سلسلة سيرة خالد بن الوليد.. الجزء الرابع عشر

لجزء الرابع عشر :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

* بحث المسلمين فى كل شبر فى معسكر الروم عن #ضرار_بن_الأزور فلم يجدوه فأمر بإستجواب الأسرى فأخبروهم أن ضرار تم إرساله إلى الإمبراطور ليكون تحت تصرفه .. على الفور أمر خالد بإيفاد سرية من مائة فارس لفك أسر ضرار .. يجب أن يكون التحرك سريع قبل أن تبتعد سرية الروم عنهم و قبل أن يصل إليهم فلول الجيش المنسحب .. بالفعل سبقت سرية المسلمين فرقة الروم و أعدت لهم كميناً .. سرية الروم كانت قد غادرت معسكرها و هى تظن أن جيشها منتصراً و بالتالى لم تكن تتوقع أى هجوم عليها .. تلك النقطة تحديداً كانت عنصر تفوق المسلمين .. لم تمر دقائق حتى هرب الروم و تم تحرير ضرار من أيديهم ..

* أخبار هزيمة جيش الروم وجدت طريقها إلى دمشق .. الآن أدرك كل من بداخل المدينة أن هرقل لن يستطيع نجدتهم .. تجهيز جيش أكبر يحتاج وقتاً بالتأكيد .. هم لا يملكون رفاهية الإنتظار أكثر .. أدركوا أنهم أمام الثلاث خيارات التى يطرحها المسلمون دوماً .. إما الإسلام .. و إما الجزية .. و إما القتال .. دخول الإسلام لم يكن خياراً مناسباً لهم .. لو إختاروا القتال فقد يخسرون كل شيىء .. أما لو إختاروا الجزية فهم بذلك سيأمنوا على أنفسهم و أموالهم و جميع ممتلكاتهم .. كان ذلك خياراً مناسباً لسكان دمشق .. لكن من قال إن الأمر كان بيد السكان .. كان أمر المدينة فى يد #توماس .. ذهب السكان فى وفد إلى توماس ليبدوا تذمرهم من قلة المؤن و خوفهم من إقتحام خالد المدينة عليهم .. الإستسلام بالنسبة لقائد رومى مثل توماس كان يعد إهانة كبيرة لذلك أخبرهم أنه أعد خطة محكمة ستنجح فى فك الحصار عن المدينة و أنه و قواته مستعدين للهجوم على المسلمين لكسر ذلك الحصار .. إقرعوا الأجراس و أقيموا الصلوات .. و جهزوا الجيوش .. فقد حان وقت الخلاص ..

* بعد مراقبة توماس لخطوط المسلمين إختار الهجوم عليهم من باب يسمى #باب_توما لأنه شعر أن عدد القوات هناك أقل من باقى الأبواب .. قائد المسلمين على ذلك الباب كان الصحابى #شُرَحبيل_بن_حَسَنَة .. أمر توماس رُماته بإمطار المسلمين بالسهام لمنعهم من الهجوم عليهم وقت فتح الأبواب .. خرج جيش الحامية من الباب و اصطفوا لبداية المعركة و هجموا بالفعل على قوات شُرَحبيل التى كانت أقل عدداً و استعداداً أيضاً .. حدث إهتزاز كبير فى صفوف المسلمين إلا أن ثبات شُرَحبيل – رضى الله عنه – و إمساكه للراية ساهم فى ثبات المسلمين فعلم توماس الذى كان يقود الهجوم بنفسه أن قتل شُرَحبيل سيسهم فى حسم المعركة فحاول الهجوم عليه و قبل أن يصل إليه إنطلق سهم من أحد رماة المسلمين تجاه توماس فأصاب عينه .. إصابة قائد الروم أربكتهم بالطبع و بسرعة شديدة و إنقاذاً لقائدهم تراجعوا إلى الحصن مرة أخرى حاملين توماس لعلاجه بسرعة .. كان كسر الحصار قريباً جداً لولا ذلك السهم الذى أصاب توماس ..

* علم خالد بأمر الهجوم فأرسل فرقة صغيرة مكونة من خمسمائة مقاتل لتدعيم قوات شُرَحبيل .. فرقة صغيرة لكن خالد خشى أن يدعم شُرَحبيل بأكثر من ذلك فتقل أعداد قواته المتمركزة أمام باقى البوابات .. دمشق كانت مدينة كبيرة بالفعل و جيش المسلمين تأثر بفعل إستشهاد و إصابة عدد غير قليل من جنوده .. أطباء الروم عالجوا جرح توماس لكنه كان قد خسر عينه بالفعل .. غضب غضباً شديداً و أقسم على دحر المسلمين من دمشق .. لم يكتفى بذلك بل توعدهم بغزو جزيرة العرب بالكامل .. اجتمع بقادته و أخبرهم بخطته الجديدة لكسر الحصار .. توماس أثبت ذكاءاً لا شك فيه أبداً ..

