الجزء الخامس عشر :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أعطى #خالد_بن_الوليد أهل دمشق إذا دخلها ..
أعطاهم الآمان على أنفسهم و أموالهم و كنائسهم و سور مدينتهم لا يُهدم و لا يُسكن شيئاً من دورهم ..
لهم بذلك عهد الله و رسوله ﷺ و الخلفاء و المؤمنين و لا يُعرَض لهم إلا بخير إذا أعطوا الجزية ..
( جزء من نص إتفاقية الصلح بين المسلمين و الروم لتسليم مدينة دمشق )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تسلم المسلمين المدينة إلا أن #خالد و لوائه الذين إقتحموا البوابة الشرقية كانوا يشعرون بالغضب .. تلك مدينة إستعصت عليهم لشهور .. كلفتهم جرحى و شهداء كُثُر .. لم يدخلوها بالسلم بل دخلوا بالقتال .. طبقاً للإتفاقية يتم السماح لجيش الروم و قائده أن يخرجوا بسلام و لهم الأمان لمدة ثلاثة أيام لا يتبعهم فيها أحداً و لهم أن يحملوا أموالهم و ممتلكاتهم .. مشهد خروجهم كان يؤلم خالد لأقصى حد .. تلك الممتلكات كان يجب أن تكون غنيمة للمسلمين .. لكنها كلمة أبا عبيدة و ما كان خالد لينقض عهداً قطعه أبا عبيدة ..
* أثناء خروج الروم خرجت معهم الفتاة التى كان يحبها يونس بن مرقص .. لما علمت بإسلامه رفضته و خرجت مع أهلها فجاء يونس إلى خالد يستنجد به أن يبقى على الفتاة فقال له خالد :
( لو كنا دخلناها فاتحين لكانت لك .. أما و أننا دخلناها بالصلح فهى حرة )
– قال :
( فاهجم عليهم بعد خروجهم )
– قال :
( أنا على العهد ثلاثة أيام )
– قال :
( فاهجم بعد ثلاثة أيام )
– قال خالد :
( بعد ثلاثة أيام يكونوا قد إقتربوا من إنطاكية و يمنعنى عنهم الحاميات الرومية )
– قال يونس :
( أدلك على طريق لا يمر بالحاميات و يختصر الطريق إلى أنطاكية )
خالد الذى رأى غنائم المسلمين تخرج أمامه بخدعة توماس أعجبته الفكرة و بعد ثلاثة أيام كان فرسان المسلمين يستعدون للإغارة على جيش الروم .. خمسة آلاف فارس مسلم يسيرون فى طريق متعرج غير ممهد لا يعلمه الكثيرين و لا تسير فيه الجيوش يختصر جزءاً كبيراً من الطريق إلى أنطاكية .. لحق جيش المسلمين بجيش الروم ففاجئوهم و قتلوا قائدهم توماس فى تلك المعركة التى سميت تاريخياً بإسم #مرج_الديباج نظراً لأن أغلب الغنائم كانت من الديباج و الحرير الذى اشتهرت به دمشق .. خالد أوفى بعهده مع الروم لكنه لم يترك ما رآه حقاً للمسلمين ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
أوصيك بتقوى الله الذى يبقى و يفنى ما سواه ..
الذى هدانا من الضلال و أخرجنا من الظلمات إلى النور ..
و قد استعملتك على جُند خالد بن الوليد فقم بأمرهم الذى يحق عليك ..
لا تقدم المسلمين إلى هلكة رجاء غنيمة ..
و لا تنزلهم منزلاً قبل أن تستريده و تعلم كيف ما أتاه ..
و لا تبعث سرية إلا فى كثف من الناس و إياك و إلقاء المسلمين فى الهلكة ..
و قد أبلاك الله بى و أبلانى بك فغمض بصرك عن الدنيا و آله قلبك عنها ..
و إياك أن تُهلكك كما أهلكت من كان قبلك فقد رأيت مصارعهم ..
