الجزء الأخير
ــــــــــــــــــــ
* الجمعة .. 21 من ذى الحجة عام 23 هجرياً ..
عمر بن الخطاب أمير المؤمنين يخطب فى الناس :
( إنى رأيت رؤيا لا أراها إلا حضور أجلى .. رأيت كأن ديكاً نقرنى نقرتين .. و إن قوماً يأمروننى أن أستخلف و أعين الخليفة من بعدى .. و إن الله لم يكن ليضيع دينه و لا خلافته و لا الذى بعث به نبيه .. فإن عجل بى أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفى رسول الله ﷺ و هو عنهم راض )
ـــــــــــ
* الثلاثاء .. 25 من ذى الحجة عام 23 هجرياً ..
عمر بن الخطاب أمير المؤمنين يمشى فى السوق يتفقد أحوال الرعية كما العادة فيستوقفه #فيروز_أبو_لؤلؤة_المجوسى غلام #المغيرة_بن_شعبة و يقول :
( يا أمير المؤمنين .. إن المغيرة قد أثقل على غلتى فكلمه أن يخفف عنى )
فقال عمر :
( و كم خراجك ؟ )
قال :
( أربعة دراهم فى كل يوم )
فقال عمر :
( و ما صناعتك ؟ )
قال :
( نجار و حداد و نقاش )
فقال عمر :
( ما أرى خراجك بكثير على ما تصنع من الأعمال .. و قد بلغنى أنك تقول لو أردت أن أعمل رحى تطحن بالريح فعلت )
قال أبو لؤلؤة :
( نعم )
فقال عمر :
( فاعمل لى رحى )
فنظر أبو لؤلؤة إلى عمر نظرة لها معنى ثم قال :
( لإن سلمت لأعملن لك رحى يتحدث بها من بالمشرق و المغرب )
ثم انصرف عنه .. فقال عمر لمن كان معه :
( لقد توعدنى العبد آنفاً )
ـــــــــــ
* الأربعاء .. 26 من ذى الحجة عام 23 هجرياً ..
يخرج عمر من بيته متوجهاً إلى المسجد ليصلى بالمسلمين صلاة الفجر ..
يدخل رضى الله عنه إلى المسجد فيمر بين الصفوف قائلاً :
( استووا )
ثم يأخذ مكانه و تستوى الصفوف و عندما بدأ بالقراءة إذا بشخص يظهر بجانبه ممسكاً خنجر له نصلان فيكيل له ثلاث طعنات – و قيل ستة – أكثرهن فداحة تلك الطعنة التى نالها تحت سرته فيسقط على الأرض متألماً و هو يقول للمصلين :
( أدركوا الكلب فقد قتلنى )
حاول المصلون التصدى له إلا أن الخنجر ذى النصلين كان قد تم إعداده لموقف مثل هذا فأصيب كل من حاول الإقتراب من القاتل .. ثلاثة عشر من المصلين أصيبوا .. توفى منهم سبعة من أثر الجراح .. و بينما القاتل يحاول الفرار إذا بأحد المسلمين يلقى عليه رداءه فيعيقه عن الهرب فتكتل عليه الناس لإمساكه فأدرك القاتل أنه مأخوذ فنحر نفسه بخنجره .. كشف الناس عنه فإذا هو فيروز غلام المغيرة ..
ـــــــــــ
* تجمع المسلمون حول عمر محاولين إسعافه إلا أن تلك الطعنة يبدو أنها قد وصلت لمبتغاها و نالت بالفعل منه فلم يستطع القيام فاستخلف عبد الرحمن بن عوف لإكمال الصلاة بالناس و تم نقله إلى منزله و هو ينزف .. سأل عن هوية قاتله فأجابوه أنه غلام المغيرة فقال :
( قاتله الله لقد أمرت به معروفاً .. الحمد لله الذى لم يجعل منيتى بيد رجل يدعى الإسلام .. قد كنت نهيتكم أن تجلبوا علينا من علوجهم أحداً فعصيتمونى )
و كان رضى الله عنه لا يأذن للسبايا أن تقيم فى المدينة المنورة عاصمة الخلافة الإسلامية لأنه كان يعتقد أن هؤلاء السبايا لابد و أن الحقد يملأ قلوبهم تجاه هذا الدين و أنهم مهيئون للتآمر و الكيد ضد الإسلام و المسلمين و لكن بعض الصحابة ألح عليه بالموافقة على إقامتهم فى المدينة كونهم يحتاجونهم فى قضاء حوائجهم فقبل عمر طلبهم على مضض و حدث ما كان يتوقعه بالضبط ..
