حقائق وشبهات حول ( آيا صوفيا )

حقائق وشبهات حول ( آيا صوفيا )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكنيسة الكبرى :
ــــــــــــــــــــــــــــ

بدأت فكرة بناء ( آيا صوفيا – Hagia Sophia ) فى عهد الإمبراطور ( قنسطنطين الثانى – Constantius II ) سنة 346 ميلادية واستمر بناءها لمدة 14 سنة .. إسمها معناه ( الحكمة المقدسة ) .. البعض بيربط بين إسمها وبين قديسة مصرية إسمها صوفيا عاشت فى البدرشين فى القرن ال 12 لكن ده ملوش أى أساس من الصحة .. المهم إن قنسطنطين الثانى زيه زى غيره من الأباطرة حب إنه يبنى مبنى عظيم يخلد ذكراه فى الوجود ويرمز لديانته المسيحية فملقاش أفضل من بناء كاتدرائية متعملش زيها فى العالم المسيحى كله وقتها ..

بعض الآراء بتقول إن الكاتدرائية بدأ البناء فيها فى عهد ( قنسطنطين العظيم – Constantine the Great ) والد قنسطنطين الثانى لكن الموضوع ده مشكوك فيه لإن تاريخ إفتتاح ( آيا صوفيا ) كان سنة 360 ميلادية .. يعنى بعد وفاة قنسطنطين الأب ب 23 سنة وده وقت طويل جداً على البناء خاصة إذا ما حطينا فى إعتبارنا الحجم الأصلى للكنيسة اللى كان أقل كتير من الحجم الحالى ورغم كده ف ( آيا صوفيا ) بمقاييس زمانها كانت تحفة معمارية ومكانش فيه زيها فى الإمبراطورية البيزنطية كلها وده خلى القساوسة وعامة الشعب يسموها باسم ( الكنيسة الكبرى – Magna Ecclesia )

استمرت الكنيسة على شكلها ده لحد ما حصلت إنتفاضة شعبية فى القسطنطينية سنة 404 ميلادية بسبب الخلاف اللى حصل بين ( أيليا يودوكسيا – Aelia Eudoxia ) زوجة الإمبراطور ( فلافيوس أركاديوس – Flavius Arcadius ) وبين كاهن المدينة ( يوحنا ذهبى الفم – John Chrysostom ) .. صدام سياسى دينى معتاد وإتكرر كتير على مدار التاريخ ولكن فى حالتنا هنا فالكاهن تم نفيه بره البلد وزوجة الإمبراطور بنت لنفسها تمثال من الفضة وحطته جنب ( آيا صوفيا ) فالشعب إتضايق وقامت إنتفاضة شعبية إنتهت بإحراق الكاتدرائية ويقال إن الإحراق كان غير مقصود ولكن ده اللى حصل ..

ـــــ

البناء الثانى :
ـــــــــــــــــــــ

بعد 11 سنة وتحديداً سنة 415 ميلادية وفى عهد ( ثيودوسيوس الثانى – Theodosius II ) اللى هو الإبن الكبير لأركاديوس تم إفتتاح الكنيسة وإستمرت على وضعها لمدة 117 سنة لحد ما حصلت ( ثورة نيقيا ) سنة 532 ميلادياً واللى إتسببت أحداثها فى إحراق وهدم شبه كامل لآيا صوفيا ..

وبالمناسبة إبقوا فكرونى أكتبلكم عن ثورة نيقيا لإن الكلام عنها هيبقى لطيف أوى .. أولاً لإنها قامت ضد واحد من أشهر أباطرة الإمبراطورية البيزنطية وهو ( جستنيان الأول – Justinian I ) وثانياً لتشابه أحداثها وكمان تواريخها مع بعض الأحداث فى زماننا الحالى ..

ـــــ

البناء الحالى :
ــــــــــــــــــــــ

بعد أسابيع قليلة من إحراق آيا صوفيا قرر الإمبراطور جستنيان الأول إعادة بناءها للمرة التالتة ولكن المرة دى قرر إنه يحولها لتحفة محصلش زيها قبل كده وقرر إنه يصرف عليها ببذخ فاستجلب المعمارى ( إيسيدور – Isidore of Miletus ) وعالم الرياضيات ( أنثيميوس – Anthemius of Tralles ) ودول كانوا أشهر إتنين فى مجالهم وقتها وأمرهم بإعادة بناء ( آيا صوفيا ) وتوسيعها .. بدأ البناء سنة 532 ميلادية وتم الإنتهاء منه سنة 537 ميلادية ..

