الصين .. تاريخ نهضة ( جـ 2 )

الصين .. تاريخ نهضة
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجزء الثانى :
ـــــــــــــــــــــ

* إذا كانت الصين هى أكبر مصدر فى العالم فجدير بالذكر أنها ثانى أكبر مستورد ب 1.27 تريليون دولار فبسبب وتيرتها الصناعية المتصاعدة أصبحت تحتاج إلى مواد خام و مصادر للطاقة بشكل متزايد و هو يتزايد كل عام بمعدلات أكبر من سابقه فالصين يتوقع لها أن يتصدر إقتصادها العالم بحلول عام 2030 بناتج قومى إجمالى يقترب من 34 تريليون دولار .. و بنظرة سريعة إلى أكثر 5 عناصر تقوم الصين بإستيرادهم سنجدهم كالآتى :

– النفط الخام بنسبة 9.4 % بما يعادل 119 مليار دولار
– الشرائح الإليكترونية بنسبة 7.5 % بما يعادل 95.2 مليار دولار
– الذهب بنسبة 5.2 % بما يعادل 65.8 مليار دولار
– خام الحديد بنسبة 3.4 % بما يعادل 42.9 مليار دولار
– السيارات بنسبة 3 % بما يعادل 38.5 % مليار دولار

* ما سبق يؤكد أن ما تم إنجازه فى المجال الزراعى يعد هائلاً فالصين التى كانت تعانى يوماً ما من ضعف النشاط الزراعى و وصل بها الحال لحدوث مجاعات أودت بحياة الملايين الآن عندها إكتفاء ذاتى نسبى فلا تجد ضمن أوائل قائمة إستيرادها أى نوع من أنواع المحاصيل الزراعية و أقرب محصول فى تلك القائمة هو فول الصويا و الذى تستورده بقيمة 31 مليار دولار فقط و إجمالاً فإستيراد الصين من المحاصيل الزراعية و الزيوت لا يتخطى ال 80 مليار دولار و هو مبلغ يكاد لا يذكر إذا ما قورن بعدد سكانها الرهيب ..

ــــ

* هناك ملحوظة مهمة فى تلك القائمة يجب الإشارة إليها و هى حلول الذهب فى المركز الثالث حيث أن الصين هى صاحبة المركز الأول عالمياً فى الإستحواذ على الإحتياطى الذهبى أى أنها تعتبر أعلى بلاد العالم فى معدلات شراء الذهب و ذلك لأنها تعتبره مخزن القيمة الحقيقى أماناً لها فى حالة حدوث إضطرابات سياسية عالمية و إجمالاً فالصين تستورد سنوياً معادن نفيسة بقيمة 80 مليار دولار إما للإحتفاظ بها ضمن الإحتياطى و إما للإتجار بها .. ما سبق لا ينفى أبداً إهتمامها بالجانب المالى فالصين هى صاحبة الإحتياطى النقدى الأجنبى الأكبر فى العالم ب 3.9 تريليون دولار و أيضاً أكبر مستثمر فى أذون الخزانة الأمريكية ب 1.244 تريليون دولار ..

ــــ

* أرقام إقتصادية رائعة دائماً ما يشكك بها الإقتصاديين الأمريكيين و الأوروبيين متهمين الصين بتزييف أرقام نموها الإقتصادى لإظهار الوضع الإقتصادى بالشكل الأمثل لجذب الإستثمارات الأجنبية للسوق الصينى و أيضاً يتهمونها بتخفيض قيمة عملتها #اليوان لإعطائها ميزة تنافسية أمام نظرائها من الدول الأخرى .. اتهامات لن تغير من الأمر شيئاً لأن عامل الكثافة السكانية يجعل الصين سوقاً جاذباً للإستثمارات بدون حتى بذل مجهود إضافى من الحكومة الصينية و معها سيبقى الإقتصاد الصينى هو الثانى عالمياً بناتج إجمالى محلى 11.392 تريليون دولار ..

