الجزء الثامن عشر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* الزهد .. واحدة من أبرز صفات #عمر_بن_الخطاب رضى الله عنه .. أدرك عمر منذ إسلامه أن الزهد صفة لابد و أن تتوفر فى كل مسلم فترك الدنيا و زخرفها و وجه بصره تجاه الدار الآخرة .. بالطبع هو لم ينسى نصيبه من الدنيا إلا أنه ما خير أبداً بين الاثنان إلا اختار الآخرة ..
أيقن عمر أن الدنيا لا تساوى شيئاً و أن الآخرة خير و أبقى و كان يذكر نفسه و من حوله بأحاديث رسول الله ﷺ :
( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء )
( كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )
يقول #سعد_بن_أبى_وقاص عن عمر :
( أما و الله ما كان بأقدمنا إسلاماً و لا أقدمنا هجرة و لكن قد عرفت بأى شيء فضلنا .. كان أزهدنا فى الدنيا )
و يقول #طلحة_بن_عبيد_الله :
( ما كان عمر بأولنا إسلاماً و لا أقدمنا هجرة و لكنه كان أزهدنا فى الدنيا و أرغبنا فى الآخرة )
ــــــــ
* كان عمر رضى الله عنه مثالاً حياً فى الزهد و البعد عن التكلف و المظاهر الدنيوية الخداعة .. و بالطبع هناك الكثير من المواقف التى دلت على ذلك فلو تحدثنا أولاً عن زهده فى ملبسه على سبيل المثال فإننا سنجد الكثير لنذكره فقد روى أن عمر أبطأ على الناس فى يوم جمعة فلما خرج عليهم اعتذر إليهم و قال :
( إنما حبسنى غسل ثوبى هذا .. كان يُغسل و لم يكن لى ثوب غيره )
يروى أيضاً #زيد_بن_وهب فيقول :
( رأيت عمر خارجاً إلى السوق و بيده الدرة و عليه إزار فيه أربعة عشر رقعة بعضها من أدم ” أى جلد ” )
أما #أنس_بن_مالك فيقول :
( رأيت بين كتفى عمر بن الخطاب أربع رقاع ملبدة بعضها على بعض فى قميص له و هو يومئذ أمير المؤمنين )
أما #الربيع_بن_زياد فيقول :
( قدمت على عمر بن الخطاب فأعجبه بعض هيئتى – يعنى ملابسه – ثم شكا عمر وجعاً به من طعام غليظ كان يأكله فقال الربيع :
( يا أمير المؤمنين .. إن أحق الناس بمطعم طيب و ملبس لين و مركب وطيء لأنت )
فاعتدل عمر و كان متكئاً و أمسك جريدة نخل و ضرب به رأسى و قال :
( و الله ما أردت بهذا إلا مقاربتى و إن كنت لأحسب فيك خيراً )
ــــــــ
* لو انتقلنا من زهده فى الملبس لزهده فى المطعم فإننا سنجد الكثير أيضاً مما يقال عن عمر فمثلاً كان عمر ينهى عن نخل الدقيق حتى لا يلين طعامه و يأكل ما لا يتوفر لعامة المسلمين .. يقول #يسار_بن_نمير :
( و الله ما نخلت لعمر دقيق قط إلا و أنا له عاصٍ )
ــــــــ
* لما كان الناس يطالبونه بألا يشق على نفسه و يأكل أطيب الطعام و أحسنه كان يقول :
( لقد رأيت رسول الله يظل اليوم يلتوى ما عنده ما يملأ بطنه من الدقل ” الدقل هو نوع من التمر الردىء ” )
ــــــــ
* عندما دخلت عليه ابنته حفصة أم المؤمنين و رأت ما هو فيه من شدة العيش قالت له :
( إن الله أكثر من الخير و أوسع عليك من الرزق فلو أكلت طعاماً أطيب من ذلك و لبست ثياباً ألين من ثوبك ؟ )
فقال لها :
( سأخصمك إلى نفسك .. ثم ذكر من أمر رسول الله و ما كان يلقى من شدة العيش حتى أبكاها .. ثم أكمل .. إنه كان لى صاحبان سلكا طريقاً .. فإن سلكت طريقاً غير طريقهما سُلك بى غير طريقهما .. إنى و الله سأصبر على عيشهما الشديد لعلى أن أدرك معهما عيشهما الرخى )
ــــــــ
أيضاً يروى ابنه عبد الله فيقول :
دخل على عمر بن الخطاب و أنا على مائدة فأوسعت له عن صدر المجلس فقال بسم الله ثم لقم لقمة فنظر إلى ثم قال :
( إنى لأجد طعم دسم ما هو بدسم لحم )
فقال عبد الله :
( يا أمير المؤمنين .. إنى خرجت إلى السوق أطلب السمين لأشتريه فوجدته غالياً فاشتريت بدرهم من المهزول و حملت عليه بدرهم سمناً )
فقال عمر :
( ما اجتمعا عند رسول الله إلا أكل أحدهما و تصدق بالأخر )
ثم هم بالقيام فقال عبد الله :
( عد يا أمير المؤمنين فلن يجتمعا عندى أبداً إلا فعلت ذلك )
فرد عمر :
( ما كنت لأفعل )
كان رضى الله عنه ينكر على ابنه أن يجتمع عنده نوعان من الدسم على مائدة واحدة دون أن يتصدق بواحداً منهما .. تلك هى تربية رسول الله ﷺ .. تخيلوا معى إن طبقنا هذه السُنة فقط فى زماننا .. هل كنا سنرى جائعاً واحداً بين صفوف المسلمين ؟!
