سلسلة سيرة خالد بن الوليد.. الجزء الثالث عشر

الجزء الثالث عشر :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

* تخيل معى الموقف .. القائدان #خالد و #أدادير يقفان فى وسط الجيشان يتحدثان ثم فى لحظة قام أدادير بالهجوم على خالد محاولاً قتله .. ذهول أصاب كل من رأى ذلك المشهد لإن فى العادة المشاورات بين القادة تنتهى و يرجع كل منهما إلى قيادة جيشه .. لم يكن يعلم أحد وقتها أن خالد قد شَقّ على أدادير فى حديثه حتى فقد أعصابه .. لم يكن يعلم أحد أن أخر جملة نطقها أدادير كانت :

( دافع عن نفسك لأنى قاتلك الآن )

* أدادير كان مقاتل لا يشق له غبار .. بنيته الجسدية أيضاً كانت قوية .. مهارته بالمبارزة كانت مثار إعجاب الجميع .. بدأ أدادير الهجوم فصد خالد هجومه و سارت المبارزة بينهما سجال لا غالب و لا مغلوب .. طالت فترة المبارزة بشكل أثار إعجاب المسلمين قبل الروم .. حتى تلك اللحظة لم يستطع أى شخص الصمود أمام خالد كل تلك الفترة .. حتى خالد نفسه بدأ فى إعادة النظر فى أساليب هجومه .. أدادير كان متمكناً بالفعل .. كان متمكناً لكنه كان أيضاً مغرور .. تراجع إلى الوراء قليلاً و نظر إلى خالد نظرة بها كبرياء ثم قال :

( و المسيح .. أستطيع أن أقتلك .. لكنى أُريد أن آخذك أسيراً لأشترط ما أريد )

* جملته أثارت غضب خالد فقام بالهجوم عليه فما كان من أدادير إلا أن إستدار و انطلق فى اتجاه جيشه .. خالد ظن أنه هرب فاستمر فى مطاردته .. و قبل أن يصل أدادير لصفوف جيشه استدار مرة أخرى .. هنا أدرك خالد مدى مكر و دهاء أدادير .. خالد الآن أقرب لصفوف الروم من صفوف المسلمين .. حصان خالد كان أسوأ من حصان أدادير و بالتالى قدرته على إكمال المبارزة بنفس الكفاءة صار أمراً مستبعداً .. كان شركاً أعده أدادير لما لمح مظاهر التعب على حصان خالد .. خالد أدرك أن المواجهة حتمية و لا يوجد مفر للإرتداد للخلف فنزل من على الحصان و امسك سيفه و بمشية ثابتة توجه ناحية أدادير .. اندهش أدادير من ثقة خالد فى نفسه لكن بالمقابل كانت تلك هى اللحظة التى انتظرها فانطلق بحصانه تجاه خالد و قد استل سيفه و فى اللحظة التى قرر فيها ضرب عنق خالد استطاع خالد أن يثنى جسده للخلف فتفادى ضربته .. بعض الروايات قالت إن سيف أدادير مر فوق رأس خالد بمقدار شبر واحد ..

* لم يمر الأمر هكذا لأن خالد و هو يسقط إلى الخلف كان قد أصاب أقدام حصان أدادير الأمامية فإذا بالحصان على الأرض ينزف و أدادير ملقى على الأرض أمامه .. انقض عليه خالد و تحولت المبارزة إلى مصارعة .. فى تلك المرحلة لم يكن ليصمد أدادير على قوته أمام خالد .. من يعلم وصف خالد الجسدى يتأكد من فوزه بتلك المعركة فخالد كان طويلاً بائن الطول .. عريض المنكبين .. مفتول العضلات .. قوى البنية لأقصى حد .. لم تمر دقيقتان إلا و كان خالد ممسكاً بأدادير بيد و فى يده الأخرى سيفه و قد سلطه على رقبته .. وقع قائد الروم الثانى فى يد المسلمين ..

* أثناء مبارزة خالد و أدادير كانت باقى قوات المسلمين قد وصلت بالفعل فعندما إنتهى خالد من أسر أدادير أعطى الأمر بالهجوم .. إستمرت المعركة لمدة ساعة و كانت كفة المسلمين هى الأرجح بحكم أن عددهم أكبر و أيضاً للعوامل النفسية بسبب أسر قادة الروم .. النتيجة كانت تراجع جيش الروم حتى دخولهم أسوار دمشق مرة أخرى .. الآن بدأ حصار دمشق فعلياً ..

