها لفترة طويلة .. الشام كله أصبح فى يد المسلمين بنهاية عام 16 هجرية و لم يبقى منه إلا #ميناء_قيسارية الذى فُتح فى عام 19 هجرية .. خالد أتم مهمته على أكمل ما يكون ..
* بعد الإنتهاء من فتح الشام اشترى خالد منزلاً فى حمص و أقام به حوالى أربع سنوات قبل أن يتوفى .. فى تلك السنوات تعرض لصدمة لا يتحملها بشر .. حدث #طاعون_عمواس الذى انتشر فى بعض مدن الشام .. حصد المرض أرواح كثير من السكان حتى قيل أنه تسبب فى مقتل 80 % منهم .. مات فى ذلك الطاعون أربعون من أبناء خالد .. صبر خالد على مصيبته و احتسب ذلك عند الله إلا أن الصدمة كانت قد نالت منه بالفعل ..
* قضى خالد باقى عمره فى العبادة .. كان أغلب وقته فى المساجد .. كان رحيماً بالفقراء و اليتامى و الأرامى و كان كريماً جواداً رحمه الله .. هو ابن الوليد بن المغيرة سيد مكة و أغنى أغنياء العرب فكيف لا يكون كريماً .. بسبب فتوحاته كان خالد واحداً من أغنى الناس فمع كل فتح أو إنتصار فى معركة كان له نصيبه من الغنائم إلا أن كل هذا لم يبقى منه شيىء عند وفاته .. خالد تصدق و جاد بكل ما لديه لصالح الفقراء و المحتاجين و مات و هو لا يملك من حطام الدنيا سوى فرس و سلاح و غلام و قد وهبهم للمسلمين ..
* خالد بعدما مات قال عمر بن الخطاب فى حقه :
( رحم الله أبا بكر .. كان أعلم منى بالرجال )
* خالد الذى قال عنه عمرو بن العاص :
( خالد .. سيد الحرب .. صديق الموت .. له جرأة الأسد و صبر القط )
* مات خالد .. عزيز النفس .. شامخاً .. بطلاً منتصراً و قائداً فذاً .. لم يهزم فى أى معركة فى حياته لا فى جاهلية و لا فى إسلام .. مات على فراشه و هو الذى خاض كل تلك المعارك و الفتوحات .. قضت حكمة الله ألا يموت أو ينهزم فى أى معركة و إلا قال الناس إن سيف الله قد كُسر .. أخر ما نطق به قبل وفاته هو مقولته الشهيرة :
( لقد شهدت مئة زحف أو زهاءها .. و ما فى بدنى موضع شبر إلا و فيه ضربة بسيف .. أو رمية بسهم .. أو طعنة برمح .. و ها أنا ذا أموت على فراشى حتف أنفى كما يموت البعير .. فلا نامت أعين الجبناء )
* اعلموا أنما أمة الإسلام أمةً عزيزة برجالها و تاريخها .. نحن خير أمة أخرجت للناس .. نأمر بالمعروف و ننهى عن المنكر و نؤمن بالله .. أمتنا ستبقى ما دمنا ملتزمين أمر ربنا و تعاليم ديننا .. ذلك الدين القيم الذى قال عنه عمر بن الخطاب :
( لقد كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام .. فإذا إبتغينا العزة بغيره أذلنا الله )
ذلك الدين الذى قال عنه الصحابى #عبد_الله_بن_رواحه فى غزوة مؤتة :
( نحن لا نقاتل الناس بعدد و لا قوة و لا كثرة .. ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به .. فانطلقوا فإنما هى إحدى الحسنيين .. إما ظُهور أو شهادة )
* رحم الله أبا سليمان و أسكنه الله فسيح جناته و رزقه الفردوس الأعلى من الجنة هو و كل أصحاب رسول الله ﷺ و ألحقنا بهم غير مفتونين إن شاء الله ..
* اللهم اجعل هذا العمل خالصاً لوجهك لا أبتغى به إلا رحمتك و ثوابك أنا و كل من قرأه و ساهم فى نشره ..
– رحم الله أبا سليمان ..
– خالد ..
– إبن الوليد ..
– إبن المغيرة ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