ــــــــ
فى عام الرمادة و القحط شديد كان عمر رضى الله عنه يشارك الناس تلك المحنة فكان يزهد فى الطعام الطيب و يعود نفسه على أكل الخبز و الزيت فقط حتى تغير لون جلده جرّاء ذلك فلما كانت بطنه تقرقر من شده الجوع كان رضى الله عنه يقول :
( تقرقر .. لا و الله لا تأكله – يقصد السمن – حتى يأكله الناس )
ــــــــ
* كان عمر زاهداً حتى فيما يخص مظاهر الإمارة فعندما وصل القدس ليتسلم مفاتيحها دخل ماشياً على قدمه و خادمه دخل راكباً حيث كان يتبادل الركوب على الناقة مع خادمه و قد كان دور خادمه فى الركوب عندما وصلوا ..
يروى #عبد_الله_بن_عامر انه خرج مع عمر بن الخطاب حاجاً من المدينة إلى مكة فيقول ما ضربت له فسطاطاً و لا خباءاً إلى أن رجعنا و كان رضى الله عنه يُلقى كساؤه على الشجرة فيستظل تحته .. هكذا كان عمر .. يفترش الأرض و يستظل برداءه و لم تنصب له خيمة أو ما شابهها من زخارف الدنيا و كان مثله فى هذا مثل عامة رعيته ..
ــــــــ
لما جيىء له بكنوز كسرى ظل يبكى فقال له #عبد_الرحمن_بن_عوف :
( ما يبكيك يا أمير المؤمنين .. فو الله إن هذا ليوم شكر و فرح )
فكان يقول :
( ويحك .. إن هذا لم يعطه قوم قط إلا ألقى بينهم العداوة و البغضاء )
كان يخاف على أمة المسلمين من التفكك و أن تبدل الدنيا طباعهم و تسلب عقولهم و يتحاسدوا فيما ببنهم .. كان يحاول تذكيرهم بفناءها و هوانها على الله .. يروى أنه فى أحد الأيام أنه و بعض أصحابه مروا على أحد المزابل فتوقف عمر و أطال الوقوف عامداً فأظهر أصحابه بعض التأذى من الرائحة فقال عمر لهم :
( هذه هى دنياكم التى تحرصون عليها و عليها تبكون )
ــــــــ
* كان عمر زاهداً فى أمر تقسيم الأموال و كان يفضل بين الناس على السابقة و النسب ففى مرة فرض لأسامة بن زيد أربعة آلاف و فرض لعبد الله بن عمر ( ابنه ) ثلاثة آلاف فقط فقال عبد الله :
( يا أبت .. فرضت لأسامة أربعة آلاف و فرضت لى ثلاثة آلاف .. فما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لك و ما كان له من الفضل ما لم يكن لى ؟! )
فقال عمر :
( إن أباه كان أحب إلى رسول الله من أبيك و هو كان أحب إلى رسول الله منك )
ــــــــ
موقف أخر حدث عندما كان يقسم مروطاً بين نساء المدينة – المرط هو ثوب من الصوف تلبسه النساء – فبقى منها مرطٌ جيد فقال بعض من عنده :
( يا أمير المؤمنين .. اعط هذا بنت رسول الله التى عندك ” يقصدون زوجته أم كلثوم بنت على بن أبى طالب ” )
فقال عمر :
( أم سليط أحق به )
و أم سليط واحدة من نساء الأنصار اللاتى بايعن رسول .. فلما سألوه لماذا هى قال :
( انها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد ” أى تملأها و تسقينا ” )
و هكذا كان عمر .. يقدم الناس على أهل بيته بما سبقوا به من الفضل و على قدر فضلهم على الأمة كان عمر يجزل لهم العطاء .. كان عمر زهداً و عدلاً يمشى بين الناس ..
ــــــــ
كان رضى الله عنه يزهد حتى فى منح الإمارة لأولاده فقد كان يشور عليه بعض الناس أن يولى ابنه عبد الله بن عمر على الخلافة من بعده فكان يرفض و يقول :
( كفى من آل الخطاب واحداً يسأل عنها يوم القيامة )
ــــــــ
* كان عمر زاهداً فى الدنيا كلها جملة واحدة و لم تميل نفسه لأى من مشتهياتها و هو ما كان يلاحظه الناس فكانوا يسألونه عن ذلك فكان رضى الله عنه يقول :
( نظرت فى الأمر فوجدت أنى إن أردت الدنيا أضررت بالآخرة و إن أردت الآخرة أضررت بالدنيا .. فإن كان الأمر هكذا فأضر بالفانية
كان المبدأ عنده دائماً أن الأولوية للآخرة و أن الدنيا ليست دار بقاء و إنما دار ابتلاء .. يقول #معاوية_بن_أبى_سفيان :
( أما أبو بكر فلم يرد الدنيا و لم ترده .. و أما عمر فأرادته الدنيا و لم يردها )
رحم الله عمر ..
ــــــــ
– فى الجزء القادم نتحدث عن أهم صفات عمر و أشهرها ..
– ماذا تعرف عن عدل عمر ؟
– و الله لإن نقطة من بحر عدل عمر تكفينا و تفيض فى زماننا الحالى ..
– و لكن .. تلك قصة أخرى ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