لو حبينا نتكلم عن أهم معركة فى تاريخ الهند الحديث على الأقل فمش هنلاقى أهم من ( معركة بلاسى – Battle of Plassey ) .. المعركة دى يا جماعة غيرت شكل الهند بشكل كبير وحولتها من دولة مركزية إسمها إمبراطورية مغول الهند لدولة محتلة تابعة للإمبراطورية البريطانية وكل ده بسبب خيانة كام فرد من أصحاب المصالح ..
ما تيجوا نعرف الموضوع من أوله ..
ــــــ
إمبراطورية مغول الهند إتأسست سنة 1526 ميلادياً على يد ( ظهير الدين بابر ) وده واحد من المغول الأتراك بينحدر نسله ل ( جنكيز خان ) من ناحية الأم و ( تيمور لنك ) من ناحية الأب .. بالمناسبة الإمبراطورية دى واحد من حكامها هو السلطان ( جلال الدين أكبر ) اللى معمول عليه المسلسل الهندى اللى بيتذاع اليومين دول ( جودا أكبر )
الدولة دى وكما هو حال كل الدول والإمبراطوريات مرت بفترة صعود ثم فترة إستقرار ثم فترة أفول .. فى فترة الأفول ضعفت إيد حكامها وبدأ يظهر على السطح بعض الأفراد اللى ليهم طموحات فى الإستقلال بجزء من الدولة .. من الناس دى واحد إسمه ( على فردى خان )
قبل الوقت ده بشوية كان إقليم البنغال قدر إنه يحصل على ما يشبه الحكم الذاتى ولكن طبعاً حسب النظام المتبع .. الملك لمن غلب .. اللى يقدر يسيطر على المكان ده بيبعت لإمبراطور دولة المغول ويقوله إعترف بيا ك ( نَوَاب البنغال ) وده لقب حاكم الإقليم فيعترف بيه .. ( على فردى خان ) بدأ حياته السياسية هو وأخوه فى خدمة حاكم لإقليم البنغال إسمه ( شجاع الدين محمد خان ) ومع الوقت إترقى فى المناصب لحد سنة 1740 ميلادياً .. فى السنة دى بدأ أول معاركه للسيطرة على إقليم البنغال وخلال سنتين بالظبط قدر يسيطر على أقاليم بيهار وأوديشا .. الأقاليم دى مكانتش قليلة أبداً بالمناسبة .. لو بصيتوا على خريطة الهند هتلاقوا إن ال 3 أقاليم دول بيمثلوا حالياً دولة بنجلاديش كلها تقريباً بالإضافة لشرق الهند ..
على مدار 16 سنة الراجل قدر يسيطر على مقاليد الأمور ودخل حروب وعمل معاهدات صلح وحافظ على قد ما يقدر على مملكته لحد ما أجله حان سنة 1756 ميلادياً ومات وهو عنده 80 سنة ومكانش له أولاد ذكور .. كان عنده 3 بنات .. جاسيتى .. ميمونة .. أمينة .. وهو إختار إن ولى عهده يبقى حفيده من بنته أمينة ..
( محمد سراج الدولة بن زين الدين أحمد خان )
ــــــ
( سراج الدولة ) بدأ عهده كحاكم للبنغال وهو عنده 23 سنة .. شاب صغير وطموح وعاوز يحقق شيء لكن صغر سنه مع وجود أحقاد من داخل أسرته خلى مصيره دايماً على كف عفريت .. خالته جاسيتى كانت عاوزة تعين ( شوكت جونج ) إبن أختها ميمونة كحاكم للدولة ولكن مقدرتش فتأمرت ضده بالتعاون مع بعض كبار التجار فى الدولة والأهم مع ( مير جعفر ) وده كان قائد جيش أبوها الراحل وعشان كده حطت ثقتها فيه ..
المؤامرة دى وصل بعض خيوطها ل ( سراج الدولة ) بس موصلتش بالكامل للأسف فخد كام إجراء كده إفتكر إنهم هيقضوا على المؤامرة زى إنه حبس خالته ( جاسيتى ) واستولى على فلوسها وإبن خالته ( شوكت جونج ) مصدر التهديد الأساسى إتقتل فى إشتباك ومحدش عارف هل كان سراج الدولة ورا قتله ولا لأ .. كمان عمل تغييرات كتير فى المناصب الحكومية ومنها إنه عين مسئول جديد عن إنفاق الجيش بدل ( مير جعفر ) .. التغيير ده تم بالصدفة لإن سراج الدولة مكانش يعرف باشتراكه فى المؤامرة ..
طبعاً العزل من الوظيفة دى زود حقد ( مير جعفر ) على سراج الدولة وخلاه يستنى أى فرصة للخلاص منه .. والحقيقة الفرصة مش هتتأخر كتير ..
