سيرة الحجاج بن يوسف الثقفي .. الجزء الاول

 

الجزء الأول :
ــــــــــــــــــــ

( إن مات عمر رق الإسلام .. ما أحب أن لى ما تطلع عليه الشمس أو تغرب و أن أبقى بعد عمر )

فقيل له :

( لم ؟ )

قال :

( سترون ما أقول إن بقيتم .. و أما هو فإن ولى وال بعد فأخذهم بما كان عمر يأخذهم به لم يطع له الناس بذلك و لم يحملوه .. و إن ضعف عنهم قتلوه )

#أبو_عبيدة_بن_الجراح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الحديث بدأ يكثر تدريجياً على الخليفة #عثمان_بن_عفان .. فى البداية قام بعزل #سعد_بن_أبى_وقاص و ولى بدلاً منه #الوليد_بن_عقبة على الكوفة أحد أخطر أمصار الدولة الإسلامية وقتها .. كان الحديث يتمحور حول أن الوليد هو أخا عثمان من أمه و لهذا تم تفضيله على غيره من الصحابة رغم أن الوليد تم ذمه فى القرءان فهو الذى نزلت فيه الآية :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )

و بخلاف الآية فقد شهد عليه أهل الكوفة أنه يصلى بالناس و هو سكران فكيف بعد هذا يتم تقديمه على كثير من الصحابة هم أحق منه بالولاية .. فى أحد الليالى قاموا باستلال خاتمه من يده و هو سكران و ذهبوا به إلى عثمان بن عفان – رضى الله عنه – فى المدينة و أعطوه إياه دليلاً على صدق كلامهم فاستشاط غضباً لما رآه و قام بعزل الوليد و أقام عليه الحد ..

تلك كانت أول شرارة تندلع بين صفوف المسلمين ..

ـــــ

* فى مصر كان هناك #عمرو_بن_العاص و الذى عزله عثمان و عين بدلاً منه #عبد_الله_بن_أبى_السرح أخا عثمان فى الرضاعة .. و فى الشام كان هناك #معاوية_بن_أبى_سفيان إبن عم عثمان و أقرب الولاة إليه .. و فى البصرة كان هناك #أبو_موسى_الأشعرى و هو اليمانى الوحيد فى ولاة الولايات الأربع الكبرى الكوفة و مصر و الشام و البصرة و هى ولايات الثغور و الفتوحات للدولة الإسلامية ..

ثلاث من الولايات الأربع الكبرى كان يليها أقرباء لعثمان بن عفان و حتى البصرة التى تولاها أبو موسى عزله عثمان منها و ولى عليها إبن خاله #عبد_الله_بن_عامر_بن_كريز فصارت بهذا أهم أربع ولايات فى الدولة الإسلامية وقتها تحت إمرة أقارب الخليفة عثمان ..

تلك كانت الشرارة الثانية ..

ـــــ

* ولى عثمان على الكوفة #سعيد_بن_العاص و الذى أحسن إلى أهل الكوفة فى البداية و لكن مع الوقت بدأت المشاحنات بينهم فى أمر منزلة قريش فى الإسلام فكان يقول لهم إن السواد – أى العراق – بستان لقريش – أى ملك لقريش – فغضب منه أهل الكوفة و جادلوه كثيراً فلما علم عثمان بذلك أمر بنفيهم إلى الشام عند معاوية بن أبى سفيان و لم تمر فترة طويلة حتى استغل أهل الكوفة خروج سعيد بن العاص منها فأقسموا أن لا يدخلها مرة أخرى و أرسلوا فى طلب أصحابهم الذى تم نفيهم من قبل فتجمعوا مرة أخرى فى الكوفة و أرسل زعيمهم رسالة إلى عثمان قال فيها :

( من مالك بن الحارث إلى الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنة نبيه النابذ لحكم القرآن وراء ظهره .. أما بعد فقد قرأنا كتابك فإنه نفسك و عمالك عن الظلم و العدوان و تسيير الصالحين نسمح لك بطاعتنا .. و زعمت إنا قد ظلمنا انفسنا و ذلك ظنك الذى أرداك فأراك الجور عدلاً و الباطل حقاً .. و أما محبتنا فان تنزع و تتوب و تستغفر الله من تجنيك على خيارنا و تسييرك صلحاءنا و إخراجك ايانا من ديارنا و توليتك الأحداث علينا و أن تولى مصرنا عبد الله بن قيس أبا موسى الأشعرى و حذيفة – يقصدون حذيفة بن اليمان – فقد رضيناهما .. و احبس عنا وليدك و سعيدك و من يدعوك اليه الهوى من أهل بيتك إن شاء الله و السلام )

الآن مفترق طرق .. إما أن ينزل الخليفة على رأيهم و بهذا يكونوا قد أجبروه فتهتز صورته و إما أن يستعمل عثمان معهم الشدة فتسيل دماء المسلمين ..

