سيرة الحجاج بن يوسف الثقفي .. الجزء الثاني

الجزء الثانى
ــــــــــــــــــ

* الفوضى تعم المدينة .. قتل الخليفة مظلوماً بلا أدنى شك .. و غلاة الثائرين لم يحسبوا حساب المستقبل .. ماذا نفعل الآن ؟ .. لماذا جئنا من البداية ؟

– جئنا لنعزل عثمان ..

– بلى .. و إن لم يخلع نفسه ؟ ..

– قتلناه ..

– بلى .. و ماذا بعد ؟ ..

– لم يكن عند أحدهم إجابة ..

ـــــ

* المدد القادم لنصرة الخليفة لما سمع بما حدث عاد إلى ولاته مرة أخرى إنتظاراً لأمرهم و أصحاب الفتنة فى المدينة مسيطرين تماماً و الصحابة لا يستطيعون القضاء عليهم فى ظل إمتلاك المنافقين للعدد و العدة و العتاد .. خمسة أيام بلا خليفة للمسلمين و لا أحد يعلم ماذا سيحدث فى الأيام التالية .. مع الوقت بدأت الصورة تتضح أكثر .. هناك خليفة مقتول ظلماً .. و هناك ولاة الأمصار الذين سيرفضون جميعهم – أو بعضهم على الأقل – ما حدث .. إذاً من الطبيعى أنه خلال بضعة أيام سيطالب هؤلاء بالثأر منهم فيقتحموا المدينة عليهم و يطالبوا برؤوسهم .. الحل فى هذه الظروف هو إختيار خليفة جديد للمسلمين فيستطيع تأخير هذا الأمر و يكون درءاً لهم من الأخطار التى تحيط بهم ..

خطتهم هذه إعتمدت على إضطراب الأوضاع وقتها و عدم إستقامتها فى وقت قصير ..

رقابهم الآن على المحك ..

إما الآن أو لينتظرن مقتلهم خلال أيام ..

ـــــ

* بدأ النداء يسرى فى المدينة أن هلموا و اتفقوا على أحدكم ليكون خليفة للمسلمين .. مالت آراء الناس بين ثلاثة #على_بن_أبى_طالب و #الزبير_بن_العوام و #طلحة_بن_عبيد_الله رضوان الله عليهم أجمعين و لكن خلص الأمر فى النهاية إلى إختيار على فهو إبن عم النبى و صهره و أول من أسلم من الغلمان و إجتمع على هذا المهاجرين و الأنصار و حتى قتلة عثمان أنفسهم .. بعض الصحابة لم يبايعوا و اعتزلوا الأمر ربما لأنهم رأوا أن البيعة تمت فى ظروف إستثنائية و لم يتوفر لها شروط الشورى و لم تجتمع الأمة كلها على هذا الإختيار و من ضمن هؤلاء #سعد_بن_أبى_وقاص و #عبد_الله_بن_عمر

ـــــ

* بعد تولى على لأمور المسلمين أرسل الى ولاة الأقطار يطلب بيعتهم فإجتمع عليه الناس و أرسلوا بيعتهم إلا فى الشام حيث رفض واليها #معاوية_بن_أبى_سفيان أن يبايع قبل أن يتم الثأر من قتلة #عثمان_بن_عفان رضى الله عنه .. أيضاً فى المدينة طالب الكثير من الصحابة بالثأر من القتلة حتى تستقيم الامور .. أيضاً فى مكة غضبت #السيدة_عائشة لما سمعت نبأ مقتل عثمان و طالبت بالثأر ممن قتلوه قبل أى شيء أخر .. إذاً الوضع العام وقتها كان يخبرنا بالآتى :

– هناك معارض فى الشام يطالب بالثأر ..

– هناك مبايعين فى المدينة يطالبون بالثأر ..

– هناك معتزلين فى مكة بجوار أم المؤمنين عائشة التى كانت تطالب بالثأر ..

على بن أبى طالب رضى الله عنه تولى الخلافة فى ظروف أقل ما توصف به أنها صعبة ..

ـــــ

* كان هناك سبباً للتأخير فى القصاص من القتلة حيث رأى على أن القتلة متمكنون و يمسكون مفاصل المدينة – كان الأمر أشبه بإنقلاب عسكرى بمفاهيم يومنا الحالى – فرأى أن ينتظر حتى تهدأ الأمور و تجتمع كلمة الأمة و حينها يكون الثأر منهم أسهل و أهون .. وجهة نظره كانت بديهية إلا أنه لم يفصح عنها حتى لا يتناثر الحديث و يعلم المنافقين ما يُخطط لهم و هو ما اعتبره البعض تباطؤاً فى تنفيذ القصاص – و هو لم يكن كذلك – مثل معاوية كما أسلفنا و أيضاً طلحة و الزبير رضى الله عنهما اللذان طلبا من على أن يخرجا للعمرة فأذن لهما و عندما وصلوا إلى مكة إلتقوا بأم المؤمنين عائشة و اجتمع أمرهم على الخروج إلى البصرة حتى يجمعوا أمر الناس على تطبيق القصاص أولاً ثم إرجاع أمر الخلافة إلى الناس ليكون الأمر شورى بينهم فتستقيم بهذا أمور المسلمين ..

