سلسلة كردستان الكبرى .. الجزء الاول

الجزء الأول :
ـــــــــــــــــــ

* منذ أكثر من ألف عام عاش مجموعة كبيرة من الرعاة البدو فى المنطقة الجبلية التى تقع غرب آسيا بمحاذاة #جبال_زاكروس و #جبال_طوروس .. بحكم أنهم من الشعوب الآرية فأصولهم تعود إلى غرب إيران و طاجيكستان و أفغانستان .. بدأوا بالتجمع فى تلك الأماكن ثم توسعوا و إنتشروا مع الوقت ليسكنوا أراضى البقاع المجاورة لهم مشكلين قومية خاصة بهم .. قومية لاقت من الأزمات السياسية و الإقتصادية الكثير لدرجة منعتهم حتى الآن من إنشاء كيان خاص بهم فصاروا أكبر قومية فى العالم لا تملك دولة مستقلة معترف بها .. هؤلاء القوم عرفوا تاريخياً بإسم الأكراد ..

* #الأكراد أو #الكورد كما يحبون أن ينادوا يعتبروا رابع أكبر مجموعة عرقية فى الشرق الأوسط و أكبر قومية بلا دولة فى العالم كما ذكرنا .. عاش الأكراد تاريخياً فى المنطقة التى يطلقون عليها #كردستان_الكبرى .. منطقة تملك من المقومات الطبيعية ما لم يتوفر فى أغلب المناطق المحيطة بها و هو ما يفترض أن يكون نعمة لتلك القومية إلا أن تلك المقومات صارت نقمة عليها و أصبحت أكبر عائق يمنع إقامة الدولة الكردية المستقلة كما يحلم أبنائها دائماً ..

* مع بداية القرن العشرين ظهرت الرغبة عند الشعوب الكردية فى إقامة دولة مستقلة تجمعهم و إزدادت تلك الرغبة مع سقوط الإمبراطورية العثمانية حين وضع الحلفاء المنتصرون تصوراً لدولة كردية فى #معاهدة_سيفر عام 1920 إلا أن ذلك التصور و تلك الآمال ذهبت أدراج الرياح بعد ثلاث سنوات مع توقيع #معاهدة_لوزان و التى رسمت الحدود الحالية لدولة تركيا و التى تعارضت حدودها مع الأراضى التى يسكنها الأكراد و بالتالى إستحالت إمكانية إقامة دولة كردية مستقلة .. و بعد ترسيم الحدود بين الدول وجد الأكراد أنفسهم مقسمين بين 4 دول رئيسية .. #تركيا .. #إيران .. #العراق .. #سوريا .. بالطبع حاول الأكراد كثيراً الإستقلال بشتى الطرق سواء سلمياً أو باللجوء للخيار العسكرى إلا أن محاولاتهم كانت تبوء بالفشل دائماً و كان يتم قمع أى ثورة أو تمرد تظهر بوادره فى أحد أقاليمهم ..

* على مستوى الجغرافيا فدولة كردستان التخيلية تبلغ مساحتها حوالى 500 ألف كيلو متر مربع – نصف مساحة جمهورية مصر العربية – تتوزع بالشكل التالى :

– 285 ألف كيلو متر فى تركيا و تسمى كردستان الشمالية
– 125 ألف كيلو متر فى إيران و تسمى كردستان الشرقية
– 72 ألف كيلو متر فى العراق و تسمى كردستان الجنوبية
– 23 ألف كيلو متر فى سوريا و تسمى كردستان الغربية

بالطبع تلك الأرقام مختلف عليها بسبب عدم وجود مصادر دقيقة موثوق فيها لأن كل طرف يصدر إحصاءات مختلفة رقمياً سواء على مستوى المساحة أو عدد السكان أو حتى النشأة التاريخية .. الإختلاف و التمايز يظهر بوضوح بين أقاليم الكرد و الحكومات فى الأربعة دول الحاضنة لهم خاصة فى سوريا التى تعتبر تقديرات الأكراد مبالغاً فيها من حيث وجودهم تاريخياً على الأراضى السورية ..

