الحاجب المنصور .. ما له و ما عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الرابع :
ــــــــــــــــــــ
بعد ما انتهى ( الحاجب جعفر المصحفى ) و ( محمد بن أبى عامر ) من القضاء على الصقالبة الدولة كلها كانت فى إيديهم .. المصحفى بحكم منصبه وأقدميته فى القصر ووجود قرايبه فى مناصب مهمة وعلى راسهم إبنه اللى كان والى لقرطبة ومحمد بن أبى عامر بحكم المناصب اللى تولاها زى وكالة هشام اللى إتكلمنا عليها قبل كده بالإضافة لتوليه أمانة السكة ” وزارة المالية ” و رقابته لخطة المواريث وتنصيبه ناظر للحشم الخاص يعنى كان يعتبر مدير قصر الخلافة .. طبعاً مناصب المنصور دى مكانتش كلها مع بعض ولكنها جت بالتدريج وده يبينلك حجم الثقة اللى نالها من كل اللى حواليه من ساعة دخوله للقصر .. كل المناصب اللى فاتت دى كانت مناصب إدارية وكلها أثبت فيها المنصور كفاءة شهد بيها الجميع لكنه حب يضيف ليها منصب جديد ..
منصب قائد الجيش ..
ـــــ
قبل ما نقول اللى حصل لازم نتكلم عن طبيعة الوضع السياسى داخل الأندلس فى الوقت ده عشان الصورة تبقى أوضح .. بعد وفاة الحكم وإعدام ( المغيرة بن عبد الرحمن الناصر ) وإحجام باقى العائلة الأموية عن المطالبة بتولى الخلافة إنحصرت السلطة فى إيد 4 أشخاص بس :
1 – الحاجب المصحفى
2 – محمد بن أبى عامر
3 – صبح البشكنجية
4 – غالب بن عبد الرحمن الناصرى
الحاجب المصحفى و محمد بن أبى عامر إتكلمنا عليهم وعرفنا إزاى ساد الأمر ليهم .. صبح البشكنجية سلطتها كانت بتتلخص فى وصايتها على إبنها الخليفة الصغير وعشان كده همها الأول والأخير كان الحفاظ على ملكه بسبب غريزة الأمومة أولاً وثانياً لإنها من غيره هتبقى مجرد جارية ملهاش أى قيمة فى الدولة .. أما غالب الناصرى فده كان قائد عسكرى من عهد ( عبد الرحمن الناصر ) واستمر الوضع فى حياة إبنه ( الحكم المستنصر ) اللى أهداه سيفين دهب بعد إنتصاره فى أحد المعارك ولقبه بذى السيفين .. أبرز أبطال الأندلس وفارسها الأول إذا شئنا الدقة .. قائد عسكرى فذ وكمان كان والى على مدينة إسمها ( مدينة سالم – Medinaceli ) و دى كانت أبرز مدن الثغور ومكانها فى نص المسافة بين ( سرقسطة – Zaragoza ) و ( مجريط – Madrid )
ـــــ
العلاقة بين الأربع أطراف كان فيها تشابك كبير الحقيقة .. يعنى فيما يخص صبح البشكنجية فعلاقتها بمحمد بن أبى عامر كانت قوية جداً لإنه كان متعهد بتربية إبنها وكمان لإن معاملته معاها كانت كلها رقة وإهتمام وهدايا .. على حسب بعض الروايات فالعلاقة بين الطرفين وصلت لما يشبه الحب المتبادل وبعض الروايات زادت ووصلت الموضوع لعلاقة غرامية بينهم .. طبعاً مقدرش أجزم بصحة الكلام ده لعدم توفر الأدلة القطعية عليه ولكنه كلام إتقال وقتها بحكم قرب الطرفين من بعض .. هى كانت محتاجاه عشان يحافظ لإبنها على ملكه وهو كان محتاجلها لإنها كانت بتساعده فى تنفيذ كل اللى هو عاوزه فمصلحتهم كانت متبادلة ..
أما العلاقة بين الحاجب المصحفى وغالب الناصرى فكانت بتتسم بعدم المودة لإن غالب كان شايف نفسه أحق بمنصب الحجابة من جعفر المصحفى .. هو بطل وقائد أعلى لجيش الثغور وهو اللى بيجاهد بنفسه فى الحروب أما المصحفى فالظروف خدمته عشان يوصل للمنصب ده بعد وصول الحكم المستنصر لكرسى الخلافة لإنه كان المربى بتاعه وهو صغير .. غالب كمان كان معتد بنفسه جداً وكان شايف إنه أقرب للناس من المصحفى وإنه سخى اليد وكثير الإنفاق فى حين إن المصحفى كان بخيل ومبيصرفش على الجنود أو حتى المقربين منه .. يبقى مين الأحق بمنصب الحجابة .. ده على حسب تفكير غالب يعنى ..