ـــــ

* خرج الثلاثة فى جيش قوامه ثلاثة آلاف تقريباً و علم على بخروجهم فخرج هو الأخر من المدينة على رأس جيش كان ضمنه كثيراً من قتلة عثمان و تجدر الإشارة هنا إلى أن الجيشان لم يخرجا بهدف القتال و إنما كان الهدف هو المناظرة فيما بينهما ثم يميلوا إلى أصوب الرأيين فتجتمع كلمتهم على من بغى و قتل عثمان .. لماذا خرج بعض دعاة الفتنة ضمن جيش على إذاً ؟ .. الإجابة واضحة .. كما أسلفنا فقاتلى الخليفة كانوا مسيطرين تماماً على المدينة و ما كان على ليستطيع إبقاؤهم فى المدينة رغماً عنهم بالإضافة لأنه كان من الطبيعى خروج كثير منهم حتى يشهدوا ما ستئول إليه الأمور بين الجيشان .. إتفقنا أن رؤوسهم كانت على المحك هنا ..

ـــــ

* وصل جيش مكة إلى البصرة قبل جيش المدينة .. فى البصرة كان هناك نفر كثير من دعاة الفتنة .. فدعاة الفتنة خرجوا بالأساس من ثلاثة أماكن .. مصر و الكوفة و البصرة .. هؤلاء النفر بدأوا فى التحريض ضد جيش مكة و كيف أنهم ينوون الهجوم عليهم فاستمع لهم #عثمان_بن_حنيف والى البصرة آنذاك و أخرج لهم جيشاً بقيادة #حكيم_بن_جبلة_العبدى يمنعهم من دخول البصرة .. فلما إلتقى الجمعان خطب فى المعسكرين طلحة و الزبير فقبل منهما جيش مكة و إعترض عليهما جيش البصرة و ظهر أن الأمور لا تسير على ما يرام و إن لم ينتهى الإحتقان فالأمر سيحسم بالقتال و ما كان هذا هو الهدف الأساسى للخروج فخرجت #أم_المؤمنين_عائشة تخطب فيهم فقالت :

( غضبنا لكم من سوط عثمان و عصاه .. أفلا نغضب لعثمان من السيف .. ألا و إن خليفتكم قد قتل مظلوماً .. أنكرنا عليه أشياء و عاتبناه فيها فأُعتب و تاب إلى الله .. و ماذا يطلب من المسلم إن أخطأ أكثر من أن يتوب إلى الله و يُعتب الناس .. و لكن أعداءه سطوا عليه فقتلوه و استحلوا حُرماً ثلاثاً .. حُرمة الدم .. و حرمة الشهر الحرام .. و حرمة البلد الحرام )

فما أن أنهت خطبتها حتى مال إليها جزءاً كبيراً من جيش البصرة و بدأوا فى الإختلاف فيما بينهم فوجد حكيم بن جبلة قائد الجيش أن جيشه سيتفتت إذا استمر الخلاف بين صفوفه فنادى ببدء القتال و بالفعل اشتبك الجيشان و قتل يومها #حكيم و خلق كثير و بعد مقتله رأى الجيشان أن إستمرار القتال فيه هلكة لهم فآثروا الهدنة و اصطلح جيش مكة مع عثمان بن حنيف والى البصرة على أن يسكنوا أى مكان يريدوه على أن تبقى الإمارة و المسجد الجامع و بيت المال فى يد بن حنيف و هو ما وافق عليه جيش مكة لأنهم من الأساس لم يخرجوا طلباً للإمارة ..

