البرازيل .. مزيجاً من الإشتراكية و الرأسمالية ( جـ 1 )

البرازيل .. مزيجاً من الإشتراكية و الرأسمالية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجزء الأول :
ــــــــــــــــــــــ

نظرة تاريخية :
ـــــــــــــــــــــــ

* لشبونة .. أواخر إبريل عام 1500 ..

قام الرحالة البرتغالى #بيدرو_ألفاريس_كابرال برحلة هدفها الأساسى إكتشاف و حيازة أرض جديدة لصالح الإمبراطورية البرتغالية بناءاً على أمر الملك #مانويل_الأول .. تلك الرحلة ستنتهى بالرسو على سواحل #هومونتى_باسكوال فى ولاية #باهيا البرازيلية حالياً ..

تلك كانت أول مساحة تكتشف من أرض البرازيل ..

ـــــ

* تحولت البرازيل خلال فترة قصيرة إلى مستعمرة تتبع الإمبراطورية البرتغالية مستولية بذلك على خيراتها و مواردها الطبيعية بداية من الخشب الأحمر و الذى أطلق عليه السكان المحليون #باو_برازيل – و هو سبب التسمية بالمناسبة – وصولاً إلى المحاصيل الزراعية من البن و الكاكاو و الخضروات بأشكالها .. البرازيل كانت تمثل سلة غذاء حقيقية للبرتغاليين و على مدار 322 عاماً متتالية كانت البرازيل هى فخر الإمبراطورية و داعمها الإقتصادى الأكبر حتى إن البرتغال إتخذت مدينة ريو دى جانيرو كعاصمة بديلة لها بعدما تعرضت للغزو على يد القائد الفرنسى نابليون بونابرت ..

ـــــ

* عام 1822 نالت البرازيل إستقلالها و تحول نظامها السياسى إلى النظام الملكى ثم بعد 67 عاماً و تحديداً عام 1889 تغير النظام السياسى إلى النظام الجمهورى و هو ما أسفر عن تقلد #ديودورو_دا_فونسيكا منصبه كأول رئيس للجمهورية البرازيلية الوليدة ثم بعد 41 عاماً أخرى و تحديداً عام 1930 حدث إنقلاب عسكرى مدعوماً نسبياً ببعض الزخم الشعبى أسفر عن تقلد الرئيس #جيتوليو_فارجاس زمام الأمور و على الرغم من عسكرة تلك الفترة نسبياً إلا أنها تميزت بوضع أسس التصنيع فى البرازيل و ساهمت فى تأسيس شركة البترول الأولى فى البرازيل #بتروبراس و أقرت حقوق المرأة فى الإنتخاب و ابتكرت المجمعات الإنتخابية و سمحت بالنقابات العمالية و أقرت حق الشعب فى الضمان الإجتماعى و بالرغم من كل ما فات إلا أنها تعد ثورة منقوصة لأن مشاركة المجتمع المدنى فى السلطة كان ضعيفاً للغاية فالعسكريين كانوا يتقلدون المناصب الرفيعة فى الدولة بالإضافة لإهدار حقوق المزارعين بالكامل حيث لم يكن يسمح لهم بإمتلاك الأراضى .. كل هذا حدث على الرغم من كون الرئيس فارجاس يسارياً ..

ـــــ

* بعد 34 عاماً و تحديداً عام 1964 استولى العسكريين تماماً على مقدرات الدولة بعد إنقلاب عسكرى على الرئيس اليسارى #جواو_جولار .. بعدها صار من المستحيل تقريباً أن تجد مدنياً يتقلد منصباً أو تكون له سلطة من أى نوع .. استبد العسكريين فى حكمهم للدولة و بدأ مسلسل الإنهيار الإقتصادى من تلك المرحلة .. ضاعت حقوق العمال تماماً و قل الناتج المحلى و قلت السلع فى الأسواق و زادت الأسعار و لتمويل المشروعات القومية قامت السلطات بالإقتراض داخلياً و خارجياً بشكل غير محسوب فارتفع الدين و صارت الدولة مكبلة و غير قادرة على النهوض أو حتى تلبية إحتياجات الشعب و هو ما دعى لوجود مرحلة إنتقالية تمهيداً لتسليم السلطة للمدنيين .. تلك المرحلة استمرت قرابة العشر سنوات تولى فيهم السلطة الرئيسان #إرنستو_جيزيل و #جواو_فيجوريدو قاموا فيها بتهيئة الأرض لتسليم السلطة للمدنيين مقابل الحفاظ على إمتيازات العسكريين السابقيين و عدم عقاب أو محاكمة أى منهم ..

