الجزء الثالث عشر
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* بعد ضغوط سادة و أشراف الفرس على رستم و الفيرزان لكى يتفقوا وجد الرجلان نفسيهما و قد تم تحميلهما كافة الخسائر السابقة فأرادا أن يتنصلا من تلك المسئولية و تحميلها لغيرهما فلم يجدوا طريقة أفضل من البحث عن أحد الذكور الباقين من آل كسرى .. كان الملك #شيرويه قد قتل كل الذكور من آل كسرى حتى لا ينازعه أحداً فى الملك .. قتل إخوته السبعة عشر و أبنائهم و كل من يستحق الملك من نسلهم .. كلهم قتلوا إلا واحداً من أبناء #شهريار_بن_كسرى كانت أمه قد أخفته عند أخواله فى #أصطخر .. ذلك الطفل كان #يزدجرد_بن_شهريار أخر الذكور الباقين من آل ساسان ..
ـــــــــ
* يزدجرد كان فى الواحد و العشرين من العمر و كان يملك من الطموح الكثير و كان يعلم أن دوره هو حماية ملكه و ملك آباءه و أجداده و بالتالى أولى للجيش الإهتمام الأكبر فنظم الصفوف و حمى الثغور و دعم الجيش تحديثه و إمداده بأسلحة جديدة فى أقصر وقت ممكن و بعدما فعله تبعه القادة جميعهم و أعانوه كونه كان طرفاً محايداً لا يميل إلى أحد القادة عن الآخرين و أيضاً لأنه الوريث الشرعى للعرش فأعانه الجميع و ساعدوه فى مهمته الجديدة .. بدأت آثار سياسة يزدجرد فى الوضوح عندما بدأ الدهاقين – المسئولين عن الفلاحين – و التجار و بعض الجواسيس فى تحفيز أهل الذمة الذين يقطنون فى الأراضى التى فتحها المسلمون و تزكية روح الثورة و التمرد فى نفوسهم لإشغال المسلمين بالداخل فيقل إستعدادهم للخارج .. تلك الأحداث شعر بها المثنى بالتأكيد فقام بإرسال مخاوفه إلى عمر فى المدينة فجاءه الرد واضحاً لا لبس فيه :
( أما بعد .. فاخرجوا من بين ظهرانى الأعاجم و تنحوا إلى البر و تفرقوا فى المياه التى تلى الأعاجم على حدود أرضكم و أرضهم .. و لا تدعوا فى ربيعة أحداً و لا مضر و لا حلفائهم أحداً من أهل النجدات و لا فارساً إلا اجتلبتموه .. فإن جاء طائعاً و إلا حشرتموه .. احملوا العرب على الجد إذ جد العجم .. فلتلقوا جدهم بجدكم .. و أقم منهم قريباً على حدود أرضك و أرضهم حتى يأتيك أمرى )
ــــــــ
* بدأ المثنى فى الإنسحاب بجيشه من الأراضى التى فتحها و التراجع إلى أدنى منطقة بعد نهر دجلة و بدأ فى تشكيل نقاط حراسة و مراقبة بطول جبهة القتال المتوقعة مع الفرس يدعم بعضها بعضاً فى حالة حدوث أى هجوم .. كل هذا كان تنفيذاً لرسالة عمر بن الخطاب و الإلتزام بخطته التى وضعها فى المدينة .. فى تلك الأثناء كان عمر يحشد الجيوش و يرسل فى الأمصار كلها لتجنيد المسلمين و لو إجبارياً لمواجهة خطر الفرس المحدق بأمة الإسلام حتى انه عزم على الخروج على رأس الجيش بنفسه فوقف بين الناس يطلب رأيهم فى أمر خروجه فرد عامة الناس :
( سِر و سِر بنا معك )
فوافق الحديث رأى كبار الصحابة جميعهم ما عدا اثنان .. #العباس_بن_عبد_المطلب و #عبد_الرحمن_بن_عوف حيث قال له العباس :
( لا و الله لا أرى ذلك رأياً .. بل تبقى فى المدينة و يخرج على المسلمين أحد صحابة رسول الله )
فأكمل عبد الرحمن بن عوف و قال :
( و الله إنى أرى رأى العباس .. لا تخرج من المدينة و ابقى على إمرة المسلمين و يخرج غيرك على إمرة الجيش .. اجعلنى فداك بأبى و أمى .. و الله أخشى لو خرجت لقتال الفرس فى العراق و قُتلت ألاّ يكبر المسلمون بعد ذلك و لا يشهدوا أن لا إله إلا الله )