ـــــ

* لما وصل على إلى البصرة مكث فيها ثلاثة أيام و الرسل بينه و بين معسكر مكة حتى قام بإرسال #القعقاع_بن_عمرو ليتحدث مباشرة إلى السيدة عائشة فذهب إليها فلما أُذن له دخل و سلم عليها ثم قال :

( أى أماه .. ما أقدمك هذا البلد ؟ )

– قالت :

( أى بنى .. الإصلاح بين الناس )

فطلب منها حضور طلحة و الزبير ليحدثهما و تكون هى شاهدة على الحديث فكان له ما أراد حتى إذا ما جاءا قال لهما القعقاع :

( إنى سألت أم المؤمنين عما أقدمها إلى هذه البلدة فقالت إصلاح بين الناس .. أفأنتما متابعان لها أم مخالفان عنها ؟ )

– فقالا :

( متابعان )

– فقال القعقاع :

( فأنبئانى عن هذا الإصلاح الذى تريدونه .. فإن كان خيراً وافقناكم عليه و إن كان شراً اجتنبناه )

– قال قائلهما :

( قُتل عثمان مظلوماً و لا يستقيم الأمر إذا لم يُقَم الحد على قاتليه )

– قال القعقاع :

( فإنكم قد قتلتم من قتلة عثمان ستمائة رجل فى البصرة إلا رجلاً واحداً هو #حُرقوص_بن_زُهير غضب له قومه فخالفوا عنكم فتفرقت عنكم مُضَر و ربيعة و فسد الأمر بينكم و بين كثير من الناس .. و لو مضيتم فى الأمصار تفعلون فيها مثل ما فعلتم فى البصرة لفسد الأمر فساداً لا صلاح بعده )

– قالت السيدة عائشة :

( فأنت تقول ماذا ؟ )

– قال القعقاع :

( أقول إن هذا أمر دواؤه التسكين و اجتماع الشمل حتى إذا صلح الأمر و هدأت الثائرة و أمن الناس و اطمأن بعضهم إلى بعض نظرنا فى أمر الذين أحدثوا هذه الفتنة .. و إنى لأقول هذا و ما أره يتم حتى يأخذ الله من هذه الأمة ما يشاء .. فقد انتثر أمرها و ألمت بها المُلمات و تعرضت لبلاء عظيم )

فاستحسنوا حديثه و قالوا :

( قد رضينا منك رأيك فإن أقبل #على بمثل هذا الرأى صالحناه عليه )

فلما رجع القعقاع إلى على بهذا الرد سُرَّ أيما سرور .. الصلح بينهما يعنى حقناً لدماء المسلمين و أيضاً تضييقاً للخناق على المنافقين ..

كانت الأمور تسير فى الإتجاه الصحيح لولا عبد الله بن سبأ و تابعيه ..

ـــــ

* بالطبع إنتشر الخبر فى معسكر على بن أبى طالب فخبر مثل هذا لا يمكن إخفاؤه .. خبراً مثل هذا أظلم الدنيا فى وجوه قادة المتمردين قتلة عثمان و ظهر عليهم التوتر و انتظروا رأى على حتى يتخذوا قرارهم بناءاً عليه و قد جاءهم الرد سريعاً حين قام على بين الناس خطيباً فذكر الجاهلية و شقاءها و أعمالها و ذكر الإسلام و سعادة أهله بالألفة و الجماعة ثم قال :

( إن الله جمعكم بعد نبيه ﷺ على الخليفة #أبى_بكر_الصديق ثم بعده على #عمر_بن_الخطاب ثم على #عثمان_بن_عفان ثم حدث هذا الحدث الذى جرى على الأمة .. أقوام طلبوا الدنيا و حسدوا من أنعم الله عليه بها و على الفضيلة التى منَّ الله بها و أرادوا رد الإسلام و الأشياء على أدبارها و الله بالغ أمره )

ثم قال :

( ألا إنى مرتحل غداً فارتحلوا .. و لا يرتحل معى أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور الناس )

كان هذا كافياً بالنسبة إليهم ..

كافياً أكثر من اللازم إذا شئنا الدقة ..

ـــــ

* إجتمعت رؤوس الفتنة ليجدوا حلاً فيما هم مقبلون عليه فقالوا :

( ما هذا الرأى .. و على و الله أعلم بكتاب الله ممن يطلب قتلة عثمان و أقرب إلى العمل بذلك و قد قال ما سمعتم .. غداً يجمع عليكم الناس و إنما يريد القوم كلهم أنتم .. فكيف بكم و عددكم قليل فى كثرتهم )

فقال #الأشتر_النخعى :

( قد عرفنا رأى طلحة و الزبير فينا .. و أما رأى على فلم نعرفه إلا اليوم .. فإن كان قد اصطلح معهم فإنما اصطلح على دمائنا )

فقال #عبد_الله_بن_سبأ :

( يا قوم إن عيركم فى خلطة الناس .. فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب و القتال بينهم و لا تدعوهم يجتمعون )

ـــــ

– رؤوسهم أمام إصطلاح القوم ..

– و قد إختاروا رؤوسهم بلا تردد ..

– صبيحة ذلك اليوم معركة الجمل ..

– فترة قصيرة حتى يظهر الخوارج ..

– و لكن .. تلك قصة أخرى ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