ــــ

* الصين فى حقيقة الأمر تعد نموذجاً عظيماً لكل دولة ترغب فى تحقيق نهضة إقتصادية لأنها استطاعت إستغلال مقوماتها الطبيعية أحسن إستغلال فى الوقت الذى ظن البعض أن عدد سكانها الكبير سيكون عائقاً أمامها لأى نهضة ممكنة .. 1.35 مليار نسمة يعيشون على أرض مساحتها 9.6 مليون كم مربع استطاعوا تحقيق نقلة هائلة و طفرة نوعية فى كافة الأنشطة الإقتصادية كالزراعة و الصناعة و التجارة و هو ما انعكس داخلياً على أنظمة التعليم و الرعاية الصحية و البنية التحتية من طرق و وسائل مواصلات بالإضافة لتطورها عسكرياً بشكل يؤهلها أن تقود العالم فى المستقبل .. بإختصار فقد ظهر التطور واضحاً على كل أشكال الحياة فى الصين ..

ــــ

* أما فيما يخص إمكانية تطبيق تجربة الصين التنموية فى مصر فيجدر بنا الإشارة إلى تشابه البداية بالنسبة للدولتين حيث بدأ مخطط النهضة لهما فى فترة الخمسينات و على الرغم من التحديات التى قابلت الصين من جهل و فقر و مرض و عدد سكان كبير و سوء توزيع فى الثروة إلا أنها استطاعت و بجدارة فى عبور تلك الأزمات فى الوقت التى كانت مصر من أكثر دول العالم استحواذاً على إحتياطى الذهب و كان المستوى التعليمى فيها أفضل بمراحل مقارنة بالصين خاصة التعليم الجامعى و الذى كانت تأتيه بعض البعثات الأجنبية لأخذ شهادتهم منها إلا أن الواقع الفعلى يشهد تراجعاً بشكل شبه مستمر .. بالتأكيد نتائج التجربتين تميل بشدة إلى المارد الصينى فى الوقت التى لا تزال فيه مصر تبحث عن الطريق و هذا يرجع إلى عدة عوامل :

1 – تهيئة المناخ الإستثمارى الداخلى قبل الإنفتاح عالمياً :

فى الوقت الذى دعمت الصين فيه نفسها و أسست بنية تحتية صناعية و زراعية قوية قبل أن تنفتح على الأسواق العالمية كانت مصر تمر بظروف إقليمية غاية فى الصعوبة بسبب الحروب التى دخلتها و هو ما استنزف كثيراً من ثرواتها و عطل مسيرة تقدمها فلما حاولت أن تأخذ الإتجاه الرأسمالى كانت بنيتها قد ضعفت تماماً فلم تستطع مجاراة نظيرتها الأجنبية ما أضر بالمردود المتوقع من التجربة .

ــــ

2 – سلاسة تحول النظام الإقتصادى :

– تحول الصين من نظام إشتراكى إلى نظام رأسمالى مر بفترة وسطى كان النظام فيه هجيناً بين الإثنان فمر الأمر بسلام على الإستثمار المحلى فلم يتأثر بالإضطرابات الملازمة لعملية التحول ففى الوقت الذى خففت فيه الدولة قبضتها عن إدارة كل شيء بالبلاد بالتدريج و إعطاء الفرصة للقطاع الخاص المحلى و الأجنبى للإشتراك فى تنمية الدولة نجد مصر لا تزال تواجه صعوبات فى دمج القطاع الخاص فى تسيير شئون الدولة و دائماً ما يتهم هذا القطاع بعدم قدرته على تحمل قطاعات كاملة فى الدولة و الآفة الكبرى التى واجهت مصر فى تلك النقطة هو الإنفتاح الإقتصادى الغير محسوب و خصخصة الشركات المصرية بدون وجود خطة مستقبلية واضحة المعالم .

ــــ

3 – التأكد من موائمة قوانين الإستثمار لمتطلبات السوق :

استطاعت الصين إصدار قوانين للإستثمار فى كل حقبة زمنية تستوعب مخاوف المستثمر الأجنبى من الدخول فى سوق ناشىء مثل السوق الصينى مع وضع شروط من شأنها عدم الإضرار بمصالح الدولة فى الوقت الذى طبقت مصر نظام الخصخصة بشكل خاطىء نسبياً فتم بيع بعض المشروعات الناجحة مع إستمرار الإحتفاظ بالشركات الخاسرة التى مثل الإحتفاظ بها عبئاً على الدولة بالإضافة لإستمرار المحاولات فى إصدار قانون للإستثمار يوازن بين مصالح الدولة و مصالح المستثمرين و هو ما يعد فى حالة الوصول إليه دافعاً و داعماً لزيادة الإستثمار الأجنبى .

