الليرة التركية .. تراجع إقتصادى أم مؤامرة ؟ ( جـ 1 )

by author page

0 comments مقالات متنوعة

الليرة التركية .. تراجع إقتصادى أم مؤامرة ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجزء الأول :
ـــــــــــــــــــ

* ثامن أقوى إقتصاد أوروبى .. الإقتصاد صاحب المركز الثامن عشر عالمياً بناتج محلى إجمالى وصل إلى 776 مليار دولار .. صاحب أعلى نسبة نمو عالمى فى 2017 بنسبة 7.4 % .. إقتصاد سبق الصين و الهند فى نسبة النمو .. القطاع الزراعى نما بنسبة 4.7 % و الصناعى بنسبة 9.2 % و قطاع الخدمات بنسبة 10.2 % .. السياحة استعادت عافيتها فى 2017 و حققت 26 مليار دولار و متوقع تحقيق 30 مليار دولار فى 2018 .. نصيب الفرد من الناتج المحلى إرتفع من 32.67 ألف ليرة ل 38.66 ألف ليرة .. إحنا بنتكلم عن إقتصاد أرقامه ممتازة .. إزاى إقتصاد بالأرقام دى عملته تنهار بالشكل ده لدرجة إنها تخسر 35 % من قيمتها فى سنة ..

ـــــ

* الحقيقة الحالة التركية الحالية حالة غريبة جداً .. الأسباب شبه واضحة للمتابعين إلا إن الإنهيار الشديد للعملة التركية فى الوقت القصير ده هو اللى خلى النظام التركى يصرح أكتر من مرة إن فى مؤامرة بتحاك ضدهم لإبعادهم عن السلطة فى الدولة الأوروبية الطموحة .. الأسباب متنوعة و كتير .. بعضها إقتصادى و بعضها سياسى .. هحاول أفصلها فى النقط الجاية

ـــــ

* الأسباب الإقتصادية :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1– عجز الميزان التجارى :

تركيا دولة مصدرة بلا شك .. معدل تصديرها مرتفع جداً بل فى إزدياد كمان .. فى مارس 2018 مثلاً إحتفلت تركيا بوصول صادرتها الشهرية ل 15.6 مليار دولار و ده أكبر رقم إتحقق فى تاريخها .. الصادرات فى 2017 زادت بنسبة 10.2 % و وصلت ل 157 مليار دولار .. أرقام هايلة لكن لوحدها متنفعش .. عشان أقدر أقيم الميزان التجارى بتاع تركيا ناجح و لا فاشل لازم أشوف حجم إستيرادها و الصراحة تركيا دولة مستوردة من العيار الثقيل .. فى شهر مارس اللى تركيا حققت فيه أعلى معدل تصديرى لها إستوردت ب 21.4 مليار دولار .. و فى 2017 إستيرادها زاد بنسبة 18 % و وصل ل 234 مليار دولار .. 77 مليار دولار عجز فى الميزان التجارى .. 77 مليار دولار بيخرجوا من البلد كل سنة و بيضغطوا أكثر على الليرة التركية

– طيب ليه تركيا متحاولش تقلل إستيرادها ؟

لإن تركيا دولة فقيرة نسبياً فى المواد الخام و أغلب إستيرادها عبارة عن مواد خام و قطع غيار بدونها العملية التصنيعية ممكن تقف .. طبعاً تقدر تقلل و لكن مش هيبقى بنسبة كبيرة

ـــــ

2 – إرتفاع فاتورة الطاقة :

زى ما قلنا فى النقطة الأولى .. تركيا دولة فقيرة نسبياً فيما يتعلق بالمواد الخام و ده بيخليها تستورد 90 % من إحتياجاتها من المشتقات النفطية .. تركيا مخصصة 8 % من ناتجها المحلى لإستيراد الطاقة .. كل ما سعر النفط و الغاز إرتفعوا كل ما فاتورة الطاقة عندها إرتفعت و ده اللى حصل الفترة اللى فاتت بإرتفاع سعر برميل البترول لحدود ال 80 دولار .. ثلثين العجز فى الميزان التجارى سببه الأساسى هو إرتفاع فاتورة إستيراد النفط و مشتقاته

ـــــ

3 – رفع سعر الفايدة الأمريكية :

