وقفنا فى الجزء اللى فات عند تنصيب ( يحيى بن على بن حمود ) كخليفة جديد للبلاد بعد هروب عمه ( القاسم بن حمود ) ورجوعه على إشبيلية اللى كان والى عليها قبل ما يبقى خليفة .. الوضع وقتها كان عجيب جداً .. يحيى وعمه القاسم محدش فيهم إتنازل للتانى عن الخلافة .. يعنى هما الإتنين كانوا خلفاء فى نفس الوقت .. القاسم كان مسمى نفسه ” المستعلى بالله ” ويحيى سمى نفسه ” المعتلى بالله ” .. والأعجب إن الإتنين محاربوش بعض بل إنهم مقاطعوش بعض وكانت فيه مراسلات عادية جداً بينهم فى الوقت ده .. وده تأكيد على إن الهدف من الوصول للسلطة وقتها مكانش مقصد شرعى ولا حاجة إنما كان هدفه دنيوى بحت .. وطالما إحنا الإتنين مبسوطين وتحت إيدينا خزائن الأرض فمفيش مانع يبقى فى خليفتين فى نفس الوقت .. إبن حزم الأندلسى وصف الموقف ده فى كتابه ” نقط العروس فى تاريخ بنى أمية فى الأندلس ” وقال فيه :
( وهو أمر لم يُسمع فى الدنيا بأشنع منه ولا أدل على إدبار الأمور )
ـــــ
الوضع الغلط ده مستمرش كتير لإن بعد سنة ونص وتحديداً فى 12 ذى القعدة سنة 413 هجرياً البربر خلعوا يحيى المعتلى بالله وبعتوا لعمه القاسم وطالبوه بالرجوع على قرطبة عشان يحكم تانى .. بيرجع القاسم لكنه بيرجع مكسور .. البربر هما اللى جابوه ولولاهم مكانش قعد على الكرسى عشان كده كان لازم يراضيهم فأطلق إيديهم فى كل شيء على حساب القرطبيين .. فى البداية أهل قرطبة إستحملوا لكن مع الوقت جابوا أخرهم .. 7 شهور بالظبط وحصلت ثورة فى قرطبة كان نتيجتها خلع القاسم بعد ما حصلت كام معركة بين أهل قرطبة والبربر ..
خرج البربر من المدينة وحاصروها لمدة 50 يوم لحد ما المؤن نقصت فتجهز أهل البلد وخرجوا عشان يواجهوا البربر فى معركة حاسمة إنتصروا فيها وأجبروا البربر على التراجع وأجبروا القاسم على الذهاب لإشبيلية لإن ولاده الإتنين كانوا هناك لكن المفاجأة إنه لما راح هناك رفض أهلها دخوله وخرجوله ولاده وأعيان البربر وسيطروا هما على مقاليد الأمور .. سوء الأوضاع موقفش لحد هنا .. خسارته لقرطبة ومن بعدها إشبيلية أجبره على اللجوء للحل الأخير قدامه .. طنجة .. وطنجة كانت المدينة اللى كان بيعتبرها ملاذه الأخير فى حالة خسارته للأندلس بالكامل لكن حتى الخطة دى فشلت لإن ولاد أخوه يحيى وإدريس لما عرفوا بهزيمته فى قرطبة على طول إتحركوا وسيطر يحيى على الجزيرة الخضراء جنوب الأندلس وسيطر إدريس على طنجة وبكده مبقاش فى مكان آمن يلجأ ليه القاسم بعد ما الدنيا إديتله ظهرها ..