( نص رسالة #عمر_بن_الخطاب التى أرسلها إلى #أبو_عبيدة_بن_الجراح لتوليته أمر الجيش )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تلك الرسالة لما عرضها أبو عبيدة – رضى الله عنه – على خالد رأى خالد من تاريخها أنها قد أرسلت منذ حوالى شهر فقال لأبو عبيدة :
( لماذا أخفيت عنى هذا رحمك الله )
فرد عليه قائلاً :
( خشيت أن يضعف سلطانك و أنت مشتبك مع العدو )
فبكى خالد – رضى الله عنه – حزناً على #أبى_بكر و بسبب أخلاق أبو عبيدة .. فلما سمع الجنود بالأمر نظروا إليه ينتظرون رأيه فقال :
( إذا مات أبو بكر و تولى عمر الخلافة فما علينا إلا السمع و الطاعة )
و اتضح لخالد وقتها أن أبو عبيدة حينما اتخذ قراره بقبول الصُلح مع توماس إنما قبله لأنه كان فى محل القيادة و لم يكن تخطياً لإختصاصاته ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* فيما يخص مسألة عزل خالد بن الوليد عن قيادة الجيوش فالأمر كان مدخلاً لبعض ضعاف النفوس و زارعى الفتنة لأن يطعنوا فى إثنين من كبار صحابة رسول الله ﷺ راغبين بهذا أن تهتز صور هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم فى عيون المسلمين فتهتز بالتبعية صورة الدين فى العيون و القلوب فرموا الصحابيان الجليلان بالشبهات و التهم التى من شأنها التقليل منهما اعتماداً على بعض الروايات المكذوبة و المشبوهة و أضافوا عليها و زادوا من فيض حقدهم على الإسلام و رموزه ..
* الإمام مالك رحمه الله قال :
( إنما هؤلاء قوم أرادوا القدح فى النبى ﷺ فلم يمكنهم ذلك فقدحوا فى أصحابه حتى يقال : رجل سوء و لو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين )
أيضاً قال أبو زرعة الرازى رحمه الله :
( إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله ﷺ فاعلم أنه زنديق و ذلك أن الرسول ﷺ عندنا حق و القرآن حق و إنما أدى إلينا هذا القرآن و السنن أصحاب رسول الله ﷺ و إنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب و السنة و الجرح أولى بهم )
* من الأمثلة على ما رموا به عمر و خالد رضى الله عنهما أنهما يكرهان بعضهما من الصغر لأن خالد و عمر كانا يصطرعان فكسر خالد ساق عمر فظل عمر حاملاً لخالد إياها لينتقم منه و هو حديث مفترى و ايضاً ادعوا على خالد قسوة القلب و أنها السبب فى عزل عمر له مستدلين بحوادث قتله #بنى_جذيمة و #مالك_بن_نويرة مستدلين بمقولة عمر ( إن فى سيف خالد رهقاً ) دون النظر إلى الظروف المحيطة بتلك القرارات و اعتمدوا على أضعف الروايات فى ادعاءاتهم ..
* اختلفت الرؤى فى مسألة عزل خالد من القيادة لكن يمكن إجمالها فى الآتى :
– أول الأسباب و أقواها أن عمر خشى من إفتتان الناس بخالد و تعلق قلوبهم به و نسيانهم أن النصر من عند الله لا من عند خالد أو عمر أو أى شخص .. خالد لم يكن قد خسر معركة واحدة لا فى إسلام و لا فى جاهلية و الجنود وقتها كانت تتمنى أن تقاتل تحت إمرة خالد ليقينهم أن الإنتصار حليفهم ..
– ثانى الأسباب هى شدة خالد و التى لا تتوافق مع طبيعة عمر الشديدة أيضاً و كان يرى أن ولى الأمر يجب أن يكون نائبه عكس طبيعته الشخصية فرأى أن أبو بكر رجلاً ليناً فلذلك إختار خالد على شدته ليكون قائداً للجيوش فلما تولى عمر زمام الأمور أراد أن يكون نائبه لين الطبع فاختار أبو عبيدة ليكون قائداً ..