كويس .. إيه علاقة اللى فات ده بوصول محمد بن أبى عامر لقيادة الجيش ؟
تعالوا نشوف ..
ـــــ
الممالك المسيحية فى الشمال كانوا متعودين ينكثوا بكل العهود اللى تم توقيعها مع الدولة الأموية بمجرد وفاة الخليفة فيبدأوا فى الإغارة على أراضى المملكة لظنهم إن الخليفة الجديد مش هيكون بنفس قوة اللى قبل منه .. مع تولى ( هشام ) الخلافة القشتاليين لقوها فرصة ذهبية لكده فاقتحموا أراضى المسلمين و قدروا يتوغلوا لحد ما قربوا يوصلوا لقرطبة نفسها .. مدينة ورا مدينة وحصن ورا حصن ومفيش أى جيش بيخرج لمواجهتهم .. وضع كان غريب الحقيقة لكن أسبابه معروفة ..
غالب ساب جيش القشتاليين يعدى بدون أى مواجهة وإتحجج إنه ميقدرش يسيب مدينة سالم ويخرج وإلا المدينة هتتهاجم من مملكة نافارا القريبة منها .. هدفه الأساسى من ده كان إحراج الحاجب المصحفى وإظهاره بمظهر الضعيف اللى ميقدرش يشيل مسئولية الدولة بعد وفاة الخليفة .. من ناحية تانية الحاجب المصحفى فعلاً كان جبان ومكانش له خبرة فى الحروب وزاد وغطى ضعف هشام بن الحكم الخليفة الصغير اللى يا عينى مكانش له فى أى حاجة .. الضعف ده إتأثر بيه كل قادة الدولة وبدأوا يرفضوا كلهم إنهم يخرجوا لمواجهة القشتاليين والوضع مع الوقت إزداد سوء لإن القشتاليين كانوا قربوا من أبواب قرطبة وكان لازم أى حد يتحرك لإنقاذ الوضع .. مبن بقى اللى هيتحرك فى وقت زى ده ؟
بالظبط .. هو مفيش غيره ..
محمد بن أبى عامر ..
ـــــ
المنصور لما شاف أكابر قرطبة خايفين وقف بينهم وطلب قيادة الجيش من الحاجب المصحفى فالراجل ما صدق ووافق على طول .. المنصور كان ذكى جداً يا جماعة .. هو كان فاهم وعارف إن الفلوس هى اللى بتحرك الدنيا .. عشان تكسب قلوب الناس لازم تأتلفهم بالفلوس والجنود مكانوش إستثناء .. عشان كده طلب من الحاجب المصحفى طلبين .. أولاً إن هو اللى يختار الجنود اللى هتخرج معاه وثانياً إن الدولة تخصصله 100 ألف دينار للغزوة دى وده كان رقم كبير وقتها ولكن المنصور كان عارف هو بيعمل إيه .. أول ما اللى قاعدين سمعوا الرقم إستغربوا وقام واحد منهم – قيل إنه إبن أخو الحاجب المصحفى – ورفض المبلغ ده فقام رد عليه المنصور وقاله :
( خذ ضعفها وامض وليحسن غناؤك )
يعنى خد إنت 200 ألف وإطلع مكانى وورينا شطارتك .. الراجل أول ما سمع الكلمتين دول جاب ورا ومفتحش بقه .. جهز المنصور جيشه وخرج فى فبراير سنة 977 ميلادياً – رجب 366 هجرياً وإتجه ناحية مملكة قشتالة وهزم جيشها وهو راجع عدى على مدينة ( شلمنقة – Salamanca ) و استولى على حصن إسمه حصن الحامة موجود قرب ( جبال جريدوس – Sierra de Gredos ) وبالمناسبة أعلى نقطة فى الجبال دى إسمها لحد دلوقت ( قمة المنصور – Pico Almanzor ) نسبة لمحمد بن أبى عامر .. 53 يوم من وقت خروجه من قرطبة لحد رجوعه إليها وهو محمل بالغنائم والسبى .. 53 يوم من الإنفاق السخى لكسب قلوب الجنود والقرب منهم .. إنتصار كبير خلى إسم المنصور فى السماء .. كان القائد الهمام الكريم فى عيون جنوده وكان البطل اللى شال هموم الدولة على كتافه فى نظر الشعب .. كان المساعد الأمين فى نظر الحاجب المصحفى وكان الأمان والحب فى نظر صبح البشكنجية .. كده يبقى فاضل مين ؟!