* على مستوى توزيع الكثافة السكانية يعيش 42 % من الأكراد فى تركيا و 28 % فى إيران و 15 % فى العراق و 10 % فى سوريا و 5 % فى أرمينيا و بلاد الشتات مثل أذربيجان و طاجيكستان و باقى دول العالم المختلفة .. يدين الأغلبية العظمى منهم بالدين الإسلامى على مذهب أهل السنة و الجماعة مع أقليات شيعية و مسيحية و يهودية و مذاهب أخرى مثل اليزيدية و العلوية و الكاكائية مع إنتشار الطرق الصوفية بين غالبيتهم و أبرزها الطريقة القادرية و الطريقة النقشبندية ..

* على مستوى اللغات المستخدمة فبجانب إستخدام الأكراد للغة البلد الذى يتبعونه سواء كانت التركية أو الفارسية أو العربية فهم يستخدمون اللغة الكردية فى تعاملاتهم و اللغة الكردية تحديداً تتميز بكثير من التشعب على مستوى اللهجات فعلى سبيل المثال يتحدث 60 % من مجموع الاكراد #اللهجة_الكرمانجية و 25 % يتحدثون #اللهجة_السورانية و بنسب أقل يتحدثون اللهجات #الزازاكية و #الكورانية و #الفيلية .. ذلك التنوع اللغوى يظهر بين قبائل كبيرة مثل #الكوران و #اللور و #الكلهر إلى أخره .. و بالرغم من ذلك التنوع اللغوى و العشائرى إلا أن توحدهم فى دولة مستقلة بهم يظل حلماً يراود حوالى 35 مليون نسمة ينتمون لتلك القومية حيث يرون أنهم يجمعهم ما هو أكثر من اللهجات .. العرق و الثقافة و التاريخ أسباب أقوى من كل ما سبق من وجهة نظرهم ..

* حلم التوحد أو حلم كردستان الكبرى يظل حلماً صعب التحقيق لأسباب عديدة لأن التحديات التى تواجه إنشاء ذلك الكيان أكبر حتى من قدرات الدولة التخيلية إقتصادياً و سياسياً ..

– كردستان الكبرى موجودة ضمن نطاق جغرافى معادى لها فهى فى ذلك مثلها مثل أى دولة داعية للإنفصال يجب أن تقابل دعواتها بكثير من التشدد و الكراهية من محيطها الإقليمى ..

– إضافة لتلك الكراهية فهناك عاملاً فى غاية الأهمية ألا و هو العامل الجغرافى .. كردستان لا تطل على أى بحور أو محيطات و أقرب منفذ مائى لها هو بحر قزوين و هو بحر مغلق بالأساس يليه البحر الأسود و لوصولها إليه يجب عليها التعامل مع كيان قوى عسكرياً مثل الدولة التركية و هو ما يعد مستحيلاً مقارنة بفارق الإمكانيات العسكرية ..

– إذاً نحن نتحدث عن دولة حبيسة جغرافياً ليس لها تواصل مع العالم إلا عن طريق حدود برية و تلك الحدود مع ألد أعدائها ما ينبىء بصعوبة ولادة كيان مثل هذا و حتى إن ولد فغالباً سيولد ميتاً لوجيستياً ما يضعه دائماً تحت رحمة دول الجوار ..

* البديل بالنسبة لتلك الدولة التخيلية هو التبادل التجارى مع العالم الخارجى عن طريق الجو ما يجعلها رهن المتغيرات السياسية العالمية لأن العالم الغربى حتى و إن تعاطف مع قضيتهم القومية إلا أن الموائمات السياسية ستجعلهم يفكرون أكثر من مرة قبل معاداة كيانات قوية إقتصادياً و عسكرياً مثل تركيا و إيران أو كيانات تملك إحتياطيات بترولية كبيرة مثل العراق أو حتى سوريا التى وجدت لها حلفاء سياسيين مثل روسيا و إيران .. تشابك الموقف السياسى و المصالح الإقتصادية سيجعل مخاض الكيان الكردى صعباً جداً بلا شك ..

