الجزء الثانى عشر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* إنتهى خالد و رجاله من تحرير بُصرَى .. علموا عن طريق عيونهم أن الروم يحشدون لهم فى #منطقة_إجنادين .. الحشد فى الحقيقة بدأ فعلياً من شهرين منذ أن وطئت أقدام الجيوش الإسلامية الأربعة أرض الشام .. الروم اعتمدوا على حشد أكبر جيش ممكن لضرب المسلمين ضربة واحدة .. خالد بفطرته أيقن أن راحة جيشه قد تأتى بنتائج عكسية فكلما تأخر المسلمين فى الهجوم تجمع للروم أعداداً أكبر لهذا أمر خالد بتحرك كل الجيوش الإسلامية إلى إجنادين .. فكان أكبر جيش للمسلمين فى التاريخ .. إثنان و ثلاثون ألف مقاتل فى حين كان جيش الروم فى ذلك الوقت أكثر من تسعين ألف مقاتل ..
* أراد خالد معرفة تفاصيل جيش الروم فأرسل #ضِرار_بن_الأزور ليستطلع له الأمر .. ضِرار اشتُهر بجرأته الشديدة فكان لا يهاب المخاطر أياً كان نوعها .. بسبب طبيعة المهمة و حتى يكون تحركه خفيفاً نزع درعه و قميصه فصار عارى الصدر مثلما فعلها فى بُصرَى .. هو أرسل فى مهمة استطلاعية و هذا يعنى أنه سيراقب جيش الروم من بعيد قدر الإمكان إلا أن ضِرار متأثراً بجرأته تقدم حتى وصل إلى تل صغير يطل على جيش الروم مباشرة .. نتحدث هنا عن رجل من فرط جرأته اقترب من جيش عدوه لمسافة أقل من مائة متر تقريباً .. بالطبع رآه الروم .. رجلاً وحيداً و غير مدرع يتجسس علينا .. فرصه أن نأسره فنستجوبه عن أحوال أعدائنا و إن لم يستجب قتلناه .. عدم تسلح ضِرار أغراهم بلا شك ..
* عندما رأى ضِرار أن الروم اكتشفوه ركب فرسه و انطلق عائداً فى حين تبعه عدداً كبيراً من فرسان الروم .. من حسن حظ ضِرار أن فرسان الروم لم يتحركوا سوياً فكلما كان يتجهز فارساً منهم تحرك خلفه هكذا وجد ضِرار نفسه مطارداً من عدد كبير بالفعل إلا أنهم فرادى فغلبته طبيعته الشجاعة فتوقف لقتال أول فارس فقتله ثم انطلق فلحقه فارس أخر فقتله .. ثم ثالثاً .. ثم رابعاً .. حتى وصل العدد فى بعض الروايات إلى تسعة عشر فارساً رومياً .. عند ذلك الحد رأى فرسان الروم الباقين أن ذلك أمراً غير طبيعياً .. هذا ليس بشراً بالتأكيد .. فلما عاد باقى الفرسان إلى الجيش و أخبروهم بما حدث تطابقت أقوالهم مع أقوال من رآه فى بُصرَى .. ذلك هو #الشيطان_ذو_الصدر_العارى الذى رأيناه هناك ..
* عند ذلك الحد رأى #تذارق نائب قائد جيش الروم أنه يجب معرفة من هؤلاء القوم فأرسل جاسوساً عربياً من قبائل الغساسنة اسمه #ابن_هزارز ( سَيُسلم الرجل لاحقاً ) ليندس داخل صفوف المسلمين و يأتى له بالأخبار و بالفعل دخل الرجل دون صعوبة فبقى فى الجيش يوماً و ليلة ثم عاد أدراجه فقال له تذارق :
( أخبرنى عنهم )
– فقال ابن هزارز :
( بالليل رهبان .. و بالنهار فرسان .. لو سرق ابن ملكهم لقطعوا يده .. و لو زنا رُجم لإقامة الحق فيهم )
– فرد عليه تذارق قائلاً :
( لإن كنت صدقتنى فلبطن الأرض خير لى من لقاء هؤلاء على ظهرها .. و لوددت أن حظى من الله أن يُخلى بينى و بينهم فلا ينصرنى عليهم و لا ينصرهم على )
* على الرغم من خشية تذارق من المسلمين إلا أن #وردان قائد الجيش و حاكم مدينة حمص إعتز بنفسه و بجيشه و رفض مهادنة المسلمين .. مرت ساعات قبل أن يصطف الجيشان للمعركة .. قسم خالد جيشه إلى ثلاثة أقسام حتى يستطيع بسط جنوده أفقياً لأقصى إتساع ممكن ليقابل أعداد الروم الغفيرة .. وضع على القلب الصحابى #معاذ_بن_جبل و على الميسرة وضع #سعيد_بن_عمير و على الميمنة وضع #عبد_الرحمن_بن_أبى_بكر_الصديق ..
