سلسلة كردستان الكبرى .. الجزء الرابع

الجزء الرابع :
ــــــــــــــــــــ

* ثانى أكبر تجمع للأكراد موجود فى إيران .. لا يوجد أرقام موثقة بالتأكيد بحكم أن الأرقام يتم إستخدامها سياسياً من الطرفين لتأكيد موقفيهما إلا أن الأكثر شيوعاً هو أن الأكراد هم العرقية الثالثة فى إيران بعد الفرس و الآذريين و نسبتهم تقترب من 10 % من إجمالى الشعب الإيرانى و يمثلون 28 % تقريباً من إجمالى عدد الأكراد و يسكنون فى ولايات الشمال و الغرب الإيرانى مثل أذربيجان و كردستان و كرمنشاه و إيلام .. كيف بدأ الصراع فى إيران و كيف إنتهى .. تلك قصة طويلة ..

الإنتفاضة الأولى :
ـــــــــــــــــــــــــــــ

* كردستان إيران مثلها مثل باقى أقاليم الكورد منطقة حملت الكثير من الصراعات الدموية و مثل ما حدث فى تركيا بدأت النزعة الإنفصالية بالبزوغ فى نفس الوقت حتى إن الإنتفاضة الأولى لأكراد إيران بدأت فى وقت شبه متزامن لإنتفاضة تركيا .. الأمر بدأ عام 1920 على يد #إسماعيل_أغا_الشكاكى أو كما لقبه الأكراد ب #سيمكو .. على مدار عشر سنوات تقريباً كافح سيمكو كافة أشكال الإحتلال الأجنبى هادفاً من وراء ذلك إقامة دولة خاصة بالكورد ليس فقط فى إيران و لكن فى كافة مناطق الأكراد .. ظهر هذا جلياً حين تطورت علاقاته مع ملك الأكراد #الشيخ_محمود_الحفيد فى السليمانية عام 1923 .. سيمكو بهذا يصبح خطراً .. خطراً لن تسمح به بريطانيا بالتأكيد ..

* مصالح الإنجليز فى المنطقة كانت تقضى بعدم إقامة دولة كردية مستقلة و سيمكو كان يهدد تلك المصالح بوضوح .. كيف تقضى على هذا الخطر ؟ الأمر سهل و بسيط .. كل ما عليك هو اغتيال زعيماً من حلفاء الأكراد ثم الصق التهمة بهم .. تم إغتيال الزعيم الأشورى #مار_شمعون و على الفور تم الترويج لأن من قتله هو سيمكو .. كان هذا كفيلاً بشق الصف الداخلى .. سار هذا بالتوازى مع تولى #رضا_شاه_بهلوى الحكم فى إيران عام 1925 و معه اتخذت إيران سياسة متعنتة ضد الأقليات بغية صهرهم فى القومية الإيرانية و هو ما أجبر سيمكو على النزوح إلى العمق الكردى فى إيران مكملاً طريق إنتفاضته ضد الإحتلال و ضد حكم الشاه .. لم يكن هناك حلاً سوى التخلص من هذا الإزعاج الدائم فتم دعوة سيمكو عام 1930 إلى #مدينة_شنو للتفاوض حول المطالب الكردية .. لم يكن هناك تفاوض فعلى لأن النظام الإيرانى قام بقتل سيمكو أثناء زيارته ..

الإنتفاضة الثانية :
ــــــــــــــــــــــــــــ

* انتهت إنتفاضة الأكراد الأولى بمقتل سيمكو بالتأكيد و إن حدثت بعض المناوشات بعدها .. مقتل سيمكو كان أهم أسباب إندلاع الإنتفاضة الثانية للأكراد .. لن تمر فترة طويلة حتى تندلع إنتفاضة أخرى فى مناطق الجنوب الكردى بقيادة #جعفر_سلطان_هورمان .. إنتفاضة أسبابها جوهرية لكنها جاءت على عجل و كانت تفتقد لعناصر التفوق و بالتالى تم قمعها سريعاً دون أن يستفيد الأكراد منها شيئاً .. 7 سنوات أخرى و ستندلع الحرب العالمية الثانية مخلفة ظروفاً إستثنائية فى العالم كله ستمكن الأكراد من القيام بإنتفاضتهم الثالثة ..

