الجزء السابــع عشر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* استمر فتح الجيوش الإسلامية للشام و إنقسم الجيش لأقسام فبقى #يزيد_بن_أبى_سفيان فى دمشق و ذهب #عمرو_بن_العاص ليفتح فلسطين و #شرحبيل_بن_حسنة ليفتح الأردن أما #أبو_عبيدة_بن_الجراح و معه #خالد_بن_الوليد فقد انتظروا أوامر الخليفة #عمر_بن_الخطاب حتى وصلهم الأمر بإستمرار الفتوحات شمالاً .. علم الروم أن جيش المسلمين يتحرك و كانت وجهته واضحة .. حمص هى المحطة التالية ..
* #هرقل و قادته ابتكروا خطة جديدة يشغلوا بها المسلمين عن فتح حمص و أيضاً يستطيعوا عن طريقها إستعادة دمشق مرة أخرى .. دمشق كانت درة تاج الإمبراطورية الرومانية و إحدى أكبر مدنها .. تلك الخطة كانت تنص على شغل المسلمين المتقدمين ناحية حمص و فى نفس الوقت إرسال جيش أخر لإقتحام دمشق .. دمشق كان بها يزيد بن أبى سفيان مع جيش يقدر بسبعة آلاف مقاتل فرأى هرقل أن تلك هى فرصته لإستعادة دمشق .. لكن لسوء حظه كان أقرب جيش ليزيد هو جيش أبو عبيدة .. ذلك الجيش الذى يتواجد ضمن صفوفه سيفاً من سيوف الله اسمه خالد بن الوليد ..
* أرسل هرقل جيشه الأول لفتح دمشق تحت قيادة أحد قادته يدعى #توذار .. فوجىء توذار بجيش أبو عبيدة الذى كان قد إقترب من دمشق فأرسل رسالة إلى هرقل يعلمه فيها بالمستجدات فأرسل هرقل جيشاً أخر لدعمه تحت قيادة قائد أخر يدعى #شُنس .. صار لدينا الآن جيشان روميان يقابلهم جيش إسلامى واحد فعسكر جيشا الروم جوار بعضهما فى منطقة #مرج_الروم حتى وصل إليهم جيش المسلمين فعسكر هو الأخر إنتظاراً للصباح و بدأ أبو عبيدة يعد خطة المعركة مع خالد .. فى تلك الليلة سيبدأ توذار فى تطبيق خطته الذكية التى لم يعمل لها المسلمون حساباً ..
* تحت جُنح الليل و إستغلالاً لضعف قدرة المسلمين على الإستطلاع أمر توذار مؤخرة جيشه و مؤخرة جيش شُنس بالتسلل و المضى قدماً نحو دمشق لإقتحامها بعد أن ضمنوا أن ينشغل المسلمون بالقوات الموجودة أمامهم .. لم تمر إلا ساعات قليلة حتى وصل توذار و قواته إلى دمشق فاكتشف يزيد بن أبى سفيان ما يحدث فأمر جيش المسلمين بالخروج لمواجهتهم خارج أسوار دمشق .. فى تلك الأثناء و مع فجر اليوم التالى شعر خالد – رضى الله عنه – بشيىء غريب .. هذا ليس الجيش الذى رآه بالأمس .. لم يشعر أحداً غير خالد بذلك الشعور .. خالد أيقن بفطرته أن هناك أمراً سيحدث ..
* اجتمع خالد بأبو عبيدة و أخبره بشكوكه و أخبره أن هذا الأمر لن يخرج عن إحتمالين .. إما أن الروم يخططون للإلتفاف علينا و إما أنهم قد أرسلوا جيشهم إلى دمشق لإستعادتها .. خالد و أبو عبيدة رجحا الإحتمال الثانى لعلمهم أن الروم يطمعون بلا شك بإستعادة المدينة الهامة .. استأذن خالد أبو عبيدة فى أن يتحرك بلوائه لنصرة يزيد فأذن له و على الفور تحرك خالد إلى دمشق فوصلوا وقت الضحى و كانت المعركة دائرة بالفعل .. يزيد و قواته أبلوا بلاءاً حسناً و صبروا على هجوم الروم إلا أن الإجهاد كان قد بدأ ينال منهم بسبب زيادة أعداد الروم و تبديلهم أماكنهم بإستمرار فى حين أن أعداد المسلمين لم تكن تسمح لهم بذلك .. قبل وصول خالد كادت أن تنكسر مقاومة جيش يزيد .. و كما هى العادة ما أن يصل خالد بن الوليد إلى المعركة و ما أن يُسمَع دوى صوته إلا و تنقلب الموازين لصالح المسلمين .. وجد الروم أنفسهم محاصرين من الجهتين فتشتت جمعهم و وصل خالد إلى توذار فبارزه و استطاع أن يقتله .. غنم المسلمين دواب الروم و أسلحتهم بعد أن ألحقوا بهم الهزيمة .. لم يكتفى خالد بذلك بل إنه بعدما انتهى منهم أمر لوائه بالإستعداد فوراً للتحرك لنصرة أبا عبيدة فى مرج الروم فلما وصل وجد أن المعركة كانت شبه حسمت و استطاع أبو عبيدة أن يقتل #شُنس فأكمل خالد معه المعركة حتى حسموها تماماً .. رضى الله عن أبا سليمان لم يكن ينام و لا يرتاح و لا يترك أحداً من لوائه يرتاح طالما أن هناك فرصة للقتال و نصرة المسلمين ..
