الجزء الخامس عشر
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المفاوضات بين الجانبين قد فشلت و ظهر جلياً أنها الحرب و لا شيىء غيرها .. #سعد_بن_أبى_وقاص كان قد أرسل رسولاً إلى #عمر_بن_الخطاب فى المدينة يعلمه بما يحدث فكان عمر يدبر الامر من المدينة و يعين قادة الكتائب و الأفرع و حملة الرايات و لما كان سعد مريضاً فكان لا يستطيع أن يقود المعركة من الميدان فجعل له نائباً هو #خالد_بن_عُرفُطَة يأتمر بأمره و يقوم بتبلغ الخبر للقادة فى الميدان .. و بدأت تجهيزات المسلمين لبدأ المعركة ..
ـــــــ
* أمر سعد قادة المسلمين و وجهائهم أن يستثيروا همم المجاهدين و أن يخطبوا فيهم و يحرضوهم على القتال ففعلوا فزادت حماستهم و اشتياقهم للجهاد فى سبيل الله ثم وجه بيانه للجيش قائلاً :
( يا معشر المسلمين .. الزموا مواقفكم .. لا تحركوا شيئاً حتى تُصلُّوا الظهر .. فإذا صليتم الظهر فإنى مُكبِّر تكبيرة فكبروا و استعدوا .. و اعلموا أن التكبير لم يُعْطه أحد قبلكم .. و اعلموا أنما أُعطيتموه تأييداً لكم .. ثم إذا سمعتم الثانية فكبروا .. و لتستتم عُدَتكم .. ثم إذا كبرت الثالثة فكبروا .. و لينشط فرسانكم الناس ليبرزوا و ليطاردوا .. فإذا كبرت الرابعة فازحفوا جميعاً حتى تخالطوا عدوكم و قولوا لا حول و لا قوة إلا بالله )
و بعد أن ألقى البيان أمر قراء القرءان أن يكون كل واحد منهم على رأس كتيبة ليتلوا سورة الأنفال فما أن انتهوا منها حتى لانت قلوب الناس و هشت و فاضت أعينهم و تجهزوا نفسياً و معنوياً للقتال ..
ـــــــ
* بدأ القتال بالمبارزات فأخرج الفرس العديد من أبطالهم و خرج لملاقاتهم أبطال المسلمين مثل #عاصم_بن_عمرو_التميمى و #عمرو_بن_معد_يكرب_الزبيدى و #غالب_بن_عبد_الله_الأُسدى فما قتل أو جرح أحدٌ من أبطال المسلمين و فى المقابل قتل و أسر كل من خرج من صفوف الفرس و بينما أبطال المسلمين فى كر و فر و منازلات رأى رستم أن الدائرة تدور عليه و كلما مر الوقت نالت الهزائم من عزيمة جيشه فأمر أحد أجنحة الجيش بأن تميل على جناح المسلمين و التى كانت فيه #قبيلة_بُجيلة .. هجوماً عاماً شاملاً من أحد أجنحة الجيش الفارسى على أحد الأفرع الضعيفة من جيش المسلمين .. جيش الفرس كان يملك بين صفوفه حوالى ثلاثة و ثلاثون فيلاً .. هذا الهجوم وحده تضمن حوالى عشرة أفيال و كانت العادة عند الفرس أن يكون كل فيل على رأس كتيبة مكونة من أربعة آلاف مقاتل .. وضع صعب .. إن استمر ضغط الفرس على هذا الجناح فلن يحتملوا و قد يخترقوا جيش المسلمين .. على سعد أن يتصرف .. و فى أسرع وقت ..
ـــــــ
* لما رأى سعد ما رأى من هجوم الفرس الضاغط على بُجيلة بعث إلى #بنى_أسد بأن يساعدوا بُجيلة و أن يميلوا على جيش الفرس فيفرقوه فخرجت أربعة كتائب من بنى أسد يتقدمهم واحد من أبطال المسلمين .. واحد من الذين كانوا مشركين بالله .. لم يكن مشرك عادى بل إنه واحد ممن ادعوا النبوة بعد وفاة رسول الله ﷺ .. #طليحة_بن_خويلد_الأسدى .. عاد للإسلام بعد إنتهاء حروب الردة و حسن إسلامه و ها هو الآن يهب لنجده إخوانه ضد قوات الدولة الأقوى فى العالم وقتها .. غاصت الاربعة كتائب فى صفوف الفرس مشتبكين معهم و محدثين أكبر خسائر ممكنة فى صفوفهم فخف الضغط كثيراً عن بُجيلة و رجالها و كانت لطليحة مواقف بطولية شهد لها كل من رآها و شهد بأن الرجل كان يطلب الشهادة فى هذا اليوم مثلما لم يطلبها أحد .. بالرغم من هذا ظلت الافيال هى العقبة الوحيدة أمام المسلمين و قد نالت من المسلمين ما نالت .. كان هذا يستدعى تدخلاً سريعاً من سعد .. و يجب أن يكون فى أسرع وقت ممكن .. الدقيقة هنا لها حسابها ..