الإنتفاضة الثالثة :
ــــــــــــــــــــــــــــ

* عام 1941 قام #الشيخ_حمه_رشيد_خان بقيادة إنتفاضة الأكراد الثالثة و تمكن عن طريقها من السيطرة على أقاليم مهاباد و سقز و بانه .. بعد عام واحد ستتعقد أموره نسبياً و سيضطر للتراجع إلى كردستان العراق و لكن بعد تأسيسه #جمعية_بعث_كردستان كأول تنظيم سياسى كردى .. سيتحول إسمه لاحقاً عام 1945 إلى #الحزب_الديموقراطى_الكردستانى بزعامة رجلاً سيكون له اليد الطولى فى أهم حدث سياسى كردى فى إيران .. #القاضى_محمد ..

* فى خضم الحرب العالمية و تحديداً عام 1941 دخل الحلفاء إيران للسيطرة على النفوذ الألمانى فى المنطقة .. دخولاً أجبر الشاه رضا بهلوى على التنازل عن الحكم لإبنه #محمد_رضا_بهلوى الذى شكل على الفور حكومة موالية للحلفاء قامت بتوقيع معاهدة ثلاثية بين إيران و الإتحاد السوفييتى و بريطانيا تنص على أن وجود جيوش الحلفاء على أرض إيران ليس إحتلالاً و أن جيوش الحلفاء تلتزم بالجلاء عن الأرض بعد 6 أشهر من إنتهاء الحرب .. كل هذا حدث دون ذكر الأكراد و لو بكلمة .. و لو بحرف واحد .. و ليكن .. لنكمل ما بدأناه بأنفسنا وحدنا ..

* يبدو أن إنشغال الحلفاء و إيران بالحرب العالمية ضد النازيين خلق ظروفاً مواتية للآذريين و الأكراد لإعلان دولتهم الأولى ففى عام 1945 و فى منطقة النفوذ السوفييتى شمال البلاد أُعلن الآذريين عن إنشاء #جمهورية_أذربيجان_الديموقراطية_المستقلة بقيادة #جعفر_بيشوارى .. بعدها فى عام 1946 أعلن الحزب الديموقراطى الكردستانى عن إنشاء #جمهورية_مهاباد_الشعبية_الديموقراطية بقيادة القاضى محمد على مساحة تعادل 30 % فقط من أراضى كردستان الشرقية أتبعوها مباشرة بتحالف بين الدولتين الجديدتين .. حتى تلك اللحظة تسير الأمور فى صالح الأكراد تماماً ..

* إنتهت الحرب العالمية الثانية و بإنتهائها توجب على الحلفاء الجلاء عن إيران .. السوفييت لم يتحركوا من أماكن نفوذهم .. هذا يعنى مزيداً من الوقت للأكراد و ظروفاً مواتية لإستمرار دولتهم بحكم أنها ضمن مناطق النفوذ السوفييتى .. لكن ما غفل عنه الأكراد أن السوفييت لم يستقروا هناك نصرة لقضيتهم أو مطالبهم و إنما استمروا طمعاً فى مكاسب إقتصادية لا أكثر .. اعترضت إيران و المعسكر الغربى على موقف السوفييت و قاموا بتقديم إحتجاجات رسمية إلى مجلس الأمن و بعد كثير من المفاوضات إرتضى السوفييت بإمتيازات نفطية مقابل سحب قواتهم .. بإنسحابهم خسر الأكراد وسيلة الإلهاء التى انشغل بها النظام الإيرانى عنهم .. الأكراد وحدهم مجدداً ..

