الدولة العبيدية فى مصر والمشهورة بين الناس بالدولة الفاطمية عاشت أخر 80 سنة من عمرها فى فساد وظلم وانقسام .. بدأ كل شيء لما توفى الخليفة الفاطمى ( المستنصر بالله ) وطبقاً للتسلسل الطبيعى كان مفترض يمسك مكانه إبنه الأكبر ( نزار المصطفى لدين الله ) لكن بسبب تزايد نفوذ الوزراء فى الوقت ده قدر الوزير ( الأفضل شاهنشاه ) من نقل ولاية العهد لإبنه الأصغر ( أحمد المستعلى بالله ) ومن وقتها والشيعة الإسماعيلية مختلفين .. فريق شايف إن ( نزار ) هو الأحق بالخلافة وفريق شايف إن ( أحمد ) هو الأحق لإنه هو اللى تولى المنصب رسمياً ..
فى الوقت ده كان عايش فى مصر واحد إسمه ( حسن بن على الصباح ) شاف اللى حصل ومال للنزارية وبدأ يدافع عن حق ( نزار ) فى الخلافة فالوزير الأفضل حبسه هو ونزار وحبس معاهم الهادى إبن نزار .. شوية ونزار مات لكن حسن الصباح نجح فى الهروب هو و ( الهادى إبن نزار ) وراحوا على إيران وأسسوا هناك جماعة الحشاشين ونادوا بإمامة خلفاء الشيعة النزارية .. بعد 7 سنين بيموت ( أحمد المستعلى بالله ) فالوزير الأفضل بيعين مكانه إبنه ( الآمر بأحكام الله ) اللى كان عمره 5 سنين بس وقتها ..
كبر الخليفة وفهم إن السلطة كلها فى إيد الوزير الأفضل فتآمر عليه وقتله وعين مكانه وزير إسمه ( المأمون البطائحى ) .. بعد 9 سنين بينجح الحشاشين فى قتل الخليفة فبتتنقل الخلافة لإبنه ( الطيب أبو القاسم ) وده تولى الخلافة وهو لسه جنين فى بطن أمه لإنه مكانش لسه إتولد .. بسبب الوضع العجيب ده بيتم تعيين إبن عم الخليفة المقتول ( عبد المجيد الحافظ لدين الله ) كوصى على الخليفة الجنين لحد ما يبلغ سن الرشد .. الراجل ده بيعين مين فى منصب الوزارة ؟ .. ( أحمد بن الأفضل ) إبن الوزير السابق ( الأفضل شاهنشاه ) فبيمسك الوزارة وهو كاره للفاطميين .. شوية وبيقبض على الخليفة لكن بعد فترة بينجح بعض الثوار فى قتل الوزير وبيخرجوا الخليفة من السجن لكنه بيخرج ضعيف تماماً ميقدرش يقول لأى وزير لأ وبقى مجرد صورة وجوده زى عدمه والوزير اللى يقدر يسيطر على البلد هو الكل فى الكل ..
ـــــ
بيفضل حال الدولة الفاطمية بالشكل ده لحد مابتوصل الوزارة لإيد واحد إسمه ( الصالح طلائع بن رُزيك ) .. بعد وفاة الوزير ده بتدخل الدولة فى صراع بين إتنين على الحكم .. ( ( رُزيك بن طلائع ) إبن الوزير السابق و (شَاوَر بن مُجير السعدى ) .. ( رزيك ) بينجح فى الأول فى صد ( شاور ) لكن ( شاور ) بيقدر إنه يقتله ويستولى على كرسى الوزارة .. شاور ده كان إنسان خبيث وسفاك للدماء وده خلى واحد إسمه ( ضرغام بن عامر اللخمى ) يثور ضده وفعلاً بيهزمه وبيطرده بره البلد وفوق ده بيقتل إبنه ..
شاور بعد ما خرج من البلد درس موازين القوى فى المنطقة ملاقاش قدامه فرصة أفضل من الإستنجاد بالسلطان ( نور الدين زنكى ) فراح للشام وهناك إترجاه إنه يدخل مصر ويطرد ضرغام منها وقاله :
( أكون نائبك بها .. وأقنع بما تُعيّن لى من الضياع والباقى لك )
وافق السلطان نور الدين على الإقتراح وبعت معاه جيش بقيادة ( أسد الدين شيركوه ) سنة 559 هجرياً .. بعد شهرين بينجح الجيش ده فى هزيمة ضرغام وتعيين شاور مكانه فى كرسى الوزارة ..
