الفلبين .. إستفاقة تأخرت كثيراً ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الرابع :
ــــــــــــــــــــ
* كبّل صندوق النقد الدولى الفلبين بالديون و على الرغم من إنتهاء حكم ماركوس فعلياً إلا أن الفلبين كانت قد وقعت فى براثن الديون بالفعل .. لم يعد هناك جدوى من المقاومة و إن حاولت السيدة #كورازون_أكينو التملص من الديون بحجة أنها جاءت عن طريق ديكتاتور لم يضع مصلحة شعبه نصب عينيه .. ماركوس إستدان لترسيخ أركان حكمه و لم يعود على الفلبينيين شيىء مما إستدانه .. الآن الشعب مطالب بتسديد فاتورة سكوته على تخريب ماركوس المستمر طوال فترة حكمه ..
* فى البداية حاولت السيدة أكينو السعى وراء إسترداد ما سلبه ماركوس و زوجته .. أنشأت #لجنة_الحكم_الرشيد لتتبع ثروة ماركوس و تم تقديرها حينها بحوالى 10 مليارات دولارات .. حاولت اللجنة قدر إستطاعتها إسترداد تلك الأموال و لكن الآن و بعد مرور 31 عاماً من نهب ماركوس لأموال الفلبينيين لم يدخل خزينة الدولة سوى 4 مليارات دولار فقط .. كورازون أكينو كانت سيدة حسنة النية و لكن الظروف المحيطة بها كانت أقوى منها ..
* حاولت السيدة أكينو بعدها التنصل من سداد ديون ماركوس و التى وصلت وقت بداية حكمها إلى 26 مليار دولار و لكن حدث خطأ واحد منها جعلها تتراجع عن مخططها للتبرؤ من الديون أو على الأقل إعادة جدولتها بما لا يعطل مسيرة نمو الفلبين .. كان ضمن حكومتها بعض رجال ماركوس و هم بالتبعية رجال صندوق النقد مثل وزير المالية و محافظ البنك المركزى .. هؤلاء الرجال هددوا بتقديم إستقالتهم فى حالة الإصرار على طلب إلغاء الديون أو جدولتها متعللين بخسارة الفلبين للدعم الغربى و المساعدات الأجنبية و التى هى فى أمس الحاجة إليها فى ذلك الوقت .. رضخت لهم – بكل أسف – و لم تكن تعلم ما يترتب على تلك الموافقة ..
* على الطرف الأخر رفض الدائنون أى تسوية تخص الديون ما عجل بموافقة أكينو على الإلتزام بسداد أقساط الديون فى موعدها .. فى المقابل أعدت الولايات المتحدة خطة لمساعدة الإقتصاد الفلبينى مثل إقتراحات بالتوسع فى إستثمارات القطاع الخاص و تعزيز التبادل التجارى قدر المستطاع .. عبارات رنانة تجعل أى شخص يحلم بمستقبل واعد .. مقابل ذلك تلتزم الفلبين بسداد ما يعادل 4 مليار بيسو بالدولار الأمريكى خلال 6 سنوات .. ماحدث أن الفلبين لم تكن تملك لكن تلك لم تكن مشكلة طالما أمريكا و مؤسساتها النقدية أرادت مساعدة الفلبين .. كل ما عليكى سيدة أكينو أن تقبلى أن تقترضى مبلغ جديد لسداد ديونك القديمة .. إقترضت البلاد ما يعادل 9 مليار بيسو لسد لتمويل ذلك السداد .. زاد الدين الخارجى من 26.2 مليار دولار إلى 33.2 مليار دولار .. الفلبين عالجت الخطأ بخطأ أكبر و اختارت بإرادتها الحرة – تلك المرة – أن تدخل إلى عرين الدب ..
* استمرت الرئيسة أكينو فى تطبيق برنامج صندوق النقد و البنك الدولى و من ورائهم خطة الولايات المتحدة لمساعدة البلاد فقاموا بإقراضها 500 مليون دولار عامى 1987 و 1988 مقابل تسريع عجلة خصخصة شركات القطاع العام و هو ما تم بالفعل .. بدأت الدولة تبيع ممتلكاتها بالقطعة و بأبخس الأثمان .. خلال 5 سنوات زادت ديون الفلبين فعلياً بحوالى 2 مليار دولار أخرى .. معها زادت خدمة الديون و إرتفعت بالتدريج مع توالى السنين حتى وصلت فى عهد الرئيس #بنينو_أكينو_الثالث عام 2010 إلى 634 مليار بيسو خلال 10 شهور فقط .. أصبح من كل 100 بيسو يجنيها الإقتصاد الفلبينى يتم دفع ما بين 42 : 55 بيسو لسداد الديون .. كان هذا مدعاة لسرور البنك الدولى و صندوق النقد و باقى دائنى الفلبين ..