* كما هى عادة خالد – رضى الله عنه – قبل القتال كان يخطب فى الجنود لتذكيرهم بفضل الجهاد و الجنة و النار فخطب فيهم قائلاً :
( اتقوا الله عباد الله .. قاتلوا فى الله من كفر بالله و لا تنكصوا و لا تهنوا من عدوكم .. و لكن أقدموا كإقدام الأسد و أنتم أحرار كرام .. فقد أبيتم الدنيا و استوجبتم على الله ثواب الآخرة .. و لا يهولكم ما ترون من كثرتهم فإن الله مُنزل عليهم رجزه و عقابه .. أيها الناس .. إذا أنا حملت فاحملوا ” أى إذا هجمت فاهجموا ” )
* على الرغم من تجهز الجيشان للمعركة إلا أن خالد لم يكن يريد الهجوم إلا بعد صلاة الظهر لأن ذلك كان هو التوقيت المفضل لرسول الله ﷺ فأمر الجيش بالثبات و الدفاع .. أمر وردان رماة الروم بإمطار المسلمين بالسهام فنالت منهم السهام بالفعل لكن خالد أمر بالثبات فما كان من وردان إلا أن أمر جيشه بالهجوم فهجمت ميمنة الفرس فوجدث ثباتاً من المسلمين ثم هجمت الميسرة فوجدت نفس الثبات و لم يهجم الوسط لأن #وردان_و_تذارق كانا فى وسط قلب جيش الروم حماية لأنفسهما .. خالد لم يكن قد وصل لمبتغاه بعد ..
* عند الظهيرة بدأ خالد تنفيذ خطته .. أمر جناحى جيش المسلمين بالتراجع أمام هجوم الروم فاستمر تراجعهم حتى أصبح خالد و قلب جيش المسلمين فى مواجهة مباشرة مع قلب جيش الروم و قد تم كشفه تقريباً عندها أمر القلب بالهجوم الشامل فاندفعوا بقوة محطمين دفاعات الروم حتى وصلوا إلى خيمة وردان فى منتصف الجيش .. وجد وردان نفسه أمام جنود المسلمين فقال :
( و الله ما رأيت يوماً فى الدنيا أشد على من هذا )
تلك كانت أخر جملة قالها قبل أن تُضرب عنقه ..
* بمقتل وردان خارت قوى الروم فهربوا أمام تقدم المسلمين و عندما رأى جناحى جيش الروم هروب باقى الجيش هربوا هم أيضاً فتبعهم جنود المسلمين فقتلوا و اسروا من طالتهم أيديهم .. تكتيك خالد كان قائماً على تفريغ قوة الروم العددية عن طريق تقسيمها فيستطيع مواجهة كل قسم بسهولة أكبر و أيضاً استهدف قتل قائدهم لعلمه بخوار جيوش الروم فى حالة قتل قادتهم .. خالد كان دائماً و أبداً ما يستغل العوامل النفسية لتحقيق إنتصاراته ..
* بعد إجنادين كانت وجهة المسلمين إلى دمشق .. مدينة كبيرة و متطورة .. بمقاييس ذلك الزمان كانت تعتبر إحدى أكبر مدن الشام .. يحيطها سور عالى طوله أحد عشر متراً .. لها ستة أبواب رئيسية و بها حصن كبير داخل المدينة طوله ميل و عرضه نصف ميل تقريباً .. كثافتها السكانية كبيرة .. بعض السكان لم يجدوا مكاناً داخل الأسوار فبنوا مساكنهم بالخارج .. نتحدث هنا عن عاصمة الروم فى بلاد الشام .. لو سقطت لاهتزت بشدة صورة الإمبراطورية الرومانية .. و لأن #هرقل يعلم ذلك جيداً فأمر بإنطلاق قوة من خمسة آلاف جندى للإنضمام إلى الحامية الرومانية بدمشق .. أرسل على رأس تلك القوة أحد قادته يدعى كولوس ..
