الجزء السادس :
ـــــــــــــــــــــــــ
* سبتمبر 1980 .. العلاقات الدبلوماسية العراقية الإيرانية تصل إلى أدنى درجاتها .. صراعات حدودية و خلافات مذهبية و مشاكل تاريخية لم تجد حلاً حتى لحظتها .. بدأ الأمر مع عدم إعتراف #صدام_حسين ب #إتفاقية_الجزائر التى وقعها حين كان نائباً للرئيس عام 1975 و الخاصة بترسيم الحدود البحرية بين إيران و العراق .. شط العرب سيكون ذريعة لما هو آت ..
* قصفت العراق الحدود الإيرانية ثم أتبعتها بقصف للمطارات العسكرية الإيرانية رافعة ثلاث مطالب إلى النظام فى إيران :
– إنهاء الإحتلال الإيرانى للجزر الإماراتية طنب الكبرى و طنب الصغرى و أبو موسى ..
– الإعتراف بسيادة العراق على أراضيه و مياهه الإقليمية
– عدم تدخل إيران فى الشأن الداخلى العراقى مرة أخرى
تلك الهجمات كانت بداية لواحدة من أطول الحروب فى القرن العشرين و التى إستمرت 8 سنوات تقريباً و قدرت خسائرها البشرية بأكثر من مليون شخص و خسائرها المادية بحوالى 1.2 تريليون دولار أمريكى مع تدمير شبه كامل للبنية التحتية النفطية فى البلدين .. كل هذا جيد .. لكن ما علاقته بالأكراد ؟
* الحرب العراقية الإيرانية إنتهت فى 1988 و خسائرها كانت كبيرة على الطرفين .. كان يجب تحميل أحدهم وزر تلك الحرب .. كبش الفداء الأسهل و الذى بالإضافة لسهولته يعيش أيضاً على الحدود مع إيران .. الأمر واضح بلا شك .. الأكراد هم عملاء الإيرانيين على أرض العراق .. حملة كبيرة لتشويههم و تصويرهم كعملاء يعملون ضد مصالح العراق و يجب القصاص منهم بأى شكل .. فى أخر شهور الحرب تم تجهيز حملة عسكرية شاملة ضد الأكراد .. حملة أطلق عليها #عمليات_الأنفال ..
* استخدم إسم الأنفال نسبة إلى سورة الأنفال فى القرءان الكريم و التى تحكى قصة إنتصار المسلمين على المشركين فى معركة بدر .. تم تصوير الأكراد فى تلك الحرب ككفار يجب محاربتهم .. حملة إبادة و تهجير قسرى تم شنها على مراحل خلال سبعة أشهر شارك فيها كل من الفيلق الأول و الخامس من الجيش العراقى و القوات الجوية و القوات الخاصة و الحرس الجمهورى و بعض دوائر الأمن و المخابرات العسكرية و أقسام الأسلحة الكيماوية و البيولوجية ..
* 8 حملات على مختلف مناطق الأكراد بدأت فى فبراير 1988 و إنتهت فى سبتمبر من نفس العام .. أقرب التقديرات للضحايا هى مقتل 182000 كردى شملوا رجالاً و نساءاً و أطفالاً إعتقلتهم القوات العراقية ثم اختفوا دون أن يعلم أحد مكانهم .. مع الوقت تم إكتشاف أكثر من مقبرة جماعية تضم رفات أولائك الضحايا .. شملت الخسائر الكردية آلاف من المصابين و أيضاً تهجير ما يقارب النصف مليون كردى و تجميعهم فى قرى أقامتها الحكومة خصيصاً لهم ليسهل السيطرة عليهم .. أما على صعيد الخسائر الأخرى فقد تم تدمير حوالى 2000 قرية كردية خلال تلك الشهور السبعة ..
* الحدث الأبرز خلال حملات الأنفال حدث فى 16 مارس 1988 تحديداً فى حلبجة .. قام النظام العراقى بقيادة #على_حسن_المجيد قائد العمليات بقصف المدينة بغازات الخردل و السارين فى أبشع مجزرة حدثت خلال العمليات بل إنها صنفت كأكبر هجوم كيميائى وجه ضد سكان مدنيين من عرق واحد فى التاريخ .. نتيجة لتلك المجزرة و بسبب عدم إمتلاك الأكراد الحد الأدنى من أدوات المساعدة مثل أقنعة الغاز و ما شابه فقد أتت حصيلة الضحايا أكبر من أى تصور .. أكثر من 5000 قتيل و أكثر من 7000 مصاب مات عدد كبير منهم فى العام التالى بسبب الآثار السلبية للغازات السامة ..