بعد حوالى 10 سنين حصل إنهيار جزئى فى أحد جوانب الكاتدرائية بسبب إن حجم القبة كان ضخم جداً وتقيل على الأعمدة فى الجزء المنهار خاصة إنها مكانتش متماثلة فى الحجم مع باقى أعمدة الكاتدرائية وتم إعادة بناء الجزء المنهار ..

ـــــ

ما بعد الفتح :
ــــــــــــــــــــــ

بين الفتح الإسلامى للقسطنطينية فى 29 مايو 1453 ميلادية وأخر عملية بناء لآيا صوفيا حوالى 916 سنة عدى فيهم على الإمبراطورية البيزنطية أحداث كتير .. إنتصارات وإنكسارات وصعود وهبوط .. معارك مع المسلمين بداية من الخلافة الراشدة مروراً بخلفاء الدولة الأموية والعباسية وأخيراً العثمانيين .. معارك مع الفرس والبلغار وصدامات مع الغرب الكاثوليكى .. الإمبراطورية البيزنطية ضعفت كتير جداً فى ال 916 سنة دول لدرجة إنها كتير كانت بتدفع الجزية لخلفاء بنى العباس لمنعهم من غزو حدودهم ..

العثمانيين إستغلوا الوضع ده وقدر السلطان محمد الفاتح إن يقتحم القسطنطينية ويسيطر عليها وكما هى العادة تم رمى الراجل بتهم كتير هحاول أفندها فى السطور الجاية ..

ـــــ

أولاً : إتقال إنه قام بتخريب المدينة واستباحها لثلاثة أيام وده كذب وإفتراء عليه من بعض الكتاب الغربيين واللى بالمناسبة تم نفيه على ألسنة كتاب غربيين أخرين ذكروا الحقيقة بناءاً على ما هو مذكور فى كتب التاريخ ..
قبل الحرب وكما هى عادة المسلمين قبل أى فتح أو غزو بيتم تخيير الجيش المقابل بين الخيارات الثلاثة .. إما الإسلام .. وإما الجزية .. وإما الحرب .. وبالطبع بيعرض عليهم الإستسلام مقابل أمانهم على أموالهم وممتلكاتهم ودماؤهم وحرية عقيدتهم .. فى حالة محمد الفاتح تم عرض كل الخيارات دى على قيصر الروم ” مرتين ” وبمراسلات رسمية محفوظة إلى اليوم .. يوم 6 إبريل 1453 ميلادية ويوم 14 مايو 1453 ميلادية وفى المرتين إختار البيزنطيين الحرب ..

طيب حصلت الحرب وانتصر العثمانيين .. هل حصلت الإستباحة ؟

لأ طبعاً .. والدليل هو خطاب محمد الفاتح لجيشه قبل المعركة وهو خطاب طويل هقتطع منه الآتى :

( أن الظفر العظيم الذى سنحرزه سيزيد الإسلام قدراً وشرفاً .. ويجب على الجميع أن يجعل تعاليم شريعتنا أمام عينه فلا يخالف أحد هذه التعاليم .. ولتتجنبوا الكنائس والمعابد ولا تمسوها بأذى .. ولا تقربوا القساوسة والضعفاء والعجزة الذين لا يقاتلون )

طيب هل الكلام ده إتنفذ فعلياً ولا بعد الإقتحام حصل حاجة تانية ؟

لأ حصل حرفياً .. شهادات المؤرخين ذكرت إن محمد الفاتح لما دخل القسطنطينية وراح ل ( آيا صوفيا ) لقى فيها آلاف من النصارى المدنيين كانوا محتمين فيها فأكرمهم وأحضر أحد الوزراء إسمه ( لوكاس ) وأهداه صولجان مرصع بالجواهر وطلب منه إنه يشرف على دفن الإمبراطور .. ومش بس كده .. ده عين لأهل المدينة بطريرك إسمه ( إجناديوس ) يقال إنه كان شخص رحيم والناس بتحبه عشان يقوم على إحتياجاتهم ويشرف على أمورهم الدينية .. ومش بس كده .. القسطنطينية كان عايش فيها مسيحيين على أكتر من مذهب فنظم العلاقة بينهم وعين لكل طائفة منهم مسئول يخاطب السلطان مباشرة للحفاظ على حقوقهم ومراعاة طلباتهم .. ومش بس كده .. ده بلغ الوزير لوكاس إنه يعلن فى كافة أرجاء الدولة إن كل النصارى اللى فروا خوفاً على حياتهم لهم الحق فى العودة للقسطنطينية خلال شهرين ولهم الحق فى إستعادة أموالهم وممتلكاتهم لا ينقص منها شيء .. أما من تأخر منهم فى العودة فتئول ممتلكاته إلى الدولة العثمانية .. كل ده والقسطنطينية لم تفتح سلماً وإنما فتحت بالقتال .. إنتوا متخيلين ؟