* الأكراد دائماً و أبداً لم يستطيعوا إستمالة أى قوى عظمى لدعم مطالبهم و فى ظل ظروف مثل تلك أصبح لزاماً عليهم المواجهة منفردين .. النتيجة بالطبع واضحة دون سرد تفاصيل .. خلال أسابيع إنتشر الجيش الإيرانى فى ولايات أذربيجان و كردستان و تم إعلان الأحكام العرفية و حظر التجوال .. أعدم القاضى محمد زعيم الكورد و شقيقه و إبن عمه مع عشرات من المؤسسين لجمهورية مهاباد .. لم يتبق للأكراد سوى 500 مقاتل بزعامة #مصطفى_برزانى أضطروا للتقهقر ناحية العراق .. إنهارت جمهورية مهاباد سريعاً بعد حوالى عشرة أشهر على تأسيسها ..

مرحلة الثورة الإيرانية :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* قبل عام 1979 كان المجتمع الإيرانى بكل طوائفه يغلى بسبب حياة الترف التى كان يعيشها الشاه و فساد حاشيته مع وقوع أغلب الشعب فى براثن الفقر و لو أضفنا لذلك كراهية الأقليات للشاه لما تسبب فيه من قتل و تشريد ممنهج لهم لأصبحت الصورة أوضح إليك .. هذا رجل فى أيام حكمه الأخيرة بلا شك .. فى المقابل رجل دين شيعى يدعى الخمينى يجاهر بكراهية الشاه و يدعو فئات الشعب كلها للإصطفاف ضده واعداً الأقليات بالحصول على حكمها الذاتى و حقوقها الطبيعية التى تم حرمانهم منها .. هذا وضع يسيل له لعاب الأكراد بلا شك .. فليذهب الشاه إلى الجحيم .. حان وقت إعلان دولتنا ..

* قامت الثورة و خلع الشاه و عاد الخمينى لأرض إيران ليجد ترحاباً من جميع فئات الشعب .. حان وقت تنفيذ الوعود .. لكن و على عكس توقع الأقليات رفض نظام الخمينى إشراكهم فى كتابة الدستور و منع أبرز قادة الأكراد وقتها #عبد_الرحمن_قاسملو من المشاركة فيه .. بعض المؤرخين أرجعوا ذلك لأبعاد دينية كون أغلب الأكراد من السنة فى حين أراد الخمينى الحفاظ على المذهب الشيعى كمذهب وحيد للدولة .. بالطبع رفض الأكراد الدستور و شعروا بخدعة الخمينى لهم و قاموا بإعلان عصيانهم عليه .. فى المقابل أصدر الخمينى فتوى تعد الأكراد كفاراً يجوز قتالهم و النتيجة متوقعة بالطبع .. تم قصف مناطق الأكراد بالطيران ما دفعهم لإعلان الكفاح المسلح الذى استمر من عام 1979 و حتى 1988 .. سنوات من الحرب انسحب على اثرها اغلب مقاتلى الأكراد إلى الأراضى العراقية ليشنوا هجماتهم من هناك مدعومين من النظام العراقى وقتها .. حرباً كان الأكراد أكثر من دفع ثمنها دون أن يستفيدوا بأى مقابل منها .. 271 قرية كردية دمرت .. آلاف من المقاتلين الأكراد قتلوا .. و فوق ذلك تم اغتيال زعيمهم عبد الرحمن قاسملو .. مرة أخرى دفع الأكراد ثمن وقوفهم وحدهم دون حليف قوى يدعم مطالبهم ..

الوضع الداخلى :
ــــــــــــــــــــــــــ

* على صعيد الوضع الداخلى فقد عانى أكراد إيران من ظلم شديد فعلى الرغم من النص صراحة فى الدستور الإيرانى على حقوق الأقليات إلا أن النظام الإيرانى حارب و بشده حقوقهم تلك فقد حرموا من الدراسة و الكتابة بلغتهم حتى أن أى مصنف أدبى باللغة الكردية كان يخضع لإشراف المخابرات العامة الإيرانية .. منعوا من التعبير عن مواقفهم السياسية .. تم التضييق عليهم فى إنشاء الأحزاب السياسية .. مورس ضدهم تمييزاً فى القبول فى الجامعات و الوظائف و منعوا من تقلد المناصب الرفيعة حتى فى الولايات التى يمثلون فيها أغلبية .. و على الرغم من غنى ولايات الأكراد بالثروات الطبيعية إلا أن ذلك لم ينعكس أبداً على مظاهر التنمية فى ولاياتهم فارتفعت معدلات البطالة و الجريمة كنتيجة طبيعية لما سبق ..

