إنقلاب عسكرى جديد فى ميانمار ..
بورما أو ميانمار تعتبر أسوأ بلاد العالم حظاً .. بطلة العالم فى الحظ القليل .. إستعمار بريطانى من أوائل القرن ال 19 ومن بعده إحتلال يابانى فى الحرب العالمية الثانية لحد ما ربنا كرمهم بالإستقلال فى يناير 1948 على إيد واحد بيحب البلد فعلاً إسمه ( أونج سان – Aung San ) .. تهدى الدنيا بقى ويبتدوا يشتغلوا .. لأ طبعاً .. الراجل الطيب مؤسس الدولة بيتقتل من قبل حتى ما يشوف بعينه مراسم الإستقلال بعد ما تآمر عليه رئيس وزراء سابق إسمه ( يو ساو – U Saw )
ـــــ
طب يا جماعة حصل خير .. نعمل إنتخابات بقى ونشوف أكل عيشنا ونقف على رجلينا بعد ما الإستعمار شفط خير البلد لأكتر من 120 سنة .. ماشى .. بس أخركم معانا 14 سنة .. سنة 1962 بيصحى الشعب البورمى على إنقلاب عسكرى قام بيه الجنرال ( نى وين – Ne Win ) قبض فيه على رئيس الوزراء ( يو نو – U Nu ) ورئيس مجلس القضاء و 30 سياسى وزعيم معارض .. حاجة كده فى السريع من غير دم كتير ..
الشعب ساعتها معترضش وافتكر إن دى حركة تصحيح سريعة عملها الجيش ومن بعدها هيرجع لثكناته تانى لكن للأسف السيناريو ده مكانش مقبول عند الجنرال ( نى وين ) .. السيناريو كان مرسوم بشكل تانى خالص .. أول حاجة ده مش إنقلاب .. دى ثورة .. وعشان دى ثورة فالمجلس العسكرى هيبقى إسمه المجلس الثورى .. والمجلس الثورى له قرارات ثورية طبعاً .. نظام إشتراكى واضح .. حزب سياسى وحيد هو ( حزب بورما الإشتراكى – BSPP ) مع حظر لكل الأحزاب التانية .. مين اللى هيعترض على الكلام ده ؟ .. الطلبة والشباب طبعاً .. مظاهرات عارمة تخرج من الجامعة يقابلها الجيش بكل قوة لدرجة إنهم دمروا مبنى إتحاد طلاب الجامعة .. مات فى الإحتجاجات دى 15 طالب .. هل ده كان كافى ؟ .. لأ .. يخرج الجنرال ( نى وين ) ببيان مليان تهديد ووعيد لأى حد هيفكر يعارض تانى :
( إذا تكررت تلك المظاهرات وإذا تم القيام بتلك الإضطرابات مرة أخرى بهدف تحدينا فيجب على أن أعلن أننا سنواجه السيف بالسيف والرمح بالرمح .. لن نقف مكتوفى الأيدى أمام ما نتعرض له من تهديدات )
ـــــ
يحكم الجنرال ( نى وين ) لمدة 26 سنة كلهم توتر سياسى وغضب شعبى مكتوم فى الصدور وضعف إقتصادى مرعب .. سنة 1988 ميانمار وصلت لأدنى مستوياتها .. أقل معدل تنمية عالمى .. فقر .. مرض .. الدين العام وصل إلى 3.5 مليار دولار والإحتياطيات الأجنبية كانت 35 مليون دولار بس .. فوائد الديون كانت بتاكل 50 % من الناتج المحلى الإجمالى .. الحكومة الرشيدة وقتها عشان تحل أزمة زيادة الأسعار أجبرت الفلاحين تبيع محاصيلها بأقل من سعر التكلفة فالفلاحين هربوا من بيوتهم عشان ميتقبضش عليهم ويضطروا يشتغلوا بالخسارة فانهارت الزراعة .. الإنفجار كان هيحصل أكيد رغم إن محدش كان عارف هيحصل إمتى ..