* تحت وطأة الديون الجديدة وجدت الفلبين نفسها مجبرة على تطبيق سياسات صندوق النقد .. السياسات التى ظاهرها الرحمة و باطنها العذاب .. توصيات مثل تقليل الإنفاق و تقليل الواردات مثلاً قد تظن أنها تحمل خيراً للبلاد و لكن فى المقابل لتلك التوصيات كان هناك شروطاً تمثلت فى تحرير التجارة و عدم فرض قيود على الواردات و تقليل الجمارك و تقليل الدعم و هو ما يتعارض بعضه مع العبارات المبهرة المذكورة فى تقارير صندوق النقد الدولى .. أُجبرت الفلبين على تقليل إنفاقها الممثل فى دعم مواطنيها و على رأسهم فئة الفلاحين .. مع الوقت وجد الفلاحين أنفسهم بلا مساعدة و محصولهم تكاليفه إرتفعت بسبب قلة الدعم المقدم لهم .. ذلك قد يكون مقبولاً لو لم يفتح باب إستيراد المحاصيل الزراعية لأنه و فى حين كان محصولهم المحلى يباع بثمن غالى كانت المحاصيل المستوردة أرخص ثمناً و أكثر توفراً .. تحولت الفلبين خلال سنوات قليلة من دولة مكتفية زراعياً إلى دولة مستوردة لأهم محاصيلها على الإطلاق .. الأرز .. تحولت الفلبين من واحدة من أكبر منتجى الأرز إلى واحدة من أكبر مستورديه على مستوى العالم ..
* خلال فترة رئاسة السيدة أكينو كان 9 % من الناتج المحلى الإجمالى يخصص كمدفوعات لخدمة الديون .. فوائد الديون وصلت إلى 5.21 مليار دولار و خلال الفترة من 1986 و حتى 1993 دفعت الفلبين 30 مليار دولار و وصل نسبة سداد الديون إلى 28 % من إجمالى الإنفاق الحكومى بعد أن كانت 7 % فقط .. تم تخفيض ما تنفقه الدولة لتشجيع الإستثمار من 26 % إلى 16 % فقط .. أصبح سداد الديون هو الشغل الشاغل للدولة و اضطر الشعب الفلبينى إلى التقشف مجبراً لا لشيىء سوء لدفع ثمن أخطاء من حكموه ..
* تم خفض الدعم عن التعليم و الصحة و الزراعة و الطرق و الإستثمار و كل ما يمكن أن يساعد الفلبين على النهوض و فى المقابل صار سداد الديون أولوية .. 17 % فقط من شبكة الطرق كانت معبدة مقارنة ب 82 % فى تايلاند و 75 % فى ماليزيا .. إنخفضت الرقعة الزراعية من 4.7 مليون هكتار إلى 1.3 مليون هكتار فقط .. إنخفض إنتاج كل المحاصيل بصورة عامة و لم يقتصر الأمر على الأرز فقط .. مزارعوا الذرة تركوا محاصيلهم تتعفن فى الحقول لإرتفاع تكلفة جنى تلك المحاصيل و ضعف سعرها مقارنة بالذرة المستوردة .. و مثلما حدث فى المنتجات الزراعية حدث فى بعض المجالات الصناعية مثل تربية الدجاج و الخنازير .. حمى الإستيراد أصابت الدولة فى مقتل و صارت تستورد أكثر مما تنتج .. كانت الفلبين محتلة إقتصادياً بمعنى الكلمة ..