* السبب المعلن للحملة كما أسلفنا أن الأكراد عملاء للإيرانيين و كان يجب الهجوم عليهم خاصة و أن الجيش الإيرانى كان له تواجد فى الأراضى الكردية وقتها و لكن السبب الذى لم يعلن عنه أنه كان هجوماً واضحاً و صريحاً لتدمير كل دفاعات الأكراد فى هجوم كاسح يمنعهم من مجرد التفكير لاحقاً فى مسألة الإستقلال .. كان هجوماً للتخلص من خصم سياسى داخلى و لكن تم دمجه ضمن حرباً ضد قوى خارجية ..
* فى الحقيقة و إن أردنا الدقة فكل ما حدث فى العراق يعد طبيعياً لإختلاف الأعراق و العقائد المذهبية فيها .. نعم هناك من هو أكثر من العراق إختلافاً عرقياً و مذهبياً و لكن يبدو أن العراق لم يجد الوصفة السحرية التى تمكن جميع فئاته و طوائفه من التعايش معاً بسهولة .. لا أجد أكثر دلالة على ذلك من ما ذكره #عبد_الكريم_الأزرى فى كتابه #مشكلة_الحكم_فى_العراق و ما نسبه إلى الملك العراقى #فيصل_الأول الذى كتب مذكرة مشهورة نشرت عام 1931 قال فيها :
( إن البلاد العراقية هى جملة من البلدان التى ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية ذلك هو الوحدة الفكرية و القومية و الدينية فهى فى الحالة هذه .. مبعثرة القوى .. منقسمة على بعضها .. و بالاختصار أقول و قلبى يملؤه الأسى إنه فى اعتقادى لايوجد فى العراق شعب عراقى بعد .. بل توجد كتلات بشرية خالية من أى فكرة وطنية .. هذا هو الشعب الذى أخذت مهمة تكوينه على عاتقى )
ــــــــــــــــــــ
الوضع الإقتصادى :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* كردستان العراق أرضاً نفطية بإمتياز ففيها #حقول_كركوك أحد أغزر حقول العالم إنتاجاً و التى تسهم بجوار #حقول_عين_زالة بأكثر من ثلث إنتاج العراق من النفط .. فى الطبيعى يعد هذا شيئاً رائعاً للإقتصاد و لكن فى حالة الإقتصاد الكردى فإن ذلك تحول إلى أمر سلبى أضر بالإقتصاد أيما ضرر و حوله إلى إقتصاد ريعى يعتمد بشكل كبير على عائدات بيع النفط .. يكفى للتدليل على ذلك أن متوسط معدل نمو الإقتصاد الكردستانى كان 8.5 % سنوياً من 2009 و حتى 2013 مستنداً على نهضة عقارية و إنشائية كبيرة فى القطاع على مدار تلك السنوات .. كل شيىء كان يدعو للتفاؤل و يبشر بأن كردستان العراق ستصير قطعة من أوروبا يوماً ما .. كل شيىء كان ممتازاً حتى بداية 2014 ..
* بدأت الأزمة الإقتصادية منذ بدأ الخلاف بين الحكومة المركزية فى بغداد و بين حكومة الإقليم .. الإتفاق بين الطرفين ينص على تصدير إنتاج الإقليم عن طريق الحكومة العراقية مقابل تحويل الحكومة 17 % من الموازنة العامة لحكومة الإقليم .. حدث تأخيراً فى صرف تلك النسبة لحكومة الإقليم وصل بأن صرح مسئولين أكراد بأن ما يصل إليهم فعلياً لا يتخطى 10 % من الموازنة العامة .. تلك كانت البداية فقط لأن فى أواخر 2015 اضطر وزير الموارد المعدنية الكردى #أشتى_هورامى للتصريح بأن كردستان مضطرة لتجاوز الحكومة فى بغداد و تصدير النفط بمعرفتها بسبب التأخر فى تحويل مخصصات الإقليم .. تصريح رد عليه وزير النفط العراقى #عادل_عبد_المهدى بأن الحكومة أوقفت حصة الإقليم بسبب عدم إلتزام كردستان بتوريد حصتها من النفط ..
* تاهت الحقيقة بين الطرفين و لا يُعلم يقيناً من الذى تأخر أولاً و لكن على كل حال فنتيجة ذلك كانت كارثية على إقتصاد كردستان لأن حتى مع محاولاتهم تصدير نفطهم بأنفسهم إصطدموا بخشية شركات البترول الكبرى من شراء نفطهم بسبب تهديد بغداد بمقاضاتهم .. تدنى الإيرادات النفطية مع عدم وجود أرباح محتجزة من قبل مثلما هو الحال فى دول الخليج مثلاً تسبب بأزمة كبيرة للإقتصاد الكردى حيث إنخفضت القوة الشرائية بسبب زيادة البطالة و وصلت نسبة الفقر إلى 40 % .. هربت الإستثمارات و توقفت المشاريع الجديدة و أوقف القديم منها مخططاته التوسعية .. ساهم فى هذا مقاضاة حكومة الإقليم للمشاريع العاملة بدون ترخيص فزادت الأزمة إتساعاً ..