إبتدت المواجهات من شهر مارس 1988 واللى بدأها برضه الطلبة .. 4 شهور وفاتورة المواجهات بتزيد وبدل ما يعترف ( نى وين ) بسوء الأوضاع خرج بكل غرور فى أواخر يوليو وعمل تصريح دموى :
( إذا لم تنتهى المظاهرات فى أقرب وقت فسيكون على الجيش التصرف .. وأنا أخبركم الآن بصدق .. إن أطلق الجيش الرصاص فإنها لن تكون طلقات تحذيرية .. الجيش يطلق الرصاص ليقتل )
الخطاب طبعاً كان كارثى وخلى الناس تتحفز أكتر لنزول المظاهرات وحددوا تاريخ مميز لنزولهم هو 8 / 8 / 1988 وبالفعل إتحول اليوم لثورة مش مجرد مظاهرة وبقى إسمها ( ثورة 8888 )
ـــــ
( ثورة 8888 ) كانت ثورة دموية بجد .. الجنرال نفذ تهديده فعلاً والناس بدأت تموت فى الشوارع .. فى المقابل الشعب لما لقى إن دمه مستباح بالشكل ده موقفش ساكت .. قنابل مولوتوف .. سيوف .. سكاكين .. سهام مسممة .. صخور .. ولو قدروا يستولوا على أسلحة كانوا بيستخدموا الرصاص ..
وسائل الإعلام مسكتتش وعلى طول حولت المتظاهرين للصوص ومخربين وعليه تم إستخدام أقصى درجات القوة معاهم لدرجة إن القوات ضربت المستشفى العام اللى المتظاهرين كانوا بيتعالجوا فيها وأصابت الدكاترة والممرضين ومات منهم عدد كبير بالفعل .. الحصيلة كانت عشرات آلاف القتلى والمصابين ودى أرقام غير رسمية لإن الرسمى كان 100 قتيل و 250 مصاب تقريباً .. الفوضى كانت فى كل مكان .. ( نى وين ) إستقال .. الناس مقبلتش .. كانوا عاوزين الحزب كله يتحل والدولة ترجع مدنية تانى بعيد عن أى تمثيل للجيش فى السلطة وطبعاً الحزب والجيش رافضوا .. إيه الحل ؟
الحل كان عند ( ساو ماونج – Saw Maung )
ـــــ
فى 18 سبتمبر قام وزير الدفاع الجنرال ( ساو ماونج ) بالإنقلاب العسكرى الثانى والمرة دى كان إنقلاب دموى بإمتياز .. تم تطبيق الأحكام العرفية وضرب النار بقى عشوائى .. أى حاجة بتتحرك أثناء حظر التجوال كانت بتضرب بالنار على طول .. فى 10 أيام إتقتل 1500 شخص فى العاصمة بس وعلى أخر السنة كانت حصيلة القتلى عدت ال 10 آلاف قتيل .. صور القتلى إتسربت للصحافة العالمية ومعاها إضطر ( ساو ماونج ) يبرر اللى حصل بإنه دفاع عن الدولة وإن اللى ماتوا مش من الشعب وإنما مخربين ولصوص وخارجين عن القانون ..
( ساو ماونج ) حب يحط بصمته فأسس مجلس ثورى جديد سماه ( مجلس إستعادة القانون والنظام – SLORC ) .. غير إسم الدولة إلى ميانمار بدل بورما .. غير إسم العاصمة إلى رانجون بدل يانجون .. سيطر على وسائل الإعلام تماماً .. وأخيراً قبض على أكتر من 6000 ناشط سياسى معارض بتهمة إفشاء أرقام القتلى والجرحى الحقيقية لوسائل الإعلام الأجنبية وعلى رأسهم الناشطة ( أونج سان سوكى – Aung San Suu Kyi ) بنت مؤسس الدولة ( أونج سان ) اللى إتكلمنا عليه فى الأول ..