ـــــ
المفترض بعد كده إن ( شاور ) يوفى بوعده للسلطان نور الدين ومصر تبقى عون للدولة الزنكية فى حربها ضد الصليبيين .. ده المنطقى .. اللى حصل بقى إن شاور تنصل من وعوده وأمر ( شيركوه ) بالخروج من مصر لكن شيركوه رفض وراح على بلبيس وإتحصن هناك .. ده خلى شاور يكمل مسلسل خيانته وراح باعت رسالة للصليبيين فى بيت المقدس بيطلب مساعدتهم لطرد الجيش الزنكى من مصر ..
على طول خرج الجيش الصليبى من القدس واتحرك لحد ما وصل بلبيس وحاصر الزنكيين مع جيش شاور لمدة 3 شهور .. فى الوقت ده عرف السلطان نور الدين اللى حصل وقرر إنه يهجم على حصون الصليبيين فى بيت المقدس عشان يضغط عليهم ويجبرهم على الإنسحاب وبالفعل ده جاب نتيجة وإتفق الصليبيين مع الزنكيين على الهدنة سنة 560 هجرياً ..
ـــــ
بعد سنتين حاول نور الدين زنكى يدخل مصر للمرة الثانية فأرسل حملة جديدة بقيادة شيركوه لكن شاور عرف بالموضوع وبعت رسالة تانية للصليبيين وعدهم فيها بالتبعية ليهم إذا نصروه على الزنكيين .. بيوافق الصليبيين للمرة التانية وبيتقابل معاهم شاور على حدود القاهرة وبيتعهدلهم بدفع 400 ألف دينار نصهم مقدم فوافق الصليبيين على العرض بس شرطوا إن ( العاضد لدين الله ) الخليفة الفاطمى يشهد على الإتفاق والخليفة طبعاً بيوافق لإنه زى ما قلنا ميقدرش يرفض ..
شيركوه خاف يتحاصر زى المرة اللى فاتت فتراجع بجيشه لحد ما وصل قرب محافظة بنى سويف لكن الصليبيين ومعاهم شاور فضلوا ماشيين وراه وعندها ملقاش شيركوه مفر من المواجهة فجمع رجالته وعرض عليهم الأمر فالبعض قاله :
( إن نحن انهزمنا – وهو الذى لا شك فيه – فإلى أين نلتجئ وبمن نحتمى وكل من فى هذه الديار من جندى وعامى وفلاح عدو لنا ويودون لو شربوا دماءنا )
قلة أعدادهم وعدم وجود حلفاء ليهم خلى بعض القادة يؤمنوا بالهزيمة لولا وجود واحد منهم إسمه ( شرف الدين برغش ) اللى وقف بينهم وقال :
( من يخاف القتل والجراح والأسر فلا يخدم الملوك بل يكون فلاحاً أو مع النساء فى بيته .. والله لئن عدتم إلى الملك العادل من غير غلبة وبلاء تُعذرون فيه ليأخذن إقطاعاتكم وليعودن عليكم بجميع ما أخذتموه إلى يومنا هذا ويقول لكم أتأخذون أموال المسلمين وتفرون عن عدوهم وتسلمون مثل هذه الديار المصرية يتصرف فيها الكفار )
فلما سمعه شيركوه قال :
( هذا رأيى وبه أعمل )
فبدأ كل القادة يتراجعوا عن رأيهم الأول وجهزوا نفسهم للقتال لحد ما ربنا كتبلهم النصر .. الحملة دى إنتهت برضه بالهدنة وكان من نتايجها إن الدولة الفاطمية بقت تابعة رسمياً للصليبيين وبقت تدفعلها جزية سنوية قدرها 100 ألف دينار مع إجبارهم على بقاء حامية صليبية فى البلاد لحماية مصالحهم هناك ..
ـــــ
بعد سنتين وكما كان متوقع الصليبيين مصبروش على حالة الدولة الفاطمية المنهارة .. رسايل حاميتهم فى القاهرة شرحتلهم أدق التفاصيل وقد إيه البلاد بلا دفاعات وبلا جيش قوى يحميها فخرجوا بسرعة من القدس لحد ما وصلوا بلبيس فى صفر سنة 564 هجرياً وهناك حرقوا المدينة ونهبوها .. بعد 10 أيام كانوا على أبواب الفسطاط فأمر شاور رجالته إنهم يحرقوا المدينة عشان ميستفيدوش منها بحاجة .. 54 يوم بالتمام والكمال والنار قايدة فى الفسطاط .. شاور حرق المدينة ب 20 ألف قارورة نفط و 10 آلاف مشعل لدرجة إن الدخان كان بيتشاف من مسيرة 3 أيام زى المقريزى وأبو شامة المقدسى ما قالوا ..