* أمر بتوزيع جنوده على البوابات الست و أمرهم بإظهار إستعداداتهم للمسلمين .. تلك المناورة أفقدت خالد القدرة على تحديد مكان الهجوم القادم فلم يستطع دعم بوابة أكثر من الأخرى .. فى ذلك الوقت داخل الأسوار جهز توماس أغلب قواته خلف بوابة توما مرة أخرى .. إختار أن يهجم من نفس المكان مرة أخرى مستغلاً إجهاد أفراد قوات شُرَحبيل .. فى أولى ساعات الفجر قرعت أجراس الكنائس كإشارة للهجوم .. فتحت أبواب دمشق الستة و خرجت منها قوات الروم ..

* إن حاولت أن أصف لكم مدى إستبسال المسلمين فى ذلك الهجوم فلن أنصفهم بالتأكيد لإن بوضع الظروف المحيطة فى الحسبان فالنصر كان قريباً جداً من الروم لعدة أسباب منها على سبيل المثال :

– هذا كان الهجوم الأخير للروم فكان هجوماً يائساً و بالتالى تضاعفت رغبتهم فى الإنتصار ..

– قوات شرحبيل كانت قد تأثرت بإصابة عدد كبير منها فى الهجوم الأخير ..

– خروج توماس بنفسه على رأس جيش الروم إنتقاماً لنفسه ..

– عدم قدرة باقى جيوش المسلمين على دعم بعضهم البعض لأن توماس قد شغلهم جميعاً بالهجوم عليهم مرة واحدة ..

كل ما سبق عوامل تؤكد مدى صلابة و إستبسال قوات المسلمين عامة و قوات شُرَحبيل بن حَسَنَة خاصة .. بالرغم من كل تلك الظروف إلا أن شُرَحبيل – رضى الله عنه – قاتل توماس بنفسه و كاد أن يقتله لولا أن توماس كان مدرعاً بشكل كامل و هو ما كان سبباً فى نجاته .. لو أن لذلك اليوم بطلاً لكان شُرَحبيل بكل جدارة ..

* هجوم شرحبيل على توماس أجبره على التراجع و بتراجعه تراجعت معه كل قواته خاصة و أن فترة القتال طالت دون حسم فخشى أن تنتصر قوات المسلمين فى أى بوابة أخرى خاصة و أن أغلب قواته كانت معه عند بوابة توما .. بتراجع توماس داخل الأسوار مرة أخرى وصلت الأوامر بالإنسحاب الكامل فتراجعت كل القوات و أغلقوا بواباتهم خلفهم .. ذلك الهجوم كان أخر محاولة من توماس لكسر الحصار عن دمشق .. ما بال هؤلاء المسلمين .. على الرغم ما بهم من نقص عددى و إصابات و مقتل عدداً ليس قليلاً منهم إلا أنهم لا يزالوا صامدين .. لم يكونوا يعلموا أن المسلمين مجبولين على الصبر .. لم يعلموا أن النصر صبر ساعة .. و أن الله مع الصابرين ..

* وسط حالة الإحباط و اليأس بالداخل و الترقب فى الخارج حدث أمراً لم يكن يحسب حسابه أحد .. لا خالد و لا توماس و لا أى شخص آخر ..
#يونان_بن_ماركوس أو #يونس_بن_مرقص بالعربية أو كما تعارف عليه المسلمون لاحقاً بإسم #يونان_العاشق .. لماذا سمى بالعاشق .. كنت أعتقد أنكم أذكى من أن تسألوا سؤالاً كهذا .. إذا كان عاشقاً فبالتأكيد كان يعشق فتاة ما .. ذلك شيىء بديهى ..

* يونان كان يعشق فتاة رومية من سكان دمشق فأراد الزواج منها إلا أن أهلها رفضوا تزويجهم ففكر فى طريقة تمكنه من الزواج بها و اهتدى للحل .. تسلل عبر السور و طلب مقابلة خالد و أخبره بقصته و قال له :

( أساعدك فى إقتحام الأسوار على أن تزوجنى بتلك الفتاة )

خالد وجدها فرصة بالطبع فقال له :

( أوافق بشرط أن تُسلم )

فقال له أخبرنى عن الإسلام فأخبره خالد بأركان الإسلام و تعاليمه و أوامره و نواهيه فاعجب به الرجل و أسلم بالفعل .. الآن الطريق صارت مفتوحة أمام خالد لإقتحام المدينة .. أراد خالد أن يجمع قادة جيشه لتجهيز خطة الإقتحام إلا أن يونان أخبره أن الليلة هى أنسب ليلة لدخول الحصن لأن الروم كان عندهم إحتفال و حراستهم للسور ضعيفة .. عندها اتخذ خالد قراره بالهجوم منفرداً دون إخبار باقى قادته ..