– ثالث الأسباب كان توزيع خالد للغنائم دون الرجوع إلى الخليفة فكان يقسم المال فى أهل الغنائم بما يترائى له دون الرجوع إلى أبى بكر فأنكر عمر هذا و أشار على أبا بكر بأن يكتب إليه بألا يعطى شيئاً إلا بأمره فكتب بالفعل فكان رد خالد عليه هو :
( إما أن تدعنى و شأنى و إلا فشأنك بعملك )
كان يعنى أنك وليتنى الأمر فاتركنى أتصرف فى حدود ما منحتنى من إختصاصات و كان أبو بكر – رضى الله عنه – يترك مساحة كبيرة من الحرية لقادته فى التصرف بما تقتضيه الأمور دون الرجوع إليه فلما تولى عمر كتب إلى خالد أن لا تعطِ شاة ولا بعيراً إلا بأمرى فجاء رد خالد مماثلاً أيضاً فقال عمر وقتها :
(ما صدقت الله إن كنت أشرت على أبى بكر بأمر فلم أنفذه )
فقام بعزل خالد و كان يدعوه كل فترة أن يعمل فيأبى خالد إلا أن ينفذ الأمر بطريقته الخاصة فيأبى عمر توليته حتى نُقل عن عمر قوله :
( إنى ما عتبت على خالد إلا فى تقدمه و ما كان يصنع فى المال )
* ما سبق يؤكد أن عزل عمر لخالد لم يكن بسبب أهواءاً شخصية أو ضغائن كتمها عمر فى نفسه حتى يتحين الفرصة للإنتقام منه بل إنها كانت رؤية تحكمها مقتضيات الأمور و ما من شأنه مصلحة البلاد و العباد من وجهة نظره .. خالد نفسه كان متأكداً من ذلك و من يتهمونه أو يتهمون عمر بالجفاء فى علاقتهم لم ينظروا إلى كثير من المواقف التى أكدتها الروايات الصحيحة عن علاقة الرجلين ببعضهما البعض فعلى سبيل المثال لا الحصر :
* عمر لم يعزل خالد من الجيش بالكلية بل تركه فى الصف الثانى من القيادة تحت إمرة أبو عبيدة بل و أكثر من هذا أشار على أبو عبيدة بإستشارة خالد فكان خالد مقدماً على غيره و بهذا يتأكد للناس أن كل ما رغب به عمر هو عدم إفتتان الناس بخالد لا أن ينتقم من شخصه .
* عمر كان عازماً على تولية خالد الخلافة من بعده و كما هو معلوم فمنصب الخلافة أعظم من منصب قيادة الجيوش و لكن خالد وافته المنية قبل عمر و دليل ذلك ما رواه الشاسى فى مسنده عن أبى العجفاء السلمى لما قيل له :
– لو عهدت يا أمير المؤمنين .. فقال :
لو أدركت أبا عبيدة ثم وليته ثم قدمت على ربى فقال لى : لمَ استخلفته ؟
لقلت : سمعت عبدك و خليلك يقول :
” لكل أمة أمين و إن أمين هذه الأمة أبو عبيدة ”
و لو أدركت خالد بن الوليد ثم وليته فقدمت على ربى لقلت : سمعت عبدك و خليلك يقول :
” خالد سيف من سيوف الله سلَّه الله على المشركين ”
* ما ذكره هشام بن البخترى حين دخل فى جمع من بنى مخزوم على عمر بن الخطاب فقال له :
( يا هشام .. أنشدنى شعرك فى خالد )
فلما انتهى قال له عمر :
( قصرت فى الثناء على أبى سليمان ـ رحمه الله ـ إن كان ليحب أن يذل الشرك و أهله و إن كان الشامت به لمتعرضاً لمقت الله )
* ما ذكره سيف بن عمر من أن عمر بن الخطاب لما رأى زوال ما كان يخشاه من افتتان الناس بخالد عزم على أن يوليه بعد أن يرجع من الحج و لكن القدر سبق إلى خالد فتوفى قبل ذلك .
* لما حضرت خالد الوفاة أوصى لعمر بن الخطاب و تولى عمر وصيته أى ترك وصيته لعمر لينفذها و هذا يدل على حبه له و لو أن علاقتهم بها جفاء لما أوصى له .
* ما ذكره أبى الدرداء بما أخبره به خالد من أن عمر باب مغلق دون الفتن و المنكرات حين قال له :
( و الله يا أبا الدرداء .. لئن مات عمر لترين أموراً تنكرها )
* أخيراً لما توفى خالد مر عمر بنسوة يبكينه فقيل له ألا تنهاهن فقال :
( و ما على نساء قريش أن يبكين أبا سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة .. على مثله تبكى البواكى )
* ما سبق يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك طبيعة العلاقة بين الصحابيان و تظهر أسباب العزل لكل منصف و ستجدون روابط لمصادر تغطى مسألة عزل خالد بالكامل فى أول تعليق فى هذا المقال ..
– خالد سيعود جندياً فى الجيش ..
– #أبى_القدس ستكون أول إختبار لأبو عبيدة ..
— بعد أبى القدس ستكون هناك #معركة_فحل ..
– الزحف سيستمر عبر الشام حتى التجهيز لليرموك ..
– و لكن .. تلك قصة أخرى ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