الخلافة العباسية فى أواخر عمرها أصابها الترهل والفساد فى مقتل .. العالم الإسلامى وقتها عاش إنقسامات مرعبة وكل شخص إمتلك بعض التفوق العسكرى كان بيسيطر على البلد اللى جنبه ويضمها لأملاكه والخليفة مكانش يقدر يمنعه ورغم ضعف الخليفة إلا إنه إحتفظ بمكانته الروحية وتنافس حكام البلاد بينهم وبين بعضهم على لقب حامى الخلافة العباسية ..
الوضع ده كفل للخليفة إنه يعيش حياة رغدة وسهلة وبلا هموم وبدون أى إلتزام من أى نوع .. الدولة الإسلامية وقتها كانت واسعة وحدودها مترامية من أول بلاد ما وراء النهر شرقاً لحد الأندلس غرباً .. واسعة أه لكن منقسمة .. مفيش قيادة موحدة تجمعها .. صراعات وأحقاد وحروب المساحة هنا لا تتسع لذكرها ..
وزى ما علمونا فى المدارس ..
الإتحاد قوة والتفرق ضعف ..
ـــــ
سنة 614 هجرياً المغول كانوا سيطروا على الصين ووصلوا لحدود الدولة الخوارمية لكن ( جنكيز خان ) ساعتها رفض الهجوم عليها لإنه كان شايف إنها دولة كبيرة وحاكمها ( محمد خوارزم شاه ) حاكم قوى فحب يستفيد منها عن طريق توسيع العلاقات التجارية معاها .. بعد كام رسالة بين الطرفين قرر ( محمد خوارزم شاه ) إنه يبعت تجار مسلمين لإمبراطورية المغول معاهم هدايا وسلع يعرضوها هناك وبالمثل عمل ( جنكيز خان ) وبعت قافلة تجار مغول كبيرة قدرت ب 500 جمل معاها ذهب وحرير وخلافه ..
كان ممكن كل شيء يمشى مظبوط لكن سبحان الله مسبب الأسباب .. ( ينال خان ) حاكم إقليم ( فاراب ) وصلتله معلومة بتقول إنهم جواسيس مش تجار فتسرع وقتلهم واستولى على قافلتهم بدون الرجوع للسلطان اللى كان خارج البلاد وقتها .. بعد أقل من سنتين كانت جيوش المغول داخل حدود الدولة الخوارمية ..
معلومة كده عالسريع .. السلسلة دى بتتكلم عن الخيانة وجايز تفتكر إن الخيانة بتيجى دايماً من حاشية الملوك لأطماع فى أنفسهم وده الطبيعى بالمناسبة .. لكن اللى مش طبيعى أبداً إن الخيانة فى حالة غزو المغول للدولة الخوارزمية تيجى من خليفة المسلمين نفسه .. الخليفة العباسى ( أحمد الناصر لدين الله ) كان على خلاف سياسى مع السلطان ( محمد خوارزم شاه ) ولما وصله خبر قتل التجار المغول بعت أكتر من رسالة لجنكيز خان بيشجعه على غزو الدولة الخوارزمية وبيعرفه نقاط ضعفها وحالة جيوشها ووضعها الإقتصادى وده اللى ذكره ( إبن الأثير ) على إستحياء لإنه كان عايش فى العراق فى فترة حكم الناصر لما قال :
( وإن كان ما ينسبه العجم إليه صحيحاً من أنه هو الذى أطمع التتار فى البلاد وراسلهم فهو الطامة الكبرى التى يصغر عندها كل ذنب عظيم )
وإذا كان إبن الأثير إتحرج يقول الكلام بصراحة فكلامه ده أكد عليه أكثر من مؤرخ تانى على رأسهم إبن خلدون والمقريزى وابن كثير اللى وصف الخليفة الناصر فقال عنه :
( وكان قبيح السيرة فى رعيته ظالماً لهم .. فخرب فى أيامه العراق وتفرق أهله فى البلاد وأخذ أموالهم وأملاكهم )
ـــــ
خيانة الناصر مش هى موضوعنا الأساسى .. التمهيد اللى فات ده كله عشان أعرفك إن المغول هاجموا الخوارزميين ب 3 حملات رئيسية على مدار 38 سنة ومكانتش الحملة بتقف إلا بسبب رغبة المغول فى التوسع فى أوروبا أو الشرق الأقصى .. 38 سنة والخلفاء العباسيين مبعتوش جندى مسلم واحد يصد الأذى عن مسلمى البلاد دى .. 38 سنة مات فيها ( الناصر لدين الله ) وإبنه ( الظاهر بأمر الله ) وحفيده ( المستنصر بالله ) لحد ما وصلت الخلافة ل ( عبد الله المستعصم بالله )