فلما سمع كبار الصحابة رأى عبد الرحمن أدركوا خطورة أن يخرج عمر بنفسه و حجم الأثر الذى قد يصيب الجيش بوفاته فى حالة قدر الله وفاته و تراجع الجميع عن رأيهم نزولاً على رأى الصحابيان الجليلان فأصبح عمر فى حيرة من أمره فيمن يولى على الجيش فى تلك المعركة الفاصلة التى حشد لها الفرس جُل طاقتهم فنظر إلى من حوله و قال لهم :
( أشيروا على .. من تروا أن نبعث إلى العراق ؟ )
فقال عبد الرحمن بن عوف :
( و الله قد وجدته .. الليث فى براثنه .. سعد بن أبى وقاص )
ـــــــــ
#سعد_بن_أبى_وقاص أحد أخوال رسول الله ﷺ – ابن خالة والدته تحديداً – و أحد العشرة المبشرين بالجنة و أحد الستة الذين ارتضى عمر أن يختاروا من بينهم خليفة له عند وفاته و خامس من أسلم فى أمة محمد .. كثير من الفضائل كانت فى سعد رضى الله عنه إلا أن ذلك لم يمنع عمر من توصيته قبل توليه مسئولية الجيش حين قال له :
( يا سعد بنى وُهَيب .. لا يغرنّك من الله أن قيل خال رسول الله ﷺ و صاحب رسول الله ﷺ فإن الله عز و جل لا يمحو السيىء بالسيىء و لكنه يمحو السيىء بالحسن .. فإن الله تعالى ليس بينه و بين أحد نسب إلا طاعته .. فالناس شريفهم و وضيعهم فى ذات الله سواء .. الله ربهم .. و هم عباده يتفاضلون بالعافية .. و يدركون ما عنده بالطاعة .. فانظر الأمر الذى رأيت رسول الله ﷺ منذ بُعث إلى أن فارقنا فالزمه فإنه الأمر .. هذه عظتى .. إياك إن تركتها و رغبت عنها كنت من الخاسرين )
( يا سعد .. إنى قد وليتك حرب العراق فاحفظ وصيتى .. فإنك تقدم على أمر شديد كريه لا يُخلِص منه إلا الحق فعوِّد نفسك و من معك الخير و استفتح به و اعلم أن لكل عادة عتاداً .. فعتاد الخير الصبر .. فاصبر على ما أصابك أو نابك تجتمع لك خشية الله .. و اعلم أن خشية الله تجتمع فى أمرين .. فى طاعته و اجتناب معصيته .. و إنما أطاعه من أطاعه ببغض الدنيا و حب الآخرة .. و عصاه من عصاه بحب الدنيا و بغض الآخرة .. و للقلوب حقائق ينشؤها الله إنشاءَ .. منها السر و منها العلانية .. فأما العلانية فأن يكون حامده و ذامّه فى الحق سواء .. و أما السر فيُعرف بظهور الحكمة من قلبه على لسانه .. و بمحبة الناس فلا تزهد فى التحبب فإن النبييين قد سألوا محبتهم و إن الله إذا أحب عبداً حبَّبه و إذا أبغض عبداً بغَّضه فاعتبر منزلتك عند الله تعالى بمنزلتك عند الناس ممن يشرع معك فى أمرك )
ـــــــــ
* خرج سعد بجيش يُقدر بأربعة آلاف ثم جمع فى طريقه للعراق سبعة آلاف آخرين فأصبح الجيش أحد عشر ألفاً و كان ينتظرهم فى العراق مع المثنى إحدى عشر ألفاً تقريباً فأصبح الجيش قرابة العشرين ألفاً .. فى أثناء المسير إلى العراق ألم بالمثنى بن حارثة مرضاً شديداً و قيل أن الإصابة التى أصيب بها فى معركة الجسر قد تفاقمت فلما شعر المثنى بدنو أجله طلب بأن يجتمع بأخيه #المُعنى و أوصاه وصيته الأخيرة و أمره بأن يسرع بها إلى سعد بن أبى وقاص فقال له :
( أخبر سعداً أن لا يقاتل عدوى و عدوهم إذا استجمع أمرهم و ملؤهم فى عقر دارهم و أن يقاتلهم على حدود أرضهم على أدنى حجر من أرض العرب و أدنى مردة من أرض العجم .. فإن يُظهر الله المسلمين عليهم فلهم ما وراءهم .. و إن تكن الأخرى فاؤوا إلى فئة ثم يكونون أعلم بسبيلهم و أجرأ على أرضهم إلى أن يرد الله الكرة عليهم )
حتى قبل وفاته بساعات كان المثنى رضى الله عنه يفكر فى نصرة الإسلام و المسلمين .. رحم الله المثنى و سعداً و جميع صحابة رسول الله ﷺ ..
