الجزء الثانى :
ـــــــــــــــــــــ
* خالد الآن يقترب من الأربعين .. مات أبوه الوليد بن المغيرة ليرث منه ثروة طائلة إستغلها فى التجارة و سافر بنفسه أكثر من مرة إلى بلاد الشام .. المسلمين فى مكة كانوا قد هاجروا إلى #المدينة_المنورة للحاق بالنبى ﷺ .. لم تسمح لهم قريش بأخذ أى شيىء من أموالهم و بعد الإستقرار فى المدينة بدأت غارات المسلمين على قوافل المشركين تعويضاً عما أخذته منهم قريش .. صارت الوتيرة أسرع و الحرب أوضح .. كانت مسألة وقت فقط قبل أن تتم المواجهة الأولى بين جيش المسلمين و صناديد الكفر .. كانت #غزوة_بدر_الكبرى ..
* خالد وقتها كان فى الشام و حين عاد وجد وجه قريش و قد تغير .. سبعون قتيل و مثلهم أسير فى صفوف جيش قريش .. المسلمون استشهد منهم أربعة عشر فقط .. شيىء عجيب لم يستوعبه خالد فى البداية .. جيش قريش كان ثلاثة أضعاف جيش المسلمين من حيث العدد أما العتاد فحدث و لا حرج كان الفارق أضعافاً .. كبار قادة المشركين إما قتلوا و إما أسروا .. أبو جهل .. أمية بن خلف .. عتبة بن ربيعة .. الوليد بن عتبه .. أما على مستوى الأسرى كانوا كُثر لكن من يُهمنا هو #الوليد_بن_الوليد_بن_المغيرة أخ خالد ..
* فى البداية رفض سادة قريش المفاوضة على أسراهم تكبراً منهم و لكن بعد فترة أضطرت قريش لتشكيل وفداً لمفاوضة رسول الله على أسراهم كان ضمن هذا الوفد خالد بن الوليد و أخوه هشام و الذين أتوا لفداء أخيهم الوليد .. كان مقدار الفدية 4000 ديناراً و قيل أن النبى ﷺ رفض أن يفديه إلا مقابل درعاً و سيفاً و خوذة كانوا يخصوا أباهم الوليد بن المغيرة فقبل بذلك هشام و خرج الوليد معهم و لكن حدث أمراً غريباً لم يكن خالد أو غيره يتوقعه ..
* بعد حلول الليل فر الوليد من خيمة أخويه و عاد أدراجه إلى المدينة المنورة و إلتقى رسول الله و أعلن إسلامه فعاد إليه أخواه لإعادته فقال له خالد :
– هلا كان هذا قبل أن تُفتدى و نُخرج مأثُرة أبينا من أيدينا ؟
( يقصد درع و سيف و خوذة أبيه الوليد بن المغيرة )
– رد عليه الوليد و قال : ما كنت لأسلم حتى أُُفتَدَى بمثل ما اُُفتُدِىَ به قومى و لا تقول قريش إنما اتبع محمداً فراراً من الفدى ..
( خاف الوليد أن تظن قريشاً أنه أسلم هرباً من دفع الفدية أو يظن المسلمون أنه أسلم خوفاً من القتل )
موقف مثل هذا ترك أثراً فى نفس خالد تجاه هذا الدين و زاد ذلك الأثر حين فر الوليد مرة أخرى بعد عودته إلى مكة .. خالد وضع قدماً على طريق الإسلام .. بقى له فقط وضع القدم الأخرى ..
* حتى و إن تأثر خالد بما رأى من أخيه الوليد إلا أن الثأر لقتلى قريش خاصة قتلى بنو مخزوم كان أولى أولوياته فى تلك الفترة .. بنو مخزوم وحدها خسرت 17 قتيلاً من أصل 70 خسرتهم قريش فى تلك الغزوة .. الآن حان وقت الإنتقام .. الآن حان وقت التجهيز لأُحد .. جمعت قريش و حلفاؤها من القبائل خيرة شبابها و رجالها .. سخرت كل إمكانياتها المادية لرد إعتبارهم و لهزيمة المسلمون .. قيل أن 50000 ديناراً هى ربح أخر قافلة لأبو سفيان زعيم قريش تم استخدامها لتجهيز جيش المشركين .. 3000 مقاتل 700 منهم مدرعون .. 3000 بعير .. 200 فرس .. خالد كان قائد سلاح الفرسان .. فى المقابل خرج الرسول ﷺ من المدينة و معه 1000 مقاتل 100 منهم مدرعون .. و فرسين إثنين .. زاد الأمر صعوبة حين انسحب المنافقين قبل بداية المعركة فبقى مع رسول الله 700 مقاتل فقط ..
* على الرغم من فارق العدد إلا أن إستبسال المسلمين أجبر جيش المشركين على نزع دروعهم و التقهقر تاركين ورائهم كمية كبيرة من الغنائم .. تراجع أغرى رماة المسلمين الذى كان قد أمرهم رسول الله بعدم التحرك من مكانهم لحماية ميسرة الجيش إلا أنهم خالفوا أمره و ترك 40 منهم أماكنهم لحصد الغنائم .. هنا جاء دور #خالد_بن_الوليد الذى كان يرى تراجع جيشه أمام عينه لكنه لم يتحرك من مكانه لينتهز الفرصة لمباغتة المسلمين .. ثبت فى مكانه و استغل ثغرة الرماة و تحرك بفرسانه و التفوا عليهم من الخلف .. وجد المسلمين أنفسهم محاصرين .. يومها استشهد من جيش المسلمين 70 شهيد مقابل 23 قتيل من جيش قريش .. اعتبرت قريش هذا نصراً و رداً على يوم بدر .. خالد كانت له الكلمة الفاصلة فى تفوق قريش يومها .. تم الثأر لقتلى بنو مخزوم ..