* المحطة التالية فى طريق المسلمين إلى حمص كان #مدينة_بعلبك التى حاولت حاميتها المقاومة فى البداية إلا أنها لم تكن لتقوى على جيش المسلمين فتراجعوا مباشرة إلى داخل المدينة فضرب المسلمون حصاراً عليها حتى استسلمت فأعطاهم أبو عبيدة الأمان على أنفسهم و أموالهم و كنائسهم و لهم حرية الثبات على دينهم و أعطاهم فترة سماح شهرين لتجهيز أنفسهم للخروج دون قتال فأما من خرج فهو آمن و أما من بقى فليس عليه إلا الجزية ..
* استمر تقدم المسلمين حتى وصلوا #حمص فحدث مثل ما حدث فى بعلبك من مقاومة لكن خالد و لوائه استطاعوا هزيمتهم فرجعوا و تحصنوا بالمدينة فضرب عليها المسلمون حصاراً و مع عدم قدوم أى مساعدات من هرقل لنصرة حمص رضخوا للأمر الواقع و وقعوا معاهدة سلام مع المسلمين عبارة عن هدنة لمدة عام لا يهاجم فيه المسلمين المدينة مقابل الجزية و لا تخرج من حمص قوات لنصرة هرقل أو تأتى أى قوات لتعزيز حمص و إن حدث هذا فالمعاهدة لاغيه .. عام كامل من السلام و الأمن على أنفسهم .. هذا كان عرضاً ممتازاً .. إلا أنهم و مع أول تعزيزات أرسلها إليهم هرقل نكثوا عهدهم مرة أخرى .. الآن يحق للمسلمين مهاجمتهم .. حمص أصبحت هدفاً للمسلمين الآن ..
* تراجعت قوات المسلمين عن فتوحاتها و توجهت إلى حمص مرة أخرى فحاول الروم مواجهتهم خارج المدينة إلا أنهم فشلوا فتحصنوا كالعادة بالمدينة خاصة و أن الروم جلبوا لهم مؤن تكفيهم لفترة و قرروا الإحتماء بالداخل و ترك الشتاء ليجبر المسلمين على التراجع .. مرت شهور الشتاء قاسية على المسلمين بلا شك لكنهم صبروا عليها حتى جاء منتصف شهر مارس و بدأت درجات الحرارة فى التصاعد فدب اليأس فى قلوب الروم و حاول سكان حمص الضغط على #هربز الحاكم العسكرى لحمص للتوصل إلى سلام مع المسلمين إلا أن كبرياؤه منعه تماماً مثلما منع #توماس فى دمشق فجهز قوة من خمسة آلاف مقاتل و باغت المسلمين المرابطين أمام إحدى البوابات و تحت أثر الصدمة استطاع الروم أن يخترقوا صفوف المسلمين فى أكثر من موضع فعلى الفور أرسل أبو عبيدة إلى خالد و الذى كان مرابطاً على إحدى البوابات الأخرى ليأتى لنجدتهم فتحرك خالد بأسرع ما يمكنه و استطاع تنظيم صفوف المسلمين و صد هجوم الروم المفاجىء و أجبرهم على التراجع مرة أخرى إلى أسوار المدينة .. كان خالد رضى الله عنه قائداً على الجيش رغم أنه ليس فى مرتبة القيادة رسمياً حتى إن أبو عبيدة قال واصفاً دور خالد فى المعارك :
( أمَّر خالد نفسه )
* فى تلك الليلة اجتمع أبو عبيدة و خالد ليبحثا أمر الهجوم الرومى فأشار خالد على أبو عبيدة أنه لابد من خطة محكمة لإقتحام الحصن .. لن نتقدم خطوة واحدة طالما يستطيع الروم اللجوء إلى التحصن بالمدينة كلما انهزموا أو تراجعوا .. فى تلك الليلة وضع خالد خطته و أيده فيها أبو عبيدة .. خطة عظيمة معتادة من خالد .. كان فيها من المخاطرة ما فيها لكن لو سار الأمر كما خطط له فليفتحن الله حمص عما قريب ..