ــــــ
الهند فى الزمن ده كانت بتمثل سلة غذاء العالم .. بلد فريدة وخصبة وفيها بيتصنع أغلى أنواع البهارات فى العالم .. فيها صناعة نسيج عظيمة ومتطورة .. بلد فيها جميع خيرات ربنا سبحانه وتعالى وده طبعاً مش هيفوت على الإمبراطورية البريطانية أقوى إمبراطوية فى العالم وقتها واللى قدرت عن طريق ذراعها الإقتصادى ( شركة الهند الشرقية ) إنها تخلق لنفسها 3 مراكز تجارية رئيسية فى شرق وغرب وجنوب الهند ..
نجاح ( شركة الهند الشرقية البريطانية ) شجع دول أوروبا على منافستها خاصة إن فى الوقت ده أوروبا كانت بتمر بحرب إسمها ( حرب السنوات السبع ) حاجة كده زى حرب عالمية مصغرة حصلت بين دول أوروبية ولكنها خرجت برة نطاق أوروبا واتنقلت لأمريكا الشمالية والهند .. الحرب دى رفعت درجة التنافس لأقصى درجة خاصة بين فرنسا وبريطانيا وده خلى فرنسا تأسس هى كمان ( شركة الهند الشرقية الفرنسية ) واختارت لها مركزين رئيسيين فى شرق وجنوب الهند ..
حالة الإستنفار دى خلت كل طرف من الإتنين يدخل فى سباق تسليح وتدعيم لحصونهم فى أماكن تمركزهم وده خلى ( سراج الدولة ) يطالبهم بوقف أعمال التدعيم والتسليح لإنه كان خايف من إندلاع حرب فى أراضيه .. فرنسا إلتزمت ووقفت شغلها .. بريطانيا رفضت وكملت تدعيم .. فى نفس الوقت المراسلات بين سراج الدولة والشركة الفرنسية إتكررت وإتفقت أهدافهم ..
ــــــ
بعد أقل من 3 شهور من بداية حكمه بيخرج ( سراج الدولة ) على رأس جيش وبيحاصر القوات البريطانية وموظفين شركة الهند الشرقية البريطانية فى ( حصن ويليام – Fort William ) فى مدينة ( كُلكتا – Kolkata ) فى شمال شرق الهند وبالفعل بعد حصار لفترة بيدخل الحصن فى 20 يونيو 1756 وبيقبض جنوده على 146 جندى وموظف وتاجر كانوا مستخبيين جوه الحصن وبيأسروهم كلهم فى زنزانة واحدة ضيقة جداً مساحتها 23 متر مربع ومفيهاش إلا شباكين صغيرين جداً إتعرفت تاريخياً بإسم ( الثقب الأسود – Black Hole of Calcutta ) .. بطبيعة الحال إتوفى غالبية اللى كانوا فى الزنزانة دى بسبب ضيق المساحة وصعوبة التنفس ..
بريطانيا طبعاً مسكتتش على اللى حصل وبعتت فرقة من حاميتها فى جنوب الهند بقيادة ( روبرت كلايف – Robert Clive ) لكن فى النهاية دى كانت فرقة قوامها يدوبك 900 جندى بريطانى و 2300 عسكرى هندى .. هيعملوا إيه دول قصاد جيش ( سراج الدولة ) اللى بعض التقديرات قالت إنه فى حدود 50 ألف جندى وفارس .. مهما كانت قوة الفرقة فهى لا يمكن تهزم جيش البنغال إلا فى حالة واحدة .. الخيانة ..
ــــــ
فى المرحلة دى جت الفرصة ل ( مير جعفر ) اللى كان حاطط عينه على منصب الحاكم من فترة فراسل الفرقة البريطانية وعرض عليهم خدماته فى مقابل الوعد بعرش المملكة فوافق ( روبرت كلايف ) فوراً ورسموا خطتهم مع بعض .. الخطة كانت بسيطة ومكررة لكنها للأسف فعالة جداً رغم تكرارها .. التجار ورجال الأعمال هيدفعوا رشاوى لقادة عسكريين فى جيش ( سراج الدولة ) بخلاف وعود مستقبلية سخية عشان يضمنوا ولاءهم ووقت المعركة هيتراجعوا بجنودهم وهيسيبوا قوات سراج الدولة تحارب الفرقة لوحدها وده طبعاً فى مقابل إعفاءات ضريبية لفترات طويلة على تجارتهم مع بريطانيا ..
فى 23 يونيو 1757 ميلادياً إتقابل الجيشين قرب قرية بلاسى أو بالاشى حسب النطق الهندى ومع إشارة ( سراج الدولة ) بالهجوم الشامل إنسحب ( مير جعفر ) وكل قادة الفرق اللى تم الإتفاق معاهم وسابوا ( سراج الدولة ) مع أقل من 15 ألف جندى .. العدد كان برضه كبير ولكن أثر الخيانة وتطور أسلحة البريطانيين خلى عزيمة الجنود فى الأرض وإتهزموا بعد 11 ساعة من القتال ..