ـــــــــــ
* أراد الصحابة أن يتأكدوا من مدى خطورة إصابته فأتوا له بالنبيذ ( ماء منقوع فيه بعض التمر ) فلما شربه خرج من جرحه أحمر اللون فلم يتيقنوا من حجم الإصابة فجاءوا له بلبن فلما شربه خرج من جرحه فتيقن الجميع – بما فيهم عمر – أنه ميت لا محالة ..
أول ما فعله عمر بعد التيقن من قضاء الله نادى على ابنه عبد الله فقال له :
( انظر ما على من الدين .. إن وفى له مال آل عمر فأده من أموالهم و إلا فسل فى بنى عدى بن كعب فإن لم تف أموالهم فسل فى قريش و لا تعدهم إلى غيرهم فأدّ عنى هذا المال )
ثم التفت إلى الأمر التالى فقال :
( انطلق إلى #عائشة_أم_المؤمنين فقل يقرأ عليك عمر السلام – و لا تقل أمير المؤمنين فإنى لست اليوم للمؤمنين أميراً – و قل يستأذن عمر بن الخطاب أن يبقى مع صاحبيه )
فلما ذهب وجدها جالسة تبكى فأخبرها بالخبر فقالت :
( كنت أريده لنفسى و لأؤثرنه به اليوم على نفسى )
و كانت رضى الله عنها كلما أرسل لها أحداً من الصحابة يطلب منها أن يدفن بجوار رسول الله ﷺ ترفض و تقول :
( لا و الله لا أؤثرهم بأحد أبداً )
فرجع إلى عمر مرة أخرى فسأله عمر متلهفاً فأخبره عبد الله أنها قد وافقت فارتاح عمر و قال :
( الحمد لله .. ما كان من شيء أهم إلى من ذلك .. فإذا أنا قضيت فاحملنى ثم سلم فقل : يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لى فأدخلونى و إن ردتنى ردونى إلى مقابر المسلمين )
ـــــــــــ
* إن حسبت أن الأمر انتهى عند هذا فأنت مخطىء .. نحن نتحدث عن عمر بن الخطاب .. عمر قضى ثلاثة أيام منذ لحظة طعنه بالخنجر حتى فاضت روحه إلى بارئها .. ثلاثة أيام يعانى عمر آثار الجراح و ويلات الألم و بالرغم من هذا كان يشغله مستقبل الأمة من بعده ..
ـــ
* وضع عمر نظاماً جديداً و فريداً لإختيار الخليفة من بعده .. نظاماً كان هو الأصلح لظروف الأمة وقتها يضمن به ألا ينفرط عقد الأمة من بعده .. لقد إتخذ عمر مبدأ الشورى سبيلاً لإختيار الخليفة القادم و لكنها كانت شورى مشروطة فقد حدد ستة من الصحابة يختاروا فيما بينهم واحداً منهم .. ليس هذا فقط .. فقد حدد لهم طريقة الإنتخاب .. و مدته .. و عدد الأصوات الكافية للإنتخاب إلى أخر الأمور التنظيمية الأخرى ..
ـــ
* الستة هم :
#على_بن_أبى_طالب
#عثمان_بن_عفان
#عبد_الرحمن_بن_عوف
#سعد_بن_أبى_وقاص
#الزبير_بن_العوام
#طلحة_بن_عبيد_الله
– طريقة الإنتخاب كانت بإجتماع الستة فى بيت أحدهم فلا يخرجوا إلا و هم متفقين على أحدهم ..
– مدة الإنتخاب لا تزيد على ثلاثة أيام و إلا اضطربت أوضاع المسلمين لتأخر إختيار الخليفة ..
– إن تساوت الأصوات بأن يكون كل ثلاثة متفقين على أحدهم فيعودون إلى #عبد_الله_بن_عمر و رأيه يكون إستشارياً لا إلزامياً ..
– إن لم يرضى أى الفريقين برأى عبد الله فترجح الكفة التى فيها عبد الرحمن بن عوف ..
– أمر #أبا_طلحة_الأنصارى و #المقداد_بن_الأسود بأن يجمعها رهطاً من الناس فيراقبون عملية الشورى ليضمنوا إتمامها على الشكل الذى أقره عمر ..
– ثم قال لصهيب بن سنان أو كما عرف ب #صهيب_الرومى بأن يصلى بالناس ريثما يتم إختيار الخليفة الجديد و أخبره أنه إذا ما اجتمع هؤلاء الستة على إسم أحدهم فلا يخالفهم أحد .. و من يخالفهم فى رأيهم تضرب عنقه .. ذلك أحرى ألا يتفرق رأى المسلمين و تُشَق عصاهم ..