ـــــ

* بدءاً من عام 1985 تعاقب على رئاسة البرازيل 8 رؤساء مدنيين فى البداية كانت مهمتهم صعبة و ثقيلة و لم يستطيعوا الفكاك من الآثار السلبية الخطيرة لحجم الديون بل إن وتيرة الدين إستمرت و ارتفعت و وصلت نسبة التضخم لأرقام قياسية و زاد معدل الفقر و الجريمة بشكل غير مسبوق و ظن أغلب المتابعين للحالة البرازيلية أن الدولة فى طريقها للإنهيار حتماً .. مواجهة الأزمة بدأت نسبياً منذ عهد الرئيس #فرناندو_إنريك_كاردوسو ثم تبعها القفزة الإقتصادية الكبرى فى عهد الرئيس #لويس_إيناسيو_لولا_دا_سيلفا ..

ـــــ

ملامح الأزمة الإقتصادية فى عهد كاردوسو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من قبل ولاية الرئيس كاردوسو كان حكام البرازيل يتبنون سياسات رأسمالية و كانت خططهم الإصلاحية تتبنى سياسات السوق الحر على الرغم من أن البرازيل وقتها لم تكن لتقوى على منافسة الأسواق الأعلى تقنية و تجهيزاً .. عندها تتحول الكثافة السكانية إلى نقمة على الإقتصاد .. لو كانت الدولة منتجة لكان تعداد السكان ميزة كبرى .. أما أن تكون دولة تنتهج سياسات السوق المفتوح مع عدم قدرتها على منافسة البضائع الواردة إليها فهذا يعد إنتحار .. ساهم ذلك فى زيادة الفجوة التمويلية للدولة و زاد معها عجز الموازنة بالتدريج و هو ما أجبر كل الحكام المدنيين على الإستمرار فى آلية الديون لسد ذلك العجز و كاردوسو لم يكن إستثناءاً بل على العكس ففترة الرجل شهدت إرتفاعاً مفزعاً فى حجم الدين الداخلى و الخارجى فداخلياً إرتفع الدين المحلى بنسبة 900 % و خارجياً وصل الدين إلى 100 مليار دولار خلال فترة رئاسته و 250 مليار دولار إجمالاً أى أن الرجل إقترض ما يعادل 66 % من إجمالى ديون البرازيل الخارجية قبل وصوله للسلطة .. زاد على ذلك أن الرجل كان يتفاوض مع صندوق النقد الدولى على قرض أخر بقيمة 30 مليار دولار إلا أن إنتهاء فترة رئاسته حال دون إتمام المفاوضات ..

ـــــ

* بالرغم من الأرقام السابقة فإن الأكاديميين البرازيليين لا ينظرون إلى الرجل نظرة الفاشل .. كاردوسو كان وزيراً للمالية قبل تسلمه حقيبة الرئاسة و هو ما يعنى أن الرجل كان على علم بأبعاد المشكلة قبل تقلده منصب الرئيس و هو ما جعل إجراءاته معتبرة فى عيون المراقبين .. أيضاً لم يلام الرجل على سياسته الإقتراضية كون تلك القروض كانت بسبب الضعف العام للإقتصاد البرازيلى فترة الحكم العسكرى حيث تم تجريف الصناعة و الزراعة بشكل شبه كامل خلال الفترة من 1964 و حتى 1985 و إن كانت خفت وتيرتها نسبياً فى أخر 4 سنوات ..

بخلاف السببين السابقين على قوتهما إلا أنه هناك سبباً أكثر قوة يدعو إلى إبراء ذمة الرجل .. ذلك السبب ببساطة كان #Plano_Real

ـــــ

* بلانو ريال أو #خطة_الريال هى الخطة التى رسمها كاردوسو منذ أن كان وزيراً للمالية للسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة بإضطراد ففى حقيقة الأمر البرازيل كانت تعانى من تضخم مفرط #hyper_inflation و هو ما أوصل نسبة التضخم إلى 2500 % تقريباً حتى وصل الأمر إلى تحديد أسعار السلع بشكل شبه يومى بسبب إنهيار العملة الوطنية ..