* لتنفيذ الخطة كان يجب على المسلمين إنتظار الروم أن يخرجوا لملاقاتهم .. كان من الممكن أن يتأخر هذا إلا أن هربز قائد الروم اختار أن يهجم فى اليوم التالى إستغلالاً لإجهاد المسلمين و تفوقه النفسى النسبى لأن الروم أصابوا كثيراً من المسلمين فى اليوم السابق .. و مع ساعات الفجر الأولى خرج الروم بهجوم خاطف سريع كما حدث فى اليوم السابق .. لم يكن يتخيل المسلمون أن الهجوم سيأتى بهذه السرعة فما استطاعوا تنظيم أنفسهم .. اقتحم الروم بعض خطوط المسلمين تماماً كما حدث باليوم السابق و وسط هذا الهجوم الخاطف اضطر خالد بالتلويح برايته ليتراجع المسلمين تاركين خيامهم و بعض أسلحتهم و حتى نسائهم و أطفالهم .. لأول مرة يجد المسلمون أنفسهم مضطرين للتراجع بهذا الشكل و هذه السرعة ..
* وقف هربز الذى كان فى الحصن يتابع المعركة و شاهد تراجع المسلمين فإذا به يعطى الأمر بالهجوم الكامل على المسلمين الهاربين .. إن لم يأخذ المسلمين حذرهم لكان الفتك بهم أسهل ما يكون الآن .. النساء و الأطفال كانوا فى خطر شديد لا يحميهم إلا بضع مئات من المقاتلين و الباقون تراجعوا .. حاول خالد تنظيم إنسحابه إلا أن القوات اندفعت للخلف حتى وصل التراجع لعدة أميال بعيداً عن حمص .. فى تلك الأثناء تجهز هربز للخروج بنفسه لمتابعة الأمر خارج الحصن فإذا بأحد القساوسة يمسك يده و يقول :
( و المسيح إنها خدعة من العرب .. لا يتركون نساءهم و أطفالهم خلفهم قط )
لكن هربز الذى رأى المسلمون يهرولون هاربين لأميال أخذه الغرور فاندفع طامعاً بأن يأتى برأس خالد بن الوليد ليقدمها للإمبراطور كهدية ..
* بعد أميال من التراجع و قبل أن تلحق قوات الروم بالمسلمين المتراجعين وقف خالد ملوحاً برايته مرة أخرى صائحاً :
( اثبتوا عباد الله )
فإذا بالجنود الذين كانوا يهرولون إلى الخلف يصطفون إصطفاف القتال فى نظام عجيب و كل فرد فيهم يعرف مكانه بالضبط .. قلب و جناحين فى أقل من دقائق معدودة و إذا بهم ينطلقون مهاجمين جيش الروم القادم إليهم .. بخلاف هذا يأتى جيشان منفصلان عن يمين و شمال جيش الروم فيحاط بالروم من ثلاثة إتجاهات مرة واحدة .. حاولوا الدفاع عن أنفسهم إلا أن الصدمة كانت أقوى منهم .. فاستغل خالد الموقف و اقتحم جيش الروم باحثاً عن هربز قائدهم فبارزه حتى قتله و حوصرت باقى قوات الجيش حتى قُتل أغلبهم و فر الباقون .. تراجع جيش المسلمين إلى المدينة بعد إنتهاء المعركة فضربوا حصاراً عليها .. لما أدرك السكان ما حدث لم يجدوا مهرباً من الإستسلام للمرة الثانية فقبل أبو عبيدة إستسلامهم مقابل إلتزامهم بالجزية ..
* ما فات كانت خطة خالد – رضى الله عنه – و التى أقرها أبو عبيدة .. نعم كانت تحمل مخاطرة بالنساء و الأطفال لكنها كانت سبباً فى فتح المدينة .. خالد كما تعودنا منه كان جريئاً لأقصى حد .. مجازفاً لأبعد حد .. رحم الله أبا سليمان ..
– حان الآن الوقت لفتح وسط الشام ..
– مدن كثيرة ستفتح بالصلح بعد ما حدث ..
– أنطاكية عاصمة الروم صارت فى خطر ..
– سيبدأ الروم من ذلك اليوم التجهيز لليرموك ..
– و لكن .. تلك قصة أخرى ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