ثم لم يكتفى بكل هذا فكتب وصية شاملة جامعة و وجهها إلى الخليفة الجديد ينصحه فيها و يوصيه بأمة المسلمين خيراً .. تخيل أن كل هذا أتمه عمر و هو طريح الفراش يعانى جراحاً قاتله و ألاماً مبرحة يكاد لا يغمض جفنه بسببها ..
ـــــــــــ
* فى ساعته الأخيرة دخل عليه عثمان بن عفان فوجده ممداً و رأسه فى حجر ابنه عبد الله فسلم عليه و انتظر عنده فإذا بعمر يقول لابنه :
( ضع خدى بالأرض )
فقال عبد الله :
( فهل فخذى و الأرض إلا سواء ؟ )
فقال :
( ضع خدى بالأرض لا أم لك )
فوضعه عبد الله فشبك عمر بين رجليه و قال :
( ويلى .. و ويل أمى .. إن لم يغفر الله لى )
و ظل يكررها حتى فاضت روحه .. عمر .. أمير المؤمنين .. أحد العشرة المبشرين بالجنة .. الذى قال عنه رسول الله ﷺ لو كان بعدى نبياً لكان عمر بن الخطاب .. الذى اتسمت فترة خلافته بالعدل حتى اقترن اسمه بتلك الصفة فلا يقال إلا الخليفة العادل عمر بن الخطاب .. التى فتحت على يديه البلاد و الأصقاع .. مات و هو يضع خده على الأرض تواضعاً و تعظيماً لله .. يدعو على نفسه بالويل إن لم يغفر الله له ..
ـــــــــــ
– عمر الذى حمد الله أن من قتله ليس مسلماً لا لشيء إلا خشيته من أن يكون ظلم مسلماً فيحاججه بمظلمته عند الله ..
– عمر الذى كان يبكى عليه #عبد_الله_بن_مسعود كلما تذكره و يقول :
( كان حصناً للإسلام يدخلون فيه و لا يخرجون منه فلما مات انثلم الحصن فالناس يخرجون من الإسلام )
– عمر الذى قال عنه #أبو_عبيدة_بن_الجراح :
( إن مات عمر رق الإسلام .. ما أحب أن لى ما تطلع عليه الشمس أو تغرب و أن أبقى بعد عمر )
فقيل له :
( لم ؟ )
قال :
( سترون ما أقول إن بقيتم .. و أما هو فإن ولى وال بعد فأخذهم بما كان عمر يأخذهم به لم يطع له الناس بذلك و لم يحملوه .. و إن ضعف عنهم قتلوه )
– عمر التى قالت عنه عائشة رضى الله عنها :
( كنت أدخل بيتى الذي فيه رسول الله ﷺ و أبى فلما دفن عمر معهما فوالله ما دخلته إلا و أنا مشدودة على ثيابى حياءاً من عمر )
ـــــــــــ
* #عمر_بن_الخطاب الذى عانى من قسوة والده طفلاً و شاباً فنشأ شديداً حازماً .. الذى كان يرعى إبل خالاته من بنى مخزوم .. سفير قريش و المنافر عنها .. المصارع و الفارس الذى لا يشق له غبار .. أشد الناس على من اتبع الإسلام خاصة على قومه بنى عدى .. الذى رق قلبه للقرءان حين قرأه لأول مرة فى بيت أخته فاطمة .. الذى خر على ركبتيه أمام رسول الله ﷺ حين أسلم .. الذى تهلل وجه رسول الله بإسلامه .. القوى فى تطبيق شرائع الدين .. الفاروق الذى فرق بين الحق و الباطل .. معاون #أبى_بكر_الصديق و الذى اعتدل بشدته ميزان الحكم .. ثم عمر .. أمير المؤمنين .. الرشيد .. الحازم .. الرقيق .. العادل .. المتواضع .. الفقيه .. التقى .. الذى فتح الله على يديه الأرض و هزم أقوى إمبراطوريتين فى زمانه .. الذى حمل هم الأمة حتى أخر ساعات عمره .. عمر .. الباب الذى كان يحمى الإسلام و المسلمين من الفتن و الذى بوفاته صارت تتخطفهم الفتن إلى قيام الساعة ..
رحمة الله على خليفة خليفة رسول الله أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب و جزاه الله عن أمة المسلمين خير ما جازى به حاكماً عن أمته ..
و صل اللهم على محمد رسول الله ﷺ و على آله و صحبه أجمعين ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