* الروم حتى #معركة_إجنادين لم يتعاملوا مع المسلمين على أنهم جيشاً قوياً منظماً .. كانت نظرتهم إليهم أنهم مجموعة من العصابات أغارت على جزء من الإمبراطورية و طردهم مسألة وقت حتى جاءت إجنادين فغيرت نظرتهم تماماً .. المشكلة لم تكن نظرتهم فقط .. حامياتهم و مدنهم الرئيسية بالتبعية لم تعمل حساباً للمسلمين و بالتالى لم تجهز نفسها لحصار طويل الأجل نهائياً .. هى لم تجهز نفسها لأى حصار من الأساس .. دمشق الآن فى أزمة كبيرة .. حجم المدينة و عدد سكانها سيجبرها على إستهلاك كثير من المؤن المتوفرة .. لابد و أن يجد الإمبراطور حلاً و إلا فسقوط دمشق قادم لا محالة ..

* قسم خالد جيشه إلى أقسام فوضع عند كل باب رئيسى من أبواب دمشق جزءاً من الجيش و بسبب كبر حجم المدينة فوضع ألفان من الفرسان تحت قيادة #ضرار_بن_الأزور وظيفتهم القيام بدوريات حول سور المدينة لمنع أى أحد من التسلل و أيضاً لمساندة أى جيش فرعى يحتاج لمساندتهم .. بخلاف ما سبق فقد وضع كتائب متفرقة على كل الطرق المؤدية إلى دمشق خاصة الطريق القادم من ناحية #حمص حيث يتواجد الإمبراطور .. دمشق معزولة تماماً الآن ..

* المدينة كانت محصنة تماماً و من الصعب جداً إختراقها .. أرسل خالد إليهم يطلب منهم الإستسلام و فتح المدينة دون قتال و بالمقابل يأمنوا على أموالهم و مساكنهم و كل حقوقهم إلا أنهم رفضوا فقرر التأثير فيهم نفسياً .. جاء ب #أدادير_و_كولوس و خيرهم بين الإسلام و القتل فرفضا الإسلام فوضعهم عند البوابة الشرقية و أمر بضرب أعناقهم .. عندما رأى الروم قادتهم يُقتلون تأثرت معنوياتهم إلا أن وجود #توماس قائد الحصن بالداخل معهم أجبرهم على الإستمرار فى القتال حتى النهاية .. لم يعد أمام خالد إلا الإستمرار فى الحصار أو القيام بهجوم إنتحارى قد يخسر فيه المسلمون أعداداً كبيرة ففضل إستمرار الحصار ..

* رغم كل إحتياطات المسلمين إلا أن توماس استطاع تهريب رسول إلى الإمبراطور ليخبره بمستجدات الأمور فغضب الإمبراطور غضباً شديداً ليس للحصار فقط و لكن لأن تجهيز جيشاً كبيراً يستطيع تحرير دمشق سيأخذ شهوراً تكون دمشق قد سقطت بالفعل فلم يجد إلا أن يجمع القوات من الحاميات القريبة منه و إرسالها مع كمية كبيرة من المؤن لإنقاذ دمشق و قبل ذلك إنقاذ ابنته الموجودة داخل الحصن .. استطاع جمع إثنى عشر ألفاً من المقاتلين و قام بإرسالهم على الفور .. رصدت عيون المسلمين تحركاتهم فأرسلوا إلى خالد ليخبروه بالأمر .. القوات التى تعترض طريق الجيش غير كافية بالتأكيد فقام بإرسال خمسة آلاف من الفرسان على رأسهم ضرار بن الأزور لوقف تقدم ذلك الجيش .. حوالى ستة آلاف جندى مسلم أمام إثنى عشر ألفاً من الروم ..