ـــــ
بعد حوالى سنتين من الإنقلاب ومع زيادة الإنتقادات العالمية رضخ المجلس الحاكم وعمل إنتخابات حزبية تعددية عشان يثبت للعالم إنه نظام محترم ومش رافض للمعارضة وكان بيراهن على خوف الشعب أو نفوره من المشاركة وبكده يبقى نال الأغلبية بشكل شرعى ومحدش من بره ينتقده .. المفاجأة بقى إن المشاركة فى الإنتخابات كانت قياسية والناس إدت صوتها للرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية اللى هى حزب ( أونج سان سوكى ) وبكده لازم النظام الحاكم يسلمهم السلطة .. النتيجة إنهم رفضوا الإفراج عن ( سوكى ) ورفضوا النتايج وقالوا إن الإنتخابات مزورة رغم إن هما المشرفين عليها وسلموا السلطة لجنرال تانى إسمه ( ثان شوى – Than Shwe )
مش محتاج أقولكم إن مرحلة ( ثان شوى ) مفرقتش عن اللى قبلها وحصلت فيها ثورة سلمية سريعة إسمها ثورة الزعفران مغيرتش كتير من الواقع .. اللطيف إن فى الوقت اللى الشعب الميانمارى عمل فيه الثورة دى تم الإعلان رسمياً عن إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة ( ناى باى داو – Naypyitaw ) .. عارف الإسم ده معناه إيه .. مدينة الملوك .. أه والله .. نقلوا فيها القصر الرئاسى ومبنى البرلمان والمحكمة العليا ومساكن الوزراء ومقرات الوزارات لكن ما علينا .. كل ده مش مهم .. المهم إن من سنة 2015 وتحت الضغط العالمى خاصة من أمريكا قدرت عجلة الديموقراطية إنها تدور نسبياً لحد ما وصل للسلطة ( تين كياو – Htin Kyaw ) كأول رئيس مدنى للبلد من سنة 1962 .. ومش بس كده .. ده جه بعده ( وين مينت – Win Myint ) وده تانى رئيس مدنى يحكم البلد فى أول تداول سلمى مدنى للسلطة فى البلد من 56 سنة .. ومش بس كده .. ده فى نوفمبر 2020 إتعملت إنتخابات نجح فيها ( وين مينت ) وحزب الرابطة وده معناه إن السلطة المدنية بيتجددلها للمرة التالتة ودى بصراحة حاجة صعب يتسكت عليها فى بلد زى ميانمار .. مين اللى عنده الحل المرة دى ؟
( مين أونج هلينج – Min Aung Hlaing )
ـــــ
من يومين أمر الجنرال ( مين أونج هلينج ) قائد الجيش رجالته بالقبض على الرئيس المنتخب ( وين منت ) وعلى مستشارة الدولة ( أونج سان سوكى ) بالإضافة لعدد كبير من قادة الحزب بعد ظهور إتهامات بتزوير الإنتخابات الأخيرة .. مين اللى طلع الإشاعات دى ؟ .. ( حزب التضامن والإزدهار ) المدعوم من الجيش لإنه مكسبش غير 25 % من كراسى البرلمان ..
ما علينا من الصدفة العجيبة دى لكن العجيب فى الموضوع إن الجنرال ( هلينج ) متهم بجرائم ضد الإنسانية ودى مش إتهامات جزافية .. دى إتهامات أقرها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى أغسطس 2018 بعد ما اعتبره مجرم حرب ومتهم بالإبادة الجماعية ضد مسلمى الروهينجا ..
الراجل ده كان مسئول مسئولية مباشرة عن حادثة مشهورة جداً إسمها ( مذبحة إن دِن – Inn Din massacre ) .. فى المذبحة دى قوة من الجيش نزلت لقرية ( إن دِن ) فى ولاية راخين يوم 27 أغسطس 2017 بهدف تأمين المنطقة وتجنيد الفلاحين البوذيين عشان يتعاونوا معاهم للقبض على الإرهابيين فى الولاية .. البوذيين طبعاً ما صدقوا وبقوا يتهموا أى مسلم بينهم وبينه نزاع على أى حاجة لحد ما بقى فى قائمة طويلة من المتهمين ..
تانى يوم على طول إتحرقت بيوت المسلمين اللى عايشين فى القرية وطبعاً كلهم هربوا وأغلبهم راح على معسكرات اللاجئين فى بنجلادش .. المهم تم التحفظ على 10 متهمين لإنهم كانوا مشهورين فى القرية بالتدين وده طبعاً خلاهم إرهابيين بكل بساطة رغم إن سمعتهم وطبيعة نشاطهم متقولش كده أبداً .. ده واحد منهم إمام مسجد و 4 تجار سمك و صياد و 2 بقالين و 2 طلبة ثانوى .. طب يا سيدى قدمهم للعدالة .. لأ .. قتلوهم كلهم ودفنوهم فى مقبرة جماعية بدون محاكمة ..
الموضوع إتسرب بشكل ما وإتعرف عالمياً والجنرال ( مين أونج هلينج ) إتفضح ورغم كده فضل فى منصبه عادى لحد ما كان هيطلع معاش بعد 6 شهور ولكن بعد اللى حصل ده محدش عارف هو هيطلع معاش ولا مكمل كام سنة لقدام .. أدينا هنتفرج وهنعرف ميانمار رايحة على فين ..
ـــــ