* لا يجب أن نغفل الأضرار الإقتصادية .. قيام دولة مثل كردستان و إن كان يصب فى مصلحتها نظرياً إلا أنه يضر كثيراً بالدول الأربعة المذكورة فى الأعلى .. الخسائر الإقتصادية التى ستنتج عن الإنفصال ستكون كبيرة جداً و قد لا تحتملها إقتصادات الدول الأربع .. الأقاليم الكردية الأربعة تملك الكثير من الموارد الطبيعية و المواد الخام التى تشكل جزءاً لا يستهان به من الناتج المحلى لتلك الدول و بالإستغناء عنها تحدث هزة كبيرة يصعب معها تعويض تلك الخسائر فى المدى القريب .. تلك النقطة تحديداً سيتم تفصيلها لاحقاً ..

* بخلاف الخسائر الإقتصادية فالأمر مختلف عليه سياسياً .. كل طرف من الأطراف يرى فى مطلبه حقاً لا يقبل النقاش ..

– الكرد على سبيل المثال يرون أنهم قومية كبيرة العدد .. تسكن تلك المناطق منذ مئات السنين .. يشتركون فى اللغة و الثقافة و التاريخ و العرق و بالتالى فمطلبهم بإقامة دولتهم يعد مشروعاً خاصة إذا وضع فى الإعتبار النظام العالمى الجديد الذى تم تأسيسه بعد الحرب العالمية الأولى و إنهيار الإمبراطوريات فى العالم كله خاصة الإمبراطورية العثمانية و إعلاء الدعوات القومية و الإنفصالية و التى شكلت خريطة العالم كما نراها اليوم .. سبباً يعد وجيهاً إذا وضعنا أنفسنا مكانهم ..

– فى المقابل فالدول الأربعة .. تركيا و إيران و العراق و سوريا ترى أن تلك هى حدودها التاريخية و لا يمكن السماح لأى طرف – سواء الأكراد أو غيرهم – بالدعوة للإنفصال لأن فى ذلك دعوة صريحة لكل من لا يعجبه وضعه داخل الدولة بأن ينادى بمساواته بالأكراد و عندها لن يتبقى من تلك الدول شيئاً و هذا من شأنه إضعاف الدولة و تشتيتها .. و هو سبب يعد وجيهاً أيضاً إذا ما وضعنا أنفسنا مكانهم ..

* بالنظر للإشكالية التى نتجت مع الوقت بسبب تلك الظروف نجد أن المعادلة صفرية تقريباً .. فمجرى التفاوض بين الكيان الكردى و الدول الأربعة صار مسدوداً مع الوقت بفعل ممارسات ظالمة من الحكومات تجاه الأقلية الكردية من جهة و بفعل ممارسات عدائية من قبل الأكراد من جهة أخرى حتى صار من الصعب تحديد من المخطىء منهم و صار حل المشكلة بالتفاوض أبعد ما يكون عن الواقع .. بالطبع هناك تباين فى الحقوق و الإمتيازات بين الأقاليم الكردية الأربعة و بالطبع هناك موائمات سياسية تحكم الأمر فى كل دولة لكن يظل الأمر فى النهاية أن هناك توتر دائم و عدم إستقرار مزمن و تحين للفرصة من الطرفين لتثبيت أمر واقع يصعب على الطرف الأخر رفضه أو تغييره ..

* فى تلك السلسلة سأحاول توضيح طبيعة العلاقات الإقتصادية و السياسية بين الأكراد و بين الدول الحاضنة لها حالياً .. تاريخ الصراع بينهم .. و ما هى مواطن القوة و الضعف للدولة المتخيلة .. و ما هى أدوات الضغط التى يملكها كل طرف .. و ما هو الوضع الأمثل لإمكانية التعايش فيما بينهم .. كلها أسئلة سأحاول الإجابه عنها فى الأجزاء القادمة ..

– من أين نبدأ ؟

تركيا بالطبع .. منها بدأ الصراع و فيها يعيش أكبر تجمع للأكراد مقارنة بباقى الدول ..

عما قريب سنعلم ما الذى حدث بين الأكراد و أتاتورك ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