الصليبيين لما لقوا الفسطاط إتحرقت كملوا على القاهرة وحاصروها .. خلاص كده بقى يا عم شاور .. مفيش قدامك غير إنك تحارب .. تجاهد مرة من نفسك جهاد صحيح يمكن تموت شهيد ولا حاجة .. أبداً .. شاور لما لقى الوضع كده خرج وتذلل ل ( عمورى الأول ) ملك بيت المقدس وفكره بالتحالفات اللى كانت بينهم قبل كده ووعده بدفع جزية قدرها مليون دينار .. أه والله العظيم .. دفع منهم 100 ألف مقدم مع وعد بإرسال الباقى لو عمورى وافق على الرجوع لبيت المقدس ..
شاور حاول يجمع المبلغ الباقى فعلاً لكنه معرفش لإن الفسطاط كانت هى المدينة التجارية اللى فيها السلع والبضائع والفلوس أما القاهرة فكانت مدينة سياسية بالأساس فيها بيوت الحكام والوزراء وثكنات الجنود .. يقال إن أقصى مبلغ قدر يجمعه كان 5000 دينار دلالة على حجم الخراب اللى حل على البلد .. الخليفة العاضد لما شاف الوضع كده بعت رسالة للسلطان نور الدين وعده فيها بثلث خراج مصر بخلاف إقطاعات القادة بتوعه وبعت مع الرسالة شعور نساءه وكانوا قصوه حزناً على ضياع ملكهم المرتقب وكتب فى نهاية الرسالة :
( هذه شعور نسائى من قصرى يستغثن بك لتنقذهن من الفرنج )
ـــــ
جيش الزنكيين وصل مصر فى ربيع الأول سنة 564 هجرياً ورغم إن الناس إستقبلتهم كالأبطال إلا إن شاور مقدرش يخبى كراهيته ليهم ورفض إن شيركوه يبقى ليه القيادة فى العسكر لدرجة إنه صارح إبنه بخطة كان بيفكر فيها وهى إنه يقتل شيركوه وأمراؤه وبعدها يستخدم عساكر الزنكيين فى الحرب ضد الصليبيين .. إبنه لما سمع خطته قاله :
( والله لئن عزمت على هذا لأُعرفن شيركوه )
فقال له :
( والله لئن لم نفعل هذا لنُقتلن جميعاً )
فقال :
( صدقت .. ولأن نقتل ونحن مسلمون والبلاد إسلامية خير من أن نقتل وقد ملكها الفرنج .. فإنه ليس بينك وبين عود الفرنج إلا أن يسمعوا بالقبض على شيركوه وحينئذ لو مشى العاضد إلى نور الدين لم يرسل معه فارساً واحداً ويملكون البلاد )
ـــــ
خيانات ( شاور ) الكتيرة خلقت حقد دفين فى صدور الأمراء فى الجيش الزنكى خاصة الشباب منهم .. ( صلاح الدين الأيوبى ) وصديقه ( عز الدين جورديك ) كانوا أكتر إتنين متغاظين من شاور ورغم إن ( شيركوه ) كان رافض أى إجراء دموى ضد ( شاور ) رغم اللى عمله إلا إن إندفاع الشباب خلى صلاح الدين وعز الدين يخططوا لقتل شاور ..
فى 17 ربيع الثانى سنة 564 هجرياً راح شاور لعسكر شيركوه فى زيارة معتادة فملقاهوش هناك لإنه كان بيزور قبر الإمام الشافعى فقابله صلاح الدين وعز الدين وعرضوا عليه إنهم يروحوا معاه لهناك وفى الطريق وقعوه من على فرسه وخدوه أسير لشيركوه اللى وافق على قتله لإن كان صعب جداً يطلقوا سراحه بعد ما أسروه .. ولاد شاور لما عرفوا باللى حصل لأبوهم هربوا ولجئوا للخليفة العاضد عشان يحميهم راح قاتلهم هما الإتنين لإنه خاف إن شيركوه يظن إنه متآمر معاهم ضده ..
بعد ما الخليفة قتلهم بعت رسالة سريعة لشيركوه عرفه باللى حصل وطلب منه يجيب راس ( شاور ) ويجيله على قصر الخلافة فخد شيركوه الراس وطلع على القصر فلقى هناك عدد كبير جداً من عوام الناس وشاف بينهم عدد من رجالة شاور فخاف على نفسه ليغتالوه وفكر فى حيلة يفض بيها التجمع ده فبص للناس وقالهم :
( أمير المؤمنين – يعنى العاضد – يأمركم بنهب دار شاور )
وفى خلال ثوانى كان كل الناس جريوا على بيت شاور ونهبوه ودخل شيركوه للخليفة بدون أى إحتكاكات وتقلد منصب الوزارة رسمياً .. من شدة النهب فى مبنى الوزارة الروايات قالت إن لما شيركوه دخلها لأول مرة ملقاش فيها ولو كرسى واحد يقعد عليه .. وسبحان المعز المذل ..
ـــــ