ــــــ
نتيجة المعركة كانت كارثية على بلاد البنغال والهند كلها .. تم تعيين ( مير جعفر ) حاكم جديد للبنغال وبالتالى سمح لبريطانيا إنها تأجر مساحة أرض تقدر بمليون كم مربع .. تخيلوا .. قد مساحة مصر كلها .. ويا ريت بمقابل عادل .. ده بمقابل 27 ألف جنيه إسترلينى كانت الشركة بتدفعهم ل ( مير جعفر ) اللى كان بيديهم فوراً لروبرت كلايف عشان أوفى بعهده معاه وعينه حاكم للإقليم .. متخيلين .. مساحة أرض وقتها كانت بتطلع ربح تم تقديره بين 3 : 4 مليون جنيه إسترلينى لخزنة إنجلترا إتباع ب 27 ألف بس .. ويا ريتهم دخلوا خزنة الدولة .. دول كانوا بيتحولوا لصالح روبرت كلايف مباشرة ..
وضع مآساوى عاشه البنغاليين وقتها .. تم استعبادهم وإجبارهم على العمل فى ظروف سيئة جداً أدت لوفاة مئات الألوف منهم .. شحن المحاصيل الزراعية بكثافة لإنجلترا خلق مجاعة فى أراضى البنغال وده أدى لوفاة حوالى 3 مليون بنغالى من شدة الجوع .. عشرات ألوف الجنيهات كانت بتدفع كأتاوة للجنود البريطانيين لسماحهم بإمتيازات لتجار أو لنبلاء بنغال .. ساد الفساد وخسرت بلاد البنغال فلوس كتير جداً قدرت بملايين الجنيهات كتعويضات عن خسائر حصن ويليام البشرية والمادية .. اللى حصل كان كارثة حرفياً ..
ــــــ
طب إيه اللى حصل لشخصيات قصتنا بعد كده ؟
* سراج الدولة :
تم إعدامه مباشرة بعد المعركة ..
* جاسيتى :
( مير جعفر ) سجنها لمدة 3 سنين وبعدها تم نقلها لمدينة مرشد آباد وغرقت فى السكة فى نهر بوريجانجا ..
* روبرت كلايف :
رجع إنجلترا فى 1760 واترشح لمجلس العموم البريطانى ولكن انتشرت حواليه إشاعات بتتهمه بالنجاح فى الإنتخابات بالرشوة لكن بلا أدلة ورجع على البنغال بعد 5 سنين للسيطرة على فساد موظفيه السابقين اللى توحشوا وزاد طمعهم وتسببوا فى المجاعة المذكورة ورجع تانى بعد سنتين على إنجلترا بعد معاناته من المرض وعاش لمدة 7 سنين بيواجه المرض وإتهامات الفساد والرشوة والتزوير وإتفتحت ملفاته كلها لحد ما ضاقت الدايرة عليه فانتحر سنة 1774 وساب وراه فلوس ملهاش عدد ..
* مير جعفر :
بعد سنتين من دفع الرشاوى حس إن البريطانيين طمعوا بزيادة وحاول يتملص من الدفع لكن مقدرش فقرر إنه يتحالف مع ( شركة الهند الهولندية ) على أمل إنهم ينقذوه وبالفعل حصلت معركة بين الطرفين سنة 1759 إسمها ( معركة تشينسوراه – Battle of Chinsurah ) لكن بريطانيا كسبت وأجبروه على التنازل عن العرش لإبن زوجته ( مير قاسم ) اللى حاول إنه يستقل بالبنغال تانى لكنه فشل بعد خسارته ل ( معركة بوكسار – Battle of Buxar ) فاضطرت بريطانيا إنها ترجع ( مير جعفر ) تانى لعرش المملكة سنة 1764 بعد 5 سنين من عزله .. قعد فى الحكم لمدة سنة واحدة وبعدها مات ..
ــــــ
تخيل معايا .. دولة عاشت فى فقر لسنين طويلة ولسه بتعيش فيه لحد يومنا الحالى .. شعب مات منه ملايين بسبب السخرة والجوع .. فلوس بعشرات الملايين تم نهبها بدون وجه حق لصالح المحتل .. ذل وخضوع وضياع كرامة عاش فيه كل أفراد الشعب لعشرات السنين .. تكرار نفس الأمر فى شبه الجزيرة الهندية بالكامل بالإضافة لميانمار وسريلانكا وأجزاء من نيبال وأفغانستان ..
كل ده حصل بسبب خيانة كام بنى أدم بص تحت رجله وجرى ورا السلطة والثروة .. سبحان الله .. يوم القيامة ده هيبقى يوم عصيب ..
ــــــ
فى الصورة :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
لوحة معركة بلاسى للرسام الإنجليزى ( فرانسيس هايمان – Francis Hayman ) ويظهر فيها ( مير جعفر ) يميناً و ( روبرت كلايف ) يساراً ..
ــــــ