ــــ

4 – التركيز على مواطن القوة فى الإقتصاد :

الصين إستطاعت بالتركيز على الصناعات الإستراتيجية فيها الوصول لأفضل إستفادة ممكنة فالتركيز على زراعة الأرز أو صناعات مثل الحديد و الصلب و الفحم أمن للصين تميزها فى تلك النشاطات ما أعتبر قاطرة للنمو تجر باقى قطاعات الدولة بالتدريج فى المقابل فإن مصر بعد أن كانت تمتلك سلعاً إستراتيجية مثل القطن مثلاً أو صناعات مهمة مثل الغزل و النسيج و الموبيليا أهملت الإعتماد عليهم أو تطويرهم حتى تجاوزنا الزمن و أصبح إنتاجنا لا ينافس مثيله الأجنبى و حتى عندما أردنا أن نحرر إقتصادنا لم نركز على نشاطات إنتاجية نحن متميزون فيها مثل القطن أو الموبيليا و لم نركز على الخصائص الطبيعية التى حبانا الله بها مثل الرمال البيضاء و التى تستخدم فى صناعة الزجاج أو تنمية قطاع الطاقة النظيفة بإستغلال الصحراء الغربية أفضل مكان فى العالم يمكن أن ينتج الكهرباء من الطاقة الشمسية بل أردنا نمواً شاملاً فى وقت قصير لا يتفق مع إمكانياتنا المتاحة و قد يكون ذلك بسبب رغبتنا فى تعويض ما فاتنا إلا أن الواقع يقول أننا لم نوفق فى ذلك لتشتت الجهود على كل المجالات .

ــــ

5 – ربط الحوافز بجودة الإنتاج :

ربطت الصين فى بعض مراحل تجربتها معدل الأجور بجودة الإنتاج و كميته و هو ما أعطى الشعب الدافع لزيادة الكمية المنتجة مع الحفاظ على جودة المنتج النهائى طالما يصب ذلك فى النهاية فى مصلحته و بهذا فقد ربطت الصين المصلحة الشخصية للشعب بالمصلحة العامة للدولة ككل فشعر المواطن الصينى أنه شريك فى عملية التنمية و أنه جزء منها و أن العائد على تلك العملية الإنتاجية يراه بعينه كزيادة فى دخله الشهرى .. فى المقابل فإن مصر و إن كانت بعض الشركات و المصانع يطبقوا هذا المبدأ بالفعل إلا أنه يجب تطبيقه بشكل عام على كل الشركات و المصانع لتحسين جودة المنتج و زيادة تنافسيته و أيضاً ترسيخ الشعور بالأمان للعمال أنه كلما اجتهدوا فى تطبيق معايير الجودة كلما ارتفعت أجورهم و حوافزهم و هذا سيخلق عندهم الدافع و يعطيهم الأمل فى غد أفضل ..

ــــ

* أخيراً
ــــــــــــ

مصر تملك من الإمكانيات ما يؤهلها لأن تبدأ بداية أفضل من تلك التى بدأتها الصين .. الصين بدأت فعلياً من تحت الصفر بكثير أما نحن فنملك عديد الإمكانيات .. لدينا الأيدى العاملة .. لدينا سوق كبير يمثل إغراء للإستثمار الأجنبى .. لدينا بنية تحتية نستطيع البناء عليها و تطويرها .. هيكل الدولة موجود فلدينا مؤسسات تمثل ضماناً و أماناً للإستثمار الأجنبى بشرط أن نحاول إزالة مخاوفهم التى تكونت فى السنوات الماضية .. لدينا ثلث آثار العالم .. لدينا بحرين و مجرى مائى يصل شرق العالم بغربه .. لدينا كل شيء يجعلنا نؤمن بأنفسنا و بأنه يمكننا أن نحيا حاضراً و مستقبلاً أفضل بشرط توفر العزيمة و الإرادة و صدق النية لتنفيذ ذلك ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