ـــــ

ثانياً : من التهم الموجهة برضه لمحمد الفاتح هو إنه دمر وخرب ( آيا صوفيا ) بعد إقتحام أسوار المدينة ..
الكلام ده غير صحيح بالمرة والأدلة موجودة فى زماننا الحالى والناس تقدر تشوفها بعنيها .. الزجاج الملون والرسومات والمجسمات المسيحية المصنوعة من الفسيفساء اللى صنعت فى عهد الدولة البيزنطية لازالت موجودة ومحفوظة ليومنا الحالى .. بل بالعكس .. الدولة البيزنطية كانت بتعيش مرحلة صعبة جداً من التردى الإقتصادى بسبب كثرة الحروب اللى دخلت فيها بالإضافة للتفكك والتحلل الداخلى اللى أصابها ..

سنة 1453 ميلادية كانت الإمبراطورية البيزنطية وصلت لأدنى قدراتها العسكرية والمادية ومكانش فى سيولة تكفى لأى شيء .. دولة بالظروف الاقتصادية الصعبة دى كان طبيعى جداً إنها تهمل فى صيانة وترميم ( آيا صوفيا ) لإن الموارد كان بيتم توجيهها إما للقطاع العسكرى أو لأساسيات الحياة من الاكل والشرب .. فاللى حصل فعلياً إن محمد الفاتح لما دخل المدينة كانت ( آيا صوفيا ) شبه مدمرة وغير معتنى بيها بالمرة وهو اللى أمر بترميمها وإعادتها لحالتها الطبيعية ..

ـــــ

ثالثاً : كمان من التهم اللى وجهت لمحمد الفاتح إنه إشترى ( آيا صوفيا ) من القساوسة غصباً وقهراً بحكم إنه كان قائد منتصر فى الحرب وإنهم مقدروش يرفضوا طلبه ..

كلام غير صحيح أبداً .. الفاتح دخل القسطنطينية يوم إثنين على حد علمى وفضل المسلمين يصلوا فى الشوارع والمعسكرات لحد ما جه أول يوم جمعة بعد الفتح ومكانش فيه مكان كبير يقدر يستوعب أعداد المسلمين فأمر الفاتح بتغطية الرسومات المسيحية فى الكاتدرائية وإقامة صلاة الجمعة فيها وبعد الصلاة طلب شراء الكاتدرائية من ماله الشخصى ورفض دفعه من بيت مال المسلمين ..

اللطيف فى التهمة دى إنها بتقيس الأوضاع فى الزمان ده بما نراه فى زماننا الحالى .. النهاردة فعلاً محدش يقدر يرفض طلب لمديره فى الشغل مش لقائد منتصر فى معركة كبيرة زى دى .. أما فى زمان الفاتح كان ممكن جداً إن القساوسة يرفضوا البيع ومكانش حد هيتعرضلهم بأذى .. ليه ؟

* أولاً : دى مش أخلاقيات الإسلام اللى الفاتح وجيشه كانوا بيتمتعوا بيها ..

* ثانياً : لإن لا يجوز إن المسلمين تصلى فى مسجد بُنى أو أخذ بالغصب والإجبار وإلا فكيف تقبل صلاتهم فيه ..

* ثالثاً : لإن الفاتح نفسه هو اللى أعطى النصارى الأمان على دماءهم وممتلكاتهم وحرية عقيدتهم وكنائسهم وصلبانهم لا يمسهم سوء ولا يؤخذ منهم شيئاً دون رغبتهم ..

يبقى إزاى بعد ده كله هيقبل إنه يشترى الكاتدرائية بالعافية ؟ ويشتريها ليه أساساً وهو يقدر ياخدها بالعافية ؟

بأى منطق ؟

ـــــ

أخيراً .. أنا هنا ركزت على الوقائع التاريخية اللى أعرفها عن ( آيا صوفيا ) وقصدت الإبتعاد عن تاريخها الحديث وتحويلها لمتحف على إيد مصطفى كمال أتاتورك وإعادتها لكونها مسجد مرة تانية على إيد رجب طيب إردوجان عشان أحاول أحصر الموضوع فى الشق التاريخى بس .. كمان متطرقتش لأمثلة مغايرة حصلت لمساجد المسلمين فى الأندلس والهند وغيرهم لحصر الموضوع فى ( آيا صوفيا ) بس ..

لو أصبت فيما كتبت فهو من توفيق الله ولو أخطئت فهو من الشيطان ومنى ..

شكراً لحضراتكم ..

ـــــ