فى الوقت ده القاسم ملقاش مكان يلجأ ليه إلا مدينة إسمها شريش وهناك إحتمى فيها لفترة لحد ما جهز يحيى المعتلى بالله جيش وحاصر المدينة لحد ما استسلمت فقبض على عمه وولاده وخدهم معاه على ” ملقة ” لإنها كانت مقر حكمه وهناك رماهم فى السجن .. القاسم فضل فى سجون إبن أخوه لمدة 17 سنة متتالية .. فى المدة دى وتحديداً بعد 13 سنة بيتقتل يحيى المعتلى بالله فى معركة ضد بنى عباد فى الفترة السودة المعروفة بإسم ” عهد ملوك الطوائف ” وبيتولى مكانه أخوه إدريس .. طبعاً زمانك دلوقت بتقول إن إدريس غير أخوه وأكيد هيطلع عمه من السجن .. للأسف لأ .. فضل سايبه فى الحبس 4 سنين كمان لحد ما بيموت وعمره 80 سنة تقريباً .. وفى موضوع وفاته قيل إنه إتقتل مخنوق فى محبسه لكن الروايات إختلفت فى تاريخ وفاته فاتقال إنه مات سنة 427 هجرياً بعد وفاة يحيى واتقال إنه مات سنة 431 هجرياً بعد وفاة إدريس لكن المؤكد إنه مات مخنوق والله أعلى وأعلم ..
ـــــ
المفروض إن اللى حصل ده كله يحسس المتصارعين على السلطة بخطورة اللى بيحصل خاصة إن عدوهم على مرمى حجر منهم .. الممالك الإسبانية فى الشمال كانت فى غاية التحفز ضد وجود المسلمين فى الأندلس ووضع زى ده كان ممكن يشجعهم على الهجوم عليه لكن ربنا سلم وقتها لإنهم هما كمان كان عندهم مشاكلهم الداخلية وكمان لإن إستمرار الصراع على السلطة فى الأندلس كان بمثابة فترة تعافى ليهم بعد اللى عاشوه من قهر فى عهد الدولة العامرية .. السنين دى هما استغلوها فى بناء جيوش قوية فى حين إن المسلمين كانوا بيقطعوا بعض فى الجنوب على مدار عشرات السنين ..
الناس فى قرطبة حبوا يرجعوا كل شيء لأصله لعل ده يكون مخرج من حالة التوهان اللى عايشينها دى فبايعوا أمير أموى إسمه ( عبد الرحمن بن هشام ) بعد ما كانوا بيفاضلوا بين أميرين تانيين غيره إلا إن عبد الرحمن إحتمى ببعض الفرسان وقبض على الأميرين وأخد البيعة من الناس بقوة الأمر الواقع .. المهم .. عبد الرحمن حب يدخل سخن يمكن ده يزرع مهابته فى قلوب الناس فسمى نفسه المستظهر بالله وصادر أموال بعض الأكابر والوزراء واعتقل عدد كبير من الأمراء أولاد عمومته وافتكر إنه بكده بيثبت ملكه .. بل إنه قرر التمادى أكتر واستقبل فى قصره مجموعة من فرسان البربر وعندها ثار أهل قرطبة ضده لإنهم بكده يبقوا معملوش حاجة والمستظهر هيركب عليهم البربر من جديد فدخلوا عليه القصر وقتلوه وبايعوا خليفة أموى جديد إسمه ( محمد بن عبد الرحمن ) وسموه المستكفى بالله بعد 47 يوم بالظبط من خلافة المستظهر ..
المستكفى بالله بقى إشترى دماغه .. قالك اللى قبلى حب يعمل فيها جامد فاتقتل فخلينى أنا فى اللى أفهم فيه .. والحقيقة هو مكانش بيفهم فى حاجة غير فى شرب الخمر والمجون والركون إلى الغوانى .. بصراحه المؤرخين وصفوه بأشنع الصفات زى إنه كان فاسد الرأى ميالاً إلى البطالة عاطلاً من الخلال الحسنة .. حاجة كده زى الزفت يعنى .. المهم الراجل ده حكم سنة وخمس شهور بالظبط وبعدها وصلته أخبار إن يحيى المعتلى بالله بيخطط للهجوم على قرطبة وهيحاصرها .. يعمل إيه المستكفى وقتها ؟ .. يتنكر فى زى إمرأه ويهرب من البلد مع بعض أعوانه فى أواخر ربيع الأول سنة 416 هجرياً .. بعد أسبوعين من هروبه بيتقتل على يد بعض مرافقيه لإنهم إفتكروا إنه هرب من القصر ومعاه فلوس لكن للأسف مكانش معاه حاجة وإتقتل على الفاضى ..