* بدأت الإضطرابات المحلية فى الإزدياد خاصة مع توقف صرف الرواتب لموظفى الحكومة و الذين يمثلوا 70 % من القوى العاملة فى كردستان بمعدل 1.3 مليون موظف لمدة 4 أشهر فى أواخر 2015 و صرف ربع الراتب فقط فى يناير 2016 .. نزل الأكراد للشوارع للإحتجاج خاصة مع تصاعد الأزمة السياسية فى الإقليم بين أحزاب المعارضة و مسعود برزانى المتمسك بمنصب الرئاسة خلافاً للدستور ..
* السبب الثانى للأزمة الإقتصادية فى كردستان هو إنخفاض سعر برميل النفط عالمياً فمن مستويات 120 دولاراً للبرميل إلى مستويات 30 دولاراً فقط وصل قيمة العجز فى الموازنة الكردية إلى 390 مليار دينار فى 2017 و هذا بإفتراض إحتساب سعر البرميل على 42 دولار و بإفتراض أيضاً قدرة الإقليم على تصريف إنتاجه بمعرفته .. أرقاماً تنبأ بإستمرار الأزمة ما لم يصل طرفا الأزمة إلى حل وسط .. السبب الثالث و الأخير هو ظهور تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق و محاولته الإستيلاء على أراضى كردستان ما اضطر لتخصيص جزء كبير من إيراد الإقليم لميزانية الدفاع و ما استتبعه ذلك من تخفيض فى شتى النواحى الإجتماعية الأخرى ..
* القائمين على الملف الإقتصادى الكردى فى العراق أساءوا التصرف منذ ما يزيد عن 10 سنوات مضت ففى الوقت الذى توجب عليهم إستثمار إيراداتهم القليلة نسبياً فى أوجه التنمية مثل القطاع الصناعى و الزراعى و التعليم المهنى بالإضافة لتشجيع الإستثمار المحلى و الأجنبى توجه الجميع حكومة و شعباً للإختيار الأسهل و هو النهضة الإنشائية فتحول الجميع إلى تجار عقارات و مقاولين رغبة فى المكسب السريع حتى تحول الأمر إلى فقاعة عقارية إنفجرت فى وجه الجميع بدءاً من العام 2012 حتى فوجىء الجميع بعدم وجود أرضية صلبة لقيام صناعة أو زراعة تكفى المجتمع إحتياجاته فتحول أصحاب رؤوس الأموال من مقاولين إلى مستوردين حتى تم إغراق السوق المحلى الكردى بشتى أنواع البضائع المستوردة رغبة منهم فى المكسب السهل السريع دون وضع الأسس الصحيحة لنمو الإقتصاد ..
* الدليل على ما سبق هو إحتكار ثلاث دول فقط لكل المنتجات الأجنبية تقريباً فى السوق الكردى .. تركيا صاحبة نصيب الأسد بنحو 40 % من السوق تليها الصين بنحو 35 % و أخيراً إيران بنحو 25 % .. حجم التبادل التجارى نفسه بين العراق ككل و تلك الدول تزداد فجوته لصالح المنتجات المستوردة حيث كان حجم التبادل التركى العراقى فى 2013 مثلاً يساوى 12 مليار دولار يخص كردستان العراق وحدها 70 % منه و تسعى تركيا لإيصال التبادل التجارى إلى 15 مليار دولار ..
* إيران هى الأخرى معدلاتها مقاربة نسبياً لتركيا حيث كان التبادل بينها و بين العراق فى عام 2013 حوالى 12 مليار دولار يخص كردستان منه 55 % تقريباً و قس على ذلك ما يخص الصين .. تلك الأرقام تشير و بشكل كبير إلى تحول الإقليم لمستورد من الدرجة الأولى و فى المقابل لا يقدم شيئاً يذكر حيث أن أكثر من 95 % من صادراته عبارة نفط خام و جملة صادراته غير النفطية لا تتخطى ال 100 مليون دولار .. إن لم يقم إقليم كردستان بتعديل أوضاعه الإقتصادية و بناءها على أسس سليمة فسيجد نفسه تحت رحمة سعر النفط العالمى من جهة و تحت رحمة القرار العراقى من جهة أخرى ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