* أرسل خالد مائة من الجنود على رأسهم #القعقاع_بن_عمرو_التميمى للتسلل للحصن و بالفعل دخلوا و فتحوا البوابة الشرقية للمدينة .. ما أن فتحوا البوابة حتى اندفع خالد و جيشه كالسيل إلى الداخل و قضوا بكل سهولة على أى مقاومة أظهرها الروم .. أفاق الروم على خبر إقتحام جيش خالد للبوابة الشرقية فأمر توماس بحشد أكبر عدد من القوات لصد هجوم المسلمين و تأخيرهم قدر الإمكان حتى يجد حلاً .. خالد دخل المدينة مقاتلاً و هذا يعنى شيئاً واحداً .. أنه سيقتل كل من يقع تحت يديه .. سيف خالد الآن يبحث عن رأس توماس .. توماس فكر كثيراً و توصل إلى حيلة ماكرة يستطيع بها الإفلات من سيف خالد .. بلا أدنى شك توماس كان رجلاً حاد الذكاء ..

* نظر توماس من الأسوار فرأى أن باقى الجيوش لا تهجم فأيقن أن خالد هاجم منفرداً و أن باقى قادة المسلمين لا يعلمون شيئاً عن هجومه .. خالد اقتحم دمشق من الباب الشرقى فاختار توماس أبعد باب عن خالد و هو الباب الغربى و الذى كان يعسكر أمامه #أبو_عبيدة_بن_الجراح .. خرج إليه بكل هدوء و قال لجنود المسلمين :

( أريد أن أقابل أميركم )

لما قابله قال له :

( يا أبا عبيدة .. أريد أن أتفق على الإستسلام و لكنى لا أريد أن أتفق مع خالد .. إن خالد عنيف و به غلظة .. أتقبل بالصلح مقابل الجزية )

وجدها أبا عبيدة فرصة جيدة خاصة بعد طول مدة الحصار فوافق على طلب توماس بالإستسلام .. هيأ أبو عبيدة نفسه و معه قادته لدخول المدينة مع توماس و بعض الكهنة من البوابة الغربية فى الوقت الذى دخل خالد فاتحاً مقاتلاً من البوابة الشرقية .. تقابل الطرفان عند أحد كنائس الروم فى وسط المدينة .. خالد شرقاً و سيفه يقطر دماً و أبا عبيدة غرباً و بجواره قادته و كهنة الروم ..

* فوجىء خالد و أبو عبيدة بما يحدث بالطبع .. بدأ أبو عبيدة الكلام فقال :

( يا أبا سليمان .. منحنا الله المدينة بسلام دون قتال )

فرد خالد قائلاً :

( أى سلام .. و الله أخذناها عنوة و ما فتحناها بالسلم .. ثم كيف صالحتهم بدون أمرى و أنا الأمير عليك )

لم يرد أبا عبيدة و إن استمر الجدال بينهما .. ما حدث لم يكن هيناً .. خالد أراد المدينة بغنائمها بكل شبر فيها خالصة للمسلمين أما بعد صلح أبا عبيدة فيحق للروم أن يأمنوا على أنفسهم و ممتلكاتهم و ليس عليهم إلا الجزية .. خالد على الرغم من أنه قائد الجيش إلا أنه نزل على رأى أبا عبيدة لمكانته بين المسلمين و حتى لا يقال أن المسلمين نقضوا عهداً عاهدوه فيتردد باقى القرى فى قبول الإستسلام .. من شروط إستسلام دمشق إعطاء الروم مهلة ثلاثة أيام فقط ليخرجوا بممتلكاتهم من المدينة .. ثلاثة أيام يأمنوا فيها على أنفسهم لا يتبعهم أحد .. بعدها تنتهى المهلة و يصير الهجوم عليهم مشروعاً ..

– خالد أكمل كل مهامه على أكمل وجه ..

– نسبة نجاحه كانت إعجازية حتى ذلك الوقت ..

– هل كان يتخيل أحد أن خالد سيُعزل من قيادة الجيش ..

– أبى بكر الصديق وافته المنيه و بايع الناس عمر ..

– ستتغير أموراً كثيرة بعد تولى عمر الخلافة ..

– لكن .. تلك قصة أخرى ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