ـــــ
يحيى المستعلى بالله مكانش بيخطط فعلياً لدخول قرطبة وعشان كده البلد عاشت بدون حاكم فعلى قرابة 6 شهور لحد ما قرر يحيى إنه يتحرك وفعلاً بيدخل قصر قرطبة وبيرجع تانى يبقى خليفة على قرطبة .. بعد 3 شهور ونص بيقرر إنه يسيب قرطبة ويعمل زيارة لملقة وساب مكانه إثنين من وزراءه عشان يديروا شئون المدينة وساب معاهم حامية فيها ألف جندى من البربر .. بعد شهرين تقريباً بيدخل المدينة 2 من قادة الفتيان الصقالبة اللى قلنا أساميهم الجزء اللى فات .. خيران الصقلبى وزهير الصقلبى .. الإتنين دول قابلوا أكابر البلد وفرسانها وحرضوهم ضد البربر وشجعوهم على طردهم من البلد وفعلاً بتقوم ثورة ضد الحامية البربرية فى المدينة وبيتم قتل كل الجنود اللى فيها فى 20 ربيع الأول سنة 418 هجرياً ..
بعدها قرر أهل قرطبة وكالمعتاد تولية أمير أموى جديد .. الحقيقة ولائهم للأمويين كان مذهل رغم إن مفيش أمير أموى واحد قدر يملأ فراغ منصب الخليفة من بعد ( الحكم المستنصر بن عبد الرحمن الناصر ) .. كلهم كانوا عبارة عن بلاوى سودة .. فى البداية بايعوا أمير إسمه ( هشام بن محمد ) ولقبوه بالمعتد بالله .. راجل كان ضعيف وأغلب وقت خلافته قضاها خارج قرطبة وكان سايب الحل والعقد فى يد واحد من وزراءه أساء لأهل البلد وظلمهم فغضب عليه أهل البلد وقتلوه فى ذى القعدة سنة 422 هجرياً ..
بعدها هجموا على القصر فهرب منه هشام المعتد بالله هو وأهله وعندها لأول مرة بيقف أهل قرطبة مع نفسهم وقفة جدية وبياخدوا قرار تاريخى فى 12 ذى الحجة سنة 422 هجرياً هو إبطال الخلافة الأموية فى الأندلس وفوق ده بيطردوا كل أمراء الأمويين خارج قرطبة وبطردهم بتبدأ مرحلة ” ملوك الطوائف ” المشئومة .. اللى فات طبعاً كان زفت لكن مرحلة ملوك الطوائف كانت جحيم على الأندلس .. أشد فترات الأندلس ظلمة وفرقة وتشدد وإنقسام وضعف وذل وهوان وقول كل اللى إنت عاوز تقوله ..
ورغم كمية السواد دى إلا إنه فى نهاية مرحلة الفتنة وبداية مرحلة ملوك الطوائف ربنا رزق الأندلس وتحديداً أهل قرطبة بشخصية ممتازة قدرت إنها تعدى بالمدينة لبر الأمان وسط كل البلاوى السوداء اللى قلناها دى .. الوزير ( أبو الحزم بن جهور ) .. إن شاء الله هبقى أكلمكم عن الراجل ده وأعرفكم إزاى قدر بعدله ونزاهته وحسن إدارته يعدى بقرطبة من واحدة من أسوأ فتراتها عبر التاريخ ..
ـــــ
المصدر الأساسى للسلسلة هو كتاب ” تاريخ الإسلام فى الأندلس ” للدكتور محمد عبد الله عنان وفى الكتاب هتلاقوا مصادر أكثر شمول وتعمق لإبن عذارى المراكشى وابن حزم وغيرهم من المعاصرين لزمن الفتنة ..
ـــــ