* أحد أفضل الفترات التى مرت على أكراد إيران هى فترة الرئيس الإيرانى #محمد_خاتمى و الذى اتسمت فترته الرئاسية بإنفراجة فى علاقة النظام بالأقليات حيث تم تعيين محافظاً كردياً لأول مرة فى ولاية كردستان إسمه #عبد_الله_رمضان_زاده .. نعم كان الرجل شيعياً و لكنها كانت سابقة تحدث لأول مرة .. إرتفعت نسبة الحريات فى كتابة المقالات و حتى فى كم الصحف المصدرة باللغة الكردية .. زادت الأحزاب السياسية و زادت المشاركة المجتمعية فى الإنتخابات من قبل الأكراد السنة .. إنخفضت أعمال الشغب لأدنى مستوياتها و انعدمت الإضطرابات تقريباً .. حتى المطالبة بالإستقلال قد خفت حدتها لأدنى درجة .. لفترة ظن الأكراد أن التعايش السلمى ممكناً مع تحقيق الحد الأدنى من العدالة .. كل هذا انتهى مع تولى #محمود_أحمدى_نجاد زمام الأمور ..

* مع تولى نجاد أمر الرئاسة ارتفعت وتيرة المواجهات مرة أخرى و انتزعت تدريجياً من الأكراد كل الحقوق التى اكتسبوها فى فترة خاتمى حتى صار إنتماء أكراد إيران لكردستان العراق أكبر من إنتمائهم لإيران نفسها فمع كل حدث إيجابى يحدث لكردستان العراق كانت تسير المظاهرات فى إيران نصرة لهم فتحدث مواجهات مع الشرطة عادة ما تكون دموية .. لم يختلف الأمر كثيراً فى فترة الرئيس الحالى #حسن_روحانى حيث استمرت الإضطرابات و المواجهات بين الأكراد و السلطات الإيرانية مع كل تعنت يشعر به الأكراد .. #فريناز_خسروانى فتاة كردية انتحرت للهروب من مصير الإغتصاب على يد أحد القيادات الأمنية تسبب انتحارها فى اندلاع أحداث شغب عرفت بأحداث مهاباد .. ازدادت وتيرة المظاهرات فاعلنت السلطات الإيرانية التصدى لها بكل حزم فأعلن الحزب الديموقراطى الكردستانى إستئناف الكفاح المسلح ضد إيران مرة أخرى ..

* قتل 10 جنود إيرانيين و جرح 20 أخرون فى مواجهات فى مدينة زردشت تبعها إعلان من الحزب إلى إضراب عام فى كردستان إيران إحتجاجاً على الإعتقالات و الإعدامات الظالمة .. شمل الإضراب إغلاق المحال التجارية و عدم الذهاب للأعمال و الإمتناع عن السفر و أخيراً رفع العلم الكردى فى الأماكن العامة .. إجراءات إستفزازية أجبرت النظام الإيرانى على الرد بقسوة و كانت الحصيلة هى إعدام 20 ناشطاً سياسياً أغلبهم من الأكراد السنة ..

* مما سبق يظهر بكل وضوح أزمة الأكراد تاريخياً .. أقلية غير مدعومة من أى قوة عظمى .. ضعيفة دبلوماسياً .. تفتقد لأى عنصر من عناصر التأثير سوى المواجهات المسلحة و التى عادة ما تكون غير متكافئة .. تفشل دائماً فى رهاناتها و تكرر وقوعها فى أخطائها التاريخية أكثر من مرة .. لا جديد حتى كتابة تلك السطور فى علاقة الأكراد بالنظام الحاكم فى إيران و غير معلوم ما الذى يخبئه المستقبل لهم .. قد تتطور الأمور فى كردستان العراق أو سوريا و هو ما قد يشجع أكراد إيران على الإستمرار فى ملاحقة حلمهم الإنفصالى و هو ما قد يضع إيران فى مواجهة خطر داخلى قد يشغلها عن طموحاتها الخارجية و لو لفترة من الزمن ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