واحد من أهم الأسباب و اللى كتير من المحللين مركزوش عليه .. بعد أزمة الرهن العقارى فى أمريكا 2008 إضطرت أمريكا إنها تخفض سعر الفايدة هناك تقريباً لصفر % عشان تنعش السوق و تخرجه من حالة الركود اللى كان فيه و استمر التخفيض لحد 2015 و اللى إرتفعت فيه ل 0.25 % .. فى الوقت اللى أمريكا كانت الفايدة فيها قليلة بالشكل ده كان فى أسواق تانية الفايدة فيها أعلى فخرجت رؤوس الأموال من السوق الأمريكى و راحت للدول دى و كان من ضمنها طبعاً تركيا اللى كانت الفايدة فيها فى سنة 2008 بتتراوح بين 15 % : 17 % .. بداية من 2016 و أمريكا إبتدت ترفع سعر الفايدة و بالتالى الآية إنعكست و رؤوس الأموال اللى خرجت من أمريكا إبتدت ترجع تانى .. لما يخرج من السوق التركى رؤوس أموال بالدولار الأمريكى فى فترة قصيرة ده هيؤدى بلا شك لإنخفاض العملة المحلية و محدش يستغرب لإن برغم اللى وصله السوق التركى إلى إنه يظل سوق ناشىء خطوة زى دى تأثر فيه بلا شك

لو حد حابب يتعرف أكثر على آثار رفع سعر الفائدة الأمريكية ممكن يقرأ المقال ده http://cutt.us/9fSM

ـــــ

4 – تقارير مؤسسات التقييم الدولية :

التقارير المكثفة اللى أصدرتها مؤسسات التقييم الدولية زى #موديز و #فيتش و #ستاندرد_أند_بورز و وكالات زى #بلومبيرج و #CNBC و حتى مجلات إقتصادية زى #الإيكونوميست .. كلهم تقريباً انتقدوا و فى وقت متقارب للغاية إن التدخل فى سياسات البنك المركزى عامل مؤثر هيؤدى لإنخفاض سعر الليرة التركية .. أغلبهم انتقد عجز الميزان التجارى المتزايد .. أغلبهم قال إن المستقبل غير واضح و إن ده فى خطورة على الإستثمار الأجنبى فى تركيا .. الإجماع أو شبه الإجماع ده كان أهم النقط اللى إرتكز عليها النظام التركى فى ترويجه لنظرية المؤامرة خاصة و إن أرقام الإقتصاد كويسة جداً على حسب تعبيرهم

ــــــ

5 – الخلاف بين الرئيس و البنك المركزى التركى :

من 4 سنين تقريباً بدأ الخلاف بين إردوجان و البنك المركزى التركى .. إردوجان عاوز يقلل سعر الفايدة لإنه شايف إنها سبب التضخم و زيادة الأسعار لدرجة إنه سمى الإقتصاديين اللى بينادوا برفع سعر الفايدة ب #لوبى_سعر_الفائدة .. البنك المركزى من ناحية تانية طلب أكتر من مرة رفع سعر الفايدة للسيطرة على التضخم و إنخفاض سعر الليرة و رؤيتهم دى كانت مبنية على نقطة جوهرية و هى إن سعر الليرة منهارش فى أخر 3 شهور فجأة .. سعر الليرة بينخفض فعلياً من 10 سنين .. الدولار فى أغسطس 2008 كان بيساوى 1.15 ليرة .. النهاردة الدولار ب 4.65 ليرة

بالنسبة للى مش فاهم العلاقة بين سعر الفايدة و التضخم و الأسعار فأنا كتبت أكتر من مقال عن النقطة دى لو حد حب يطلع عليها

http://cutt.us/tUyiU
http://cutt.us/EUO7H
http://cutt.us/4CjOz

ــــــ

6 – تصريحات إردوجان :

إردوجان صرح برغبته فى تخفيض سعر الفايدة لو نجح فى الإنتخابات و ده خلى كتير من الأتراك يتوقع إستمرار إنخفاض سعر الليرة و بطبيعة الحال خلق نوع من الخوف الجماعى عند الناس خلاهم يحولوا مدخراتهم اللى كانت بالليرة إلى الدولار .. طبعاً هو حاول بعد كده معالجة الأمر بنداءاته للشعب بشراء الليرة مرة أخرى و لكن كانت الأمور فلتت بالفعل و خسرت الليرة 12 % من قيمتها فى ال 10 أيام اللى تلت التصريح

ــــــ

7 – خروج رؤوس الأموال الأجنبية :

مع إنتشار حالة الفزع من إنهيار الليرة التركية كان من الطبيعى جداً تحويل الغالبية العظمى من الشعب أو حتى المؤسسات و الشركات سيولتها لعملات أجنبية و على رأسها الدولار و كتير منها إتحول لبنوك أجنبية .. بعض رجال الأعمال صفوا مشروعاتهم هناك أو قللوها لأقل حد ممكن لحد ما يشوفوا نتيجة الإنتخابات التركية و السياسة المتبعة بعدها .. كل ده له عامل فى نقص السيولة الأجنبية فى السوق التركى و ده بالتبعية هيخفض سعر الليرة

ـــــ

8 – صعوبة التصرف فى الإحتياطى التركى :