ـــــــــ
* ما أن وصل سعد إلى أرض المعركة حتى وصف لعمر الأراضى التى يُحتمل أن تكون هى أرض المعركة و أخبره بأن الكثير من أهل الذمة قد نقضوا عهودهم مع المسلمين و أنهم يمالئون الفرس الآن فما كان من عمر إلا أن أرسل إليه رسالة قال فيها :
( قد جاءنى كتابك و فهمته فأقم بمكانك حتى ينغض الله لك عدوك .. و اعلم أن لها ما بعدها .. فإن منحك الله أدبارهم فلا تنزع حتى تَقحَم عليهم المدائن فإنه خرابها إن شاء الله )
أمر عمر سعد بأن يبقى فى مكانه حتى يأتى إليه عدوه ثم أمره بأن لا يبادر العدو بالقتال و إنما يترك لهم أمر المبادرة و أخيراً أمره بأن يستمر بملاحقتهم حتى يصل إلى عاصمتهم المدائن فيفتحها بإذن الله .. عمر رضى الله عنه كان يخطط للجيش و هو بالمدينة و كأنه يعيش الأحداث بنفسه ..
و ما أن استقر جيش المسلمين فى مكانه حتى أرسل عمر رسالة أخرى إلى سعد فيها :
( لا يكربنك ما يأتيك عنهم و لا ما يأتونك به و استعن بالله و توكل عليه .. و ابعث إليهم رجالاً من أهل النظر و الرأى و الجلد يدعونهم إلى الله فإن الله جاعل دعاءهم توهيناً لهم )
فما أن رأى سعد بن أبى وقاص رسالة عمر حتى كون وفداً ضم 14 رجل من أفضل الرجال فصاحة و علماً و إيماناً و أيضاً تتوفر فيهم الصفات الجسدية المطلوبة حيث كانوا من الأضخم و الأقوى بدنياً .. أراد عمر بذلك أن يكون الوفد على أعلى مستوى من الناحية البلاغية و هو ما قد يساعد فى إقناع القوم بالإسلام فتحقن دماء الفريقين و من ناحية القوة البدنية فيعرف الفرس أى قوم يلاقون .. عمر كان صاحب رؤية .. عمر كان قائداً فذاً رحمه الله ..
ـــــــــ
* وفداً من أربعة عشر رجلاً بقيادة #النعمان_بن_مقرن تجهزوا ليذهبوا إلى المدائن لملاقاة #يزدجرد ملك الفرس .. وفداً يتسم بالمهابة و العلم و اللين فى نفس الوقت .. وفداً يحمل مهمة الدعوة إلى الله فإن أجاب القوم حقنوا دمائهم و دماء المسلمين و إن لم يجيبوا فإنما هى إحدى الحسنيين ..
– ماذا سيكون نص الحوار مع يزدجرد ؟
– و بماذا سيجيب الفرس ؟
– كان الحوار جريئاً بعدما تكلم النعم…
– و لكن .. تلك قصة أخرى ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