ـــــــ
* تصرف سعد كان رائعاً بالفعل فإنه لما رأى الضغط لازال مستمراً على تلك الجبهة أرسل إلى بنى تميم قائلاً لهم :
( يا معشر بنى تميم .. ألستم أصحاب الإبل و الخيل ؟ أما عندكم لهذه الفيلة من حيلة ؟ )
قالوا :
( بلى و الله )
فنادى #عاصم_بن_عمرو_التميمى فى بنى قومه قائلاً :
( يا معشر الرماة ذُبُّوا – أى أزيحوا – ركبان الفيلة عنهم بالنبل )
ثم قال :
( يا معشر أهل الثقافة – أى الذكاء و خفة الحركة – استدبروا الفيلة فقطِّعوا وضُنُها – أى أحزمتها – لتسقط توابيتها التى تحمل المقاتلين )
و بينما تهاجم تميم الفيلة و تسقطها واحداً تلو الآخر رأى سعد أن ذلك الوقت مناسب للإشتباك الكامل مع الفرس فكبر التكبيرة الرابعة و التى كانت تعنى الهجوم الشامل لجيش المسلمين فلما فعل ذلك انشغل جيش الفرس عن إمداد جناحهم الذى مال على بُجيلة و أسد فخف عنهم الضغط و اعتدلت الكفة مرة أخرى و ظل الجيشان مشتبكان حتى غروب الشمس .. استشهد من المسلمين عدداً كبيراً فى ذلك اليوم و أصيب أخرون و قتل و أصيب من الفرس أضعافهم و خسروا فى ذلك اليوم ثلث أفيالهم تقريباً ..
ـــــــ
* قبل أن تبدأ معركة القادسية و حينما كانت أخبار الفرس تتوارد إلى عمر بن الخطاب بالمدينة و بعد أن علم حجم جيشهم و عدته رأى أن يبعث إلى أمير الشام #أبو_عبيدة_بن_الجراح يأمره بإعادة جيش العراق الذى أتى الشام مع #خالد_بن_الوليد فامتثل أبو عبيدة للأمر و أعاد الجيش مرة أخرى إلا أنه احتفظ بخالد لحاجته إليه .. ستة آلاف مقاتل هم من تبقوا من ذلك الجيش و الذى كانوا تعداده تسعة آلاف حين خرجوا أول مرة .. قام عمر بتولية #هاشم_بن_عتبة_بن_أبى_وقاص على الجيش فقام هاشم بتولية #القعقاع_بن_عمرو_التميمى على مقدمة الجيش و كان فيها ألف رجل .. القعقاع .. رجلاً صوته بألف رجل .. لا يهزم جيش فيه القعقاع كما قال #أبو_بكر_الصديق خليفة رسول الله ﷺ .. سيكون للقعقاع دوراً كبيراً منذ وصوله لأرض المعركة ..
ـــــــ
* وصل القعقاع فى صبيحة اليوم الثانى من المعركة و قد نال المسلمين إجهاداً كبيراً من اليوم السابق و كان رضى الله عنه قد تعلم من خالد بن الوليد الكثير و علم أن المعنويات هى أحد أهم العوامل فى تحقيق النصر فكان أثناء تحركه بمقدمة جيش المسلمين يفكر فى أمر يرفع به من معنويات المسلمين و هو بالتأكيد تخيل حجم الضغوط التى تحملوها فى المعركة .. فلما أقبل على القادسية قرر تقسيم جيشه إلى عشرة فرق كل فرقة بها مائة فارس و أمرهم بأن لا يتحرك أحدهم قبل أن تغيب الفرقة التى سبقتهم عن النظر و تحرك هو فى أول فرقة فلما وصل إلى أرض المعركة كبر و كان صوته جهيراً رضى الله عنه فرد جيش المسلمين التكبير فارتفعت معنوياتهم بقدومه و تأثرت معنويات الفرس ..