* الحامية الرومانية نفسها كان بها إثنى عشر ألف مقاتل و بإنضمام قوة كولوس صار عددهم سبعة عشر ألفاً .. يرأس الحامية قائداً يدعى توماس كان زوج إبنه هرقل إمبراطور الروم و له نائباً يدعى أدادير .. لتوضيح الصورة أكثر لدينا مدينة كبيرة و بها حامية بها سبعة عشر ألف جندى و كان على رأس القيادة #توماس يليه #أدادير و #كولوس كنائبين له .. أشرح لك الظروف المحيطة لتدرك أهمية المدينة بالنسبة إلى الروم .. تلك مدينة بها ابنة الإمبراطور ..
* توماس لم ينتظر أن يأتيه جيش المسلمين فيحاصره فقرر خروج قوة من إثنى عشر ألف مقاتل لملاقاة المسلمين خارج دمشق بحوالى عشرة أميال .. وضع على ذلك الجيش نائبيه أدادير و كولوس .. عندما تلاقى الجيشان لم يكن جيش المسلمين قد إكتمل لأن خالد كان قد سبق الجيش ببضعة آلاف من الفرسان لتمشيط المنطقة و تأمين مسير الجيش فلما اكتشفوا وجود جيش الروم أراد خالد تأخيرهم حتى يتجمع جيشه بالكامل فأمر بخروج بعض قادة المسلمين لمبارزة قادة الروم فاستطاع رجال المسلمين قتل كل رومى خرج لهم .. عندها شعر أدادير أن الإستمرار أكثر من ذلك سيضعف شوكة جيشه فرفض خروج أى قادة أخرين لمبارزة المسلمين و انتظر الحرب الكاملة ..
* لم يكن جيش المسلمين قد وصل بعد و قد مرت أكثر من ساعة فى المبارزات فأراد خالد – رضى الله عنه – إطالة الوقت أكثر فخرج خالد بنفسه و صاح فيهم :
( أنا ابن الوليد .. هل من مبارز )
لما رأى أدادير و كولوس خالداً و قد خرج بنفسه أراد كل واحداً منهما أن ينسب لنفسه الفضل فى قتله .. خالد ألقى لهم الطعم و هم تلقوه بكل سهولة .. خرج كولوس فتقابل مع خالد فتقاتلا قتالاً عظيماً إلا أن خالد كان يفوقه طولاً و قوة و استطاع أن يتغلب عليه و أن يأخذه أسيراً .. أدادير لم يكن على وفاق مع كولوس و كان يرى أنه أحق منه بالقيادة و الزعامة إلى أخر تلك الأمور فلما رآه و قد أُسر طلب أن يلتقى بخالد و كان يجيد العربية فقال له :
( يا أخا العرب .. إقترب منى .. أريد أن أسألك )
– فرد خالد :
( يا عدو الله .. اقترب أنت و إلا أتيتك و حززت رأسك )
– فاقترب أدادير منه ثم قال :
( لماذا خرجت للمبارزة بنفسك .. ألا تخشى إن قتلتك أن يبقى أصحابك بدون قائد )
– فرد خالد قائلاً :
( يا عدو الله .. ألم ترى ما فعلنا بقادتك منذ قليل .. و الله لو أمرت جيشى بالهجوم عليكم لسحقوكم .. إن معى رجالاً يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة )
– قال :
( ماذا فعلت بكولوس .. إنه رجلاً من أدهى رجال الروم )
– قال خالد :
( هو مُقيد عندى و لن أقتله إلا حين أجمع بينكما فأقتلكما معاً )
– رد أدادير :
( اسمع يا خالد .. اعطيك قطعة من الذهب .. و عشرة أثواب من الحرير و خمسة من الخيول إذا قتلته و أعطيتنى رأسه )
– قال خالد :
( إذا كان هذا ثمن كولوس فماذا تعطينى لتنقذ نفسك )
– قال :
( أنقذ نفسى ؟!! و ما تريد ؟ )
– قال خالد :
( الجزية .. و أن تفتحوا دمشق دون قتال )
– غضب أدادير غضباً شديداً بعد ما رأى من حدة فى الحديث مع خالد فصاح قائلاً :
( نحن ندفع لكم الجزية .. نحن نرتفع بالمجد و أنت تسقط بالعار .. دافع عن نفسك فإنى قاتلك الآن )
– خالد سيقاتل أدادير بالتأكيد ..
– لكن كيف سينتهى القتال ..
– و ما مصير توماس ..
– و كيف ستنتهى قصة دمشق ..
– دمشق كانت ملحمة فى البطولة ..
– تلك قصة أخرى كما هى العادة ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