إختار عثمان حقن دماء المسلمين و عين أبو موسى الأشعرى مضطراً ..

علم الناس بهذا أن الثورة هى طريقهم لتنفيذ مطالبهم و بدأوا فى التجرؤ عليه أكثر فأكثر برغم حرصه على دماءهم ..

تلك كانت الشرارة الثالثة ..

ـــــ

* كان الخليفة عثمان يحب أقاربه بشكل كبير و كان يزد لهم فى عطاياهم و كان يؤثرهم من ماله الخاص و هو ما دعا البعض إلى التشكيك فى ذلك بأن إدعوا عليه – و حاشاه – أنه يؤثرهم من بيت مال المسلمين لا من ماله الخاص و أنه يفضل بنو أمية على غيرهم فى نفل الغزوات .. ادعوا عليه باطلاً أنه نفل خمس غنائم إفريقيا لعبد الله بن أبى سرح إن فتحها الله على يديه و هو إدعاء كاذب فقد نفله عثمان ما يوازى خمس الخمس فقط من الغنائم .. فلما فتحها الله على يديه أخذ نسبته و بعث الباقى إلى عثمان فلما وصل وفد عبد الله إلى المدينة اعترضوا على القسمة فقال لهم عثمان :

( إنما أمرت له بذلك فإن سخطتم فهو رد )

فردوا قائلين :

( إنا نسخطه )

فأمر عثمان عبد الله أن يرده فرده .. هذا ينفى كثيراً من المزاعم التى دست على عثمان رضى الله عنه فهو كان ذا مال بالفعل و كان يجزل العطاء للجميع و إن كان يؤثر أقاربه فكان يؤثرهم من ماله الخاص لا من المال العام إلا أن هذا لم يمنع بعض الكارهين له من الطعن و التشكيك فيه ..

تلك كانت الشرارة الرابعة ..

ـــــ

* بدأ الإعتراض على السياسة المالية لعثمان يمتد حتى وصل إلى الصحابى #أبو_ذر_الغفارى و الذى إستند فى نقده بالأساس على مبدأ الإسراف لا التعدى على مال المسلمين فقام عثمان بعدما ضاق من إنتقاده بنفيه إلى الشام فأصبح #أبو_ذر ينتقد معاوية و إسرافه أيضاً فطلب معاوية إعادته مرة أخرى فأعاده عثمان ثم نفاه إلى الربذة فى أطراف المدينة المنورة حيث توفى هناك وحيداً كما أخبر بذلك رسول الله ﷺ حتى لم تجد زوجته من يدفنه معها لولا مرور بعض الحجاج القادمين من العراق كان من بينهم الصحابى #عبد_الله_بن_مسعود ..

* نفى أبو ذر ضايق العديد من الصحابة و كان على رأسهم الصحابى #عمار_بن_ياسر الذى إشترك فى كتابة صحيفة فيها إنتقادات لسياسة عثمان و تطوع لكى يقدمها إليه فما كان من عثمان إلا أن إحتد عليه فى الكلام و قيل أنه أمر بضربه و إن كانت الرواية ضعيفة ..

* إجمالاً كان واضحاً أن الأمور لا تسير فى الطريق الصحيح و أن الضغوط تزداد على عثمان رضى الله عنه ..

ـــــ

* #عبد_الله_بن_سبأ واحد من يهود صنعاء الذين اظهروا الإسلام إستغل كل ما سبق للطعن فى خليفة المسلمين و بدأ فى التأثير على الأمصار التى دخلت حديثاً فى الإسلام و بدأ فى تكوين فرق فى مصر و الكوفة و البصرة بهدف الضغط على عثمان لتعديل أسلوب إدارته و عزل ولاته من بنى أمية ..

* التمرد كان ينمو فى النفوس تدريجياً و ساهم فى إنتشاره أكثر تأخر عثمان نفسه فى تنفيذ بعض مطالب الوفود إليه و ربما كانت حجته هى رغبته فى عدم تأكيد أن التمرد هو الحل و إظهار أن رأى الخليفة يجب أن يطاع .. من تلك الوفود وفد مصر الذى خرج إلى المدينة فى 34 هجرياً و أرادوا أن يلتقوا بعثمان رضى الله عنه لكى يطلبوا منه أن يكف عماله عن التسلط عليهم إلا أن الخليفة أوفد إليهم وفداً على رأسه #على_بن_أبى_طالب لملاقاتهم فى قرية خارج المدينة و وعدهم بتنفيذ مطالبهم و بناءاً عليه رجعوا من حيث أتوا على أمل أن تنفذ طلباتهم ..