صح .. غالب بن عبد الرحمن الناصرى ..
ـــــ
فى الوقت ده صورة غالب الناصرى كانت إتهزت جداً .. هجمات ممالك الشمال رغم كثرتها إلا إن غالب متحركش لمواجهتها نهائياً .. هدفه كان إحراج المصحفى ومعملش حساب لنجاح واحد زى المنصور نهائياً .. وزى ما انتوا دلوقتى فهمتوا طبيعة المنصور .. كان راجل ثعلب بيحب إن كل الخيوط تتجمع فى إيده هو بس .. عشان كده كان لازم يكسب غالب فى صفه ..
دافع عن غالب عند الخليفة وعند والدته وقالهم إنه كان معذور فى عدم خروجه من مدينة سالم وطبعاً كلام المنصور كان مصدق عند الكل فى الوقت ده .. مش بس كده .. ده فضل وراهم لحد ما استصدر قرار ترقية لغالب الناصرى فبقى وزير للدولة بجانب قيادته لجيش الثغور وتم إسناد أمر الصوائف ( الغزوات الصيفية ) ليهم هما الإتنين .. جيش الثغور تحت قيادة غالب وجيش الحضرة ( قرطبة ) تحت قيادة المنصور .. بكده قدر المنصور إنه يضم غالب لقائمة حلفاؤه وبقت الدولة كلها تحت سيطرته ولكن بشكل غير مباشر ..
وهو ده اللى كان بيسعى ليه من البداية عشان ينفذ خطته ..
ـــــ
نجاح المنصور فى غزوته الأولى شجعه إن يستثمر ده فى غزوة تانية سريعة خرج فيها هو وغالب مع بعض .. والغزوات دى يا جماعة كانت تعتبر إستثمار مالى بخلاف مكاسبها العسكرية .. يعنى بخلاف إنك هتهزم عدوك وهتعرفه حدوده وهتخليه يفكر 1000 مرة قبل ما يفكر يغزو أراضيك فانت بتكسب من وراها مادياً لإن الغنائم والسبى بتبقى بمبالغ مهولة بتغطى أى نفقات إتصرفت على الغزوة ..
إتقابل الجيشين وخرجوا من مجريط اللى هى مدريد زى ما قلنا ومشيوا فى طريق ( وادى الحجارة – Guadalajara ) ودخلوا أراضى قشتالة واستولوا على حصن إسمه حصن مولة ونجحوا فى جمع غنائم مهولة .. جيش غالب الناصرى فى الغزوة دى كان هو الأقوى وهو اللى عن طريقه إتحقق النصر ولكن غالب حب يرد الجميل للمنصور فرجع على مدينة سالم ومرجعش قرطبة وساب المنصور ياخد السوكسيه كله وزيادة على كده بعت رسايل للخليفة عبر فيها عن شجاعة ( محمد بن أبى عامر ) اللى مكانش هيتحقق النصر إلا بوجوده .. طيب هل كل ده حصل لله فى لله بدون مقابل .. بالتأكيد لأ ..
الغزوة دى تحديداً عرفت غالب والمنصور إنهم بيشتركوا فى كراهية الحاجب المصحفى وإنهم بيعتبروه عدو مشترك والقضاء عليه واجب عشان الجو يخلى ليهم .. المنصور هيبقى الكل فى الكل فى قرطبة وغالب هيبقى الكل فى الكل فى الثغور وهياخد وضعه أكتر فى الدولة طالما مقاليد الأمور فى إيد المنصور .. علاقة منفعة متبادلة واضحة وصريحة .. قبل ما غالب يرجع على مدينة سالم قال للمنصور :
( سيظهر لك بهذا الفتح إسم عظيم وذكر جليل يشغلهم السرور به عن الخوض فيما تحدثه من قصة .. فإياك أن تخرج عن الدار حتى تعزل ابن جعفر عن المدينة وتتقلدها دونه )
غالب كان يقصد إن المنصور لازم يعزل ( محمد بن جعفر ) ابن الحاجب جعفر المصحفى عن ولايته لقرطبة .. لو نجحت فى ده يا منصور فده هيبقى أول مسمار فى نعش عدونا المشترك ..
طبعاً المنصور مكانش محتاج وصاية ..
هو كان بيخطط لده من قبل حتى ما غالب يفكر فيه ..
ـــــ
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى : https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور :https://itunes.apple.com/app/id1432249734
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