ما أن وصل كاردوسو إلى سدة الحكم حتى شرع بتنفيذ خطته ..

ـــــ

* البرازيل كانت تتعامل بعملتها المحلية #الكروزيرو و لكن بسبب الضعف العام فى الإنتاج المحلى إنهارت قيمة العملة المحلية و تبعه إرتفاع فى قيمة الديون الخارجية المقومة بالدولار و هو ما عطل وتيرة التنمية بشكل حاد لأن انخفاض سعر الكروزيرو كان يأكل أى تقدم يتم إحرازه لذا كانت هناك ضرورة لإستبدال العملة القديمة بأخرى جديدة لإحداث حالة من الثقة فى الأسواق و لكن تغيير العملة بشكل مباشر قد لا يحقق المطلوب منه كون المعطيات على أرض الواقع واحدة و بالتالى نظرة الناس لها قد لا تتغير و هنا تظهر عبقرية فكرة الرئيس كاردوسو حيث اشتملت خطته على إصدار وحدة قيمة إفتراضية بديلة للكروزيرو تساوى فى قيمتها الدولار الأمريكى تم تسميتها ب #Unidade_Real_de_Valor #URV أو وحدة القيمة الحقيقية ..

ـــــ

* الوحدة الإفتراضية أو ال URV و التى تساوى فى قيمتها الدولار الأمريكى تقريباً تم عن طريقها إحتساب نفقات و إيرادات الدولة قياساً على نسبة التضخم الحالى لا التاريخى فإذا إزداد التضخم بنسبة 1 % فى اليوم إرتفعت الأجور بنفس النسبة و أيضاً زادت فواتير الكهرباء و المياه و كافة أسعار الخدمات الحكومية بنفس النسبة مع تثبيت قيمة ال URV دون تحريكها فأصبحت أسعار المنتجات تزداد فعلياً فى السوق و لكن يقابلها إرتفاع فى الأجور يقابل تلك الزيادة فزادت ثقة الشعب فى العملة الإفتراضية البديلة .. و كلما زادت ثقتهم فى الوحدة الإفتراضية انهارت ثقتهم فى الكروزيرو البرازيلى حتى وصلت قيمة الدولار الأمريكى إلى ما يزيد عن 11000 كروزيرو ..

ـــــ

* بازدياد ثقة الشعب فى الوحدة الإفتراضية قام البنك المركزى بإصدار العملة الجديدة و أسماها #الريال و أعطى مهلة سماح لتبديل العملات القديمة بالريال الجديد فكان كل ريال يساوى 2750 كروزيرو و بالتدريج انخفض التضخم من تلك النسب التاريخية إلى معدلات طبيعية تراوحت بين 15 : 45 % .. خطة كاردوسو على الرغم من عبقريتها إلا أن تكاليفها كانت عالية جداً .. فاتورة تثبيت قيمة العملة الجديدة كلف الدولة الكثير من رصيد الإحتياطى و هو ما رفع فاتورة الدين الخارجى بذلك الشكل المخيف الذى تم ذكره مسبقاً ..

* بمعنى أخر .. الرجل بدلاً من إقتتال الناس على الخبز فى الشوارع و انهيار المجتمع و الذى سيتبعه إنهيار الدولة بلا شك قام بالإقتراض و لكن وجه القروض فى تثبيت قيمة عملته و هو ما تسبب فى خسارة الكثير من الأموال إلا أنه عاد بالأسعار إلى نطاقها الطبيعى فحفظ الأمن و السلام الداخلى ..

تكلفة عالية بالتأكيد إلا أنها نجحت مقارنة بظروف البرازيل وقتها ..

ـــــ

* فى الجزء الثانى سنتحدث عن ملامح النهضة فى فترة الرئيس لولا دا سيلفا فى مجالات مكافحة الفقر و العدالة الإجتماعية و أيضاً فى مجالا الإستثمار و الصناعة و الزراعة و السياحة و فى النهاية سنحاول توضيح كيفية إستفادة مصر من تلك النهضة العظيم التى حدثت فى هذا البلد اللاتينى الكبير ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فى الصورة :
ــــــــــــــــــــ

الرئيس فرناندو إنريك كاردوسو يقف خلف صورة للعملة الجديدة عام 1994

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