( المستعصم بالله ) رغم إنه تولى الخلافة وعمره 31 سنة إلا إنه كان مكانش جدير بيها .. شاب مهمل مش مهموم بأمور المسلمين أبداً وكل همه اللعب مع الجوارى واللهو وهوايته الأولى كانت تربية الحمام .. الإمام الذهبى لما حب يوصفه قال :
( وكان فيه شُح .. وقلة معرفة .. وعدم تدبير .. وحب للمال .. وإهمال للأمور .. وكان يتكل على غيره ويَقدم على ما لا يليق وعلى ما يُستقبح .. وكان يلعب بالحمام ويهمل أمر الإسلام )
راجل زى ده وبالمواصفات دى طبيعى جداً إنه يختار غلط .. الخلافة العباسية كانت بتمتاز ببعض التسامح فكان الخليفة فيها أحياناً بيختار وزراء ومساعدين وأطباء من الشيعة أو حتى من غير المسلمين وكتير جداً منهم كانوا ناس كويسين ولكن بحكم إن المستعصم هو اللى بيختار فالنتيجة لازم تبقى كارثية ..
أيام والده المستنصر كان فى واحد شيعى إسمه ( مؤيد الدين بن العلقمى ) وافتكروا الإسم ده كويس .. الراجل ده كان بيشغل منصب ( أستاذ دار ) فى قصر الخلافة .. يعنى كان مدير القصر .. يشوف إحتياجات ساكنيه ويعين الخدم وما شابه .. وظيفة إدارية مكنته إنه يبقى قريب من ( المستعصم ) اللى أظهر ليه خوفه عليه وإهتمامه بيه لحد ما وثق فيه فلما مات أبوه وبقى هو الخليفة من بعده رقى ( ابن العلقمى ) لمنصب الوزارة وده منصب أقوى وأهم من منصر الأستاذ دارية بكتير أوى ..
ـــــ
سنة 651 هجرياً بدأ المغول الحملة الثالثة على الدولة الخوارزمية بقيادة ( هولاكو ) وكانوا بيستهدفوا فيها السيطرة على أخر معاقلهم فى غرب إيران وللأمانة الخوارزميين كان وقعوا خلاص ومكانش باقى أى قوة فى أراضيهم غير طائفة الحشاشين .. هولاكو قدر يسيطر على كل قلاع الحشاشين بما فيها ( قلعة إلموت ) أحصن قلاعهم ..
قلعة إلموت بالذات كانت بتمثل مشكلة كبيرة لأى حد بيفكر يسيطر على غرب إيران لإنها حصينة جداً وعلى إرتفاع عالى ولكن بحكم إن المغول سمعتهم سبقتهم وإنها كانت أخر القلاع فالشيعة الإسماعيلية اللى كانوا فيها يأسوا من أى إنتصار ممكن يتحقق فاستسلموا لهولاكو بشرط الحفاظ على حياتهم لكن هولاكو غدر بيهم وهدم القلعة وسواها بالأرض وقيل إنه قتل كل اللى كانوا فيها ما عدا 3 أفراد هولاكو شاف إنه هيستفيد منهم فى المستقبل .. إتنين أطباء هما ( موفق الدولة ) و ( رئيس الدولة ) والثالث عالم فلك وفيلسوف إسمه ( نصير الدين الطوسى ) وده برضه عاوزكم تفتكروا إسمه كويس عشان هنرجعله تانى ..
هولاكو أثناء حصارة لقلاع الحشاشين طلب الدعم من الخليفة العباسى لكنه امتنع عن دعمهم بعد مشورة رجالته .. المغول للأمانة مكانوش محتاجين دعم عددى خالص .. ( رشيد الدين الهمدانى ) وده كان المؤرخ الملازم لحملات المغول فى الشرق الأوسط قال إن عدد جيش المغول فى الحملة الثالثة كان 129 ألف جندى .. فى الأغلب دى كانت تلكيكة من هولاكو عشان يستشف مدى تبعية الخليفة العباسى ليه وإنصياعه لأمره .. لو وافق يبقى واضح إنه هيسلم بسهولة ولو رفض يبقى مش باقى غير الحرب ..