* إلتقى الجيشان و صمد جيش المسلمين بالفعل و استطاع وقف تقدم الروم .. عندما رأى جيش الروم ضِرار – رضى الله عنه – يهجم عليهم خافوا و تراجع جزء كبير منهم .. ضرار كان معروف عنه شجاعته المفرطة .. أو قل تهوره الشديد إن شئت الدقة .. كان لا يهاب شيئاً .. يطلب الشهادة فى كل معركة .. من فرط جرأته نسى إلتزام صفوف جيشه و تقدم حتى ابتعد عن جيش المسلمين فحاصره الروم و أصابوه بالسهام .. يالحسن طالع الروم .. #الشيطان_ذو_الصدر_العارى أسيراً لديهم .. ليفرحن الإمبراطور فرحاً شديداً بذلك الأسير ..

* حاول جيش المسلمين كسر صمود الروم إلا أن كل محاولاتهم باءت بالفشل .. أرسلوا إلى خالد ليُعلموه بالأمر .. جيش الروم ضعف عدد جيش المسلمين .. مقاومتهم عنيفة .. و أيضاً أسروا ضرار بن الأزور قائد الجيش .. عندها قرر خالد الخروج بنفسه على رأس جيش أخر لكسر هجوم الروم و إعادة ضرار لكنه إنتظر حتى حلول الليل حتى لا يجدها توماس فرصة فيُغير على باقى قوات المسلمين التى كانت فى أضعف حالاتها ذلك الوقت .. لما وصل خالد إلى جيش المسلمين وقف مع #رافع_بن_عميرة_الطائى القائد الثانى فى الجيش بعد ضرار و بينما يناقشه فى خطة الهجوم إذ إندفع فارس من فرسان المسلمين ينطلق وحيداً نحو جيش الروم ..

* فارس نحيل .. يرتدى زياً أسود .. يرتدى درعاً .. يحمل سيفاً و رمح .. على رأسه عمامة خضراء .. و الأهم كان يرتدى قناعاً يُخفى ملامحه .. انطلق ذلك الفارس وحيداً يناوش يمنة و يسرة .. يقتل واحداً من الروم ثم يرجع .. ثم يهجم مرة أخرى فيقتل واحداً أخر ثم يرجع .. ما حاول أحداً من الروم أن يهجم عليه إلا قتله .. لما رأى المسلمون ما فعله ذلك الفارس المقنع ازداد حماسهم فأمر خالد بالهجوم ليلحقوا به .. و فى فترة من فترات الهدوء قال له خالد :

( أيها الفارس .. أرنا وجهك )

فلم يرد عليه الفارس و انطلق يكمل قتاله .. اقترب منه بعض الخيالة المسلمين و قالوا له .. إن خالد يناديك ليُكرمك .. فتملص منهم دون أن ينطق بكلمة و استمر فى قتاله .. حتى ذهب إليه خالد مرة أخرى و قال له :

( أيها الفارس .. كفاك ما فعلت .. ملئت قلوبنا إعجاباً .. من أنت ؟ )

فجاء الرد مفاجئاً لكل من سمعه .. من وراء القناع سمعوا صوت أنثى يقول :

( أيها القائد .. ابتعدت عنك تواضعاً و خشية أن تمنعنى من القتال )

قال :

( من أنتى رحمك الله ؟ )

قالت :

( أنا #خولة_بنت_الأزور جئت لأفك أسر أخى .. و إنى أستحلفك بالله أن تأذن لى بالقتال معكم )

* وجود خولة ضمن الجيش أثار حماس و رغبة المسلمين فى الإنتصار و استعادة ضِرار – رضى الله عنه – فكانت كفة المسلمين أرجح خاصة بعد زيادة أعدادهم و وجود خالد بينهم و معها استطاع المسلمون الإنتصار فى تلك المعركة و صد جيش الروم و إجبارهم على التراجع .. على الفور أمر خالد بالبحث عن ضرار فلم يجدوا له أثراً لا حياً و لا ميتاً .. توماس الآن فى ورطة .. بالأحرى دمشق كلها فى ورطة .. المؤن على وشك النفاذ و المواجهة أصبحت حتمية ..

– توماس يجب عليه التصرف وحده دون مساعدة ..

– الآن إما الإستسلام و إما القتال ..

– توماس كان داهية .. كان أذكى حتى من أدادير ..

– لكن لحظة .. ماذا عن ضِرار ؟

– تلك قصة أخرى بلا شك ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