* ماحدث كان يسرى على أى رئيس يأتى لموقع المسئولية فكما تم الإنقلاب على #ماركوس الحليف القديم تم إجبار كورازون أكينو و #جوزيف_استرادا و #جلوريا_أرويو على الإنصياع لأوامر الصندوق .. الإستفاقة النسبية جاءت فى عهد #بنينو_أكينو الثالث الذى وضع أسس إقتصادية نسبياً سليمة و دعم المنتج المحلى و بدأت محاولات الصلح مع #شعب_مورو فى الجنوب فى عهده و هو ما شرع فى الإستمرار فيه الرئيس الحالى المثير للجدل #رودريجو_دوتيرتيه ذو التوجهات الإشتراكية النسبية و القادم من أحد محافظات الجنوب الفقيرة و الذى يحاول الفكاك من القبضة الأمريكية بالتدريج و إلقاء نفسه فى أحضان حليف جديد إسمه الصين ما يمثل إستفزازاً مضاعفاً لأمريكا التى تسعى لإقامة تحالفات فى المنطقة للسيطرة على بحر الصين الجنوبى للضغط دائماً على منافسها الإقتصادى اللدود ..
* إستفاقة الفلبين على يد بنينو أكينو و خليفته دوتيرتيه جاءت متأخرة جداً نظراً لتاريخ الفلبين السياسى و الإقتصادى و لكن أن تأتى متأخراً خيراً من أن لا تأتى أبداً .. الرجلان حاولا الإهتمام بالشباب الفلبينى الذى يمثل معظم السكان فنسبة السكان الأكبر من 45 عاماً لا تتعدى ال 14 % من الشعب .. إهتما بالحرف اليدوية لتقليل نسب الفقر و تقليل نسب البطالة و شجعوا عمالتهم على العمل بالخارج لتخفيف الضغوط الداخلية على الدولة و لتوفير مصدر نقد أجنبى من تحويلاتهم و هو ما حدث بالفعل فهناك أكثر من 14 مليون فلبينى يعملون بالخارج و إجمالى تحويلاتهم تتخطى ال 20 مليار دولار سنوياً يضعوا الفلبين فى المرتبة الرابعة فى قائمة أكثر الدول إستقبالاً للتحويلات الخارجية ..
* تدريجياً تأهلت العمالة و صارت الفلبين أحد أكبر مراكز إنتاج الإليكترونيات فى جنوب شرق آسيا و صارت صادرتها تعادل واردتها تقريباً و وصلت لنقطة التعادل التى تستطيع البناء عليها لتحقيق فوائض فى المستقبل .. نسبة نمو الناتج المحلى بداية من 2010 تراوحت فى حدود ال 6 % سنوياً .. الناتج المحلى وصل إلى 311 مليار دولار فى 2016 بعد أن كان 200 مليار فقط فى 2010 و معه إرتفع نصيب الفرد من الناتج المحلى إلى 3550 دولار و إرتفعت معدلات الدخل و إن كانت الفلبين لا تزال تصنف ضمن الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل ..
* الفلبين الدولة صغيرة المساحة متفرقة الجزر و المكونة من 7102 جزيرة فقط 2000 منهم مأهول بالسكان و بتعدد عرقى و مذهبى و بعد حروب طاحنة و حكم ديكتاتورى بشع و تأخر كبير عن أقرانها فى منطقتها إستطاعت أخيراً أن تجد ضالتها فى عملية ديموقراطية سليمة أعطت الحق للشعب لإختيار من يمثله حتى لو كان ضد رغبات الولايات المتحدة .. وجدت طريقها للمصالحة بين الشمال و الجنوب و وجدت طريقاً يؤدى للمستقبل .. لايزال الطريق غير ممهد لكنهم على الأقل وجدوه ..
* نعم لازال أمام الفلبين الكثير من العمل و الكثير من الجهد السياسى و الإقتصادى للتحرر من تبعية الولايات المتحدة و قيود مؤسساتها المالية الدولية التى سيطرت على قرارها لعقود .. يبقى فقط إستقلال رأيهم السياسى و معها ننتظر الفلبين النمر الآسيوى الجديد فى منطقة جنوب شرق آسيا ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإقتصاد الفلبينى فى أرقام :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الناتج المحلى الإجمالى : 311 مليار دولار
* نمو الناتج المحلى : 6.8 %
* الصادرات : 80 مليار دولار
* الواردات : 80.7 مليار دولار
* عجز الميزان التجارى : 0.7 مليار دولار
* نصيب الفرد من الناتج الإجمالى : 3550 دولار
* إجمالى الديون : 77.47 مليار دولار
* نصيب الفرد من الديون : 767 دولار
* الإستثمار الأجنبى المباشر : 8 مليار دولار
* معدل التضخم : 1.43 %
* نسبة البطالة : 7.1 % من إجمالى القوى العاملة
ـــــــــــــــــــــــــــ