ـــــ
إمتناع المستعصم عن دعم هولاكو خلاه يتشدد فى الكلام معاه ولغة الحوار فى الرسايل بينهم إختلفت جداً .. هولاكو بعت رسالة مليانة تهديد قاله فى بعض أجزاء منها :
( فإذا أطاع الخليفة فليهدم الحصون ويردم الخنادق ويسلم البلاد لابنه ويحضر لمقابلتنا وإن لم يرد الحضور فليرسل كلاً من الوزير مؤيد الدين وسليمان شاه والدوادار ليبلغوه رسالتنا دون زيادة أو نقص .. فإذا استجاب لأمرنا فلن يكون من واجبنا أن نكن له الحقد وسنبقى له على دولته وجيشه ورعيته .. أما إذا لم يصغ إلى النصح وآثر الخلاف والجدال فليعبىء الجند وليعين ساحة القتال فإننا متأهبون لمحاربته وواقفون له على استعداد .. وحينما أقود الجيش إلى بغداد مندفعاً بسورة الغضب فإنك لو كنت مختفياً فى السماء أو فى الأرض فسوف أنزلك من الفلك الدوار وسألقيك من عليائك إلى أسفل كالأسد .. ولن أدع حياً فى مملكتك وسأجعل مدينتك وإقليمك وأراضيك طعمة النار )
فى الرسالة هو إتكلم على ( مجاهد الدين أيبك الدوادار ) و ( سليمان شاه ) قادة جيش الخلافة وده طبعاً خلاهم يرفضوا الرسالة وشجعوا الخليفة على الرد عليها بقوة لإن حياتهم بقت على المحك فكتب الخليفة رسالة فيها تهديد قاله فى مطلعها :
( أيها الشاب الحدث المُتمنى قصر العمر ومن ظن نفسه محيطاً ومتغلباً على جميع العالم مغتراً بيومين من الإقبال متوهماً أن أمره قضاء مبرم وأمر محكم )
وقاله كمان :
(وإن كنت تريد الحرب والقتال فلا تتوان لحظة ولا تعتذر إذا استقر رأيك على الحرب .. إن لى ألوفاً مؤلفة من الفرسان والرجّالة وهم متأهبون للقتال وإنهم ليثيرون الغبار من ماء البحر وقت الحرب والطعان )
طبعاً ده أى كلام حرفياً .. المغول كانوا قرب ال 130 ألف جندى فى حين إن جيش الخلافة كان 10 آلاف بس .. مساحة إمبراطورية المغول وقتها كان تتخطى ال 20 مليون كيلومتر مربع مع مركزية تامة للحكم .. تخيلوا .. 20 ضعف مساحة مصر ومركزية فى الحكم بتسمحلهم بنقل أى عدد من الجنود لأى جبهة من جبهاتهم لدعم العجز لو حصل فى حين إن الخليفة مكانش له سلطة إلا على بغداد بس وبدون قدرة على إجبار أى حاكم دولة على دعمه .. الراجل حرفياً كان منفصل عن الواقع ومش مدرك هو بيعمل إيه .. طبعاً محدش قال إن الإستسلام صح لكن على الأقل خليك ذكى .. إعرف حجمك وقدر ميزان القوة وحاول تطلع بأقل الخساير مع الحفاظ على كبرياءك لكن التهديد والوعيد بدون قدرات عسكرية معناه إنك إنسان غبى ..
طبعاً هولاكو لما قرأ الرسالة غضب جداً وكتبله رسالة طويلة قال فى أخرها :
( لقد فتنك حب الجاه والمال والعجب والغرور بالدولة الفانية بحيث أنه لم يعد يؤثر فيك نصح الناصحين بالخير وإن فى أذنيك وقراً فلا تسمع نصح المشفقين .. ولقد انحرفت عن طريق آبائك وأجدادك وإذاً فعليك أن تكون مستعداً للحرب والقتال فإنى متوجه إلى بغداد بجيش كالنمل والجراد )
ـــــ
خلال أيام هولاكو هيبقى على أبواب بغداد ..
خلال أيام هتتجلى الخيانة فى أوضح صورها ..
ـــــ