* فى العام الخامس الهجرى شارك خالد ضمن حملة على المسلمين خططت لها قريش و حلفاؤها مع يهود بنى قريظة فيما عرف ب #غزوة_الخندق تلك الغزوة التى لم تكن معركة صريحة و لكنها كانت أقرب للحصار و الذى انتهى دون استطاعة جيوش المشركين الدخول للمدينة المنورة .. فى العام التالى قرر النبى ﷺ أن يذهب للعمرة و معه 1400 من الصحابة عندها قرر المشركين منع المسلمين من دخول الحرم فأرسلوا 300 فارس منهم خالد لملاقاتهم خارج مكة فقرر النبى – صل الله عليه و سلم – الإلتفاف على تلك المجموعة فترك 20 فارساً مسلماً ليشغلوا فرسان المشركين و التف بباقى الصحابة حول مكة و قبل دخولهم إلى الحرم بركت ناقة رسول الله على الأرض عندها أمر الصحابة بإقامة معسكرهم خارج الحرم و تم توقيع صلح الحديبية بعدها و ما شمله من شروط رآها بعض الصحابة مجحفة ..
* من شروط الصلح المجحفة كان عودة المسلمين أدراجهم هذا العام و عودتهم العام الذى يليه للعمرة على أن تخلى قريش الحرم للمسلمين لمدة 3 أيام .. فى ذلك العام حضر المسلمون أكثر عدداً و عزاً و كبرياءاً .. جلس خالد ضمن قومه على تلة قريبة من مكة ينظر إليهم و تسائل عن سر قوة هذا الدين و عن كيفية إنقلاب الأمور لصالح محمد و من معه .. ماذا لو كانت قريش على باطل .. ما سبب كل تلك الحروب أصلاً .. هل هو صراع بين الحق و الباطل حقاً أم هى مجرد عصبية قبلية و ثأراً للآباء .. خالد هنا كان قد وضع قدميه الإثنين على طريق الإسلام .. كان ينتظر إشارة فقط ليكمل سيره فى هذا الطريق .. إشارة لم تتأخر كثيراً .. فرسول الله ﷺ كان قد ذكر إسمه ..
* بينما المسلمين فى مكة جلس إلى الوليد و سأله عن أخيه خالد ففهم الوليد أنها رسالة من رسول الله إلى خالد و حاول الوصول لأخيه لإخباره بها لكنه لم يوفق فى لقائه و إنقضت الثلاثة أيام الخاصة بالمسلمين و حان وقت رحيلهم فترك له خطاباً نصه كان :
ــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
أما بعد ..
فإنى لم أرى أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام و عقلك عقلك .. و مثل الإسلام يجهله أحد ؟!
و قد سألنى عنك رسول الله فقال أين خالد .. فقلت يأتى الله به .. فقال رسول الله :
ما مثل خالد يجهل الإسلام .. و لو كان جعل نكايته مع المسلمين على المشركين لكان خيراً له .. و لقدمناه على غيره ..
فاستدرك يا أخى ما فاتك فيه فقد فاتتك مواطن صالحة ..
ـــــــــــــــــــــــ
* بعد عودته لمكة استلم خطاب أخيه و قرأه فتأثر بكلام النبى ﷺ و قرر الهجرة إليه و لكنه أراد صحبة فى طريقه فمر بصديقه #عثمان_بن_طلحة و كان قد تهيأ هو الأخر للإسلام فنويا الهجرة معاً و إذا هم فى الطريق قابلا #عمرو_بن_العاص_بن_وائل الذى و للمفارقة كان مهاجراً هو الأخر .. فتقدموا ثلاثتهم إلى المدينة و حين وصلوا إلى هناك علم رسول الله بوصولهم و كان وسط أصحابه فسر غاية السرور و قال :
( لقد رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها )
* دخل خالد – رضى الله عنه – على النبى فتبسم له رسول الله ﷺ فجلس خالد أمامه و قال :
– السلام عليكم يا رسول الله ..
– فرد النبى و قال : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ..
– فقال خالد : إنى أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله ..
– ابتسم النبى – صل الله عليه و سلم – و قال :
( الحمد لله الذى هداك .. قد كنت أرى لك عقلاً لا يُسلِمَك إلا إلى خير )
– قال خالد :
يا رسول الله .. ادعوا الله لى أن يغفر لى المواطن التى كنت أشهدها عليك ..
– فرد رسول الله و قال :
يا خالد .. الإسلام يجب ما كان قبله ..
* أسلم خالد و تحول إلى أحد أكثر الناس دفاعاً عن الإسلام بعد أن قضى سنوات من عمره يحاربه .. الآن ستبدأ رحلته مع الجهاد فى سبيل الله .. سيشغله الجهاد عن كل شيىء أخر .. سيشغله حتى عن القرءان و عن رواية الأحاديث .. خالد سينذر عمره الباقى للجهاد تحت راية الإسلام ..
– لن يطول الوقت كثيراً حتى يجد خالداً نفسه فى إختبار جديد ..
– إختباراً يمر به لأول مرة و هو على الإسلام ..
– كانت غزوة مؤتة ..
– و لكن تلك قصة أخرى ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