الإحتياطى التركى كبير فعلاً .. حوالى 135 مليار دولار .. إلا إن جزء كبير منه عبارة عن إحتياطى ذهبى بالإضافة للإحتياطى الإلزامى الخاص بالبنوك العاملة فى تركيا و المتبقى منه ممكن ميغطيش الديون قصيرة الأجل فى حالة حدوث أزمات أكبر فى التدفقات النقدية لتركيا

ـــــ

9 – إنخفاض الدخل السياحى نسبياً :

الدخل السياحى التركى كان طبيعى جداً إنه يكسر 30 مليار دولار فى السنة .. تركيا سادس أكبر وجهة سياحية فى العالم .. فى 2014 مثلاً دخلها السياحى كان 32.3 مليار دولار .. فى 2015 كان الدخل 31.46 مليار دولار و فى 2016 حصل الإنخفاض الكبير بسبب العمليات الإرهابية و الإنقلاب العسكرى فنزل الإيراد السياحى ل 22.11 مليار دولار و تحسن الوضع نسبياً فى 2017 و وصل ل 26 مليار دولار

الأرقام اللى فاتت بتوضح إن تركيا خسرت بس فى أخر سنتين من 12 : 16 مليار دولار و لو ضيفنا الرقم ده لباقى البنود هنقدر نحط تصور عن إنخفاض سعر الليرة الحالى

ــــــــــــ

* الأسباب السياسية :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 – العمليات العسكرية فى سوريا و العراق :

الإنغماس التركى فى الداخل السورى و العراقى تكلفته المادية عالية بالتأكيد و لو ضفنا عليهم العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستانى فالتكلفة تقريباً هتبقى مضاعفة .. كل ده بيأثر جداً فى رصيد العملة الأجنبية

ـــــ

2 – الإنقلاب العسكرى :

الإنقلاب العسكرى اللى تم ضد نظام إردوجان كان له أثر بالتأكيد حتى لو فشل لإن مجرد حدوث هزة سياسية بالشكل ده من شأنها التأثير على نواحى كتير فى البلد أهمها السياحة و الإستثمار الأجنبى

ـــــ

3 – سياسة إردوجان القمعية :

إردوجان و بالرغم من إنه حقق طفرة إقتصادية لا تخطئها عين و بالرغم من تضاعف الناتج المحلى فى عهده لأرقام تعتبر فلكية إذا ما قورنت بالأنظمة السابقة ليه إلا إنه فى النهاية حاكم سياسته قمعية و إزدادت طريقته دى بعد محاولة الإنقلاب عليه فمن أول حبس الصحفيين وصولاً لحبس قيادات الجيش سواء اللى شاركت فى الإنقلاب عليه أو حتى اللى إشتبه فى مشاركتهم فى الإنقلاب مروراً بحبس طلبة و كتاب و معارضين سياسيين و وصم الكثير منهم بالإرهاب و أخيراً محاولة السيطرة على قرار البنك المركزى .. مش بقول إن القمع ده سبب رئيسى فى الإنهيار الإقتصادى و لكنه سبب بديهى .. عدم الإستقرار السياسى بيؤدى بلا شك لإهتزاز إقتصادى ..

ـــــ

4 – توتر العلاقات مع الإتحاد الأوروبى و بعض دول الشرق الأوسط :

توتر علاقة تركيا بالإتحاد الأوروبى و تعثر مفاوضات الإنضمام له المستمر و مسألة المساومة التركية للإتحاد الأوروبى بورقة اللاجئين و إستغلاله لإنه بوابة ممتازة لضخ الغاز لأوروبا خاصة لو كان من الشرق الأوسط كل دى عوامل كان لها أثر فى إهتزاز العلاقات التجارية مع الإتحاد الاوروبى و طبعاً الأثر هيبقى أكبر خاصة لو عرفنا إن الإتحاد بيمثل تقريباً 45 % من سوق التصدير التركى .. و لو أضفنا للتوتر الأوروبى العلاقة السيئة مع بعض دول الخليج العربى زى السعودية و الإمارات بما يملكوه من قدرة شرائية كبيرة هنقدر نكون صورة عن حجم الإهتزاز الإقتصادى اللى تعرضت له تركيا فى السنين القليلة اللى فاتت

ـــــ

* اللى فات ده كان سرد سريع للأسباب اللى أدت لإنهيار الليرة التركية من وجهة نظرى و زى ما شفتم منها أسباب داخلية و منها خارجية بعضها إقتصادى و بعضها سياسى .. بعضها تسبب فيها إردوجان بنفسه و بعضها فرضته الظروف عليه .. فى الجزء الثانى إن شاء الله هنتكلم عن نتائج و عواقب إنهيار سعر الليرة .. إيه اللى ممكن يحصل لتركيا فى حالة إستمرار النزيف .. و أخيراً هكتب وجهة نظرى الشخصية فى إذا ما كان السبب فى إنخفاض الليرة أخطاء سياسية و إقتصادية من النظام التركى و لا هى مؤامرة فعلاً كما يتم الترويج لها ..