* مضت الأيام و لم يغير عثمان عامله على مصر و لم تنفذ باقى الطلبات التى تم الإتفاق عليها فما كان من وفد مصر إلا الخروج مرة أخرى بعد الإتفاق مع وفود الكوفة و البصرة على الإلتقاء بالمدينة فلما رأى عثمان ذلك طلب من على بن أبى طالب أن يخرج إليهم مرة أخرى فرفض و رفض معه #محمد_بن_مسلمة و إنتهى الأمر بالطبع بعزل عبد الله بن أبى سرح عامل عثمان على مصر و توليه #محمد_بن_أبى_بكر عليها و بدا أن الأمر إنتهى ..

إتفاق مثل هذا كان كفيلاً بوأد الفتنة و لو مؤقتاً لكن المنافقين أبوا ذلك فقاموا بتأليب الناس ضد الخليفة مرة أخرى و اتفقوا على دخول المدينة حين يطمأن الصحابة الموجودين بها على خروجهم فقد كانوا متأهبين لمنعهم من دخول المدينة دفاعاً عن الخليفة عثمان فلما اطمأنوا من مغادرتهم رجعوا لحياتهم الطبيعية فاستغل الرافضين لسياسة عثمان الفرصة و دخلوا المدينة مرة أخرى و حاصروا دار عثمان بن عفان رضى الله عنه رافعين شعارات الثورة ضده و راغبين فى عزله ..

ـــــ

* مرت الأيام ثقيلة و الحصار يشتد مع الوقت .. فى البداية كان عثمان يخرج فيصلى بالناس و يصلى خلفه المناوئين له أنفسهم ثم مع الوقت قرروا تشديد الحصار أكثر فمنعوا الماء و الطعام عن عثمان و آل بيته حتى نال منهم الظمأ و الجوع فكان يخرج إليهم من شرفة المنزل يعظهم و يخوفهم الفتنة فلا يسمعون له حتى استطاع بعض شباب بنى أمية و بعض شباب المهاجرين من دخول المنزل لحماية الخليفة و كان من بينهم #الحسن و #الحسين أبناء على و #عبد_الله_بن_عمر و #عبد_الله_بن_الزبير و بينما كان الحصار يشتد كانت الإمدادات القادمة من الشام لنصرة عثمان قد اقتربت من المدينة و كان قد أرسل فى طلبها مع بداية الحصار و فى هذا إختلف المؤرخون :

– من كانوا مع عثمان قالوا إن المحاصرين للدار لما علموا بأمر الإمدادات سارعوا بالهجوم عليها

– من كانوا ضد عثمان قالوا إن من بالداخل هم من بدأوا بالمناوشات و استشهدوا بواقعة #نيار_بن_عياض_الأسلمى الذى نادى على عثمان و نصحه بأن يخلع نفسه فإذا بسهم – و قيل حجر – يأتيه من منزل عثمان فيقتله فطالب المناوئين بأن يسلمهم عثمان من قتله فيقتلوه فرد عليهم عثمان قائلاً :

( ما أدفع إليكم رجلاً ذب عنى و أنتم تريدون قتلى )

فكانت ليلة منكرة على الطرفين حتى إذا ما أصبح الصباح هاجم فريقاً من المناوئين المنزل فأحرقوا بابه فخرج لهم من فى الدار للدفاع عن عثمان رضى الله عنه فإذا بفريق من الثائرين تسللوا عبر فتحة فى المنزل و دخلوا على من فيه حتى وصلوا إلى عثمان رضى الله عنه و قتلوه ..

ـــــ

* أخيراً يجب الإشارة إلى إن ما قام به خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضى الله عنه خلال فترة ولايته كان حقاً أصيلاً له بحكم أنه ولى الأمر الشرعى و أنه إجتهد حق الإجتهاد فى إختيار ولاته و أن سياسته المالية لم تكن تشوبها شائبة أبداً فإن أصاب فله أجران و إن أخطأ فله أجر الإجتهاد و يكفيه ما قاله عنه رسول الله ﷺ حين قام بتجهيز جيش العسرة وحده :

( ما ضر عثمان ما عمل بعد هذا اليوم )

و أن من قاموا بالثورة ضده كان أغلبهم من حديثى العهد بالإسلام و المتأثرين بدعوة عبد الله بن سبأ و من والاه و لم يقدروا الأمور حق قدرها و أنهم تجاوزا حدودهم فى مخالفة الخليفة و خرجوا على طاعته و تسببوا بفعلتهم فى إحداث شرخاً نال و مازال ينال من الأمة حتى يومنا الحالى ..

رحم الله خليفة المسلمين أمير المؤمنين عثمان بن عفان و لعن قاتليه ..

ـــــ

– قبل ذلك اليوم ليس كما بعده ..

– القادم أصعب و لا شك ..

– أصعب بشكل لا يتصوره أحد ..

– و لكن .. تلك قصة أخرى ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