* بالتأكيد كان الامر سيكون أهون على الفرس لو ان الأمر اقتصر على القعقاع و من معه فهم فى النهاية ألف فارس و لكن ما حدث أنه قبل أن تخرج أخر فرقة من فرسان القعقاع لحق بهم الخمسة آلاف الباقين من جيش المسلمين فلما علموا بخطة القعقاع اعجبوا بها و قرروا تنفيذها هم أيضاً و هكذا توالت الدفعات على جيش المسلمين و تكاثرت فأصاب الفرس وهناً لم يروا مثله قط ..
* أول ما فعله القعقاع حين وصوله أن بشر المسلمين بقدوم المدد إليهم ثم قرر الخروج للمبارزة فخرج صائحاً :
( من يبارز ؟ )
فخرج له #بهمن_جاذويه قائد الفرس فى معركة الجسر التى خسرها المسلمون فلما عرفه القعقاع صاح :
( يالثارات أبو عبيد و سُليط و أصحاب الجسر )
فاهتز بهمن بصيحته و علم أنه الإنتقام .. لم يمر وقت طويل حتى سقط بهمن صريعاً فوقف القعقاع منادياً فيهم مرة أخرى :
( من يبارز ؟ )
فخرج له إثنان من قادة الفرس هما #البيرزان و #البندوان فخرج #الحارث_بن_ظبيان مع القعقاع لمبارزتهم و استطاعوا قتلهما .. كل هذا يحدث و المدد يصل تلو الآخر و صيحات التكبير ترتفع مع كل فوج .. قادة الفرس يقتلون فى الميدان و معنويات المسلمين ترتفع باستمرار .. كان هذا وقتاً مناسباً للهجوم فأمر سعد الجيش بالهجوم الشامل فالتحم الفريقان و وقف القعقاع منادياً :
( يا معشر المسلمين .. باشروهم بالسيوف فإنه يُحصد بها )
رحم الله القعقاع فقد كان دخوله إلى أرض المعركة فتحاً للمسلمين ..
ـــــــ
* فى اليوم الثالث أعاد الفرس تنظيم صفوفهم و أعادوا تسليح أفيالهم بعد أن تكسرت توابيتها فى اليوم الأول و أعدوا خطة جديدة يتلافون بها أخطاء اليوم الاول حيث أحاطوا الفيلة بعدد من الرجال و الفرسان لحمايتها بعد أن كانت حرة طليقة فى اليوم الأول فلما رأى سعد بأسها نادى ببعض الجنود الفرس الذين كانوا قد أسلموا و انضموا إلى صفوف المسلمين و قال لهم :
( أخبرونى رحمكم الله .. هل لتلك الفيلة من مَقَاتل ؟ )
فقالوا :
( نعم .. المشافر و العيون لا ينتفع بها بعدها )
فأرسل للأخان التميميان .. القعقاع و عاصم و قال لهما :
( إكفيانى الفيل الأبيض )
ثم أرسل إلى #حمال_بن_مالك و #الربيل_بن_عمر_الأسدى و قال لهما :
( إكفيانى الفيل الأجرب )
و كانت خطة سعد تقتضى بأنه إذا قضى المسلمون على هذان الفيلان فإن باقى الفيلة ستهرب كون الفيلان المذكوران هما قائدا القطيع و كانوا أضخمهم و أكثرهم تسليحاً فإن نجحت الخطة إنفض القطيع و خسر الفرس سلاحهم النوعى و أصبحت المعركة متكافئة مرة أخرى ..
* جمع الرجال المختارون بعض اخوانهم و هجموا هجمة رجل واحد على الفيلان فشاغلهم غالبيتهم بينما ركز القعقاع و عاصم و حمال و الربيل على عيون الفيلة و خراطيمها فلما أردوهما اتضح أن سعداً كان يملك بُعد نظر فقد هاجت باقى الفيلة و لم تستدل على قادتها فرجعوا إلى الخلف و فروا عابرين نهر العتيق حتى وصلوا المدائن .. بعد فرارهم استوت كفة المعركة مرة أخرى بعد أن كان الضغط أكبر على المسلمين و انتهى اليوم بدون ان ينتصر أحد الفريقين على الأخر ..
ـــــــــــ
* لم يبقى فى معركة القادسية إلا يوماً واحداً و بعدها سيكتب الله النصر لعباده المؤمنين و يمكن للمسلمين فى أرض العراق و ما بعدها ..
– ما الذى حدث فى اليوم الرابع ؟
– و ماذا عن مصير رستم ؟
– و ماذا فعل عمر بعد أن علم بالخبر ؟
– المدائن عاصمة الفرس تصبح أقرب بمرور الوقت ..
– و لكن .. تلك قصة أخرى ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